بداية الوصول في شرح كفاية الأصول المجلد 4

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: آل شیخ راضی، محمد طاهر، 1904 - م.

عنوان العقد: کفایه الاصول .شرح

عنوان المؤلف واسمه: بداية الوصول في شرح كفاية الأصول/ تالیف محمد طاهر آل الشیخ راضی (قدس سره)؛ اشرف علي طبعه و تصحیحة محمد عبدالحکیم الموسوي البکاء.

تفاصيل النشر: تهران: دارالهدی، 14 ق. = 20م. = -13.

مواصفات المظهر: ج.

شابک : دوره 964-497-056-X : ؛ ج. 4 964-497-060-8 : ؛ ج.5، چاپ دوم 964-497-061-6 : ؛ ج. 7، چاپ دوم 964-497-063-2 : ؛ ج.8، چاپ دوم 964-497-064-0 :

يادداشت : الفهرسة على أساس المجلد الرابع، 1426ق. = 2005م. = 1384.

لسان : العربية.

ملحوظة : الكتاب الحالي هو وصف "کفایة الاصول" آخوند الخراساني يكون.

ملحوظة : چاپ دوم.

ملحوظة : ج.5، 7 و 8 (چاپ دوم: 1426ق. = 2005م.= 1384).

موضوع : آخوند خراسانی، محمدکاظم بن حسین، 1255 - 1329ق. . کفایه الاصول -- نقد و تفسیر

موضوع : اصول فقه شیعه

معرف المضافة: موسوی بکاء، محمدعبدالحکیم

معرف المضافة: آخوند خراسانی، محمدکاظم بن حسین، 1255 - 1329ق . کفایه الاصول. شرح

تصنيف الكونجرس: BP159/8/آ3ک 70212 1300ی الف

تصنيف ديوي: 297/312

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 2954810

تتمة المقصد الثالث فى المفاهيم

تكملة مفهوم الشرط

الجمع بين الشروط المتعددة بطرق مختلفة

و لعل العرف يساعد على الوجه الثاني، كما أن العقل ربما يعين هذا الوجه، بملاحظة أن الامور المتعددة بما هي مختلفة، لا يمكن أن يكون كل منها مؤثرا في واحد، فإنه لا بد من الربط الخاص بين العلة و المعلول، و لا يكاد يكون الواحد بما هو واحد مرتبطا بالاثنين بما هما اثنان، و لذلك أيضا لا يصدر من الواحد إلا الواحد، فلا بد من المصير إلى أن الشرط في الحقيقة واحد، و هو المشترك بين الشرطين (1) بعد البناء على

______________________________

(1) بعد ما عرفت انه على القول بالمفهوم يقع التنافي بين الشرطيتين فلا بد من رفعه بأحد الوجوه المذكورة، و انه في كل واحد منهما يلزم مخالفة الظهور، ففي الوجه الاول مخالفة لظهورين و مثله في الوجه الثاني، و في الوجه الثالث و الرابع مخالفة ظهور واحد فالقاعدة الاولى تقتضي تردد الترجيح بين الاخيرين، أما الأولان فينبغي ان يكونا مرجوحين، و لكن هناك ما يوجب ترجيح الثاني و الرابع دون الأول و الثالث، و لا يعتنى بكون الثاني فيه مخالفة لظهورين بعد ان كان العرف يساعد عليه، لأن العرف انما يلتزم بالمفهوم لكونه يرى الشرطية مسوقة للعلية المنحصرة.

اما امكان ان يكون للشي ء الواحد علتان فليس عند العرف مانع عن امكانه، فاذا ذكر للجزاء شرطان فالعرف يفهم من هذا انه لم يسق الكلام لبيان العلة المنحصرة و انما سيق لصرف العلية، و محض العلية من غير انحصار لا يقتضي المفهوم، فاذا كان العرف يرى ان ذلك قرينة على رفع اليد عن المفهوم فلا يلاحظ كونه فيه مخالفة لظهورين أو أكثر، فلذلك يترجح الوجه الثاني على ساير الوجوه عند العرف، و اما عند العقل فحيث انه بعد دلالة القضيتين على كون هذا الجزاء الواحد له شرطان و العقل يرى امتناع صدور الواحد من المتعدد لأنه لا يصدر الواحد الا عن واحد فالمؤثر في الشرطين لا بد ان يكون هو الجامع بينهما و هو واحد، فلذلك يرى ان الوجه الأخير هو أرجح الوجوه، هذا هو الملاك في رجحان الوجه الثاني و الرابع.

و اما مرجوحية الوجه الأول ففيه:

ص: 1

رفع اليد عن المفهوم، و بقاء إطلاق الشرط في كل منهما على حاله (1)، و إن كان بناء العرف و الاذهان العامية على تعدد الشرط و تأثير كل شرط

______________________________

اولا: ان لازمه كون الانحصار اضافيا و لا داعي للالتزام بالانحصار الاضافي، فانه يلزم من القول بالمفهوم المبني على العلية المنحصرة الحقيقية عدم العلية المنحصرة الحقيقية.

و ثانيا: ان الموجب لتخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر هو انه القدر المتيقن للأخذ بالمفهوم، و قد عرفت انه مخالف لظهورين و هناك ما فيه مخالفة لظهور واحد، و الاقتصار على القدر المتيقن انما يجب حيث يكون لا مناص عن الالتزام بالمفهوم لكل منهما، فينحصر رفع التنافي بين الشرطيتين بتخصيص المفهوم في كل منهما بمنطوق الآخر، و قد عرفت عدم ما يوجب الالتزام بأنه لا بد ان يكون لكل منهما مفهوم.

و اما مرجوحية الوجه الثالث فانه و ان كان فيه مخالفة لظهور واحد إلّا ان الالتزام بكون كل واحد منهما جزء المؤثر خلاف الظاهر جدا.

(1) مراده من رفع اليد عن المفهوم هو رفع اليد عن ظهور الشرطية في انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط بعنوانه الخاص، فانه بناء على الوجه الرابع المساعد عليه العقل لأجل انه لا يعقل أن يصدر الواحد من المتعدد لا بد ان لا ينتفي الجزاء بانتفاء الشرط بعنوانه الخاص، اذ ليس المؤثر هو عنوان الشرط الخاص بل المؤثر هو الجامع بين الشرطين، فلا مناص عن رفع اليد عن كون المؤثر هو العنوان الخاص و يكون المؤثر هو الجامع بينهما و هو الشرط الذي ينتفي الجزاء بانتفائه: أي انه هو العلة المنحصرة دون العنوان الخاص، فالدال على الشرطية و الانحصار باق على اطلاقه و أنه هو العلة المنحصرة المستلزمة للمفهوم لكنه هو الجامع دون العنوان الخاص، و الى هذا اشار بقوله: «و بقاء اطلاق الشرط في كل منهما على حاله» فان الحرف كلفظ (إن)

ص: 2

بعنوانه الخاص (1)، فافهم (2).

و اما رفع اليد عن المفهوم و في خصوص احد الشرطين و بقاء الآخر على مفهومه فلا وجه لان يصار اليه إلّا بدليل آخر. الّا أن يكون ما ابقي على المفهوم أظهر (3)، فتدبر جيدا.

______________________________

مثلا الدال على الشرطية باق على اطلاقه و لا تقييد للمفهوم المترتب عليه لأنه بانتفاء الجامع بين عنوان المقدم في الشرطيتين.

(1) قد عرفت ان العرف يساعد على الوجه الثاني و هو عدم المفهوم و ان الشرطية سيقت للثبوت عند الثبوت فقط دون الانتفاء عند الانتفاء، و على هذا يكون الشرط مؤثرا بعنوانه الخاص، غايته انه لا يلزم منه الانتفاء عند الانتفاء لانه منوط بالعلية المنحصرة، و حيث يكون الشرط متعددا فلا يكون العنوان الخاص علة منحصرة و الّا لم يتعدد الشرط.

(2) و لعله يشير الى انه بعد الاطلاع على محالية صدور الواحد من المتعدد فالالتزام بالوجه الأول و الثاني لا بد فيهما أيضا من الالتزام بالوجه الرابع، بخلاف الوجه الرابع فانه مع الالتزام به يستغنى عن الوجهين، فالوجه الرابع لا يستغنى عنه ابدا، بخلاف الوجهين الاولين فانه يستغنى عنهما مع الالتزام بالرابع.

نعم بناء على كون كل واحد منهما جزء سبب يستغنى عن الوجه الرابع، بل لا بد من عدم الالتزام به.

(3) هذا هو الوجه الخامس و حاصله:

ان القصر منوط بخفاء الأذان و لا يجب القصر اذا لم يخف الأذان، و مرجع هذا الى الأخذ بمفهوم إحدى الشرطيتين و إلغاء المفهوم في الاخرى، و بهذا يرتفع التنافي لان التنافي انما يكون حيث يؤخذ بمفهوم كلتا الشرطيتين اما اذا اخذ باحدهما و اسقطت الشرطية الأخرى من الدلالة على المفهوم يرتفع موضوعا، لكن رفع التنافي بهذا من قبيل الترجيح بلا مرجح أولا.

ص: 3

تداخل المسببات

الامر الثالث: إذا تعدد الشرط و اتحد الجزاء، فلا إشكال على الوجه الثالث، و أما على سائر الوجوه، فهل اللازم لزوم الاتيان بالجزاء متعددا، حسب تعدد الشروط؟ أو يتداخل، و يكتفى بإتيانه دفعة واحدة (1)؟ فيه أقوال: و المشهور عدم التداخل، و عن جماعة

______________________________

و ثانيا: مع امكان العمل بكل منهما كما مرّ في أغلب الوجوه المذكورة فلا وجه للعمل بمفهوم احداهما فقط.

و ثالثا: ان الأخذ بمفهوم احداهما فقط لا يرفع التنافي لمعارضة مفهوم المأخوذ بها لمنطوق الشرطية الاخرى، غاية الأمر ان هذه الشرطية التي لا مفهوم لها لا تعارض مفهوم الشرطية المأخوذ بها فان الشرطية التي اخذ بها صاحب السرائر هي خفاء الأذان، فتدل على عدم وجوب القصر اذا لم يخف الأذان مطلقا، و يعارض هذا الاطلاق ما اذا خفيت الجدران و لم يخف الأذان، و لذلك قد ضرب عليه في النسخ المصححة فان كلام المصنف فيها ينتهي بقوله فافهم.

ثم لا يخفى انه اذا كان احداهما اظهر من الأخرى فان لازم الأظهرية الغاء الشرطية الثانية من رأس، و الّا فمتى عمل بمنطوق الشرطية الثانية يحصل التعارض بينهما، فقوله (قدس سره): «إلّا ان يكون ما ابقى على المفهوم أظهر» لا بد و ان يرجع الى ما ذكرنا من الغاء إحدى الشرطيتين و الأخذ بالأظهر منهما.

(1) هذا الأمر الثالث يتحد موضوعا و محمولا مع الأمر الثاني كما هو واضح، فانه فيهما عنوان المسألة واحد و هو ما اذا تعدد الشرط و اتحد الجزاء، و الاختلاف بينهما هو ان الكلام في الأمر الثاني في تعدد الشرط و اتحاد الجزاء من جهة التنافي في المفهوم، فالكلام فيه مبنى على القول بالمفهوم.

و الكلام في الأمر الثالث من جهة انه هل يلزم الاتيان بهذا الجزاء متعددا فلا يتداخل تأثير الشرط و يكون لكل شرط فرد من هذه الحقيقة الواحدة الواقعة

ص: 4

.....

______________________________

جزاء للشرط المتعدد، او انه لا يلزم الاتيان به متعددا و يكفي الاتيان بالجزاء مرة واحدة و ان تعددت الشروط؟

فتبين مما ذكرنا ان الكلام في هذا الأمر ليس مبنيا على القول بالمفهوم، فانه حتى لو قلنا بعدم المفهوم كما هو الوجه الثاني الذي سبق بيانه في الأمر الثاني فان الكلام من ناحية لزوم تعدد الاتيان بالجزاء و عدم لزوم تعدد الاتيان به أيضا موجود، فوجهة الكلام في تعدد الشرط و اتحاد الجزاء من ناحيتين: من ناحية التنافي على القول بالمفهوم قد بحث عنه في الأمر الثاني، و من ناحية تعدد الاتيان بالجزاء و عدمه فالبحث عنه في هذا الأمر.

ثم لا يخفى انه قد مر ان الوجوه الأربعة التي مرت في الأمر الثاني، ثالثها:

هو حمل الشروط المتعددة على كون كل واحد منها جزء العلة، و العلة التامة هي مجموع الشروط، و على هذا لا مجال لهذا البحث، لانه مبني على ان يكون كل واحد منهما مؤثرا مستقلا في حصول الجزاء لا جزء العلة، فانه لو كان العلة مجموع الشروط فلا مجال الا لوحدة وجود الجزاء، و لا وجه لأن يقال بتعدد الجزاء او بتداخل الشروط في مقام التأثير، فانه إنما يعقل القول بالتعدد او بالتداخل حيث يكون للشروط الاستقلال في التأثير، فعلى القول بالتعدد يتعدد وجود الجزاء و على القول بعدم التعدد لمانع عنه يتداخل التأثير على ما سيأتي بيانه.

نعم على الوجوه الثلاثة الأخر و هي الوجه الأول و الثاني و الرابع يتأتى البحث في هذا الأمر، لأنه بناء عليها لكل شرط تأثير مستقل، و حينئذ يمكن ان يقال بالتعدد و يمكن ان يقال بالتداخل، لوضوح ان مبنى الوجه الأول على المفهوم لكل شرط، و من الواضح ان معناه ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط و انتفاء الجزاء عند انتفائه، و لازم ذلك التأثير الاستقلالي و إلّا لما حصل الثبوت عند الثبوت، فانه لو كان جزء علة لكان الثبوت منوطا بمجموع الشروط لا بواحد منها، و مبنى الوجه الثاني على

ص: 5

منهم- المحقق الخوانساري- التداخل، و عن الحلي التفصيل بين اتحاد جنس الشروط و تعدده (1).

______________________________

الالتزام بثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط، و ان كان لا دلالة له على الانتفاء عند الانتفاء إلّا ان لازم الثبوت عند الثبوت هو التأثير مستقلا.

و اما على الوجه الرابع فهو و ان كان المبنى فيه أن المؤثر ليس هو الشرط بعنوانه بل الجامع و لكن حيث انه لا بد من ثبوت الجزاء بثبوت الشرط و لو لا ان المؤثر هو الجامع المنطبق عليه فلازمه التأثير مستقلا و ان كان المؤثر هو الجامع.

فاتضح انه على الوجوه الثلاثة يتأتى في البحث المعقود له هذا الأمر الثالث، و كذا على الوجه الخامس المضروب عليه في النسخ المصححة فانه اسقط العمل بالمفهومين و اقتصر على الاخذ بمفهوم احداهما، و اما المنطوق في كل منهما فمفروضه الاخذ به و مع الاخذ بالمنطوقين يتأتى البحث لما عرفت من انه مرتبط بالمنطوق.

و قد أشار الى ذلك بقوله: «اذا تعدد الشرط و اتحد الجزاء فلا اشكال على الوجه الثالث» لعدم امكان التأثير فيه مستقلا لكل واحد من الشروط فلا مجال للقول بالتعدد و لا بالتداخل.

«و اما على سائر الوجوه» و هي الأربعة التي ذكرناها حيث انها مبنيّة على امكان الاستقلال في التأثير «فهل اللازم لزوم الاتيان بالجزاء متعددا حسب تعدد الشروط او يتداخل و يكتفي باتيانه دفعة واحدة».

و سيأتي من المصنف في آخر هذا الامر انه ايضا لا يتأتى لهذا البحث الّا فيما امكن تعدد الجزاء، و اما اذا كان غير قابل للتعدد كما في قوله: اذا ارتد يجب قتله، و اذا قتل عمدا يجب قتله، فارتد و قتل لا يتأتى فيه هذا البحث لعدم امكان أن يقتل مرتين.

(1) المتحصل مما يأتي من كلام المصنف ان الأقوال أربعة:

ص: 6

و التحقيق: إنه لما كان ظاهر الجملة الشرطية، حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه، أو بكشفه عن سببه، و كان قضيته تعدد الجزاء

______________________________

القول بعدم التداخل، فاذا تعدد وجود الشرط سواء كان الشرط حقيقة واحدة و تعدد وجوده بتعدد وجود أفراده كما في قوله: اذا بلت فتوضأ فتعدد وجود البول، او كان حقايق متعددة كما في قوله اذا بلت فتوضأ، و اذا نمت فتوضأ، فوجود البول و النوم فانه لا بد من تعدد ايجاد الجزاء فيجب ايجاد الوضوء مرتين اذا تعدد البول مرتين، او اذا حصل البول و النوم، و هذا هو المنسوب الى المشهور.

و القول الثاني: التداخل مطلقا سواء تعدد الشرط من حقايق متعددة او من حقيقة واحدة فيجب اتيان الجزاء مرة واحدة سواء وجد البول مرتين او وجد البول و النوم، و هذا القول الثاني و هو التداخل حيث انه يمكن ان يكون اتيان الجزاء مرة واحدة لتداخل الشروط في مقام التأثير اذا تقارنا او بأن يؤثر الأول اذا سبق، و هو التداخل السببي، او لتداخل المسبب بأن يؤثر كل من الشرطين إلّا ان الاثرين الحاصلين يسقطان باتيان وجود واحد يجمع كلا الأثرين، و هذا هو التداخل المسببي غير التأكدي، أو بأن يؤثر الشرط السابق في وجود الحكم و الثاني في تأكده و هو التداخل المسببي التأكدي، فالقول بالتداخل يرجع الى قولين التداخل السببي و التداخل المسببي.

و القول الرابع: التفصيل بين تعدد الشرط بتعدد أفراد الجنس الواحد كما في حصول البول مرتين فيلزم التداخل و اتيان الجزاء مرة واحدة حينئذ و ان حصل البول مرتين، و بين تعدد الشرط من جنسين كما لو حصل البول و النوم فلا تداخل، و لا بد من اتيان الجزاء مرتين.

و قد أشار الى هذه الأقوال بقوله: «و المشهور ... الى آخر الجملة».

إلّا انه لم يذكر هنا ان القول بالتداخل على نحوين التداخل السببي و المسببي، لكنه لازم كلامه الآتي كما سيأتي الإشارة اليه.

ص: 7

عند تعدد الشرط، كان الاخذ بظاهرها إذا تعدد الشرط حقيقة أو وجودا محالا، ضرورة أن لازمه أن يكون الحقيقة الواحدة- مثل الوضوء- بما هي واحدة، في مثل إذا بلت فتوضأ، و إذا نمت فتوضأ، أو فيما إذا بال مكررا، أو نام كذلك، محكوما بحكمين متماثلين، و هو واضح الاستحالة كالمتضادين (1). فلا بد على القول بالتداخل من التصرف فيه:

______________________________

(1) حاصل هذا التحقيق هو بيان السبب الذي ينبغي ان يكون داعيا الى القول بالتداخل بمسلكيه و توضيحه: ان الجملة الجزائية الواحدة كقوله فتوضأ، عبارة عن الوجوب المستفاد من الهيئة و الطبيعة الكلية الواحدة، و هي طبيعة الوضوء بما هي طبيعة واحدة كلية المستفادة من المادة الواقعة متعلقا لهذا الوجوب، فظاهر الجملة انه اذا وجد البول يحدث الوجوب المتعلق بطبيعة الوضوء الكلية، فاذا تكرر وجود البول فينبغي مع وجود كل بول وجوب متعلق بهذه الطبيعة الكلية الواحدة بما هي واحد و كذلك اذا وجد البول و النوم فانه ينبغي ان يحدث مع الأول وجوب متعلق بهذه الطبيعة الواحدة، و ان يحدث أيضا وجوب آخر متعلق بهذه الطبيعة الكلية الواحدة بما هي واحدة عند حدوث الثاني و هو النوم مثلا، و لازم هذا انه اذا تكرر وجود البول او وجد البول و النوم ان يتعلق وجوبان بهذه الطبيعة الواحدة بما هي واحدة، و من الواضح انه مع وحدة المتعلق لا يعقل ان يجتمع عليه حكمان سواء كان الحكمان مثلين كالوجوبين، أو ضدين كالوجوب و الحرمة، و كما انه لا يعقل أن يجتمع في الحقيقة الواحدة كطبيعة الوضوء الكلية الواحدة الوجوب و الحرمة فتكون طبيعة الوضوء بما هي طبيعة الوضوء واجبة و محرمة، كذلك لا يمكن ان تكون هذه الطبيعة الواحدة واجبة بوجوبين، فان اجتماع المثلين كاجتماع الضدين.

و قد ظهر مما ذكرنا: ان هذا انما ينشأ حيث يكون المتعلق هو الطبيعة الواحدة بما هي واحدة، الذي هو الظاهر من الجملة الجزائية.

ص: 8

التصرف في الشرط بناء على التداخل بوجوه

إما بالالتزام بعدم دلالتها في هذا الحال على الحدوث عند الحدوث، بل على مجرد الثبوت (1)، أو الالتزام بكون متعلق الجزاء و إن كان واحدا

______________________________

اما لو قامت قرينة على كون المتعلق ليس هو الطبيعة الواحدة بما هي واحدة، بل فرد من افرادها، فلا يلزم هذا المحال و هو اجتماع المثلين، كما انه لا يلزم اجتماع الضدين أيضا لو كان أحد افراد الوضوء واجبا و الآخر محرما. و سيأتي منه (قدس سره) ان هناك قرينة على ان المتعلق هو الفرد من هذه الطبيعة لا الطبيعة الواحدة بما هي واحدة، و لهذا ذهب المشهور الى التعدد.

و على كل فسبب القول بالتداخل هو ظهور الجملة الشرطية في كون المتعلق هو الطبيعة الواحدة بما هي واحدة.

قوله (قدس سره): «في مثل اذا بلت ... الخ» هذا مثال لتعدد الشرط حقيقة، فان حقيقة البول غير حقيقة النوم.

قوله (قدس سره): «او فيما اذا بال مكررا» هذا مثال لتعدد الشرط وجودا لا حقيقة، فانه اذا بال مكررا فقد تعدد وجود الحقيقة الواحدة، و أما حقيقة البول بما هي حقيقة واحدة فلم تتعدد.

(1) قد عرفت ان القول بالتداخل سببي و مسببي، و قد أشار بالالتزام الأول الى التداخل السببي و بالالتزام الثاني الى التداخل المسببي غير التأكدي، و بالالتزام الثالث الى التداخل المسببي التأكدي، كما سيأتي توضيح ذلك.

و لا يخفى ان ظهورات القضية الشرطية و هي أربعة: الأول ان ظاهر الشرطية حدوث الجزاء بحدوث الشرط، بمعنى ان وجوب الوضوء المعلق على البول يحدث بحدوث البول، و من الواضح ان الحدوث هو الوجود بعد العدم، فاذا وجد البول ثانيا أو وجد النوم بعد البول و كان وجوب الوضوء متحققا بالأول، فانه لا يصدق الحدوث عند الحدوث بالنسبة الى الثاني، و لكنه يصدق ان الجزاء ثابت حال ثبوت الشرط الثاني و ان كان حدوثه كان بالشرط الأول، و على كل فالثبوت عند الثبوت

ص: 9

صورة، إلا أنه حقائق متعددة حسب تعدد الشرط، متصادقة على واحد، فالذمة و إن اشتغلت بتكاليف متعددة، حسب تعدد الشروط، إلا أن الاجتزاء بواحد لكونه مجمعا لها، كما في أكرم هاشميا و أضف عالما، فأكرم العالم الهاشمي بالضيافة، ضرورة أنه بضيافته بداعي الامرين، يصدق أنه امتثلهما، و لا محالة يسقط الامر بامتثاله و موافقته، و إن كان له امتثال كل منهما على حدة، كما إذا أكرم الهاشمي بغير

______________________________

أعم من الحدوث عند الحدوث الذي لازمه التأثير الاستقلالي أو الاشتراك في التأثير فيما اذا تقارن وجود الشرطين، و من كون الجزاء ثابتا عند ثبوت الشرط و ان كان التأثير للشرط الأول، فاذا رفعنا اليد عن هذا الظهور و التزمنا بالثبوت عند الثبوت يرتفع الاشكال من ناحية اجتماع الحكمين و يحصل التداخل السببي، فان السببين- أي الشرطين- ان تقارنا أثرا أثرا واحدا و هو الوجوب الواحد المتعلق بطبيعة الوضوء الواحدة و ان سبق احدهما كان التأثير له و لا تأثير للثاني.

و قد عرفت مما ذكرنا ان المراد من التداخل هو كون الواجب اتيان الوضوء مرة واحد، في قبال قول المشهور القائلين بأنه ينبغي ان يتعدد اثبات الوضوء كلما تعدد الشرط حقيقة أو وجودا، فالتعدد حقيقة كما في البول و النوم، و التعدد وجودا كما فيما اذا تعدد البول و الى هذا اشار بقوله: «فلا بد على القول بالتداخل من التصرف فيه اما بالالتزام بعدم دلالتها» أي بعدم دلالة القضية الشرطية «في هذا الحال» أي في حال تكرر الشرط اما حقيقة او وجودا «على الحدوث عند الحدوث بل على مجرد الثبوت» أي على مجرد كون الجزاء ثابتا حال ثبوت الشرط الذي عرفت انه أعم.

ص: 10

الضيافة، و أضاف العالم غير الهاشمي (1).

______________________________

(1) هذا الالتزام مرجعه الى التداخل المسببي غير التأكدي، و لازمه أيضا رفع اليد عن الظهور الثاني في القضية الشرطية، فان ظاهر القضية الشرطية كون الوجوب الحادث بحدوث الشرط متعلقا بعنوان الوضوء و حقيقته، لا ان متعلق الوجوب حقيقة أخرى غير حقيقة الوضوء، و الوضوء مجمع للحقائق المتعددة بتعدد الشرط، فاذا رفعنا اليد عن هذا الظهور و قلنا ان الوضوء مجمع لحقائق أخرى كل واحدة منها هي الجزاء الحادث بحدوث الشرط و بوجود حقيقة الوضوء تحصل الحقائق المتعددة، و حال حقيقة الوضوء في كونها مجمعا و محصلا لها حال إضافة العالم الهاشمي الذي به يحصل امتثال أمرين قد تعلق احدهما بإكرام العالم و الثاني بإضافة الهاشمي، فانه لا شبهة في انه باكرام العالم الهاشمي يحصل امتثال كلا الأمرين لتصادقهما عليه، فانه باضافته يصدق اكرام العالم و يصدق اضافة الهاشمي.

و لا يخفى انه في هذا المثال قد تعدد متعلق الوجوب لانه بين هذين الكليين عموم و خصوص من وجه، لصدق اكرام العالم وحده باكرام العالم غير الهاشمي، و صدق إضافة الهاشمي وحده بإضافة الهاشمي غير العالم، و يتصادقان في اضافة العالم الهاشمي لكونه مجمعا لامتثال هذين الأمرين و حصول الغرضين معا به، لوضوح انه به يحصل الغرض المترتب على اكرام العالم، لان المفروض انه عالم و يحصل الغرض المترتب على اضافة الهاشمي لان المفروض انه هاشمي أيضا، فيتأتى من المكلف قصد امتثال الأمرين بإضافة العالم الهاشمي، و كل ما تأتى به قصد امتثال الأمر فلا بد و ان يكون مسقطا لذلك الأمر، و الّا لم يكن مما قد تأتى به قصد امتثاله و هو خلف، و لا ريب ان الكليين العامين من وجه المتعلق فيهما متعدد، و يدل عليه امكان امتثال كل واحد منهما على حدة، و قد اشار الى كون اضافة العالم الهاشمي مسقطا لكلا الأمرين بقوله: «ضرورة انه بضيافته بداعي الأمرين يصدق انه امتثلهما»، و أشار الى انه ما يتأتى به قصد امتثال الأمر لا بد و ان يكون

ص: 11

إن قلت: كيف يمكن ذلك- أي الامتثال بما تصادق عليه العنوانان- مع استلزامه محذور اجتماع الحكمين المتماثلين فيه (1)؟

______________________________

مسقطا للأمر بقوله: «و لا محاله يسقط الأمر بامتثاله و موافقته» و أشار الى ان العامين من وجه يتعدد المتعلق فيهما بقوله: «و ان كان له امتثال كل منهما على حدة» و قد ظهر ان المثال المذكور هو من التداخل المسببي غير التأكدي، لأن الوجوب في كل واحد غير الوجوب في الآخر، فهو متعدد و لكنه مع ذلك يحصل امتثالهما بإتيان شي ء واحد، فالوضوء الذي حاله كحال هذا المثال في كونه مجمعا للحقائق التي لكل واحدة منها وجوب غير وجوب الاخرى، و لم يرد في مقام التعلق الوجوب على الوجوب حتى يكون مجالا للتأكد كما سيأتي بيانه في الالتزام الثالث، نعم هو من التداخل لما عرفت من ان المراد منه انه لا يجب اتيان الوضوء متعددا بل يكفى اتيانه مرة واحدة.

(1) حاصل ان قلت ان المثال المذكور و هو اكرم عالما و أضف هاشميا من العامين من وجه، و العامان من وجه لهما مورد افتراق و مورد اجتماع، و في مورد الافتراق و ان كان لا يلزم اجتماع الحكمين و لكن في مورد الاجتماع يلزم اجتماع الحكمين، فهذا المثال الذي كان هو المقيس عليه في هذا الالتزام لتعدد الشرط و اتحاد الجزاء لرفع محذور اجتماع الحكمين هو نفسه يلزم منه في مورد التصادق اجتماع الحكمين، و اذا اجتمع الحكمان في مورد فلا مناص عن تزاحمهما، و اذا تزاحما لا يعقل ان يكونا فعليين في مورد التصادق، و اذا لم يكونا فعليين فلا يمكن ان يقصد بمورد التصادق امتثالهما، لان قصد الامتثال انما يكون للحكم الفعلي، و قد عرفت عدم فعلية الحكمين في مورد الاجتماع، و الى هذا أشار بقوله: «كيف يمكن ذلك أي الامتثال بما تصادق عليه العنوانان مع استلزامه محذور اجتماع الحكمين المتماثلين فيه» أي في مورد التصادق.

ص: 12

قلت: انطباق عنوانين واجبين على واحد لا يستلزم اتصافه بوجوبين، بل غايته أن انطباقهما عليه يكون منشأ لاتصافه بالوجوب و انتزاع صفته له (1)، مع أنه- على القول بجواز الاجتماع- لا محذور في اتصافه بهما (2)، بخلاف ما إذا كان بعنوان واحد (3)،

______________________________

(1) حاصله: ان انطباق العنوانين على واحد لا يقلب العنوان المنطبق عليه اليهما، نعم غايته انه يكون العنوان المنطبق عليه العنوانان له وجوب بالعرض و لا يكون واجبا بالذات حتى يتزاحم العنوانان فيه، و هذا مراده من قوله: «بل غايته ان انطباقهما عليه يكون منشأ لاتصافه بالوجوب و انتزاع صفته له» و في قوله انتزاع صفته له اشارة الى ما ذكرنا من انه يكون واجبا بالعرض لا بالذات، و إلّا فكيف يعقل ان يتولد من الوجوبين المجتمعين وجوب ذاتي، نعم يعقل ان يوجب الاجتماع تأكد الوجوب و لكنه ليس البناء في هذا الالتزام عليه و انما هو مبنى الالتزام الثالث.

(2) حاصله: ان ما ذكرنا من الالتزام بالوجوب العرضي للمنطبق عليه العنوانان انما هو على القول بعدم جواز الاجتماع.

و اما على القول بجواز الاجتماع فلا داعي للالتزام بالوجوب العرضي، بل عليه لا مانع من كون المورد للتصادق مجمعا للوجوبين الذاتيين لعدم سراية احدهما الى الآخر، بعد ان كان لكل منهما عنوان غير العنوان الآخر.

(3) حاصله: ان مقام تعدد الشرط و اتحاد الجزاء ظاهر القضية الشرطية فيه كما عرفت كون عنوان الجزاء الواحد بما هو واحد قد اجتمع فيه الوجوبان بواسطة تعدد الشرط، فهو من اجتماع الحكمين في واحد بعنوان واحد، و هو مما لا ريب في محاليته، و لذا كان الالتزام بأن هذا الجزاء الواحد و ان كان ظاهر القضية الشرطية كونه هو متعلق الوجوب، إلّا انه برفع اليد عن هذا الظاهر و جعل المتعلق حقايق متعددة يرتفع الاشكال، و يكون هذا الجزاء الواحد مجمعا للعنوانين الواجبين لا انه هو بنفسه متعلقا للوجوبين.

ص: 13

فافهم (1).

______________________________

(1) لا يخفى انه يحتمل ان يكون اشارة الى كون المثال المذكور مقيسا عليه انما هو بناء على انه خارج عن عنوان مسألة تعدد الشرط و اتحاد الجزاء، و قد صرح بعضهم بكون العنوانين الكليين العامين من وجه مورد التصادق فيهما داخل في عنوان تعدد الشرط و اتحاد الجزاء لتحقق الملاك فيه لأن المجمع هو واحد، و انطباق الكليين الواجبين عليه كالشرطين الموجبين لحدوث الوجوبين على الجزاء الواحد، فان كل واحد من الكليين سبب لوجوب يتعلق بالمجمع لكونه فردا للعنوان المنطبق عليه، فيكون المجمع بما هو واحد قد تعدد فيه السبب الموجب كل واحد منه لوجوب فيجتمع الحكمان في واحد.

فما ذكر مقيسا عليه هو بنفسه محل الاشكال كتعدد الشرط و اتحاد الجزاء و هما متحدان ملاكا.

و يحتمل ان يكون إشارة الى ان ما ذكره من كون المجمع للعنوانين لا يوجب اجتماع الوجوبين بل يكون واجبا بالعرض، هو مناف لما مر منه في مسألة اجتماع الأمر و النهي من ان تعدد العنوان لا يقتضي تعدد المعنون، بل العنوان كمرآة للمعنون و متعلق الوجوب في الحقيقة هو المعنون، فيلزم اجتماع الوجوبين و يعود الاشكال المزبور من اجتماع الحكمين.

و يحتمل ان يكون اشارة الى ان المثال المذكور و ان كان مجمعا للوجوبين و يتزاحم الوجوبان فيه و لا يكونان فعليين لتزاحمهما، إلّا انه حيث ان المجمع محتمل للغرضين اذ لا يعقل انطباق كلي على شي ء ما لم يكن فيه عنوانه، و لا بد مع تحقق العنوان من تحقق الغرض الداعي الى تعلق الوجوب بالعنوان، و اذا كان المجمع محتملا لكلا الغرضين فبإتيانه لا بد من سقوط الوجوبين لتحقق الغرض الداعي للوجوب سواء كانا توصليين او تعبديين، و سقوطهما اذا كانا توصليين بحصول الغرض واضح.

و اما لو كانا تعبدين فانه قد مر منه (قدس سره) انه يمكن قصد التعبدية بقصد محبوبيته

ص: 14

أو الالتزام بحدوث الاثر عند وجود كل شرط، إلا أنه وجوب الوضوء في المثال عند الشرط الاول، و تأكد وجوبه عند الآخر (1).

______________________________

و ملاكه، بل يمكن أيضا اتيانه بقصد امتثال الأمر لانه مساو لسائر أفراده في كل شي ء عدا عدم امكان فعلية الأمر فيه لمانع هو التزاحم، لا وجود مفسدة مانعة عن تأتي قصد القربة فيه.

و يمكن ان يكون اشارة الى ان تعدد العنوانين غير العنوان الواحد و ان كان مجمعا لحقائق متعددة، لوضوح كون الامر متعلقا بهذا العنوان الواحد سواء كان له حقيقة واحدة او حقايق متعددة و اللّه العالم.

(1) هذا التداخل المسببي التأكدي و هو برفع اليد عن الظهور الثالث، فان الظاهر من ترتب الجزاء على الشرط ترتب وجود الجزاء لا تأكد الموجود.

و بعبارة اخرى: إن ظاهر قوله اذا بلت فتوضأ ان الذي يحدث بحدوث البول هو أصل وجوب الوضوء لا تأكد وجوب الوضوء الذي قد حصل سابقا بغير هذا البول الحادث فعلا، سواء كان الشرط الحادث سابقا نوما او بولا غير هذا البول الحادث فعلا، فاذا رفعنا اليد عن هذا الظهور و قلنا اذا سبق شرط فالحاصل به هو أصل الوجوب، و الحاصل بالشرط اللاحق هو تأكد ذلك الوجوب فيكون وجوبا واحدا مؤكدا، و اذا اقترنا يحصل منهما أيضا وجوب واحد مؤكد.

فيفترق هذا التداخل عن التداخل السببي بأنه للشرط على هذا أثر قطعا فيما اذا سبق الشرط شرطا آخر، فان أثر الشرط اللاحق هو التأكد، بخلاف التداخل السببي فان الشرط اللاحق لا أثر له بعد سبقه بالشرط الأول. و اذا اقترنا فالحاصل بهما وجوب واحد، و لم يظهر من المصنف تأكد ذلك الوجوب الحاصل باقترانهما.

و يفترق هذا التداخل عن التداخل المسببي غير التأكدي هو ان الأثر للشرط اللاحق هو التأكد على هذا. و اما التداخل المسببي غير التأكدي فان لكل شرط وجوبا غير وجوب الآخر سواء سبق أحدهما و لحق الآخر أو اقترنا، فمتعلق

ص: 15

و لا يخفى أنه لا وجه لان يصار إلى واحد منها، فإنه رفع اليد عن الظاهر بلا وجه، مع ما في الاخيرين من الاحتياج إلى إثبات أن متعلق الجزاء متعدد متصادق على واحد، و إن كان صورة واحدا مسمى باسم واحد، كالغسل، و إلى إثبات أن الحادث بغير الشرط الاول تأكّد ما حدث بالاول، و مجرد الاحتمال لا يجدي، ما لم يكن في البين ما يثبته (1).

______________________________

الوجوب لكل واحد حقيقة غير الحقيقة المتعلق بها الوجوب الحاصل بالشرط الآخر، غاية الأمر انه يحصل امتثالهما بإتيان الوضوء مرة واحدة، و على هذا فالوضوء ليس هو متعلق الوجوب لواحد من الشروط و انما به يحصل الامتثال لوجوبهما، بخلاف هذا التداخل فان الوجوب فيه متعلقه الوضوء، غايته انه تارة يكون وجوب الوضوء و أخرى تأكد هذا الوجوب.

(1) حاصله ايرادان: الأول، إيراد على هذه الوجوه الثلاثة، و الثاني ايراد يختص بالوجهين الاخيرين.

و حاصل الأول: انه لا وجه لرفع اليد عن الظهور الّا بقرينة تدل على رفع اليد عنه لان الظهور حجة متبعة لا يرفع اليد عنها بحجة أخرى، فان قامت القرينة كان رفع يد عن حجة بحجة، و إلّا كان رفع يد عن حجة بغير حجة. و لذا قال (قدس سره): «انه لا وجه لان يصار الى واحد منها فانه رفع اليد عن الظاهر بلا وجه» و من الواضح ان في كل هذه الوجوه الثلاثة رفعا عن ظهور من غير قرينة قامت عليه.

و الايراد الثاني: المختص بالاخيرين أي الثاني و الثالث فهو انه على الوجه الثاني الوجوب الحاصل بالشرط لم يتعلق بالوضوء، و ان متعلقه حقائق مجهولة يحصل امتثالها بإتيان الوضوء أو الغسل، لأن تلك الحقائق تتصادق عليه، و لازم هذا ان يكون الوضوء أو الغسل هو في الصورة حقيقة واحدة لها وجود واحد و لها اسم واحد و لكنها في الخارج حقايق و وجودات متعددة، و لا يدرك احد ان الوضوء او

ص: 16

.....

______________________________

الغسل هو حقايق و وجودات متعددة، بخلاف اضافة العالم الهاشمي فانها؟ إكرام للعالم و اضافة للهاشمي، و حيث لا يدرك احد ان الوضوء او الغسل كذلك فلا بد لمدعي ذلك من اثبات ان الوضوء أو الغسل هو وجودات و حقائق متعددة، فهو مضافا الى كون الالتزام بالحقايق المتعددة رفعا عن ظهور الشرطية في كون الوضوء بعنوانه متعلق الوجوب انه لا بد لمدعي ذلك من اثبات ان هذه الحقيقة الواحدة هي حقائق متعددة، و الى هذا اشار بقوله: «من الاحتياج الى اثبات ان متعلق الجزاء ... الى آخر الجملة».

و لا يخفى ان هذا مما يتعلق بالأول من الاخيرين و هو الوجه الثاني المتقدم.

و أما الوجه الثالث و هو الثاني من الاخيرين فقد عرفت انه التزام بتأكد الوجوب فيما اذا اقترنا أو تلاحقا، فمضافا الى انه خلاف ظاهر الشرطية في كون الحاصل بالشرط اللاحق او المقارن ليس هو أصل الوجوب بل تأكده، ان اللازم من التأكد هو كون وجوب الوضوء او الغسل بعد تحقق كلا الشرطين يكون وجوبا شديدا ليس هو كالوجوب الحاصل بأحدهما فقط، فعلى مدعى هذا الوجه ان يثبت مضافا الى كون الحاصل بالشرط الثاني ليس هو أصل الوجوب ان الوجوب الثابت بعد الشرط الثاني هو وجوب أكيد شديد، و هذا مما يحتاج الى اثبات أيضا و لا يكفي فيه الاحتمال، و الى هذا اشار بقوله: «و الى اثبات ان الحادث بغير الشرط الأول تأكد ما حدث بالأول و مجرد الاحتمال لا يجدي».

ص: 17

إن قلت: وجه ذلك هو لزوم التصرف في ظهور الجملة الشرطية، لعدم امكان الاخذ بظهورها، حيث أن قضيّته اجتماع الحكمين في الوضوء في المثال، كما مرت الاشارة إليه (1).

قلت: نعم، إذا لم يكن المراد بالجملة فيما إذا تعدد الشرط كما في المثال هو وجوب وضوء مثلا بكل شرط غير ما وجب بالآخر، و لا ضير في كون فرد محكوما بحكم فرد آخر أصلا، كما لا يخفى (2).

______________________________

(1) حاصل ان قلت: انه لا بد من ارتكاب مخالفة ظهور للجملة الشرطية، لان المحافظة على جميع ظهورات الشرطية غير معقول، فان لازمه كون الحقيقة الواحدة بما هي واحدة قد اجتمع فيها حكمان فعليان و هو من اجتماع المثلين و لا ريب في محاليته. و لا يخفى ان هذا يرجع الى الايراد الشامل للوجوه الثلاثة و هو قوله (قدس سره): «و لا يخفى انه لا وجه لان يصار ... الى آخر الجملة».

(2) و حاصل الجواب انه انما يجب ان يرتكب خلاف الظهور حيث ينحصر التخلص عن الاشكال به، و هنا غير منحصر رفع الاشكال باحد الوجوه الثلاثة المذكورة، لان الاشكال منوط بكون متعلق الوجوب هو حقيقة الوضوء او الغسل الكلية بما هي كلية و واحدة.

اما اذا كان متعلق الوجوب هو فرد من أفراد هذه الحقيقة فلا يجتمع الحكمان و يرتفع الاشكال، لان لكل وجوب متعلقا غير متعلق الآخر، فلا داعي الى التزام رفع اليد عن الحدوث عند الحدوث، و لا الى التزام ان متعلق الوجوب غير عنوان الجزاء الخاص بل حقايق متعددة يحصل امتثالها بحقيقة الوجوب، و لا الى الالتزام بان الحاصل بالشرط اللاحق هو تأكد الوجوب لا أصل الوجوب، فانه بالالتزام بكون المتعلق هو الفرد نلتزم بالحدوث عند الحدوث، و ان المتعلق هو العنوان الخاص، و ان الحاصل هو أصل الوجوب لا تأكده، فالاشكال يرتفع بحذافيره اذا كان متعلق الوجوب هو الفرد من حقيقة الوضوء أو الغسل و لا يجتمع الحكمان في

ص: 18

إن قلت: نعم، لو لم يكن تقدير تعدد الفرد على خلاف الاطلاق (1).

______________________________

واحد، و هذا مراده من قوله: «نعم اذا لم يكن المراد بالجملة فيما اذا تعدد الشرط كما في المثال» كقوله اذا بلت فتوضأ و اذا نمت فتوضأ «هو وجوب الوضوء مثلا بكل شرط غير ما وجب بالآخر» و هو الفرد من حقيقة الوضوء لا حقيقة الوضوء الكلية «و» على هذا «لا ضير في كون فرد محكوما ب» مثل «حكم فرد آخر».

(1) حاصله ان في الالتزام بكون متعلق الوجوب هو الفرد من الحقيقة دون الحقيقة الكلية أيضا خلاف الظهور، و هذا هو الظهور الرابع للقضية الشرطية، فان ظاهر القضية الشرطية ان الوجوب المستفاد من الهيئة متعلق بما يستفاد من المادة و هو الحقيقة الكلية، فقوله: اذا بلت فتوضأ يدل بظاهره ان متعلق الوجوب الحادث بحدوث الشرط متعلق بحقيقة الوضوء بما هي حقيقة واحدة كلية، فيعود المحذور من لزوم اجتماع الحكمين، و يرتفع بكون المتعلق هو الفرد و لكنه مخالف لظهور الشرطية، و لا وجه لترجيح مخالفة ظهور على مخالفة ظهور آخر، فلا وجه لترجيح هذا الالتزام على الالتزامات الثلاثة المذكورة.

و بعبارة اخرى: ان مقدمات الحكمة الجارية في المادة تقضى ان المتعلق هو طبيعة الوضوء الكلية لأن الألفاظ موضوعة للطبائع، فلفظ الوضوء موضوع لطبيعة الوضوء، و الفرد و ان كان فردا للطبيعة إلّا انه هو الطبيعة بقيد الفردية، و المراد من لفظ الوضوء في مقام تعلق الحكم أما ان يكون هو الطبيعة الكلية، أو فردها حيث لا اهمال فيما اذا كان المولى في مقام البيان، و لو أراد المولى الطبيعة المقيدة بالفردية لكان عليه البيان، و حيث لا بيان فيتعيّن ان يكون المتعلق هو الطبيعة غير المقيدة، فالاطلاق يقتضي ان المتعلق هو الطبيعة الكلية الواحدة دون الفرد، و الى هذا اشار بقوله: «نعم لو لم يكن تقدير تعدد الفرد على خلاف الاطلاق».

ص: 19

قلت: نعم، لو لم يكن ظهور الجملة الشرطية في كون الشرط سببا أو كاشفا عن السبب، مقتضيا لذلك أي لتعدد الفرد و الّا كان و بيانا لما هو المراد من الاطلاق.

و بالجملة: لا دوران بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء و ظهور الاطلاق ضرورة أن ظهور الاطلاق يكون معلقا على عدم البيان، و ظهورها في ذلك صالح لان يكون بيانا، فلا ظهور له مع ظهورها، فلا يلزم على القول بعدم التداخل تصرف أصلا، بخلاف القول بالتداخل (1)

______________________________

(1) توضيحه: انه قد عرفت- مما مرّ- ان للجملة ظهورات أربعة: ظهورها في الحدوث عند الحدوث. و ظهورها في ان المتعلق هو العنوان الخاص أي الوضوء بما هو وضوء لا انه مجمع. و ظهورها في كون الحادث هو أصل الوجوب لا تأكده.

و يمكن ان يدعى ان بعض هذه الظهورات بالوضع: بأن يدعى ان الأداة تدل بالوضع على الحدوث عند الحدوث، و ان كون المتعلق هو العنوان الخاص- ايضا- بالوضع. نعم ظهورها في كون الحادث هو الوجوب لا تأكده بالاطلاق، و لكن لو تنزلنا و قلنا ان هذه الظهورات الثلاثة بالاطلاق مثل ظهور الرابع: و هو كون المتعلق هو الطبيعة الكلية دون فردها، و لكنه من الواضح ان التمسك بالاطلاق انما يصح حيث لا قرينة تدل على خلافه، و في المقام قرينة تدل على ان المتعلق هو الفرد دون الحقيقة الكلية، فان ذكر الاسباب المتعددة للجزاء الواحد قرينة على ان المتعلق هو الفرد من هذه الحقيقة الواحدة، و الذي يدل على هذا انه لو قال في كلام متصل اذا بلت فتوضأ و اذا نمت فتوضأ، فان العرف يفهم منه ان متعلق الوجوب هو فرد من حقيقة الوضوء لا حقيقة الوضوء الكلية، و لا فرق في ذكر السبب المتعدد بين كونه مذكورا بكلام متصل او منفصل فالتمسك بإطلاق المادة يتوقف على عدم القرينة، و قد عرفت وجود القرينة على كونه هو الفرد من الحقيقة دون نفس الحقيقة الكلية و مع قيام القرينة على هذا لا يبقى مجال للتمسك بهذا الاطلاق، و قد عرفت انه اذا

ص: 20

.....

______________________________

كان المتعلق هو الفرد يرتفع الاشكال من رأس، فلا وجه لرفع اليد عن الظهورات الباقية حيث لا قرينة على رفع اليد عنها، فلا دوران بينها و بين الظهور الرابع بعد ان كان ظهور تعدد الشرط للجزاء الواحد- سواء كان الشرط هو السبب المؤثر بنفسه أو كاشفا عن تحقق السبب المؤثر- قرينة عند العرف على ان المتعلق هو الفرد دون الطبيعة الكلية، و يقية الظهورات لا قرينة على خلافها فلا وجه لرفع اليد عنها من دون قرينة.

و قد جمع المصنف الظهورات الثلاثة في قوله: «ظهور الجملة في حدوث الجزاء» أي ان الجملة الدالة على حدوث أصل الوجوب المتعلق بالعنوان الخاص عند حدوث الشرط، و هذه هي الظهورات الثلاثة عبر عنها بقوله في حدوث الجزاء، فان المراد بالجزاء هو الوجوب المتعلق بالعنوان الخاص، و قد اشار الى ان ظهور تعدد الشرط للجزاء الواحد قرينة على ان المتعلق هو الفرد، فلا يبقى مجال للتمسك بإطلاق المادة المقتضي لكون المتعلق هو الطبيعة الكلية لقيام القرينة على خلافه بقوله:

«ضرورة ان ظهور الاطلاق يكون معلقا على عدم البيان و ظهورها في ذلك صالح لان يكون بيانا» اي ان ظهور تعدد الشرط في الجملة الشرطية قرينة على ان لا إطلاق للمادة، فهو بيان على خلاف إطلاق المادة، و مع وجود البيان لا يبقى محل للإطلاق، و هو المراد من قوله: «فلا ظهور له مع ظهورها» أي فلا ظهور لإطلاق المادة مع ظهور تعدد الشرط في الجملة الشرطية.

فاتضح مما ذكرنا ان القول بعدم التداخل و انه لا بد من تكرار متعلق الوجوب في الجزاء بإتيان الوضوء متعددا لا يلزم منه تصرف في مخالفة ظهور أصلا، لأن الظهورات الثلاثة مأخوذ بها على القول بعدم التداخل، و الظهور الرابع و هو إطلاق المادة لا موقع له لقيام القرينة على خلافه، و الى هذا أشار بقوله: «فلا يلزم على القول بعدم التداخل تصرف أصلا بخلاف القول بالتداخل» فانه لا بد فيه من التصرف و رفع اليد عن احد الظهورات الثلاثة.

ص: 21

كما لا يخفى (1).

______________________________

(1) ذكر المصنف في هامش الكتاب 1] هنا ما محصله ان كون تعدد الشرط في الجمل الشرطية قرينة على عدم الإطلاق في المادة لكون الإطلاق معلقا على عدم البيان، و تعدد الشرط يصلح للبيان على ذلك عند العرف انما يتم هذا على مذاق الشيخ الأعظم الأنصاري، فانه يرى ان الاطلاق معلق على عدم البيان الى الأبد، و عليه فلا يجب على المتكلم البيان متصلا بكلامه، و له تأخير البيان في كلام منفصل آخر بعد تمامية كلامه الذي كان ظاهر الإطلاق، فما إن وجد البيان يرتفع الإطلاق.

و أما على مذاق المصنف كما سيأتي بيانه في المطلق و المقيد، فان الاطلاق عنده يتم بتمامية كلام المتكلم، و الاطلاق لا يكون معلقا على عدم البيان الى الأبد، بل على عدم البيان في نفس ذلك الكلام، فاذا تمّ كلام المتكلم تمّ الاطلاق و صحّ التمسك به.

و بعبارة أخرى: ان الاطلاق انما يكون معلقا على عدم البيان في مقام التخاطب لا على عدم البيان الى الأبد. و ما يكون منافيا له في كلام منفصل لا يكون قرينة عليه بل يكون معارضا للإطلاق.

و لا يخفى ان تعدد الشرط في المقام الذي كان قرينة على عدم إطلاق المادة قد ورد في جمل منفصلة بعد انتهاء مقام التخاطب، فعلى مذاق المصنف الاطلاق في المادة يتم في جملة اذا بلت فتوضأ بمجرد انتهاء كلام المتكلم و تمامية مقام التخاطب، و لكنه مع ذلك لا دوران بين الظهورين و هما ظهور الجملة في حدوث الجزاء و ظهور إطلاق المادة، لان العرف اذا جمع بينهما يرفع اليد عن التمسك بإطلاق المادة و ان كان قد

ص: 22

عدم ابتناء التداخل على معرفية الاسباب الشرعية و مؤثريتها

فتلخص بذلك، أن قضية ظاهر الجملة الشرطية، هو القول بعدم التداخل عند تعدد الشرط (1).

و قد انقدح مما ذكرناه، أن المجدي للقول بالتداخل هو أحد الوجوه التي ذكرناها، لا مجرد كون الاسباب الشرعية معرفات لا مؤثرات (2)، فلا وجه لما عن الفخر و غيره، من ابتناء المسألة على أنها معرّفات أو مؤثرات (3) مع أن الاسباب الشرعية حالها حال غيرها، في كونها

______________________________

تم الإطلاق فيها بتمامية كلام المتكلم، فهو من قبيل ترجيح أحد المتعارضين على الآخر، كترجيح الدليل الحاكم على المحكوم و الخاص على العام، ففي النتيجة لا بد من رفع اليد عن اطلاق المادة و لا دوران بينه و بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء عند العرف.

(1) حاصله: انه بعد ما عرفت يتبين ان قول المشهور بعدم التداخل و انه لا بد من إتيان الجزاء متعددا اذا تعدد وجود الشرط ليس فيه تصرف مناف لظهور الجملة الشرطية، بخلاف القول بالتداخل بأوجهه الثلاثة، فانه لا بد فيه من التصرف و رفع اليد عن احد ظهورات الجملة الشرطية، فالتمسك بظهور الجملة الشرطية يقتضي عدم التداخل اذا تعدد الشرط.

(2) حاصله انه قد عرفت ان القول بالتداخل المبتني على كون متعلق الوجوب هو الطبيعة الكلية لا يتم إلّا بالتصرف في احد ظهورات الجملة الشرطية بنحو من الانحاء الثلاثة المتقدمة، و القول بعدم التداخل يتم بكون متعلق الوجوب هو فرد الطبيعة، و لا فرق في ذلك بين كون الشرط هو المؤثر بنفسه او كاشفا و معرّفا عن المؤثر.

(3) المحكي عن فخر المحققين: انه ان قلنا بان الاسباب الشرعية معرفات عن المؤثر فلا بد من القول بالتداخل، و ان قلنا ان الاسباب الشرعية مؤثرات بنفسها فلا مناص عن القول بعدم التداخل.

فالقول بالتداخل و عدمه يبتني على كون الاسباب الشرعية معرفات او مؤثرات.

ص: 23

معرفات تارة و مؤثرات أخرى، ضرورة أن الشرط للحكم الشرعي في الجملة الشرطية، ربما يكون مما له دخل في ترتّب الحكم، بحيث لولاه لما وجدت له علة، كما أنه في الحكم غير الشرعي، قد يكون أمارة على حدوثه بسببه، و إن كان ظاهر التعليق أن له الدخل فيهما، كما لا يخفى (1).

______________________________

و غاية ما يقال في تقريبه ان الاسباب الشرعية اذا كانت معرفات فلا مانع من ان يتعدد معرفات المعرّف الواحد، فتعدد الشروط المعرفات عما هو المعرف تكشف عن مؤثر واحد، و مع كون المؤثر واحدا لا يتعدد اثره، فالاثر دائما هو وجوب واحد متعلق بالطبيعة.

و بعبارة اخرى: ان مرجع القول بالتداخل هو انه لا يجب تعدد اتيان الجزاء بتعدد الشرط، و اذا كانت الشروط معرفات فان من الجائز و الواقع في الخارج تعدد المعرفات عن المعرّف الواحد فلا نعلم بتعدد الحكم، لان تعدد الحكم انما يكون بتعدد المؤثر، و لا موجب لتعدده لجواز ان تكون هذه الشروط معرفات عن مؤثر واحد.

و اما اذا قلنا بأن الاسباب الشرعية مؤثرات فلا مناص من القول بعدم التداخل و لزوم تعدد الجزاء، لان كل شرط مؤثر بنفسه و لكل مؤثر اثر فيتعدد الاثر و هو الوجوب بتعدد الشرط، و هو معنى عدم التداخل، فانه ليس هو الّا تعدد الاتيان بتعدد الشرط.

فتبين ان التداخل يبتنى على كون الاسباب الشرعية معرفات، و عدم التداخل مبتن على كون الاسباب الشرعية مؤثرات.

(1) قد اورد المصنف على عبارة فخر المحققين بإيرادين:

الأول: انه قد ظهر فساده مما ذكرنا و هو ان الظاهر من الجملة الشرطية هو حدوث الجزاء بحدوث الشرط سواء كان الشرط هو المؤثر بنفسه او انه كاشف و معرّف عمّا هو المؤثر في حدوث الجزاء، و على كل فان الجملة الشرطية تدل على

ص: 24

.....

______________________________

الحدوث عند الحدوث سواء كان المؤثر في الحدوث هو نفس عنوان الشرط او انه أمر آخر يتحقق بتحققه.

و اما كون ان من الجائز تعدد المعرفات لمعرف واحد فهو مناف لظاهر الجملة في الحدوث عند الحدوث، فان قلنا ان الجزاء الحادث بحدوث الشرط هو الوجوب المتعلق بالطبيعة الكلية فلا مناص عن القول بالتداخل و يتم بالتصرف في احد الظهورات الثلاثة، و ان كان المتعلق هو الوجوب المتعلق بالفرد فيتم القول بعدم التداخل.

الثاني ما أشار اليه بقوله: «مع ان الاسباب» و حاصل هذا الايراد ان عبارة فخر المحققين ظاهرة في كون الاسباب الشرعية بالخصوص التي هي الشروط في الجملة الشرطية تنقسم الى معرفات و مؤثرات، مع انه لا اختصاص لكون الشروط في الجمل الشرطية الشرعية منقسمة الى معرفات و مؤثرات، بل الشروط التي تقع في الشرطيات غير الشرعية كالشرطيات العقلية أيضا كذلك تنقسم الى معرفات و مؤثرات، فالشرط في قولنا ان كانت الشمس طالعة فالنهار موجود مؤثر لمعلولية النهار لطلوع الشمس، و الشرط في قولنا ان كان الدخان موجودا فالاحتراق موجود معرف، لان العلة في الاحتراق هو النار، و الدخان معرف لها.

و الحاصل: ان الشرط الشرعي ربما يكون له الدخل بنفسه في ترتب الحكم كالاستطاعة في قوله ان استطعت فحج، و من الواضح دخول الاستطاعة بنفسها في حدوث وجوب الحج، و ربما يكون معرفا عما له الدخل كقوله ان سمعت أذان العدل فصلّ، فان سماع أذان العدل كاشف عما له الاثر في وجوب الصلاة و هو دخول الوقت، و قد عرفت ان الحال في الشرط العقلي كذلك.

و بقوله: «ضرورة ان الشرط للحكم الشرعي ... الى آخر الجملة» قد أشار الى ما كان الشرط الشرعي له الدخل في ترتب الحكم، و لم يشر الى ما كان الشرط الشرعي معرفا و قد عرفت مثاله، و قد أشار الى ما كان الشرط العقلي معرفا لا مؤثرا

ص: 25

نعم، لو كان المراد بالمعرّفية في الاسباب الشرعية أنها ليست بدواعي الاحكام التي هي في الحقيقة علل لها، و إن كان لها دخل في تحقق موضوعاتها، بخلاف الاسباب غير الشرعية (1)، فهو و إن كان له

______________________________

بقوله: «كما انه في الحكم غير الشرعي قد يكون امارة» أي معرفا على المؤثر لا مؤثرا بنفسه، فيكون الشرط العقلي دالا «على حدوثه بسببه» أي كاشفا عن حدوث الحكم بحدوث السبب الذي كان الشرط غير الشرعي امارة عليه و كاشفا، و لم يشر الى ما كان الشرط العقلي مؤثرا لوضوحه.

(1) حاصله: ان بعض المحققين قد ذكر وجها لما يظهر من فخر المحققين من ان الأسباب الشرعية معرفات او مؤثرات، من ان الاسباب غير الشرعية لا مانع عقلا من ان تكون مؤثرات.

و اما الاسباب الشرعية فربما يقال بأنها لا يعقل ان تكون مؤثرات، لان العلل منحصرة في أربع: الصورية، و المادية، و الفاعلية، و الغائية.

و من الواضح ان الاسباب الشرعية ليست علة صورية و لا مادية، لان العلل الصورية و المادية من شئون الموجودات المركبة دون موجودات عالم الاعتبار و الحكم من موجود عالم الاعتبار لا الموجودات المركبة و هو من البسائط.

و اما كون الاسباب الشرعية ليست علة فاعلية لوضوح ان الفاعل للحكم هو الشارع فانه هو الجاعل للحكم، و من الواضح ان البول او النوم ليس هو الجاعل لوجوب الوضوء، بل الجاعل له هو الشارع.

و أما كونها علة غائية فهو و ان كان ربما يحتمل بدوا، الّا ان التحقيق خلافه لوضوح ان العلل الغائية للحكم هي المصالح و المفاسد، فان من الواضح ان العلة الغائية لوجوب الوضوء عند حدوث البول هي المصلحة الداعية لوجوب الوضوء دون نفس البول، نعم للبول دخل في تحقق ما هو الموضوع و العلة الغائية للحكم، لان وجود البول محقق للمصلحة الداعية للحكم التي هي العلة الغائية، و هذا مراده

ص: 26

تفصيل الحلى و ردّه

وجه، إلا أنه مما لا يكاد يتوهم أنه يجدي فيما همّ و أراد (1).

ثم إنه لا وجه للتفصيل بين اختلاف الشروط بحسب الاجناس و عدمه، و اختيار عدم التداخل في الاول، و التداخل في الثاني، إلّا توهّم عدم صحة التعلق بعموم اللفظ في الثاني، لانه من أسماء الاجناس،

______________________________

من قوله: «و ان كان لها دخل في تحقق موضوعاتها» أي لها دخل في تحقق الموضوع و العلة الغائية.

و أما الاسباب العقلية فتكون اسبابا بالعلل الأربع و هو مراده من قوله: «بخلاف الاسباب غير الشرعية».

(1) حاصله: ان هذا التحقيق في الفرق بين الاسباب الشرعية و ان كان وجيها من حيث ذاته، إلّا انه لا ينفع فيما افاده الفخر في المقام من ابتناء التداخل و عدمه على المعرفات و المؤثرات، فان كون الاسباب الشرعية ليست من احد العلل الأربع و ان غايتها انها لها دخل في العلة الغائية بخلاف الاسباب العقلية لا يوجب التداخل اذا كانت معرفات، و عدم التداخل اذا كانت مؤثرات، فانها و ان كانت معرفات و كواشف عما هو المؤثر او ما له الدخل في ترتب الحكم و لو بنحو العلة الغائية، لكنه لا بد من حدوث الجزاء بحدوثها و لو لأنها معرفات و كواشف عما له الدخل في حدوث الجزاء، فاذا كان الحادث بحدوث هذا الكاشف هو الوجوب المتعلق بالطبيعة الكلية، و الحادث بحدوث النوم و لو لكون النوم كاشفا أيضا هو الوجوب المتعلق أيضا بالطبيعة الكلية، فلا بد من التصرف بأحد الوجوه الثلاثة المتقدمة ليرتفع اشكال اجتماع الحكمين، و هذا مراده من قوله: «إلّا انه مما لا يكاد يتوهم انه يجدي فيما هم و أراد» فان مهمه هو التداخل و عدمه، و لا ربط له بالتحقيق المذكور.

ص: 27

فمع تعدد أفراد شرط واحد لم يوجد إلا السبب الواحد، بخلاف الاول، لكون كل منها سببا، فلا وجه لتداخلها (1)، و هو فاسد.

______________________________

(1) قد مر ان الاقوال في المسألة ثلاثة: عدم التداخل، و التداخل بنحويه، و تفصيل صاحب السرائر (قدس سره) بين اتحاد الجنس في الشرط فالتداخل و عليه اذا تعدد وطء الحائض- مثلا- فلا يجب اتيان الكفارة الا مرة واحدة، و بين تعدد الجنس في الشرط كالبول و النوم فعدم التداخل و يجب تعدد الاتيان بالوضوء اذا وجد البول و النوم، و قد اشار المصنف الى وجه هذا التفصيل بقوله: «الا توهم» أي لا وجه للتفصيل الّا توهّم.

و حاصله: ان الشرطية الدالة على ان المقدم أي الشرط علة لحدوث الجزاء قد دل على ان العلة هي الجنس، و الجنس بما هو واحد لا تكثر فيه، فالعلة للجزاء واحدة و العلة الواحدة معلولها واحد، فتعدد وجود الجنس لا يوجب تعدد الجزاء لان الجنس بما هو جنس واحد لا تعدد فيه، فليس للجنس فيما اذا اتحد عموم، لان العموم انما يراد حيث تكون افراد، و قد عرفت ان الجنس اذا كان بما هو جنس علة لا يكون إلّا شيئا واحدا و ليس هناك افراد، فليس للشرط عموم بحسب الافراد، بخلاف ما اذا تعدد الجنس فان الشرط يتعدد لدلالة كل شرطية على علة لهذا الجزاء، و مقتضى هذا التعدد الاتيان لاقتضاء كل جنس لإتيان غير الإتيان الذي يوجبه الجنس الآخر، و يكون للشرط بما هو عموم لتعدد افراده و هي الاجناس المتعددة فالمتحصل من هذا هو التداخل اي إتيان الجزاء مرة واحدة فيما اذا اتحد الجنس و ان تعدد وجوده، كما اذا وطأ الحائض مرات عديدة فانه لا تجب الا كفارة واحدة، او تعدد نفس البول مرات فانه لا يوجب الوضوء الا مرة واحدة.

و اما اذا تعدد الجنس بان حدث البول و النوم فعدم التداخل، أي إتيان الجزاء مرات بحسب تعدد جنس الشرط فيجب إتيان الوضوء مرتين عند حدوث البول و النوم، و الى هذا أشار بقوله: «انه لا وجه للتفصيل بين اختلاف الشروط بحسب

ص: 28

فإن قضية اطلاق الشرط في مثل إذا بلت فتوضأ هو حدوث الوجوب عند كل مرة لو بال مرات، و إلا فالاجناس المختلفة لا بد من رجوعها إلى واحد، فيما جعلت شروطا و أسبابا لواحد، لما مرت إليه الاشارة، من أن الاشياء المختلفة بما هي مختلفة لا تكون أسبابا لواحد (1)، هذا كله

______________________________

الأجناس» كما في البول و النوم «و عدمه» كما في وطء الحائض «و اختيار عدم التداخل» أي الإتيان بالجزاء متعددا «في الأول» و هو ما اذا تعدد الجنس «و التداخل في الثاني» و هو الإتيان مرة واحدة فيما اذا اتحد الجنس و ان تعدد وجوده «الا توهم» أي لا وجه لهذا التفصيل إلّا انه فيما اذا اتحد الجنس «عدم صحة التعلق بعموم اللفظ» فانه لا عموم للواحد بما هو واحد «لانه من اسماء الاجناس» و لا تعدد للجنس الواحد بما هو واحد «فمع تعدد أفراد شرط واحد» و هو الجنس لا تتعدد العلة «و لم يوجد الا السبب الواحد بخلاف الأول» و هو ما اذا تعدد الجنس فانه بتعدده تتعدد العلة «لكون كل منها» أي لكون كل واحد من الاجناس «سببا» غير الآخر «فلا وجه لتداخلها» فيجب تعدد الاتيان.

(1) اورد عليه المصنف بايرادين: الأول ما أشار اليه بقوله: «فان قضية ... الى آخر الجملة».

و حاصله: ان القضية اذا دلت على كون الجنس هو العلة فلا اشكال ان الجنس بوجوده علة، اذ لا يعقل علية ماهية الجنس بما هي ماهية الجنس، فان الماهيات بما هي ماهيات لا تأثير لها، و انما يكون للماهية تأثير فيما اذا كانت موجودة، فاذا كان مدلول القضية الشرطية ان الماهية الموجودة هي العلة فالاطلاق بحسب مقدمات الحكمة يقتضي تأثيرها في حدوث الجزاء كلما تحقق لها وجود، فان الماهية و ان امكن ان تلحظ في مقام التأثير بنحو صرف الوجود المقابل للعدم المحض المنطبق ذلك على أول وجودات الماهية، إلّا انه يحتاج الى بيان، لأن المفهوم من كون وجود الماهية هو العلة ان الملحوظ هو كل وجود للماهية الناقض لعدم نفسه، لا الوجود الناقض

ص: 29

فيما إذا كان موضوع الحكم في الجزاء قابلا للتعدد. و أما ما لا يكون قابلا

______________________________

لعدم الماهية مطلقا المنطبق على خصوص أول وجود للماهية، فاذا كان المراد هو هذا الوجود الناقض للعدم المطلق كان على المولى البيان، فاطلاق الشرط بحسب مقدمات الحكمة يقتضي ان العلة هي الماهية كلما وجدت فيتكرر الجزاء كلما تكرر وجود الجنس، و عليه فيتعدد وجوب الإتيان بالوضوء كلما تعدد وجود البول، و هذا مراده من قوله: «فان قضية اطلاق الشرط في مثل اذا بلت فتوضأ هو حدوث الوجوب» و هو الأمر باتيان الوضوء «عند كل مرة لو بال مرات».

و الايراد الثاني ما اشار اليه بقوله: «و إلّا فالاجناس ... الى آخر الجملة» و حاصله: انه بعد ما عرفت فيما مر من انه لا يعقل ان يصدر الواحد من الكثير، فاذا تعددت الاجناس فلا بد و ان يكون المؤثر في المعلول الواحد المترتب عليها هو الجامع لها، و لا يمكن ان تؤثر الاجناس المتعددة بما هي متعددة أثرا واحدا، لعدم امكان صدور الواحد بما هو واحد من الكثير بما هو كثير، و على هذا فلا بد من القول بالتداخل أيضا حتى اذا تعدد الجنس، و لا وجه للتفصيل بين اتحاد الجنس و تعدده، و هذا مراده من قوله: «و إلّا فالاجناس المختلفة لا بد من رجوعها الى واحد» أي الى جامع واحد لها يكون هو المؤثر «فيما اذا جعلت» الاجناس المتعددة «شروطا و اسبابا ل» معلول «واحد لما مرت الاشارة اليه من ان الاسباب المختلفة بما هي مختلفة لا تكون اسبابا لواحد» لعدم معقولية صدور الواحد من الكثير بما هو كثير، و لا بد من رجوع الكثير الى واحد لوجوب التسانخ بين العلة و المعلول، كما مرّ بيانه مفصّلا في مبحث الواجب التخييري.

ص: 30

لذلك، فلا بد من تداخل الاسباب فيه، فيما لا يتأكد المسبّب، و من التداخل فيه فيما يتأكد (1).

فصل

مفهوم الوصف

حجة مفهوم الوصف و المناقشة فيها

الظاهر أنه لا مفهوم للوصف و ما بحكمه مطلقا، لعدم ثبوت الوضع، و عدم لزوم اللغوية بدونه، لعدم انحصار الفائدة به، و عدم قرينة أخرى

______________________________

(1) قد اشرنا الى هذا في أول المسألة و هو ان البحث في ان تعدد الشرط و اتحاد الجزاء هل يقتضي عدم التداخل أو التداخل السببي و المسببي، انما هو فيما اذا امكن ان يتعدد وجود الجزاء.

اما فيما اذا لم يمكن ان يتعدد وجوده فلا مجال لهذا البحث أصلا.

و لا يخفى ان الجزاء ربما لا يكون قابلا للتأكد كما اذا ارتد و قتل في وقت واحد، فان الجزاء و هو وجوب القتل لا يتأتى فيه التأكد، و كما اذا عقد الوكيل و الموكل عقد بيع لشخص واحد على مملوك واحد، فان الحاصل من مجموع العقدين ملكية واحدة للمشتري و هي غير قابلة للتأكد، و لا بد فيه من القول بالتداخل في السبب، و الى هذا اشار بقوله: «و اما فيما لا يكون قابلا لذلك» أي بأن لا يكون الجزاء قابلا للتعدد «فلا بد من تداخل الاسباب فيما لا يتأكد المسبب» فان وجوب القتل و الملكية غير قابل للتأكد.

و ربما يكون الجزاء قابلا للتأكد و ان كان غير قابل للتعدد، كما فيما اذا وردت النجاسة على النجاسة، بأن وقع في البئر بعير فمات و وقع المسكر فيها أيضا، فان النجاسة قابلة للتأكد و حينئذ لا بد من القول بالتأكد في المسبب، اذ مهما امكن ان يكون للسبب تأثير و لو بنحو التأكد فلا وجه للعدول عنه، و الى هذا أشار بقوله:

«و من التداخل فيه» أي في المسبب «فيما يتأكد» أي فيما كان المسبب قابلا للتأكد كالنجاسة مثلا.

ص: 31

ملازمة له (1)، و علّيته فيما إذا استفيدت غير مقتضية له، كما لا يخفى، و مع كونها بنحو الانحصار و إن كانت مقتضية له، إلا أنه لم يكن من

______________________________

(1) من الامور التي ادعي دلالتها- مضافا الى الثبوت عند الثبوت- على الانتفاء عند الانتفاء هو الوصف و ما بحكمه، و الوصف كقوله: في السائمة زكاة بأنه يدل على ثبوت الزكاة عند ثبوت السوم، و على انتفاء الزكاة عند انتفاء السوم، فهو يدل على عدم الزكاة في المعلوفة لا انه ساكت عن الدلالة عليها، و المراد مما بحكم الوصف هو مثل قوله: لئن يمتلئ بطن الانسان قيحا خير من ان يمتلئ شعرا، فان الامتلاء كناية عن الكثرة، فلهذا الكلام دلالة على المنع عن كثرة قول الشعر، و عدم المنع عن قول الشعر قليلا.

و اتضح من قوله الوصف و ما بحكمه ان المراد من الوصف هو الوصف النحوي، و هو العنوان المنطبق على الذات باعتبار تلبسها بالمبدإ.

و على كل فالاقوال في دلالة الوصف و ما بحكمه على المفهوم و عدمه ثلاثة:

قول بدلالته على المفهوم مطلقا سواء كان الوصف قد ذكر لكونه علة للحكم بأن استفيدت عليته من قرينة، او لم يكن كذلك بان لم تقم قرينة على ذكره لأجل كونه علة.

و قول بالتفصيل بين كون الوصف قد ذكر لبيان كونه علة للحكم فيدل على المفهوم، و بين كونه لم يذكر لذلك فلا يدل على المفهوم.

و قول بعدم دلالة الوصف مطلقا على المفهوم و هو مختار المصنف، و يكفي سندا لهذا القول عدم صحة ما استدل به للدلالة على المفهوم اطلاقا او تفصيلا.

و قد استدل للقول بدلالة مفهوم الوصف بأدلة:

الأول: دعوى كون الوصف موضوعا للدلالة على العلية المنحصرة، و هي تستلزم الثبوت عند الثبوت و الانتفاء عند الانتفاء.

ص: 32

.....

______________________________

و يردها ان الوضع انما يثبت بالتبادر او بتنصيص اهل اللغة و من الواضح انه لا يتبادر من الوصف العلية المنحصرة للحكم، و لو كان المتبادر منه ذلك لكان استعماله في غيرها كالعلية غير المنحصرة مجازا يحتاج الى ملاحظة العلاقة و العناية عند الاستعمال، و بالوجدان لا نرى استعمالا في مقام الوصف في غير العلة المنحصرة في انفسنا ملاحظة علاقة او عناية.

و اما تنصيص اهل اللغة فممنوع لعدم تنصيص من اللغويين على ذلك، مضافا الى منع حجية قول اللغوي بما هو لغوي على الوضع، و ليس للغوي الا بيان مواقع الاستعمال، و الى هذا أشار بقوله: «لعدم ثبوت الوضع».

الثاني: من أدلة القائلين بمفهوم الوصف، هو انه لو لم يدل الوصف على كونه العلة المنحصرة للحكم للزم اللغوية، و من الواضح انه يمنع اللغوية على الحكيم، و اما ان الوصف لو لم يكن هو العلة المنحصرة للحكم لزم اللغوية فلانه لو لم يكن مثلا وصف السوم هو العلة المنحصرة لثبوت الزكاة للسائمة و كانت الزكاة ثابتة لمطلق الإبل سائمة أو معلوفة لكان ذكر السوم في قوله: في السائمة زكاة قد كان ذكر لا لغاية و لا لدخل له في ثبوت الزكاة، و ليست اللغوية الا ذكر العنوان من دون غاية و داع لذكره، فكون الوصف للانحصار و عدم اللغوية متلازمان، و لازمه ان عدم كونه للانحصار و اللغوية متلازمان أيضا، و حيث قد عرفت ان اللغوية محال على الحكيم فما يلزم منه المحال محال أيضا.

فاتضح انه لا بد من كون ذكر الوصف لداعي الانحصار المستلزم للمفهوم، فان المستلزم للمفهوم ليس إلا كون العلة للحكم علة منحصرة، فان لازمها الثبوت عند الثبوت للعلية و الانتفاء عند الانتفاء للانحصار.

و يرده عدم لزوم اللغوية لو لم يكن الوصف علة منحصرة للحكم، لعدم انحصار الفائدة في ذكره في العلية المنحصرة، فان ذكره ربما يكون لاجل ان السائل قد علم

ص: 33

.....

______________________________

حكم غيره، كما لو كان عالما بحكم المعلوفة و جاهلا بالسائمة فذكر الشارع السائمة لإعلامه بالحكم، لا لأجل كون السوم علة منحصرة.

و ربما يكون لان السائل لم يكن عنده معلوفة، و كل ما عنده سائمة فذكر السوم لانه هو الموجود عند السائل.

و ربما يكون لأجل مزيد الاهتمام، فان الاكرام اذا كان شاملا للعالم و الجاهل لكن العالم له مزيد الاهتمام في الاكرام، لا لأنه علة منحصرة له، و الى هذا أشار بقوله: «و عدم لزوم اللغوية بدونه» أي بدون انحصار العلية، بمعنى انه لا تنحصر الفائدة في العلية المنحصرة حتى يكون الوصف اذا لم يكن علة منحصرة يلزم اللغوية «لعدم انحصار الفائدة» لذكره «به» أي بالانحصار.

الثالث: من الادلة على كون الوصف ذا مفهوم ما أشار اليه بقوله: «و عدم قرينة أخرى ملازمة له» و حاصله: ان الوصف و ان لم يكن موضوعا للانحصار و لا يلزم اللغوية لو لم يكن للانحصار، إلّا ان الاطلاق يقتضي العلية المنحصرة في الوصف و هو المراد بالقرينة الاخرى الملازمة.

و تقريبه ان المولى حيث كان في مقام البيان لما له دخل في ترتب الحكم، فلو كان غير هذا الوصف له دخل فيه لكان على المولى بيانه، و حيث لم يبينه فلا بد و ان يكون ما له الدخل منحصرا في الوصف و إلّا لكان مخلا بغرضه.

و يرده اولا: انه انما يتم هذا حيث يحرز ان المولى في مقام بيان ما له الدخل في ترتب الحكم، لإمكان ان لا يكون الداعي الى الوصف ذلك، بل ذكر الوصف لمجرد التعريف الى ما هو موضوع للحكم.

و ثانيا: لو سلمنا ذلك و لكن دخالة الوصف في ترتب الحكم لا يلازم العلية المنحصرة للحكم، لجواز تعدد العلل لهذا الحكم، فان قوله: اكرم زيدا العالم كما يجوز ان يكون للعلم دخل في وجوب اكرامه يمكن أيضا ان يكون كونه جيرانا للمولى موجبا لإكرامه، او كونه محسنا على المولى موجبا لإكرامه أيضا، فلا يكون المولى

ص: 34

مفهوم الوصف، ضرورة أنه قضية العلية الكذائية المستفادة من القرينة عليها في خصوص مقام، و هو مما لا إشكال فيه و لا كلام، فلا وجه لجعله تفصيلا في محل النزاع، و موردا للنقض و الابرام (1).

______________________________

مخلا بغرضه لو لم يكن الوصف للانحصار، فلا اطلاق يقتضي كون الوصف علة منحصرة، نعم لو احرز ان المولى في مقام بيان كل ما له الدخل، و لم يذكر غير الوصف لدل على العلية المنحصرة.

و بالجملة: ان دلالته على العلية المنحصرة لا بد فيه من احرازين: احراز كون المولى في مقام بيان ما له الدخل، و احراز كونه في مقام بيان كل ما له الدخل.

(1) هذا تعرض للتفصيل في المقام، و حاصله: ان الظاهر ان الوصف اذا كان احترازيا فان معنى كونه احترازيا انه احتراز عن غير ما له الدخل في ترتب الحكم، و الى هذا يرجع قولهم ان الوصف مشعر بالعلية، و الظاهر أيضا ان يكون الوصف بعنوانه الخاص احترازيا، و مع تمامية المقدمتين تثبت العلية المنحصرة، لانه بكونه احترازيا تثبت العلية، و بكونه بعنوانه الخاص كذلك يثبت الانحصار، فانه لو لم يكن بعنوانه الخاص علة لكانت العلة هي الجامع دون العنوان الخاص و هو خلاف الظاهر أيضا.

نعم يتوقف هذا القول على احراز ان القيد قد ذكر لأجل الاحتراز، و لعل هذا هو مراد المفصل بان الوصف اذا استفيدت عليته دل على المفهوم و إلّا فلا يدل، فانه بعد اثبات ان الداعي لذكر القيد الاحترازية يدل على العلية و كونه بعنوانه الخاص يدل على الانحصار و لعله أيضا الى هذا يرجع التفصيل بين الوصف المعتمد على الموصوف في دلالته على المفهوم دون الوصف غير المعتمد فانه لا مفهوم له، فاكرم زيدا العالم له مفهوم بخلاف اكرم العالم فانه لا مفهوم له، بتقريب انه بعد ذكر الموصوف يكون احتمال كون الوصف للتعريف ضعيفا، و يقوى كون الداعي لذكره هو الاحتراز فيكون له مفهوم، فانه بعد قوله أكرم زيدا يضعف احتمال كون ذكر

ص: 35

.....

______________________________

العالم للتعريف و يتمحض للاحترازية، بخلاف ما اذا لم يذكر زيد فانه يحتمل قويا او احتمالا مساويا كون ذكر العالم للتعريف و الاشارة الى زيد لا للاحتراز، فاكرم العالم لا مفهوم له لعدم قرينة على الاحترازية المستلزمة للعلية.

و يرده، اولا: ان هذا التفصيل انما يتم حيث تحرز العلية و كون القيد للاحتراز.

و ثانيا: ان غاية ما ذكر كون الوصف له دخل أما انه علة منحصرة فلا موجب له، لأن كون الوصف بعنوانه الخاص وصفا لا يقتضي الانحصار إلّا اذا كان الوصف هو المؤثر، لعدم إمكان صدور الواحد عن المتعدد. أما لو كان له دخل فيما له التأثير فلا يتأتى الدليل المذكور، كما انه قد دل الدليل على كون وصف الكثرة للماء له دخل في تأثيره في الاعتصام، و وصف الجريان أيضا له دخل في عاصميته، و قد أشار الى هذين الايرادين بقوله: «فيما اذا استفيدت غير مقتضية له» فبقوله: «فيما اذا استفيدت» أشار الى الأول و ان مجرد ذكر الوصف ما لم يحرز انه لأجل الاحتراز لا تستفاد علية الوصف، و الى الثاني بقوله: «غير مقتضية له».

نعم اذا قامت القرينة الخاصة على ان الوصف علة للحكم و انها منحصرة دلت الجملة الوصفية على المفهوم، و لكن على هذا يكون الدال على المفهوم هي القرينة الخاصة دون الوصف بما هو وصف، و لا يصح ان يكون هذا الكلام تفصيلا في المقام، و الى هذا اشار بقوله: «و مع كونها بنحو الانحصار» أي و مع قيام القرينة على كون الوصف علة منحصرة «و ان كانت مقتضية له» أي مقتضية للدلالة على المفهوم «إلّا انه لم يكن من مفهوم الوصف» لكون الدال على المفهوم هي القرينة الخاصة دون الوصف «ضرورة انه قضية العلة الكذائية» أي المنحصرة «المستفادة من القرينة عليها في خصوص مقام» من المقامات التي تقوم فيه القرينة الخاصة فيه على ذلك «و هو مما لا اشكال فيه و لا كلام فلا وجه لجعله تفصيلا في محل النزاع و موردا للنقض و الابرام».

ص: 36

و لا ينافي ذلك ما قيل من أن الاصل في القيد أن يكون احترازيا، لان الاحترازية لا توجب إلا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية، مثل ما إذا كان بهذا الضيق بلفظ واحد، فلا فرق أن يقال: جئني بإنسان أو بحيوان ناطق (1)، كما أنه لا يلزم في حمل المطلق على المقيد، فيما وجد شرائطه إلا ذلك، من دون حاجة فيه إلى دلالته على المفهوم، فإنه من المعلوم أن قضية الحمل ليس إلا أن المراد بالمطلق هو المقيد، و كأنه لا يكون في البين غيره (2)، بل ربما قيل إنه لا وجه للحمل لو كان بلحاظ

______________________________

(1) حاصله: انه لا حاجة الى قيام قرينة خاصة على كون القيد للاحتراز، بل هناك قرينة عامة على ذلك فان الأصل في القيد الاحترازية، و هذا الأصل اما ان يرجع الى دعوى بناء العقلاء على ذلك او الى كون الاطلاق يقتضي الاحترازية، و لذا شاع ان الأصل في القيد هو الاحتراز.

و يرده: ان هذا خلط بين ما له الدخل في شخص الحكم و بين ما يقتضي المفهوم، فان كون الاصل في القيد ان يكون احترازيا معناه ان الأصل يقتضي ان يكون القيد أو الوصف له دخل في شخص ذلك الحكم، و المفهوم انما هو حيث يكون للوصف دخل في سنخ الحكم كما مر تفصيله.

و بعبارة اخرى: انه لا اشكال في ان الوصف له دخل في تحقق الموضوع الخاص لذلك الحكم، و لا دلالة له على ان حقيقة الحكم بما هي حقيقة الحكم مربوطة بذلك الوصف، مثلا اذا قال المولى جئني بحيوان ناطق، فان الناطقية تدل على ان الموضوع لهذا الوجوب هو الانسان، و لا دلالة له على ان كلي وجوب المجي ء منحصر و مقيد بالانسان، و هذا مراده من قوله: «لأن الاحترازية لا توجب إلّا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية ... الى آخر الجملة».

(2) لا يخفى ان هذا من جملة أدلة القائلين بمفهوم الوصف مطلقا، فيكون ذكر التفصيل في البين اقحاما له بين ادلتهم.

ص: 37

.....

______________________________

و حاصله: انه لو لم يكن الأصل في الوصف او القيد هو الاحتراز و العلية لما كان اللازم فيما اذا كان لنا مطلق و مقيد ان نحمل المطلق على المقيد، فان الحمل المذكور انما هو لأجل ان للوصف مفهوما ناشئا من دلالته على العلية المنحصرة.

و توضيحه: ان الوصف في المطلق الدال على انتفاء الحكم عند انتفاء المطلق لا ينافي المنطوق في المقيد، و لكن المفهوم في المقيد ينافي المنطوق في المطلق، مثلا قوله:

أعتق الرقبة المملوكة شامل لعتق الرقبة المملوكة كافرة أو مؤمنة، و يدل على انتفاء العتق عن غير المملوك، و لكن قوله: اعتق الرقبة المؤمنة يدل على انتفاء العتق عن غير المؤمنة، و هذا ينافي الحكم في المطلق الشامل للكافرة و المؤمنة، اما لو لم نقل بالمفهوم فلا يكون ثبوت الحكم للمقيد منافيا للحكم الثابت لمنطوق المطلق.

و يرده، اولا: ان السبب في حمل المطلق على المقيد هو العلم بوحدة الحكم، و أنه اما هو الحكم في المطلق او أنه هو الحكم في المقيد، و حيث ان المقيد اقوى حجة فرفع اليد عن المقيد رفع يد عن الحجة بحجة اضعف منها، بخلاف المطلق فانه رفع يد عن الحجة فيه بالحجة الأقوى.

و بعبارة أخرى: انه بعد العلم بأن الحكم واحد و هو احدهما فيدور الأمر فيهما بين التعيين و التخيير فانه لو كان الحكم هو حكم المطلق فالأخذ بالمقيد أخذ بالمطلق أيضا لأن المقيد أحد أفراد المطلق، فان عتق الرقبة المؤمنة عتق لمطلق الرقبة، بخلاف الأخذ بالمطلق ليس أخذا بالمقيد، فان عتق الرقبة الكافرة ليس أخذا بالمقيد، فبالأخذ بالمقيد تبرأ الذمة قطعا، فلذا يحملون المطلق على المقيد و يأخذون بالمقيد و يرون ان القيد قد ورد لتضييق دائرة الموضوع في المطلق لا لأجل المفهوم، و الى هذا اشار بقوله: «كما انه لا يلزم في حمل المطلق على المقيد فيما وجد شرائطه» التي سيأتي بيانها في مبحث المطلق و المقيد التي من جملتها كون الحكم دالا على الوجوب «الا ذلك» و هو تضييق دائرة الموضوع للحكم «من دون حاجة فيه الى دلالته على

ص: 38

المفهوم، فإن ظهوره فيه ليس بأقوى من ظهور المطلق في الاطلاق، كي يحمل عليه، لو لم نقل بأنه الاقوى، لكونه بالمنطوق، كما لا يخفى (1).

و أما الاستدلال على ذلك أي عدم الدلالة على المفهوم- بآية وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ ففيه أن الاستعمال في غيره أحيانا مع القرينة مما لا يكاد ينكر، كما في الآية قطعا، مع أنه يعتبر في دلالته عليه عند القائل بالدلالة، أن لا يكون واردا مورد الغالب كما في الآية (2)،

______________________________

المفهوم فان من المعلوم ان قضية الحمل ليس إلّا ان المراد بالمطلق هو المقيد» لأجل العلم بكون الحكم فيهما واحدا فيكون القيد لتضييق دائرة الموضوع لا للمفهوم.

(1) هذا هو الايراد الثاني، و حاصله: انه لو كان حمل المطلق على المقيد لأجل المفهوم في المقيد لما كان له وجه، لأن التنافي كما عرفت انما هو بين مفهوم المقيد و منطوق المطلق، فظهور المطلق في الاطلاق منطوقي و ظهور المقيد في المفهوم المنافي لمنطوق المطلق ظهور مفهومي، و الظهور المنطوقي أقوى من الظهور المفهومي، و ان لم يكن أقوى فلا أقل من تساوي الظهورين، فلا وجه لتقديم ظهور المقيد في المفهوم على ظهور المطلق في الاطلاق، و انما نسبه الى القيل لان تقديم الظهورات بعضها على بعض مرتبط بما هو أظهر في الدلالة، و ليس كون الظهور منطوقيا موجبا للاظهرية، فقد يكون مفهوم أقوى من منطوق، و على كل فقد أشار الى ما ذكرنا بقوله: «ربما قيل انه لا وجه للحمل لو كان بلحاظ المفهوم فان ظهوره فيه» أي ان ظهور المقيد في المفهوم «ليس بأقوى من ظهور المطلق في الاطلاق ... الى آخر الجملة».

(2) قد عرفت انه يكفي في انكار مفهوم الوصف هو عدم تمامية ما استدل به على دلالته على المفهوم، و لكن بعض القائلين بعدم المفهوم في الوصف استدلوا لعدم دلالة الوصف على المفهوم بالآية المباركة و هي قوله تعالى: وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ 2] فان قوله اللاتي في حجوركم هو وصف للربائب، فلو كان للآية دلالة

ص: 39

.....

______________________________

على مفهوم الوصف لدلت على انتفاء الحرمة عما عدا الربيبة التي تكون في حجر زوج أمها، فلا تكون الربيبة التي ليست في حجره بمحرمة عليه، و الحال انه من المعلوم المسلم ان الربيبة التي ليست في الحجر أيضا محرمة، فتكون لهذه الآية- بناء على المفهوم- منافاة لما دل على حرمة الربيبة التي ليست في الحجر، بخلاف ما اذا لم يكن للوصف مفهوم، فان الحرمة في هذه الآية و ان كانت مختصة بالتي في الحجر إلّا انه لا تدل على انتفاء الحرمة عن غيرها، فلا تكون الآية منافية للدليل الدال على حرمة الربيبة التي ليست في الحجر.

و يرده، أولا: ان القائل بالمفهوم لا يدعي انحصار استعمال الوصف في المفهوم، بل يدعي ان الوصف المجرد عن القرينة يدل على العلية المنحصرة المستلزمة للمفهوم، و اما استعمال الوصف احيانا في العلية غير المنحصرة بل في مطلق الثبوت عند الثبوت لا مانع منه اذا قامت القرينة عليه، و قد قامت القرينة الخارجية على ان الحكم في الآية لا يختص بالربيبة التي في الحجر، و الى هذا أشار بقوله: «ففيه ان الاستعمال في غيره أحيانا مع القرينة ... الى آخر الجملة».

و ثانيا: ان القائلين بدلالة الوصف على المفهوم يشترطون في دلالته على ذلك ان لا يكون الوصف واردا مورد الغالب، و الوصف الوارد مورد الغالب لا يدل عندهم على المفهوم، و لا إشكال ان وصف الربيبة بكونها في الحجر هو من الوصف الوارد مورد الغالب، لان الغالب في الربيبة ان تكون تابعة لأمها فتكون في حجر زوج أمها، و الى هذا أشار بقوله: «مع انه يعتبر في دلالته» أي في دلالة الوصف على المفهوم «عند القائل بالدلالة» أي بدلالة الوصف على المفهوم «ان لا يكون» أي الوصف «واردا مورد الغالب كما في الآية» فانه وارد مورد الغالب فيها كما هو واضح لما عرفت.

ص: 40

و وجه الاعتبار واضح، لعدم دلالته معه على الاختصاص، و بدونها لا يكاد يتوهم دلالته على المفهوم (1)، فافهم (2).

______________________________

(1) حاصله: ان وجه اشتراط القائلين بمفهوم الوصف ان لا يكون واردا مورد الغالب ان الوصف الوارد مورد الغالب لا ظهور له في العلية المنحصرة، فلا يدل على المفهوم و هو ما عن الفخر الرازي، و حاصله:

ان معنى كونه واردا مورد الغالب ان الفرد الكثير الشائع للموصوف هو المتصف بذلك الوصف، و غير المتصف بذلك من افراد الموصوف شاذ نادر و الشاذ و النادر ملحق بالمعدوم، فكأن الوصف الوارد مورد الغالب يكون مساويا في الوجود للموصوف، و من الواضح انه لا دلالة للوصف على المفهوم لأنه بانتفاء الوصف المساوي ينتفي الموضوع، و انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه ليس من الدلالة المفهومية، و الى هذا أشار بقوله: «و وجه الاعتبار واضح» أي وجه اعتبار كون الوصف غير وارد مورد الغالب في دلالته على المفهوم واضح «لعدم دلالته معه على الاختصاص» أي لعدم دلالة الوصف مع كونه واردا مورد الغالب على انه إنما ذكر لكونه علة منحصرة للحكم يختص الحكم بها دون غيرها، فان كونه غالبا يجعله كالوصف المساوي و هو لا دلالة له على المفهوم كما عرفت و لذا قال: «و بدونها» أي و بدون الاختصاص المستفاد من العلية المنحصرة «لا يكاد يتوهم دلالته» أي دلالة الوصف «على المفهوم».

(2) لعله إشارة الى ما يرد على ما ذكره الرازي، فانه يرد عليه:

أولا: انه لا ملازمة بين كونه شاذا نادرا ملحقا بالمعدوم و بين كونه وصفا غير غالب، لأنه يكفي في كونه غالبا ان يكون أكثر، و ليست القلة دائما ملازمة للندرة الملحقة بالعدم.

و ثانيا: انه مع تسليم كونه شاذا نادرا يكون كالوصف المساوي إلّا ان هذا انما يمنع عن الدلالة على المفهوم حيث يكون المناط في دلالة الوصف على المفهوم هو لزوم

ص: 41

تحرير محل النزاع

تذنيب: لا يخفى أنه لا شبهة في جريان النزاع، فيما إذا كان الوصف أخص من موصوفه و لو من وجه، في مورد الافتراق من جانب الموصوف، و أما في غيره، ففي جريانه إشكال أظهره عدم جريانه، و إن كان يظهر مما عن بعض الشافعية، حيث قال: قولنا في الغنم السائمة زكاة، يدل على عدم الزكاة في معلوفة الابل جريانه فيه (1)، و لعل وجهه

______________________________

اللغوية، فانه اذا كان الوصف واردا مورد الغالب لا يكون ذكره لغوا، لأنه يكون كإعادة و تأكيد الموضوع، و قد عرفت ان بعض القائلين بالمفهوم يقولون به لتبادر العلية المنحصرة منه و مع كونه متبادرا اليه، و الدلالة فيه وضعية لا يختلف حالها في الوصف الوارد مورد الغالب و غيره.

و ثالثا: انه لو كان الورود مورد الغالب موجبا لكونه كالوصف المساوي و الحاق النادر بالمعدوم، لكان ذلك موجبا للانصراف الى خصوص الوصف الوارد مورد الغالب، و لازمه اختصاص الحكم به و هذا ينافي ما أراده المشترطون له، فانهم يقولون انه لا مفهوم له و الحكم يعم الوصف و غيره، فتأمل.

(1) ينبغي بيان النسبة بين الوصف و الموصوف ليتبين ما هو داخل في النزاع و ما هو خارج عنه.

فان كانت النسبة بينها التساوي كالضاحك و الانسان، أو كان الوصف أعم كالماشي بالنسبة الى الانسان، فان الماشي أعم من الانسان لعدم صدق الانسان من دون الماشي و صدق الماشي من دون الانسان. و لا ينبغي دخول هذين في محل النزاع لأن المفهوم انتفاء سنخ الحكم عن الموضوع، فلا بد اذا من ثبوت الموضوع و انتفاء الوصف لظهور ثمرة النزاع في دلالة القضية الوصفية على انتفاء سنخ الحكم عن الموضوع- بناء على المفهوم- و عدم دلالتها على الانتفاء عند انتفاء الوصف، و فيما اذا كان الوصف مساويا أو اعم لا ثبوت للموضوع عند انتفاء الوصف حتى يكون داخلا في محل النزاع.

ص: 42

.....

______________________________

و اما اذا كان الوصف أخص من الموصوف كالكريم بالنسبة الى الانسان، فلا اشكال في دخوله في محل النزاع لثبوت الموضوع من دون الوصف و هو الانسان غير الكريم. و اما اذا كان بين الوصف و الموصوف عموم من وجه كالغنم السائمة، فانه تارة يصدق السوم و هو الوصف من دون الغنم كما في الابل السائمة، و أخرى يصدق الموصوف من دون الوصف كما في الغنم المعلوفة، و ثالثة ينتفي الوصف و الموصوف كما في الابل المعلوفة.

فان كان الافتراق من جانب الوصف كما في الابل السائمة فليس من المفهوم.

نعم اذا قلنا بأن العلة للحكم المستقلة في العلية من دون دخالة للموضوع فيه هو السوم، فتدل القضية على ثبوت الزكاة في الابل السائمة، و تدل القضية أيضا على انتفاء الزكاة في الابل المعلوفة كما سيأتي بيانه في وجه ذهاب بعض الشافعية الى دلالة القضية المذكورة على انتفاء الزكاة في الابل المعلوفة.

و ان كان الافتراق من جانب الموصوف كما في الغنم المعلوفة فلا اشكال في دخولها في محل النزاع لثبوت الموضوع و انتفاء الوصف، و الحال فيه كالحال في الوصف الأخص مطلقا في انه ان قلنا بالمفهوم فيدل على انتفاء الحكم عن الغنم المعلوفة، و ان قلنا بعدم المفهوم فلا دلالة على انتفاء الحكم عنها و تكون القضية الوصفية ساكتة عن ذلك.

و ان كان الافتراق من جانب الوصف و الموصوف كما في الابل المعلوفة ففي دخوله في محل النزاع خلاف، الاقوى عدم دخوله في محل النزاع، لأنه مع انتفاء الموضوع و الوصف معا لا يكون انتفاء الحكم مسببا عن انتفاء الوصف، بل من باب انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه، و ذهب بعض الشافعية الى دخوله في محل النزاع، فيدل قوله في الغنم السائمة زكاة على انتفاء الزكاة عن الابل المعلوفة بناء على دلالة القضية الوصفية على المفهوم، و قد أشار المصنف الى جريان النزاع في الوصف الأخص من الموصوف كأكرم العالم، و الوصف الأخص منه من وجه فيما اذا كان

ص: 43

استفادة العلية المنحصرة منه. و عليه فيجري فيما كان الوصف مساويا أو أعم مطلقا أيضا، فيدل على انتفاء سنخ الحكم عند انتفائه (1)،

______________________________

الافتراق من جانب الموصوف كما في الغنم المعلوفة بقوله: «انه لا شبهة في جريان النزاع فيما اذا كان الوصف أخص من موصوفه و لو من وجه في مورد الافتراق من جانب الموصوف» و هذه العبارة تشمل القسمين الأخص مطلقا و مورد الافتراق من جانب الموصوف، و قد أشار بقوله: «و أما في غيره ففي جريانه اشكال» الى ان مورد الافتراق من جانب الوصف و الموصوف كالإبل المعلوفة الأظهر عدم جريان النزاع فيه، و لذا قال: «أظهره عدم جريانه» و الى ان بعض الشافعية يقول بدخوله في محل النزاع بقوله: «و ان كان يظهر مما عن بعض الشافعية حيث قال قولنا في الغنم السائمة زكاة يدل على عدم الزكاة في معلوفة الابل جريانه فيه» و قوله: «جريانه فيه» هذا فاعل يظهر: أي يظهر جريان النزاع في معلوفة الابل.

(1) قد عرفت ان انتفاء الحكم بانتفاء الموضوع ليس من محل النزاع، و لكن يمكن ان يكون وجه قول بعض الشافعية بدلالته في الغنم السائمة زكاة على انتفاء الزكاة عن معلوفة الابل هو استفادة كون السوم علة مستقلة منحصرة للحكم، فانه اذا كانت العلة المستقلة المنحصرة للحكم هو السوم فلا بد من دلالة ذلك على انتفاء الزكاة عن الابل المعلوفة.

و الفرق بين هذا و بين القول بالمفهوم في الأخص مطلقا هو انه في الاخص مطلقا الوصف علة منحصرة لثبوت الحكم للموضوع، و في هذا الوصف علة منحصرة للحكم من دون مدخلية اضافته الى الموضوع، فاذا كان الوصف هو العلة المستقلة المنحصرة للحكم من دون دخالة اضافته الى الموضوع، فتكون القضية دالة على المفهوم في حال انتفاء الموضوع، و يكون من انتفاء سنخ الحكم لعدم دخالة الموضوع في الحكم أصلا، و على هذه الاستفادة فيكون انتفاء الحكم في الوصف المساوي كالمتعجب و الوصف الأعم من موصوفه كالماشي عند انتفاء الوصف كما في الحيوان

ص: 44

فلا وجه للتفصيل بينهما و بين ما إذا كان أخص من وجه، فيما إذا كان الافتراق من جانب الوصف، بأنه لا وجه للنزاع فيهما، معللا بعدم الموضوع، و استظهار جريانه من بعض الشافعية فيه، كما لا يخفى، فتأمل جيدا (1).

______________________________

و الحجر من الدلالة المفهومية، و الانتفاء عند الانتفاء لان لازم كون الوصف بنفسه من دون دخالة الموضوع علة مستقلة منحصرة للحكم هو ثبوت المفهوم، و دلالته على انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف و لو انتفى الموضوع، و الى هذا اشار بقوله: «و لعل وجهه استفادة العلية المنحصرة منه» بالنحو الذي ذكرنا من كون الوصف هو العلة المنحصرة للحكم بنفسه من دون دخالة للموضوع أصلا، و على هذا فيكون الوصف دالا على المفهوم و لو كان مساويا أو أعم من الموصوف، و لذا قال: «و عليه فيجري» أي فيجري النزاع حتى «فيما كان الوصف مساويا أو أعم مطلقا أيضا فيدل على انتفاء سنخ الحكم عند انتفائه» أي عند انتفاء الوصف بناء على القول بالمفهوم و لا اختصاص لانتفاء الحكم في المقام و هو انتفاء الوصف في العموم من وجه في مورد الافتراق من جانب الوصف و الموصوف كما في الابل المعلوفة.

(1) هذا تعريض لما يظهر من صاحب التقريرات من تفصيله بين الوصف المساوي و الوصف الأعم مطلقا، و بين مورد الافتراق من جانب الوصف و الموصوف كالابل المعلوفة- باختيار خروج الاولين عن محل النزاع معللا للخروج بكون انتفاء الحكم فيهما لأجل انتفاء الموضوع و هو ليس من الدلالة المفهومية.

و اما في الافتراق من جانب الوصف و الموصوف كانتفاء الزكاة عن الابل المعلوفة فلم يظهر منه خروجه عن محل النزاع بل ظاهره دخوله في محل النزاع، لأنه قال يظهر من بعض الشافعية جريان النزاع فيه، و لو كان يرى خروجه لصرح بعدم صحة دخوله في محل النزاع.

ص: 45

مفهوم الغاية

اشارة

فصل هل الغاية في القضية تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية، بناء على دخول الغاية في المغيى، أو عنها و بعدها، بناء على خروجها،

______________________________

و بعد الاحاطة بما ذكرناه يظهر بوضوح عدم صحة هذا التفصيل من التقريرات، لأنه ان كان الوصف علة مستقلة و منحصرة لثبوت الحكم من دون دخالة لأضافته للموضوع، فلا فرق بين الوصف المساوي و الأعم و الافتراق من جانب الوصف و الموصوف، و يدل على انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف و هو من انتفاء سنخ الحكم بناء على دلالته على المفهوم، و لا فرق بين الاقسام الثلاثة أصلا و ان كان الوصف علة منحصرة لثبوت الحكم لموضوعه، و ان انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه ليس من الدلالة المفهومية، فكما يخرج عن محل النزاع الوصف المساوي و الأعم من موصوفه لكون انتفاء الحكم فيه بانتفاء الموضوع لا للمفهوم، كذلك يخرج مورد افتراق الوصف و الموصوف عن محل النزع أيضا لنفس العلة المذكورة، و لا يكون انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه من الدلالة المفهومية فلا وجه للتفصيل بين المساوي و الاعم و مورد الافتراق من جانب الوصف و الموصوف، و الى هذا اشار بقوله: «فلا وجه في التفصيل بينهما» أي بين الوصف المساوي و الاعم مطلقا «و بين ما اذا كان الافتراق من جانب الوصف» و الموصوف كالابل المعلوفة «بأنه لا وجه للنزاع فيهما» أي في الوصف المساوي و الاعم «معللا» لخروجها عن محل النزاع «بعدم الموضوع» عند انتفاء الوصف المساوي و الاعم، و لكنه مع هذا التعليل ذكر «استظهار جريانه» أي جريان النزاع عن «بعض الشافعية فيه» أي في مورد الافتراق من جانب الوصف و الموصوف، و كلامه هذا ظاهر في الفرق بينهما و بين مورد الافتراق من الوصف و الموصوف، و قد عرفت عدم الفرق بينهما، فاما ان تدخل الانحاء الثلاثة جميعها في محل النزاع، و اما ان تخرج كلها عنه.

ص: 46

الفرق بين كون الغاية قيدا للحكم أو للموضوع

أولا (1)؟ فيه خلاف، و قد نسب إلى المشهور الدلالة على الارتفاع، و إلى جماعة منهم السيد و الشيخ، عدم الدلالة عليه.

و التحقيق: إنه إذا كانت الغاية بحسب القواعد العربية قيدا للحكم، كما في قوله: كل شي ء حلال حتى تعرف أنه حرام، و كل شي ء طاهر حتى تعلم أنه قذر، كانت دالة على ارتفاعه عند حصولها، لانسباق ذلك منها، كما لا يخفى، و كونه قضية تقييده بها، و إلا لما كان ما جعل غاية له بغاية، و هو واضح إلى النهاية (2).

______________________________

(1) لا يخفى ان الغاية ربما تكون لتحديد المسافة كقولنا سار الجيش ستين فرسخا من البصرة الى الكوفة، و ربما تكون لتحديد السير كقولنا سار الركب الى ان كلّت آباط الابل، و ثالثة يكون المراد من الغاية متلوّها الذي هو قيد للحكم او الموضوع و الظاهر ان محل الكلام في الدلالة على المفهوم و عدمه هو المعنى الثالث.

ثم لا يخفى ان البحث في هذا الفصل المعقود للغاية في موردين:

الأول: في دلالتها على المفهوم و عدمه.

الثاني: في ان الغاية هل هي داخلة في المغيّى او لا؟ أي ان متلوّ الغاية هل يكون مشمولا للحكم المنطوقي او خارجا عنه و قد اشار اليهما، فاشار الى كونها دالة على المفهوم أولا بقوله: «هل الغاية في القضية تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية» أو لا؟ و أشار الى كون الغاية داخلة في المغيا او لا بقوله: «بناء على دخول الغاية في المغيا» لأنه بناء على دخولها في المغيا تكون داخلة في المنطوق، و يكون الكلام في دلالة القضية الغائية على انتفاء الحكم عما بعد الغاية و عدم الدلالة، و بناء على خروج الغاية عن المغيا تكون خارجة عن المنطوق و تكون مما تدل القضية الغائية على انتفاء الحكم عنها بناء على دلالتها على المفهوم، و لذا قال: «أو عنها و بعدها بناء على خروجها».

(2) الأقوال في المسألة ثلاثة:

ص: 47

.....

______________________________

- الأول: دلالة القضية الغائية على المفهوم و انتفاء سنخ الحكم عما عدا الغاية مطلقا و هو المنسوب الى المشهور.

- الثاني: عدم دلالة القضية على الانتفاء مطلقا، و هو المنسوب الى السيد و الشيخ.

- الثالث: التفصيل و هو مختار المصنف، في ان الغاية ان كانت غاية للحكم دلت على المفهوم و انتفاء سنخ الحكم، و ان كانت غاية للموضوع فليس لها دلالة على الانتفاء فلا مفهوم لها، و قد اشار الى التفصيل بقوله: «و التحقيق ... الى آخر كلامه».

و توضيحه: ان الغاية في القضية ربما تكون بحسب القواعد العربية المتبعة غاية و قيدا للحكم كقوله كل شي ء حلال لك من النساء و الطيب حتى تعقد الاحرام، و عبارة المتن خالية عن قيد لك، و سيأتي في باب الاستصحاب ان قوله كل شي ء حلال حتى تعرف او كل شي ء طاهر حتى تعلم فيه اشكال، من حيث كون الغاية فيه غاية للحكم أو الموضوع، فلذلك زدنا قيد لك، فانه مما لا اشكال فيه عندهم انه قيد للحكم دون الموضوع.

و على كل فالغاية المتصلة بالحكم بعد تمام موضوعه فان ظاهرها في القواعد العربية كونها قيدا للحكم كالمثال المذكور، و اذا كانت متصلة بالموضوع فظاهر القواعد العربية انها من قيوده لا من قيود الحكم، و اذا كانت الغاية قيدا للحكم فلا بد من ارتفاعه بارتفاع غايته و قيده، و لازم هذا انتفاء الحكم عما عدا المغيّى.

فان قلت: ان المنشأ شخص الحكم و تقييده لا يقتضي إلّا ارتفاعه لا ارتفاع سنخ الحكم، و قد عرفت ان المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم لا شخصه.

قلت: لا شبهة في ان المنشأ هو شخص الحكم، لان الحكم المنشأ هو الحكم المضاف الى موضوع ما فانه من الأمور النسبية التعلّقية، فتصوره تصور ما هو مضاف و مقيد فتشخصه لا ينفك عنه، و المنشأ هو هذا الحكم المتشخص المضاف الى شي ء

ص: 48

و أما إذا كانت بحسبها قيدا للموضوع، مثل سر من البصرة إلى الكوفة، فحالها حال الوصف في عدم الدلالة، و إن كان تحديده بها بملاحظة حكمه و تعلق الطلب به، و قضيته ليس إلا عدم الحكم فيها إلا

______________________________

و المنسوب الى موضوع ما، الّا ان المدعي للمفهوم يقول: ان الغاية لم تكن قيدا له بما هو متشخص بل هي قيد له بما هو طبيعة الحكم و سنخه، و هذه هي دعوى المفهوم في القضية الشرطية، فان الوجوب المنشأ فيها و ان كان متشخصا إلّا ان مدعي المفهوم فيها يقول في ان الحرف دال على العلية المنحصرة للوجوب بما هو وجوب و هو السنخ و لازمه ثبوت المفهوم، فان العلية المنحصرة لشخص الحكم لا تستلزم المفهوم بل لا فائدة في بيان كونها منحصرة أو غير منحصرة له، لأن انتفاءه بانتفاء موضوعه المتشخص به عقلي لا ريب فيه، فاذا كان الوضع او الاطلاق مفيدا للعلية المنحصرة فلا بد و ان تكون لطبيعي الحكم و سنخه لا لذات الحكم المضاف و شخصه.

و قد أشار المصنف الى دليلين على ثبوت المفهوم للغاية التي هي غاية للحكم:

الأول: التبادر و ان المتبادر من الغاية التي هي قيد للحكم هو انتفاء سنخ الحكم عما عدا المغيى، و الى هذا اشار بقوله: «كانت دالة» أي الغاية «على ارتفاعه» أي على ارتفاع الحكم «عند حصولها» أي عند حصول الغاية، فان الحلية الظاهرية المقيدة بأن غايتها هي المعرفة ترتفع بحصول المعرفة، و كذلك الطهارة المقيدة بحصول العلم ترتفع بحصول العلم بالقذارة «لانسباق ذلك منها» أي لانسباق ارتفاع الحكم بالحلية و بالطهارة بمجرد المعرفة و العلم فان العرف يتبادر من قوله كل شي ء حلال لك حتى تعرف أو كل شي ء طاهر لك حتى تعلم ارتفاع الحلية بالمعرفة و الطهارة بالعلم.

الثاني: الخلف، و حاصله: انه اذا كانت الغاية غاية لطبيعي الحلية و الطهارة فلا بد من ارتفاع هذا الطبيعي عند حصول الغاية، و لو كان الطبيعي ثابتا مع حصول الغاية لما كانت الغاية غاية و نهاية لامد تحققه، و الى هذا اشار بقوله: «و كونه قضية تقييده بها ... الى آخر الجملة».

ص: 49

بالمغيا، من دون دلالة لها أصلا على انتفاء سنخه عن غيره (1)، لعدم ثبوت وضع لذلك، و عدم قرينة ملازمة لها و لو غالبا، دلت على

______________________________

(1) حاصله: ان الغاية اذا كانت بحسب القواعد العربية من قيود الموضوع كقوله السير من البصرة الى الكوفة واجب أو سر من البصرة الى الكوفة، فان الغاية في المثالين من قيود الموضوع دون الحكم لأنها متصلة به. أما في المثال الأول فواضح، و أما في المثال الثاني فان الوجوب المستفاد من الهيئة متعلق بالسير الذي هو من البصرة الى الكوفة، و هذا يقتضي كون الابتداء و الانتهاء من قيود السير دون الوجوب، و اذا كانت الغاية قيدا للموضوع فلا تزيد على كونها وصفا و قيدا له، و ان الحكم متعلق بهذا الموضوع الموصوف و المقيد بهذه الغاية، و قد تقدم عدم دلالة الوصف على المفهوم و انه لا دلالة له على انتفاء سنخ الحكم بانتفاء هذا الموضوع الموصوف بالغاية، و ان هذا التحديد انما يوجب ثبوت الحكم لهذا المحدود و لا دلالة له على أكثر من ذلك، و هو ساكت عن انتفاء طبيعي الحكم عن غير هذا الموضوع و لا دلالة له على انتفاء طبيعي الحكم عن غير هذا الموضوع.

و بعبارة اخرى: ان تحديد الموضوع بالغاية انما يدل على ان شخص هذا الحكم ثابت لهذا المعنى بهذه الغاية، فان الوجوب المتعلق بالسير قد دل تقييده بالغاية على ان هذا الوجوب ثابت للسير المحدود بالحدين، فالغاية قد حددت المتعلق لهذا الوجوب و ان شخص هذا الوجوب ثابت للمغيا بهذه الغاية دون غيره، إلّا ان المفهوم انما هو انتفاء سنخ الوجوب، فشخص هذا الوجوب الثابت لهذا الموصوف بالغاية و ان كان ينتفي بانتفاء الغاية إلّا انه ليس من المفهوم في شي ء كما عرفت، لان المفهوم هو انتفاء السنخ دون الشخص فما لم يكن التحديد لنفس الوجوب كما في الغاية الراجعة الى الحكم لا تدل القضية الغائية على انتفاء سنخ الوجوب عما عدا المغيى، بل يكون حكم الغاية الراجعة الى الموضوع حكم الوصف المضيق لدائرة الموضوع و لا تزيد على الوصف بشي ء أصلا، و القضية الوصفية لا تدل على المفهوم

ص: 50

اختصاص الحكم به، و فائدة التحديد بها كسائر أنحاء التقييد، غير منحصرة بإفادته كما مر في الوصف (1).

______________________________

كما مر و الى هذا اشار بقوله: «و اما اذا كان بحسبها» أي بحسب القواعد العربية «قيدا للموضوع مثل سر من البصرة الى الكوفة فحالها» أي فحال هذه الغاية «حال الوصف في عدم الدلالة» على انتفاء سنخ الحكم عما عدا المغيى بها «و ان كان تحديده» أي الموضوع «بها» أي بالغاية «بملاحظة حكمه و تعلق الطلب به» أي بملاحظة الحكم الشخصي و الطلب الخاص المتعلق به «و قضيته» أي و قضية تحديد الموضوع بالغاية و ان كان بملاحظة الحكم و الطلب المتعلق به إلّا انه هو الحكم الشخصي دون سنخ الحكم فلا يقتضي «الا عدم الحكم فيها» أي في هذه الملاحظة «الا بالمغيا» و انتفاء هذا الحكم الشخصي عن غير المغيى «من دون دلالة لها» أي لهذه الملاحظة «أصلا على انتفاء سنخه» اي سنخ الحكم «عن غيره» أي عن غير هذا الموضوع المحدود.

(1) لا يخفى ان القائلين بثبوت مفهوم الغاية مطلقا استدلوا عليه بمثل ما استدلوا على دلالة الوصف على المفهوم، و حيث انا نقول بالتفصيل و ان الغاية اذا كانت قيدا للحكم كان للقضية مفهوم، فلذلك جعل ادلتهم في النحو الذي قلنا بعدم الدلالة فيه على المفهوم، و هو ما اذا كانت الغاية من قيود الموضوع.

و على كل فقد استدلوا على كون الغاية دالة على المفهوم، بأنها موضوعة لبيان سنخ الحكم عما عدا المغيى.

و يرد عليه: ان الغاية اذا كانت من قيود الموضوع فلا يتبادر منها ذلك، و لم ينص أهل اللغة على افادتها المفهوم لو كان قول اللغوي حجة لافادة الوضع، فان الغاية التي هي من قيود الموضوع لا يزيد على افادة وصف مقيد و محدد للموضوع، و قد عرفت عدم وضع للدلالة على المفهوم و انتفاء سنخ الحكم بانتفائه، و الى هذا اشار بقوله: «لعدم ثبوت وضع لذلك».

ص: 51

.....

______________________________

و استدلوا أيضا بان الاطلاق يقتضي كون الغاية دالة على المفهوم، فان المولى حيث كان بصدد البيان لجميع ما له دخل في ثبوت الحكم له، فلو كان الحكم ثابتا لغير المغيى لكان ناقضا لغرضه.

و يرده اولا: انه يتوقف على اثبات كون المولى بهذا الصدد: أي بصدد بيان جميع ما له دخل في سنخ الحكم لا محض شخص الحكم.

و ثانيا: ان الاطلاق غاية ما يثبت بان شخص هذا الحكم يختص بالمغيا و لا دلالة فيه على ان سنخ الحكم منحصر فيه، و الى هذا اشار بقوله: «و عدم قرينة ملازمة لها ... الى آخر الجملة».

و استدلوا ثالثا: بان الغاية لو لم تدل على المفهوم للزم اللغوية، بما حاصله: انها اذا كانت لا تفيد انحصار سنخ الحكم بالمغيا و ان الحكم يمكن ان يكون ثابتا للمغيا و غيره لكان ذكر الغاية للمغيا لغوا، و لا يعقل اللغوية في كلام الحكيم.

و بعبارة اخرى: ان الفائدة للتحديد بالغاية تنحصر في كون ذلك لبيان انحصار سنخ الحكم، و اذا كانت الغاية المحددة للموضوع تقيد انحصار سنخ الحكم فيه فلا بد من ثبوت المفهوم و انتفاء الحكم عما عدا المغيى.

و الحاصل: ان الغاية المحددة ان افادت ان الحكم ينحصر في ما له الحد افادت المفهوم، و ان لم تفد ذلك و لا يكون الحكم منحصرا في المحدود بالغاية و هو المغيى بان امكن ان يثبت لغير المغيى لم يكن للتحديد بالغاية فائدة، و تكون لغوا و اللغوية محال على الحكيم.

و يرده: ان فائدة التحديد لا تنحصر في كون الحكم بسنخه منحصرا في المحدود لجواز ان تكون فائدته انحصار شخص الحكم بالمغيا، فان قوله السير من البصرة الى الكوفة واجب يدل على انحصار هذا الوجوب بهذا السير بين الحدين، و لا يدل هذا على كون سنخ الوجوب منحصرا فيه، و كذلك قوله: سر من البصرة الى الكوفة فانه لا يدل على أكثر من ذلك.

ص: 52

دخول الغاية في المغيى و عدمه

ثم إنه في الغاية خلاف آخر، كما أشرنا إليه، و هو أنها هل هي داخلة في المغيى بحسب الحكم؟ أو خارجة عنه؟ و الاظهر خروجها، لكونها من حدوده، فلا تكون محكومة بحكمه، و دخولها فيه في بعض الموارد إنما يكون بالقرينة، و عليه تكون كما بعدها بالنسبة إلى الخلاف الاول، كما أنه على القول الآخر تكون محكومة بالحكم منطوقا (1).

______________________________

و بعبارة اخرى: ان التحديد بالغاية لا تزيد على توصيف الموضوع بالوصف، و الى هذا اشار بقوله: «و فائدة التحديد بها» أي بالغاية «كسائر انحاء التقييد غير منحصرة بإفادته» أي ان فائدة التحديد بالغاية مثل الوصف لا تنحصر بافادة انحصار سنخ الحكم بالمغيا كما ان التوصيف بالوصف لا تنحصر فائدته في ذلك بمعنى ان الغاية اذا لم تكن لانحصار سنخ الحكم لا يلزم اللغوية.

(1) هذا هو المبحث الثاني في الغاية، و هو انه هل الغاية داخلة في المغيى أم لا؟

و ملخص الكلام انه لا اشكال في ان اول الشي ء و آخره داخل في الشي ء و ما يبتدئ منه الشي ء و ما ينتهي اليه خارج عن شي ء، فان كان المستفاد من الغاية انها آخر الشي ء المغيى كانت داخلة في المغيى، و ان كان المستفاد منها انها ما ينتهي اليه الشي ء المغيى بها كانت خارجة عن المغيى، و قد استظهر المصنف انها بمعنى ما ينتهي اليه الشي ء، و لذا قال: «و الأظهر خروجها» أي الغاية عن المغيى «لكونها من حدوده» أي من حدود المغيى التي اليها تنتهي.

قوله (قدس سره): «و عليه يكون كما بعدها» أي ان الغاية بناء على خروجها عن المغيا تكون داخلة في محل النزاع، فان قلنا بالمفهوم و انتفاء الحكم عما عدا المغيى كان الحكم منتفيا عنها، و ان لم نقل بالمفهوم لا تكون القضية الغائية نافية الحكم عنه، بل تكون ساكتة عن ذلك، فبناء على خروجها يكون قوله سر من البصرة الى الكوفة بناء على المفهوم دالا على ان السير الواجب هو الى الحد الذي يطلق عليه اسم الكوفة و السير فيما يطلق عليه الكوفة غير واجب، لدلالة القضية على ان غير المغيى

ص: 53

ثم لا يخفى أن هذا الخلاف لا يكاد يعقل جريانه فيما إذا كان قيدا للحكم، فلا تغفل (1).

مفهوم الاستثناء

مفاد أدوات الاستثناء

فصل لا شبهة في دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم- سلبا أو إيجابا- بالمستثنى منه و لا يعم المستثنى، و لذلك يكون الاستثناء من النفي إثباتا، و من الاثبات نفيا، و ذلك للانسباق عند الاطلاق قطعا (2)، فلا يعبأ بما

______________________________

الذي هو ما عدا أول الكوفة منتف عنه وجوب السير و اذا لم يكن للقضية الغائية مفهوم يكون السير في ما يطلق عليه اسم الكوفة مسكوتا عنه. كما انه قد تبين ان الغاية اذا كانت داخلة في المغيى بان تكون هي منتهى الشي ء تكون داخلة في المنطوق فيجب السير فيها قطعا سواء قلنا بالمفهوم او لم نقل به.

(1) حاصله: ان الكلام في ان الغاية داخلة في المغيى ام لا انما يتأتى حيث تكون الغاية غاية للموضوع، فان كان المغيى هو الموضوع فيتأتى ان يقال: ان الغاية هل تكون داخلة في ما ثبت له الحكم ام انها خارجة؟ و اما اذا كانت الغاية غاية و قيدا للحكم فالمغيا هو الحكم، و لا معنى لان يقال هل الغاية للحكم هي من الحكم أو خارجة عنه. نعم يمكن ان يتأتى الكلام فيها بتغيير العنوان المذكور، بأن نقول: هل ينتهي الحكم بغايته ام يمتد الى ما بعدها؟ و هذا غير العنوان المتقدم الذي هو هل الغاية داخلة في المغيى ام لا؟

(2) حاصله: ان الجملة الاستثنائية تدل على المفهوم، و توضيح ذلك: ان قولنا قام القوم الا زيد و ما جاء القوم الا زيد لها دلالة منطوقية، و هي ثبوت القيام للقوم و خروج زيد عنه، و نفي المجي ء عن القوم و خروج زيد عن نفي المجي ء، و دلالة مفهومية و هي عدم قيام زيد في القضية الاولى، و مجي ء زيد في القضية الثانية، فالمنطوق فيها هو خروج المستثنى عن الحكم الثابت للمستثنى منه، و مفهومها ثبوت نقيض الحكم للمستثنى، فالخصوصية التي تفيد المفهوم في القضية الاستثنائية هو

ص: 54

عن أبي حنيفة من عدم الافادة، محتجّا بمثل لا صلاة إلا بطهور ضرورة ضعف احتجاجه أولا: يكون المراد من مثله أنه لا تكون الصلاة التي كانت واجدة لاجزائها و شرائطها المعتبرة فيها صلاة، إلا إذا كانت واجدة للطهارة، و بدونها لا تكون صلاة على وجه، و صلاة تامة مأمورا بها على آخر.

و ثانيا: بأن الاستعمال مع القرينة، كما في مثل التركيب، مما علم فيه الحال لا دلالة له على مدّعاه أصلا، كما لا يخفى (1).

______________________________

دلالتها على ان الحكم يختص بالمستثنى منه و لا يعم المستثنى، و لازم هذا كون المستثنى مسلوبا عنه الحكم الايجابي الذي هو للمستثنى منه، و ثانيا للمستثنى حكم ايجابي هو المسلوب عن المستثنى منه، و قد اشار المصنف الى الخصوصية في المنطوق بقوله: «لا شبهة في دلالة الاستثناء ... الى آخر الجملة» و الى المفهوم اللازم لهذه الخصوصية بقوله: «و لذلك يكون الاستثناء من النفي اثباتا و من الاثبات نفيا» و الدليل على افادة الجملة الاستثنائية للمفهوم هو التبادر و انسباق ذلك منها، مضافا الى ان الاستثناء هو في مقام اخراج المستثنى، و حيث لا يعقل ان يخرج حال المستثنى بالنسبة الى الحكم الثابت للمستثنى منه، من انه اما ان يكون متلبسا به او بنقيضه، فان زيدا بالنسبة الى القيام- مثلا- اما ان يكون متلبسا به او غير متلبس به، فاذا دل المنطوق على خروج زيد عن التلبس بالقيام فلا بد عقلا ان يكون زيد غير متلبس به و ليس المفهوم الا هذا، و على كل فقد اشار المصنف الى دلالة التبادر على المفهوم بقوله: «و ذلك للانسباق عند الاطلاق قطعا».

(1) أنكر أبو حنيفة دلالة الاستثناء على المفهوم مدعيا ان القضية الاستثنائية لا تدل على اكثر من خروج زيد- مثلا- عن القيام المنسوب الى القوم، و اما كون زيد لم يقم فلا تدل القضية الاستثنائية عليه، و قد احتج على هذا بقوله لا صلاة إلّا بطهور بما حاصله: ان هذه القضية تدل بمنطوقها على نفي حقيقة الصلاة الصحيحة الخارج

ص: 55

.....

______________________________

عنها الصلاة مع الطهور فالصلاة مع الطهور، خارجة عن حقيقة الصلاة المنفية، و اما كون الصلاة تثبت بثبوت الطهور فلا تدل القضية عليه و لا يعقل ان تدل عليه، لان لازمه ان يكون بتحقق الطهور وحده تتحقق الصلاة الصحيحة، و من الواضح ان الصلاة الصحيحة لا تتحقق بمجرد تحقق الطهور وحده، بل لا بد في تحققها من تحقق جميع اجزائها و شرائطها.

و اتضح مما ذكرنا أيضا ان الصلاة المنفيّة في قوله لا صلاة إلّا بطهور هي الصلاة الصحيحة، و لا معنى لان تكون المنفية هي الصلاة الأعم من الصحيحة و الفاسدة، لوضوح ان هذه القضايا لغرض بيان مدخلية الطهور في الصلاة و الغرض من مدخليته مدخليته في الصلاة الصحيحة، و لا معنى لمدخلية الطهور في الصلاة التي هي أعم من الصحيحة و الفاسدة، خصوصا في مثل الطهور الذي هو شرط لتأثيرها أثرها، مضافا الى انه لو كان المراد من الصلاة المنفية هي الاعم للزم انتفاء مسمى الصلاة و لو كانت فاسدة بانتفاء الطهور، و لا ريب في عدم صحة هذه القضية.

و يرد عليه، اولا: ان المراد من امتثال هذه التراكيب هو لزوم اقتران الصلاة الصحيحة بالوضوء، فلا بد و ان تكون الصلاة مفروضا وجدانها لسائر أجزائها و شرائطها، و هذا مثل قولهم: لا علم إلّا بالعمل، فان الغرض منه ان حقيقة العلم واقعا تثبت للعلم المقرون بالعمل، و ليس الغرض منه بيان ان العمل علم او ان كل مقرون بالعمل علم.

و الحاصل: ان هذه التراكيب لبيان لزوم اقتران الصلاة بالطهور لا لأجل بيان ان الصلاة طهور، و لا بيان ان العلة التامة للصلاة الصحيحة هو الطهور، بل لبيان ان الطهور من شرائط الصلاة الصحيحة، و عليه فلا بد من فرض الصلاة واجدة لجميع أجزائها و شرائطها، و حيث أنه لا تأثير لها اذا لم تكن مقترنة بالطهور، فلذا قال: انه لا حقيقة للصلاة في مقام التأثير الا للصلاة المقرونة بالطهور، و لا فرق بين هذا و بين قولهم لا علم الا بعمل و الى هذا أشار بقوله: «اولا بكون المراد من مثله ... الى

ص: 56

مفاد كلمة الاخلاص

و منه قد انقدح أنه لا موقع للاستدلال على المدعى، بقبول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إسلام من قال كلمة التوحيد، لا مكان دعوى أن دلالتها على التوحيد كان بقرينة الحال أو المقال (1).

______________________________

آخر الجملة» فظهر بناء على هذا انه لا مانع من ثبوت المفهوم في هذه، فان منطوقها يدل على ان الصلاة المقرونة بالطهور خارجة عن نفي حقيقة الصلاة الصحيحة، و مفهومها ان الصلاة المقرونة بالوضوء تثبت بها حقيقة الصلاة الصحيحة.

و ثانيا: ان القائل بدلالة الاستثناء على المفهوم لا يمنع استعمال الاستثناء فيما لا مفهوم له، فلو سلمنا ان هذه القضايا لا مفهوم لها لقيام القرينة الخارجية على ان الطهور- مثلا- ليس بصلاة و بتحققه وحده لا تتحقق الصلاة، و لكنه في غير ما قامت عليه القرينة فالاستثناء يدل على المفهوم، و الى هذا اشار بقوله: «و ثانيا بان الاستعمال مع القرينة» أي استعمال الاستثناء فيما لا مفهوم له مع القرينة «كما في مثل» هذا «التركيب مما علم فيه الحال» بواسطة القرينة انه لا مفهوم له «لا دلالة له على مدعاه» أي لا دلالة له على مدعى ابي حنيفة من كون الاستثناء مطلقا لا دلالة له على المفهوم.

ثم لا يخفى ان المصنف في هامش الكتاب قد اجاب بجواب ثالث 3]، و حاصله:

ان احتجاج ابي حنيفة انما يتم حيث يكون المقدّر في مثل هذا التركيب هو اما حاصل او موجود، فان المفهوم حينئذ يكون هو ان الصلاة موجودة أو حاصلة بمجرد تحقق الطهور، و اما لو كان المقدر هو كلمة ممكن لثبت المفهوم و لا يلزمه تحقق الصلاة بمجرد تحقق الطهور، فان القضية على هذا تكون انه لا صلاة ممكنة إلّا بالطهور، و يكون المفهوم ان الصلاة مع الطهور ممكنة و الامكان لا يلازم الوجود.

(1) حاصله: انه قد عرفت ان الدليل على دلالة الاستثناء على المفهوم هو التبادر، و قد ظهر أيضا من الايراد الثاني على ابي حنيفة، بان الاستعمال في غير المفهوم

ص: 57

.....

______________________________

لقرينة لا يمنع كون الاستثناء- لو تجرّد عن القرينة- دالا على المفهوم، و من هذا يظهر فساد الاستدلال لدلالة الاستثناء على المفهوم بغير التبادر، و هو قبول اسلام من قال كلمة التوحيد.

و توضيح الاستدلال: ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان يقبل اسلام كل من نطق بكلمة لا إله إلا اللّه، فان الاسلام هو عبارة عن نفي الشركة و الاعتراف بوجود اللّه تبارك و تعالى وحده، فلو لم تدل كلمة التوحيد على نفي غير اللّه و الاعتراف بوجوده عزّ و جل لما كان النطق بها كافيا في قبول اسلام المسلم، فان المنطوق في كلمة التوحيد هو نفي وجود حقيقة الإله او نفي امكانها، و اخراج اللّه تبارك و تعالى من هذه الحقيقة المنفية اما بوجودها او بامكانها، لان الخبر المقدّر اما موجود او ممكن، و هذا وحده غير كاف في الاسلام، بل لا بد مع اخراجه عزّ و جل عن الحقيقة المنفية من ضمّ الاعتراف بوجوده او امكانه، و سيأتي ان الاعتراف بامكانه يساوق الاعتراف بوجوده، و الاعتراف بوجوده او امكانه هو المفهوم في هذه الكلمة المباركة، فلو لم يكن الاستثناء دالا على المفهوم لما كان النطق بهذه الكلمة الطيبة كافيا في قبول اسلام المسلم.

و الحاصل: ان القائل بالمفهوم في الاستثناء يقول بدلالة القضية الاستثنائية على ثبوت حكم للمستثنى عكس الحكم الثابت للمستثنى منه، و المنكر للمفهوم فيها يقول بان الاستثناء لا يدل على أكثر من خروج المستثنى عن حكم المستثنى منه، و لا دلالة فيه على ثبوت حكم للمستثنى عكس الحكم الثابت للمستثنى منه، و لما كان الاسلام هو نفي واجب وجود غير اللّه و الاعتراف بوجوده، فلو لم تكن هذه الكلمة الطيّبة دالة على ثبوت حكم للمستثنى عكس المستثنى منه لكانت دالة على محض نفي غير اللّه، أي ان وجوب الوجود المنفي خارج عنه اللّه تعالى من دون دلالة للقضية على انه مع خروجه هو ثابت، و لما كان الاسلام هو نفي وجوب الوجود عن غيره و ثبوته وحده، فقبول النبي للاسلام بمجرد النطق بهذه الكلمة انما هو لدلالتها على المفهوم

ص: 58

و الاشكال في دلالتها عليه بأن خبر لا اما يقدر ممكن أو موجود و على كل تقدير لا دلالة لها عليه، أما على الاول: فإنه حينئذ لا دلالة لها إلا على إثبات إمكان وجوده تبارك و تعالى، لا وجوده، و أما على الثاني: فلانها و إن دلت على وجوده تعالى، إلا أنه لا دلالة لها على عدم إمكان إله آخر (1) مندفع، بأن المراد من الإله هو واجب الوجود،

______________________________

و هو نفي غيره و ثبوته وحده، و الى هذا اشار «للاستدلال على المدعى» أي على دلالة الاستثناء على المفهوم «بقبول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم اسلام من قال كلمة التوحيد» و قد عرفت ان دلالتها على توحيده و هو كونه هو الواحد الموجود لا تتم الا بالدلالة على المفهوم.

و يردّه ما تقدم من انه دعوى كون هذه الكلمة مستعملة في الدلالة على المفهوم للقرينة لا يضر بدعوى النافي لدلالة الاستثناء على المفهوم مع عدم القرينة، و الكلمة الطّيبة تدل على المفهوم لقرينة على ذلك، فان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قد جاء بنفي الشركة و توحيد اللّه وحده و استعمل هذه الكلمة مع كون الحال منه او المقال منه صلى اللّه عليه و آله و سلّم انه يريد بهذه الكلمة الدلالة على المفهوم، و الى هذا اشار بقوله: «لا مكان دعوى ان دلالتها على التوحيد» الذي لازمه الدلالة على المفهوم «كان بقرينة الحال او المقال».

(1) حاصله: انه قد استشكل في دلالة هذه الكلمة المباركة على التوحيد، لان معنى التوحيد عبارة عن انه تبارك و تعالى هو الموجود المعبود بالحق و يمتنع ان يكون غيره موجودا معبودا بالحق، و على هذا فيقال ان (لا) في هذا الكلمة هي النافية للجنس الداخلة على المبتدأ و الخبر، فالمبتدأ هو الإله و الخبر اما ممكن او موجود، فعلى فرض كون الخبر ممكنا يكون معناها لا معبود بالحق ممكن إلّا اللّه، و حاصلها انها تسلب الامكان عن المعبود بالحق و تثبت له تبارك و تعالى نفس المحمول المسلوب في المنطوق و هو ممكن، فيكون نتيجتها سلب الامكان عن المعبود غير اللّه و إثبات

ص: 59

.....

______________________________

الامكان له، و هذا المعنى أجنبي عن معنى التوحيد الذي عرفت هو وجوده تبارك و تعالى و امتناع وجود غيره، فان هذه الكلمة اذا كان المحمول فيها هو الامكان فهي لا تثبت له تبارك و تعالى أزيد من الامكان، و التوحيد اثبات الوجود له و امتناع وجود غيره، لا نفي الامكان عن غيره و اثبات الامكان له.

و ان كان الخبر المقدر في الجملة هو موجود فيكون معناها نفي وجود إله غيره و اثبات الوجود المنفي عن غيره له تبارك و تعالى، و هذا المعنى أيضا لا يفيد التوحيد، فانه و ان دلت الكلمة المباركة على وجوده عزّ و جل و نفي وجود غيره إلّا انها لم تدل على امتناع غيره، و عدم الموجود لا يستلزم الامتناع، فالكلمة على كل حال لا يستفاد منها التوحيد تماما، بل اما ان تدل على امتناع غيره و لكنها لا تدل على وجوده بل على امكانه، و اما ان تدل على وجوده و لكنها لا تدل على امتناع غيره، و الى هذا اشار بقوله: «و الاشكال في دلالتها عليه» أي على التوحيد الذي هو عبارة عن وجوده عزّ و جل و امتناع إله غيره، بما حاصله «ان خبر لا اما ان يقدر ممكن او موجود و على كل تقدير لا دلالة لها عليه» أي لا دلالة لها على التوحيد الذي هو عبارة عن الامرين المذكورين.

«اما على الاول» و هو ان يكون الخبر المقدر ممكنا «فانه حينئذ لا دلالة لها الا على إثبات امكان وجوده تبارك و تعالى لا وجوده» لأنها تدل على اثبات المحمول المسلوب في المستثنى منه للمستثنى، و المحمول المسلوب هو الامكان لان حاصلها يكون انه لا إله ممكن إلّا اللّه فهو ممكن، فهي و ان دلت على امتناع غيره إلّا انها لا دلالة لها على وجوده، فان المحمول الثابت له حينئذ هو الامكان دون الوجود.

«و اما على الثاني» و هو ان يكون الخبر المقدر موجودا فلا دلالة لها أيضا على تمامية التوحيد «لأنها و ان دلت على وجوده» لان المحمول المسلوب في المستثنى منه هو موجود و هو الثابت للمستثنى فهي تدل على وجوده عزّ و جل «إلّا انها لا دلالة

ص: 60

و نفي ثبوته و وجوده في الخارج، و إثبات فرد منه فيه- و هو اللّه- يدل بالملازمة البيّنة على امتناع تحققه في ضمن غيره تبارك و تعالى، ضرورة أنه لو لم يكن ممتنعا لوجد، لكونه من أفراد الواجب (1).

______________________________

لها على عدم امكان إله آخر» فتكون ناقصة الدلالة من حيث عدم دلالتها على امتناع إله غيره.

(1) و توضيح الجواب بحيث تكون تامة الدلالة على التوحيد يتوقف على امور:

الأول: ان معنى الإله المنفي بلا هو المعبود بالحق، فهو لفظ موضوع لمعنى كلي، و لفظ الجلالة أي لفظ اللّه هو واجب الوجود بالذات، و هو اسم خاص لذاته جلت و عظمت فهو من الاعلام، و لا يخفى ان المعبود بالحق الذي هو الكلي منحصر في الفرد، لوضوح ان العبادة بالحق من صفاته عزّ و جل المختصة به لأنها من الصفات الخاصة بواجب الوجود بالذات، لان العبادة بالحق هي الخضوع بالحق، و خضوع شي ء لشي ء لا يكون جزافا بل لأنه مستمد منه صيرورته شيئا بالفعل، و انه به صار موجودا منعما عليه بنعمة الوجود، و حيث انه لا فاعل للوجود الا واجب الوجود، فان الممكن الموهوب له الوجود لا يملك غير وجود نفسه، فلا يعقل ان يهب وجود نفسه و هو فاقد لغير ذلك، و فاقد الشي ء لا يعطيه.

فتحصل: ان المعبود بالحق الإله اي كلي منحصر في الفرد، و الفرق بينه و بين لفظ اللّه- لفظ الجلالة- هو ان لفظ الجلالة علم لذاته علة العلل عزت و جلت عظمته.

الثاني: ان الامكان بمعنى عدم الامتناع لا بمعنى سلب الضرورة عن الطرفين اتصاف واجب الوجود بالذات به يلازم فعليته و وجوده، لان واجب الوجود بالذات هو ما كان وجوده ضروريا لذاته لوضوح امتناع ان يكون وجوده من غيره، و إلّا لم يكن وجوده واجبا لذاته بل واجبا له بغيره و علته و هو خلف، فاذا ادرك العقل عدم امتناع وجود ذات وجودها ضروري لذاتها فلا بد و ان تكون موجودة بالفعل لفرض انها لا علة لها حتى توجد بها، و حيث ان العقل ادرك انها لا امتناع

ص: 61

.....

______________________________

في تحققها فلا بد و ان تكون متحققة بالفعل، و إلّا لكان عدم تحققها بالفعل اما لان علتها لم تمنحها الوجود و هو خلف لفرض عدم العلة لها، و اما لانه يمتنع تحققها و هو خلف أيضا لفرض ادراك العقل عدم امتناعها فهي حينئذ مما اذا امكن وجد.

الثالث: انه كما ان عدم امتناعه يلازم وجوده و فعليته كذلك عدم وجود واجب الوجود يلازم امتناعه بالذات لعين ما ذكرناه، لانه مع فرض كونه واجب الوجود و غير محتاج الى علة فلا بد ان يوجد، و اذا لم يوجد فلا بد و ان يكون ممتنعا. فاذا عرفت هذا اتضح الجواب.

فانا نختار ان الخبر المقدر هو موجود، و قد عرفت ان جهة الاشكال عليه بان النقصان فيها من حيث انها لا تدل على امتناع غيره تعالى و ان دلت على وجوده، و التوحيد لا بد و ان يكون مشتملا على الامرين، لأن دلالتها تكون انه لا إله موجود إلّا اللّه فهو موجود، و نفي وجود غيره لا يدل على امتناع ذلك الغير الموجود لعدم الملازمة بين عدم الوجود و الامتناع.

و بما بيّنا يتضح: انه في مفهوم واجب الوجود عدم وجوده يلازم امتناعه كما عرفت، و انما لا يلازم عدم الوجود الامتناع في الممكن المحتاج الى العلة، اما ما لا حاجة فيه الى العلة فعدم وجوده لا بد و ان يلازم امتناعه، اذ لو لم يكن ممتنعا لوجد.

و الحاصل: انه بناء على ان المقدر موجود فالمتحصل منها نفي وجود واجب وجود غير اللّه و ان اللّه موجود، و هذا المعنى يدل على وجوده و امتناع غيره و هو التوحيد، لان واجب الوجود هو الذي يكون وجوده ضروريا لذاته، و نفي وجود ما كان وجوده ضروريا لذاته يلازم امتناعه، لما عرفت من ان ما كان وجوده ضروريا لذاته اذا لم يكن ممتنعا فلا بد و ان يكون موجودا، و الى هذا أشار بقوله:

«مندفع بان المراد من الإله هو واجب الوجود» لا يخفى انه ليس غرضه ان مفهوم الإله و مفهوم واجب الوجود مترادفان بل غرضه ان الإله حيث انه هو المعبود بالحق و المعبود بالحق مساوق لواجب الوجود «و نفي ثبوته و وجوده في الخارج» أي نفي

ص: 62

ثم إن الظاهر أن دلالة الاستثناء على الحكم في طرف المستثنى بالمفهوم (1)، و أنه لازم خصوصية الحكم في جانب المستثنى منه التي دلت

______________________________

ثبوت هذا المفهوم الكلي «و اثبات فرد منه فيه و هو اللّه» العلم لذاته تعالى بالخصوص و هو فرد هذا المفهوم الكلي «يدل بالملازمة البينة على امتناع تحققه» أي على امتناع تحقق ذلك الكلي في فرد آخر غيره تعالى، لما تقدم من الملازمة في الواجب بين عدم وجوده و امتناعه، و الكلمة المباركة بناء على كون الخبر موجودا قد دلت على عدم وجود هذا المفهوم في الخارج «في ضمن غيره تبارك و تعالى» و نفي وجود غيره يلازم كون ذلك الغير ممتنعا «ضرورة انه لو لم يكن ممتنعا لوجد لكونه من افراد الواجب» الذي يلازم عدم امتناعه وجوده كما مرّ.

ثم لا يخفى انه اتضح أيضا ان الخبر المقدر للكلمة الطيبة لو كان ممكنا أيضا لدلت على التوحيد الكامل التام، لأنها تدل على عدم امكان غيره تبارك و تعالى، و بالنسبة اليه و ان دلت على امكانه لا على وجوده إلّا أنّك قد عرفت ان امكانه أي عدم امتناعه يلازم وجوده، و لم يشر المصنف الى هذا لوضوح انه بعد معرفة لوازم الواجب من ان عدم وجوده يلازم امتناعه، و عدم امتناعه يلازم وجوده يفهم هذا الجواب و لا داعي لذكره.

(1) حاصله: ان (الّا) دلت على مجرد إخراج المستثنى عن المستثنى منه المختص بالحكم فثبوت نقيض الحكم للمستثنى منه لازم اخراجه عن حكم المستثنى منه المختص بهم، و على هذا فالدلالة مفهومية و ان دلت (الا) على ثبوت نقيض الحكم للمستثنى فتكون الدلالة منطوقية.

و الحاصل: انه ان كان معنى قولنا ما جاءني القوم الا زيد هو مجرد خروج زيد عن القوم الذين اختصوا بعدم المجي ء، فتكون الدلالة مفهومية لان لازم خروج زيد عن القوم الذين ما جاءوا المختص بهم عدم المجي ء كون زيد قد جاء، و ان كان معنى

ص: 63

عليها الجملة الاستثنائية، نعم لو كانت الدلالة في طرفه بنفس الاستثناء لا بتلك الجملة، كانت بالمنطوق، كما هو ليس ببعيد، و إن كان تعيين ذلك لا يكاد يفيد.

______________________________

قولنا ما جاءني القوم الا زيد هو كون القوم ما جاءوا و زيد قد جاء كانت الدلالة منطوقية لدلالته على حكمين منطوقيين هما عدم مجي ء القوم و مجي ء زيد.

هذا ما ينبغي ان يقال، و اما ظاهر المتن فهو ان كان الدال على الاستثناء هيئة الجملة دون حرف الاستثناء فالدلالة مفهومية، و ان كان حرف الاستثناء فالدلالة منطوقية.

قوله (قدس سره): «و انه لازم خصوصية الحكم» فان تلك الخصوصية هي دلالة الجملة على اختصاص القيام و انحصاره بالقوم الذين هم غير زيد، و لازم هذه الخصوصية الانحصارية هو ثبوت حكم لزيد مناقض للحكم الثابت للقوم.

قوله (قدس سره): «كما هو ليس ببعيد» ظاهره عدم استبعاده (قدس سره) ان تكون الدلالة منطوقية، و لعل السبب في عدم جزمه بذلك هو دعوى ان الدال على الاستثناء حتى لو كان هو (الّا) فان الدلالة مفهومية أيضا لا منطوقية، لوضوح ان (الّا) لا تدل على أكثر من إخراج زيد عن الحكم الثابت للقوم، و ليس المفهوم من هذا الكلام هو عين قولنا لم يقم زيد، بل لازم ذلك هو كون زيد لم يقم و هو واضح.

قوله: (قدس سره): «و ان كان تعيين ... الخ» حاصله: انه بعد دلالة القضية الاستثنائية على حكم للمستثنى مناقض للحكم الذي هو للمستثنى منه، فسواء كان ذلك حكما مفهوميا أو منطوقيا لا تترتب عليه ثمرة عملية، اذ ليس للحكم المنطوقي خصوصية و ثمرة غير مترتبة على ذلك الحكم لو كان مفهوميا.

ص: 64

دلالة «انما» على الحصر

و مما يدل على الحصر و الاختصاص (إنما) و ذلك لتصريح أهل اللغة بذلك، و تبادره منها قطعا عند أهل العرف و المحاورة (1).

و دعوى- أن الانصاف أنه لا سبيل لنا إلى ذلك، فإن موارد استعمال هذه اللفظة مختلفة، و لا يعلم بما هو مرادف لها في عرفنا، حتى يستكشف منها ما هو المتبادر منها- غير مسموعة، فإن السبيل إلى التبادر لا ينحصر بالانسباق إلى أذهاننا، فإن الانسباق إلى أذهان أهل العرف أيضا سبيل (2).

______________________________

(1) حاصله: ان من جملة ما يدل على الحصر هو لفظ (انّما) فقولنا: انما قام زيد دون عمرو يدل على حصر القيام بزيد و اخراج عمرو، و لازم الحصر بزيد ان عمرا لم يقم.

و استدل له المصنف بدليلين: الأول: تنصيص أهل اللغة ان (انّما) من ادوات الحصر.

الثاني: التبادر فان اهل العرف يفهمون من قول القائل: انما قام زيد دون عمرو هو حصر القيام به و نفيه عن عمرو و التبادر آية الحقيقة، و هذا الدليل كما يدل على افادتها للحصر يدل أيضا على ان ذلك بحسب الوضع.

(2) هذا تعرض لصاحب التقريرات حيث ادعى ان الانصاف عدم دلالة (انّما) على الحصر.

و توضيحه: ان (انّما) ربما تستعمل لحصر القيام بزيد، كقولنا: انّما قام زيد دون القوم، و ربما تستعمل لحصر اتصافه بالقيام كقولنا: انما قام زيد و لم يضرب، في قبال من يدعي انه قام و ضرب، فانها لا تدل على حصر القيام بزيد و انما تدل على ان زيدا وصفه منحصر بالقيام وحده دون الضرب.

ص: 65

.....

______________________________

و كما تستعمل لصرف اتصافه بوصف واحد لا بوصفين كما يقال: انّما زيد شاعر لا كاتب في قبال من يدعي انه كاتب و شاعر، كذلك تستعمل لصرف بيان ان وصفه هو الشاعرية دون الكاتبيّة في قبال من يدعي انه كاتب لا شاعر.

و ربما تستعمل لبيان العلية كقولنا انما قام زيد ليحترم عمرا فانها تدل على ان الداعي لقيامه هو احترامه لعمرو.

و لما كان موارد استعمال انما مختلفا فلا نعلم انها مشتركة بين افادة الحصر و غيره، او انها موضوعة للحصر و مستعملة في غيره مجازا، او انها لم توضع للحصر أيضا و غيره مستفاد من القرينة، و اذا كان هذا حالها فنحن انما نميّز و نجزم بوضع لفظ لخصوص احد موارد استعمالاته حيث يكون له مرادف في لغة اخرى كالفارسية، كلفظ (ان) الشرطية فان مرادفها بالفارسية لفظ (اگر) او (الّا) الاستثنائية فان مرادفها بالفارسية لفظة (مكر) و بواسطة المرادف نستطيع ان نعرف الحقيقة التي وضع لها اللفظ بالعربية، و اذا لم يكن للفظ المختلف موارد استعماله مرادف في لغة اخرى فلا نستطيع ان نعرف الموضوع له في اللغة العربية، و الى هذا أشار بقوله: «فان موارد استعمال هذه اللفظة مختلف و لا يعلم» أي لا يعلم حالها حقيقة «ب» واسطة «ما هو مرادف لها في عرفنا» أي في عرف اللغة الفارسية حتى يستكشف «منها ما هو المتبادر منها».

و يردّه ان الانسباق و التبادر لا ينحصر في تبادر غير العرب حتى يكون السبيل الى معرفة ما هو المتبادر من اللفظ العربي بالتبادر من مرادفه باللغة الفارسية مثلا، فان هناك سبيلا آخر لمعرفة ما هو المتبادر منها بتبادر نفس العرب من مجرد اطلاق اللفظ العربي، كلفظ (انما) فانها و ان كان ليس لها مرادف فلا يكون للفرس- بما هم فرس- بالنسبة اليها سبيل في معرفة معناها الحقيقي، و لكن تبادر العرب انفسهم دليل تام على ما وضعت له في لغة العرب، و قد عرفت انه يتبادر منها الحصر فلا بد و ان تكون موضوعة للحصر و ان استعمالها في غير الحصر مجاز، و الى هذا اشار بقوله: «غير

ص: 66

دلالة «بل» على الحصر

و ربما يعدّ مما دل على الحصر، كلمة (بل) الاضرابية، و التحقيق أن الاضراب على أنحاء:

منها: ما كان لاجل أن المضرب عنه، إنما أتى به غفلة أو سبقه به لسانه، فيضرب بها عنه إلى ما قصد بيانه، فلا دلالة له على الحصر أصلا، فكأنه أتى بالمضرب إليه ابتداء، كما لا يخفى.

و منها: ما كان لاجل التاكيد، فيكون ذكر المضرب عنه كالتوطئة و التمهيد لذكر المضرب إليه، فلا دلالة له عليه أيضا.

و منها: ما كان في مقام الرّدع، و إبطال ما أثبت أولا، فيدل عليه و هو واضح (1).

______________________________

مسموعة» أي دعوى ان الانصاف عدم دلالة (انما) على الحصر كما يظهر من التقريرات غير مسموعة «فان السبيل الى التبادر لا ينحصر بالانسباق الى اذهاننا» أي بما اننا فارسيون، فان الانسباق الى اذهان اهل العرف أي اهل اللسان العربي «أيضا سبيل» الى معرفة ما هو الموضوع له اللفظ في لغة العرب.

(1) من جملة ما ادعى دلالته على الحصر كلمة (بل) الاضرابية، و حيث ان موارد استعمالها مختلف، فتارة تدل على الحصر، و اخرى لا تدل- لا بد من ذكر الموارد التي استعملت فيها ليتبين المورد الذي تدل فيه على الحصر.

و قد ذكر لها في المتن أربعة معان، و ذكر في الهامش لها معنى خامس، و لها معنى سادس لم يشر اليه المصنف.

اما المعاني التي اشار اليها في المتن فالاول: استعمالها لأجل بيان ان المضرب اليه و هو الواقع بعد (بل) جي ء به للدلالة على ان المضرب عنه انما ذكر غفلة كقولنا جاء زيد بل عمرو فيما اذا كان السبب لذكر زيد و اسناد المجي ء اليه هو الغفلة و النسيان، و بعد ذكره حصل التذكر و الالتفات الى انه ليس هو زيد فاضرب عنه و ذكر الذي كان هو الجائي واقعا.

ص: 67

.....

______________________________

الثاني: ان يكون السبب في الاضراب هو ان اللسان قد سبق في مقام التكلم الى زيد فاضرب المتكلم لبيان ان لسانه قد سبق الى ذكره، و ان الجائي واقعا هو عمرو، و الفرق بين هذا و الاول انه في الاول عند ذكر زيد كان يرى انه هو الجائي ثم التفت الى غفلته فاضرب عنه، و في الثاني المتكلم كان عند ذكره لزيد يعلم بانه عمرو و لكن لسانه سبق الى ذكر زيد.

و لا يخفى انه في هذين الاستعمالين لا دلالة للاضراب على الحصر، فان الداعي للاضراب فيهما هو الغفلة و سبق اللسان لا بيان الحصر، و قد اشار الى ما ذكرنا بقوله: «منها ما كان ان المضرب عنه» كزيد «انما أتي به غفلة او سبقه به لسان» و اشار الى ان الداعي الى الاضراب ليس هو الحصر بقوله: «فيضرب بها» أي ب (بل) «عنه الى ما قصد بيانه» و اشار الى انه حيث ان السبب للاضراب هو بيان ما له الحكم واقعا فلا دلالة لها على الحصر بقوله مفرعا على ما ذكر «فلا دلالة له» أي للاضراب «على الحصر اصلا فكانه اتى بالمضرب اليه ابتداء» لان الاضراب كان لاجل ان ذكر المضرب عنه الذي ذكره ابتداء هو لغفلة او سبق لسان، و المضرب اليه هو الذي ينبغي ذكره ابتداء.

الثالث: ان يكون الاضراب لاجل التمهيد و تنبيه السامع ليتأكد الاسناد الى المضرب اليه كما لو كان السامع قد ألف ذهنه زيد، فبمجرد ذكره ينتبه ذهنه لان يسمع ما يسند اليه فيذكر زيدا لاجل التنبيه ليلتفت السامع الى ما هو المسند اليه واقعا فيضرب المتكلم عنه بعد تنبيه السامع الى ذكر المضرب اليه، و في مثل هذا أيضا لا دلالة للاضراب على الحصر لان الداعي له هو التمهيد دون الحصر.

الرابع: ان يكون الداعي للاضراب هو الردع و ابطال ما ثبت له الحكم اولا، لبيان ان الثابت له الحكم واقعا هو المضرب اليه، و هذا يدل على الحصر لان انحصار الفعل بالمضرب اليه لازمه سلب الحكم عن غيره، و لو كان الغرض محض اثبات الحكم للمضرب اليه دون الانحصارية لما قام المتكلم في مقام الردع و الابطال للاسناد

ص: 68

.....

______________________________

الى المضرب عنه و الاضراب عنه الى الاسناد الى المضرب اليه، و كل ما دل على الانحصار فلازمه ثبوت المفهوم و ان غير المضرب اليه لم يكن هو المسند اليه واقعا.

و لا يخفى ان كون المتكلم قد قام مقام الردع و نفي الحكم عن غير عمرو- مثلا- يدل على انحصار الحكم به، و قد عرفت ان لازم الانحصار هو المفهوم، و قد اشار المصنف الى الثالث بقوله: «و منها ما كان» الاضراب «لاجل التأكيد فيكون ذكر المضرب عنه كالتوطئة و التمهيد لذكر المضرب اليه» و حيث كان ذكر المضرب عنه للتوطئة و التمهيد و لاجل تأكيد الحكم للمضرب اليه، و ليس الداعي هو الردع و نفي الحكم عن غير المضرب اليه فلا دلالة للاضراب على انحصار الحكم، و لذا قال:

«فلا دلالة له» أي للاضراب «عليه» أي على الحصر الذي لازمه المفهوم، و الى الرابع اشار بقوله: «و منها ما كان» المتكلم في اضرابه قد قام «في مقام الردع و ابطال ما أثبت اولا» و حيث قد قام في مقام الردع و بيان ان الواقع قد كان ثبوت الحكم للمضرب اليه دون غيره «فيدل عليه» أي على الحصر و لازمه دلالته على المفهوم.

و اما الخامس: فهو الاضراب في مقام الاثبات، بخلاف الرابع الذي قد كان الاضراب فيه لاجل مقام الثبوت، و قد ذكره المصنف في هامش الكتاب 4]، و حاصله: ان الاضراب اذا كان لبيان ابطال الدليل على الدعوى- مثلا- فلا دلالة له على المفهوم، اذ ليس الاضراب لاجل الردع و بيان حصر الحكم واقعا بالمضرب اليه مثلا كما لو قال احد ان زيدا قد جاء لأني رأيت خادمه، فيقال له: لا بل زيد قد جاء لأنا سمعنا صوته، و حاصل معنى هذا الكلام ان كون الدليل على مجي ء زيد مجي ء خادمه ليس بصحيح، بل الصحيح ان الدليل على مجيئه هو سماع صوته لا مجي ء خادمه لاحتمال تفرد خادمه بالمجي ء دونه، فان (بل) في المقام و ان كانت

ص: 69

افادة المسند اليه المعرف باللام للحصر

و مما يفيد الحصر- على ما قيل- تعريف المسند إليه باللام، و التحقيق أنه لا يفيده إلا فيما اقتضاه المقام، لان الاصل في اللام أن تكون لتعريف الجنس، كما أن الاصل في الحمل في القضايا المتعارفة، هو الحمل المتعارف الذي ملاكه مجرد الاتحاد في الوجود، فإنه الشائع فيها، لا الحمل الذاتي الذي ملاكه الاتحاد بحسب المفهوم، كما لا يخفى، و حمل شي ء على جنس و ماهية كذلك، لا يقتضي اختصاص تلك الماهية به و حصرها عليه، نعم، لو قامت قرينة على أن اللام للاستغراق، أو أن مدخوله أخذ بنحو الارسال و الاطلاق، أو على أن الحمل عليه كان ذاتيا لأفيد حصر مدخوله على محموله و اختصاصه به.

و قد انقدح بذلك الخلل في كثير من كلمات الاعلام في المقام، و ما وقع منهم من النقض و الابرام، و لا نطيل بذكرها فإنه بلا طائل، كما يظهر للمتأمل، فتأمل جيدا (1).

______________________________

للرّدع و الابطال إلّا انه ليس لبيان حصر الحكم بالمضرب اليه، بل لابطال دليل المستدل، و هذا الاضراب هو الاضراب في مقام الاثبات و هو لا يدل على الحصر.

السادس: من وجوه استعمال الاضراب ما كان لاجل الترقي كما يقال: زيد عالم بل هو أعلم، فان الاضراب ليس للحصر بل لاثبات صفة ارقى من الصفة المضرب عنها، و عدم دلالته على المفهوم واضحة لعدم كون الداعي الى الاضراب فيه هو الحصر.

فاتضح مما ذكرنا: ان الدلالة على الحصر انما هي في خصوص الوجه الرابع و هو ما كان الاضراب بداعي الردع و الابطال في مرحلة الثبوت و الواقع.

(1) توضيح الحال في بيان امور ليتبين ان تعريف المسند اليه يفيد الحصر ام لا؟

الأول: بيان النسبة بين المسند اليه و المسند و ان بعضها خارج عن محل النزاع قطعا، و النسبة بين المسند اليه و المسند تارة تكون هي التساوي كقولنا الانسان ناطق،

ص: 70

.....

______________________________

و تارة تكون النسبة بينهما العموم و الخصوص و يكون المسند اليه أخص من المسند كقولنا الانسان حيوان، و ثالثة يكون المسند اليه اعم كقولنا الأمير زيد، و رابعة يكون بينهما العموم و الخصوص من وجه كقولنا الانسان أبيض.

الثاني: ان يعلم حال النسبة بينهما و في التساوي و المسند اليه الأخص من المسند لا اشكال في افادة الحصر، لوضوح انه بارتفاع المسند يرتفع المسند اليه، لتساويهما في المتساويين و لارتفاع الاخص بارتفاع ما هو اعم منه، فمع العلم بالنسبة لا وجه لان يكون داخلا في محل النزاع للعلم بالحصر، و مع العلم بالحصر لا وجه للنزاع في افادته و عدم افادته، و مع العلم يكون المسند اليه أعم كقولنا الامير زيد لا اشكال في عدم الحصر لعدم ارتفاع المسند اليه بارتفاع المسند لكونه اعم، و مع العلم باعميته لا وجه للنزاع في افادته للحصر، و كذا الحال فيما اذا كان بينهما عموم و خصوص من وجه لعدم معنى النزاع فيما اذا علم ان كلا منهما لا يرتفع بارتفاع الآخر.

نعم في الاخيرين بناء على افادة تعريف المسند اليه الحصر يكون الحصر ادعائيا لا حقيقيا و ان علم بعدم الحصر واقعا، اذ الادعائية لا تنافي العلم بالعدم.

الثالث: انه قد ظهر مما ذكرنا في الثاني ان محل النزاع لا بد ان يكون فيما اذا كان حال النسبة بينهما مجهولا فهل ان تعريف المسند اليه يكون دالا على كونه ما ينحصر بالمسند اما لتساويهما او لكونه اخص من المسند، لما عرفت من انه مع العلم بالنسبة يكون خارجا عن محل النزاع، اما للعلم القطعي بالحصر او للعلم القطعي بعدم الحصر.

الرابع: ان الاصل في (ال) بناء على المشهور كونها لتعريف الجنس، و المصنف هنا جرى على ما عليه المشهور، لا على ما يراه كما سيذكره في المطلق و المقيد: من ان كون الاصل في (ال) انها للتزيين لا لتعريف الجنس.

ص: 71

.....

______________________________

الخامس: ان الحمل على قسمين: حمل شايع صناعي و هو الحمل المتعارف و ملاكه الاتحاد في الوجود، و حمل ذاتي و ملاكه الاتحاد حقيقة و ان اختلفا مفهوما بنحو الاجمال و التفصيل كالانسان و الحيوان الناطق.

اذا عرفت هذه الامور- اتضح ان التعريف باللام لا يفيد الحصر لان الحصر انما يستفاد من اللام و ذلك حيث تكون للاستغراق، فانها لو دلت على الاستغراق لدلت على الحصر المستلزم للمفهوم.

و الحاصل ان معنى الاستغراق هو ان المسند مستوعب لجميع افراد المسند اليه، اما لكونهما متساويين او لان المسند اعم من المسند اليه، فانه مع افادته للاستغراق و ان جميع افراد المسند اليه مما يصدق عليه المسند فلا بد من ان يستفاد منها الحصر و ان المسند اليه منحصر بالمسند، و بارتفاعه يرتفع المسند اليه.

او يستفاد الحصر من الاطلاق و مقدمات الحكمة، و ان اللام و ان كانت لتعريف الجنس لا للاستغراق إلّا ان الاطلاق الجاري في المقام يفيد الحصر: ببيان ان المسند اليه لو لم يكن ماخوذا بنحو السعة و الاطلاق لجميع افراد مدخوله للزم نقض الغرض، فانه لو لم يكن القائم مثلا في قولنا القائم عالم شاملا لجميع افراد القائم و كانت بعض افراد القائم ليس بعالم للزم بيانه، و الّا لزم نقض غرضه، و اذا كان الاطلاق مفيدا لشمول المسند اليه لجميع افراده و ان جميع افراده يصدق عليه العالم فلا محالة من افادته للحصر و انه يرتفع بارتفاع العالم.

و يردّه: ان الاصل في البيان ان يكون لاجل اتحاد هذين المفهومين في المصداق، و ليس الاصل فيه ان يكون مسوقا لبيان ان هذا الاتحاد بين جميع افراد المسند اليه او بعضها، نعم لو قامت القرينة على انه لبيان ذلك لافاد الحصر.

او يستفاد من الحمل بان يكون الاصل في الحمل هو الذاتي، فان اللام و ان لم تفد الاستغراق و يكون المعرّف بها مأخوذا بنحو الاهمال من ناحية الاستغراق لجميع

ص: 72

.....

______________________________

الافراد، و لكن الحمل بينهما اذا كان ذاتيا فلا مناص من استفادة الحصر لارتفاع المسند اليه بارتفاع المسند، لان المتحدين حقيقة متلازمان تحققا و ارتفاعا.

اما اذا كان الاصل في اللام تعريف الجنس و الاصل في الحمل هو الاتحاد بينهما مصداقا و لا دلالة لمحض ان المفهومين يتحدان في الصدق على الحصر لصدق ذلك باتحادهما في بعض الاحيان ببعض افرادها، و لا يستلزم الحمل الشائع اتحادهما بجميع ما للموضوع و المحمول من افراد، فيصح الحمل الشائع فيما اذا كان المسند اليه اعم، و يصح فيما اذا كان بينهما عموم و خصوص من وجه و فيهما لا حصر قطعا.

و لم يشر المصنف الى بيان النسبة و لا بيان ان محل النزاع مورد الجهل، و اشار الى كون الاصل في اللام هو تعريف الجنس بقوله: «لان الاصل في اللام» هذا من المصنف اما لبنائه على ان اللام هي المعرفة، او ان مراده باللام هي (أل).

و على كل فالاصل في اللام «ان تكون لتعريف الجنس» و اشار الى ان الاصل في الحمل هو الحمل الشائع بقوله: «كما ان الاصل في الحمل ... الى آخر الجملة» و اشار الى أن القرينة لو قامت على ان اللام للاستغراق لافاد التعريف بها الحصر بقوله: «نعم لو قامت القرينة على ان اللام للاستغراق» و اشار الى انه لو قامت القرينة على ان الاطلاق و مقدمات الحكمة مسوقة لبيان الاطلاق من ناحية مدخول اللام لافاد الحصر، إلّا ان الاصل يقتضي ان يكون البيان لصرف اتحاد المفهومين مصداقا، و انه لا بد من قيام قرينة على كونه في مقام البيان من ناحية افراد مدخول اللام بقوله: «و ان مدخوله اخذ بنحو الارسال و الاطلاق» المعطوف على قوله نعم لو قامت القرينة، و اشار الى انه لو قامت القرينة على كون الحمل ذاتيا لافاد الحصر بقوله: «او على ان الحمل عليه» أي الحمل على المسند اليه «كان ذاتيا لافاد الحصر» لعطفه أيضا على قوله نعم لو قامت القرينة.

ص: 73

مفهوم اللقب و العدد

فصل لا دلالة للقب و لا للعدد على المفهوم، و انتفاء سنخ الحكم عن غير موردهما أصلا، و قد عرفت أن انتفاء شخصه ليس بمفهوم (1)، كما أن قضية التقييد بالعدد منطوقا عدم جواز الاقتصار على ما دونه، لانه ليس بذاك الخاص و المقيد، و أما الزيادة فكالنقيصة إذا كان التقييد به للتحديد بالاضافة إلى كلا طرفيه، نعم لو كان لمجرد التحديد بالنظر إلى طرفه

______________________________

(1) ليس المراد من اللقب ما هو المعروف و هو ما أشعر بمدح او ذم، بل المراد منه ما وقع طرفا للنسبة في القضية سواء كان مسندا أو مسندا اليه او فعلا او فاعلا او مفعولا أو ظرفا لزمان أو مكان، و حتى حرف الجر فان قول القائل نور في الليل لا دلالة فيه على عدم النور في النهار.

و المراد من العدد في المقام ما يشمل حتى الواحد، و ان كان العدد على ما يقال انه لا يشمل الواحد، بل العدد يتقوم بالواحد و منه يتألف العدد، و على كل فلا دلالة للقب و لا للعدد على المفهوم، فقولنا جاء زيد لا دلالة فيه على نفي المجي ء عن عمرو و لا على نفي غير المجي ء عن زيد، و لا قول القائل عندي عشرون درهما أنه ليس عنده اكثر من ذلك، و على كل فليس في اللقب و العدد ما يدل على الحصر، و كونه طرفا في الحكم لا يدل على أزيد من كونه طرفا لشخص هذا الحكم، و انّ شخص هذا الحكم و إن كان ينتفي بانتفاء أحد أطرافه الّا أنّ هذا الانتفاء ليس من المفهوم بل و ليس لدلالة لفظية عليه، و انما انتفاء شخص الحكم بانتفاء أحد اطرافه للدلالة العقلية، و المفهوم كما مرّ هو انتفاء سنخ الحكم لا شخصه بالدلالة اللفظية.

و قد اشار الى عدم دلالة اللقب و العدد على المفهوم بقوله: «لا دلالة للقب و لا للعدد على المفهوم ... الى آخر الجملة»، و اشار الى ان انتفاء الحكم بانتفاء احد اطرافه من انتفاء شخص الحكم لا سنخه و هو ليس من المفهوم بقوله: «و قد عرفت ان انتفاء شخصه ليس من المفهوم».

ص: 74

الاقل لما كان في الزيادة ضير أصلا، بل ربما كان فيها فضيلة و زيادة، كما لا يخفى، و كيف كان، فليس عدم الاجتزاء بغيره من جهة دلالته على المفهوم، بل إنما يكون لاجل عدم الموافقة مع ما أخذ في المنطوق، كما هو معلوم (1).

______________________________

(1) ينبغي ان لا يخفى ان المفهوم في العدد- لو أفاد المفهوم- لا بد و ان يكون مدلوله الانتفاء عن العدد الذي يكون أكثر من العدد المذكور في المنطوق، لان الانتفاء عن العدد الذي يكون اقل من المذكور في المنطوق و ان كان متحققا إلّا انه ليس من المفهوم، بل لان قضية التقييد بالحد المذكور في المنطوق هو عدم حصول الامتثال بما دون المقدار المحدود في المنطوق.

و على كل فتوضيح المقام ببيان لحاظ العدد في مرحلة الثبوت، و حاصله: ان العدد بحسب مرحلة الثبوت يمكن ان يكون ملحوظا بانحاء اربعة:

الأول: ان يكون التقييد بالعدد ملحوظا بنحو اللابشرط من ناحية الزيادة و النقيصة كقوله تعالى: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ 5] فان السبعين قد لحظ بنحو اللابشرطية زيادة او نقيصة، لانه من المعلوم انه لو استغفر لهم اكثر من سبعين أو أقل منه لا يغفر لهم، و ذكر خصوص السبعين قد يكون لكونه من المعتاد ذكره او لكونه أخف على اللسان او لنكتة اخرى.

الثاني: ان يكون التقييد بالعدد قد لحظ بشرط لا من حيث النقيصة و لا بشرط من حيث الزيادة كالتسبيحات الثلاث، بناء على انها لا يكتفى فيها بالاقل من

ص: 75

.....

______________________________

الثلاث، فانه على ذلك لا يجوز الاقتصار على الاقل من العدد المتقيد به الحكم، لكن عدم الاكتفاء به ليس للدلالة المفهومية بل لعدم الإتيان بما قد كان المنطوق مقيدا به.

و بعبارة اخرى: انه انما لا يكتفى بالاقل لعدم الاتيان بما امر به من العدد، و اما الزيادة فحيث انها قد كان العدد المحدد به الحكم بالنسبة اليها لا بشرط فلا بأس بالزيادة، و قد اشار الى ان عدم الاكتفاء بالاقل في هذا اللحاظ من المنطوق لا من المفهوم بقوله: «كما ان قضية التقييد بالعدد منطوقا ... الى آخر الجملة».

الثالث: ان يكون ملحوظا بشرط لا من حيث الزيادة او النقيصة كالعدد في الركعات، فان العدد في الركعات كما لا يكون من الامتثال الاتيان بالناقص كذلك مما يضربا بالامتثال زيادة الركعات على عددها المحدد به الحكم، و كما ان الاتيان بثلاث ركعات مقتصرا عليها في الظهر مضر كذلك الاتيان بخمس ركعات مضر بالامتثال، و لكن نفي الزيادة لا للمفهوم بل لقيام الدليل الخاص على ذلك.

الرابع: ان يكون العدد ملحوظا لا بشرط من حيث الزيادة و النقيصة كالتسبيحات الثلاث اذا قلنا بالاكتفاء بالواحدة منها.

و لا يخفى ايضا ان الاكتفاء بالاقل انما هو لدلالة الدليل الخاص على ذلك، و الّا فظاهر التقييد بالثلاث عدم الاكتفاء بما دونها.

و اما لحاظ العدد لا بشرط من حيث النقيصة و بشرط لا من حيث الزيادة فليس له مثال في الشرعيات على ما يقال.

و قد تبين انه فيما لحظ فيه بشرط لا سواء كان من حيث النقيصة فقط او من حيث الزيادة فقط او من حيث النقيصة و الزيادة معا، فان عدم الاكتفاء بالاقل فللدلالة المنطوقية، و عدم صحة الامتثال فيما اذا جاء بالزائد فانما هو لدلالة الدليل الخاص على ذلك، و ليس من الدلالة المفهومية، و الى هذا اشار بقوله: «و كيف كان فليس عدم الاجتزاء بغيره ... الى آخر الجملة».

ص: 76

.....

______________________________

ثم لا يخفى ان ما ذكر من حيث صحة الاتيان بالاقل او الاكثر او عدم صحة الاتيان بهما او باحدهما فيما اذا علم حال لحاظ العدد في تقييد الحكم به، و اما اذا لم يعلم فهل الظاهر ان التقييد بالعدد يقتضي البشرطلائية من حيث النقيصة و الزيادة، او من حيث النقيصة فقط، او من حيث الزيادة فقط، او انه لا بشرط من الطرفين؟

و الظاهر انه من حيث النقيصة فالقاعدة تقتضي البشرطلائية لانه لم يأت بالعدد المطلوب الذي قيد به الحكم المنطوقي.

و اما من حيث الزيادة فالقاعدة تقتضي اللابشرطية فيه اذا كان الامتثال تدريجيا، فان الامتثال يتحقق بمجرد اتيان المقدار المنطوقي، و بعد تحقق الامتثال لا يضر به الاتيان بالزائد، بل هو من قبيل ضم الحجر الى الانسان.

و اما لو كان الامتثال دفعيا فان كان غير ارتباطي فأيضا ينبغي ان لا يكون مضرا.

و اما لو كان ارتباطيا فالقاعدة أيضا تقتضي ذلك، لان الارتباطية انما هي بين الاجزاء التي امر بها دون الزائد عليها كما لا يخفى، و اللّه العالم.

و قد تبين مما ذكرنا ان ظاهر هو التقييد بالعدد هو الانتفاء عمّا دون المقدار المذكور في المنطوق، و لكنه ليس من الدلالة المفهومية، و الانتفاء عمّا هو الزائد من العدد المذكور و ان كان من المفهوم الّا انه لا دلالة للتقييد بالعدد المذكور في المنطوق على انتفاء سنخ الحكم عنه، و انتفاء شخص الحكم عنه ليس من المفهوم.

ص: 77

ص: 78

المقصد الرابع في العالم و الخاص

اشارة

ص: 79

ص: 80

المقصد الرابع في العام و الخاص

تعريف العام

فصل قد عرف العام بتعاريف، و قد وقع من الاعلام فيها النقض بعدم الاطراد تارة و الانعكاس أخرى بما لا يليق بالمقام، فإنها تعاريف لفظية، تقع في جواب السؤال عنه ب (ما) الشارحة، لا واقعة في جواب السؤال عنه ب (ما) الحقيقية (1)، كيف و كان المعنى المركوز منه في الاذهان أوضح

______________________________

(1) الظاهر أن مرادهم من العام و الخاص كونهما اسمين للفظ الدال على العموم و الخصوص لانهم اخذوا اللفظ في مقام تعريفهما، و لو كانا اسمين للمعنى من دون مدخلية للفظ لما حسن اخذ اللفظ في تعريفهما.

ثم انه هل التعاريف المذكورة في كتب القوم للعام و الخاص هي تعاريف حقيقية يراد بها شرح الحقيقة اما بالحد التام المشتمل على الجنس و الفصل، او بالرسم المحدد للمعرف بحيث لا يشذ عنه فرد و لا يعم غير افراده، او انها تعاريف لفظية ليست بالحد و لا بالرسم يراد بها الاشارة الى المعرف بوجه.

و بعبارة اخرى: انه هل هي ما يراد ب (ما) الشارحة او ب (ما) الحقيقية، فان الواقع في جواب السؤال عنه ب (ما) الحقيقية هو التعريف الحقيقي، و الواقع في جواب السؤال عنه ب (ما) الشارحة هو التعريف اللفظي، و توضيح ذلك ما ذكره اهل المعقول انه اذا سمع السامع لفظا فأوّل ما يتوجه اليه هو السؤال عنه لغرض تمييزه بوجه ما و هو المسمى ب (ما) الشارحة التي لا يراد منها سوى شرح الاسم و تمييزه بوجه ما، و لا يطلب تعريفه بالحد و لا بالرسم، ثم بعد معرفته بوجه ما يسأل السامع عن انه موجود ام لا؟ و هو المسمى بهل البسيطة، ثم بعد معرفة وجوده يسأل عن ان هذا الموجود ما حقيقته؟ فيجاب بحده او برسمه و هو المسمى ب (ما) الحقيقية، ثم بعد معرفة وجوده حقيقة يسأل عما يلحقه من عوارضه و اوصافه و هو المسمى بهل

ص: 81

مما عرف به مفهوما و مصداقا، و لذا يجعل صدق ذاك المعنى على فرد و عدم صدقه، المقياس في الاشكال عليها بعدم الاطراد أو الانعكاس بلا ريب فيه و لا شبهة تعتريه من أحد، و التعريف لا بد أن يكون بالاجلى، كما هو أوضح من أن يخفى.

فالظاهر أن الغرض من تعريفه، إنما هو بيان ما يكون بمفهومه جامعا بين ما لا شبهة في أنها أفراد العام، ليشار به إليه في مقام إثبات ما له من الاحكام، لا بيان ما هو حقيقته و ماهيته، لعدم تعلق غرض به بعد وضوح ما هو محل الكلام بحسب الاحكام من أفراده و مصاديقه، حيث لا يكون بمفهومه العام محلا لحكم من الاحكام (1).

______________________________

المركبة، ثم بعد معرفة وجوده و حقيقته و عوارضه يسأل عن علة وجوده، فيجاب بأنه اما ان وجوده ضروري لذاته فهو واجب، او انه موجود لعلة و هو الممكن و يسمى ب (لم) الثبوتية، ثم بعد ذلك يسأل عن الدليل على كونه- مثلا- واجبا او ممكنا و يسمى ب (لم) الاثباتية.

و قد جمعها المحقق السبزواري بقوله:

أسّ المطالب ثلاثة علم مطلب ما مطلب هل مطلب لم 6]

و على كل فقد تبين ان المقصود في ما الشارحة هو تعريف اللفظ بوجه من الوجوه و ليس المراد في السؤال عنه حده او رسمه، بخلاف ما الحقيقية فان المطلوب فيها السؤال عن حقيقته بحده او برسمه و الى هذا اشار بقوله: «فانها تعاريف لفظية تقع في جواب السؤال عنه» أي عن الشي ء «ب (ما) الشارحة لا واقعة في جواب السؤال عنه ب (ما) الحقيقية».

(1) لقد ذكر المصنف دليلين على كون تعاريف القوم لفظية لا حقيقية:

ص: 82

.....

______________________________

الاول: انه لا بد في التعريف ان يكون اجلى من المعرف و اذا كان المعرف واضحا بحيث انه اجلى و اوضح من كل ما ذكر له من التعاريف فلا بد و ان يكون الغرض في تعريفه هو شرح اسمه لا تعريفه الحقيقي، و العام و الخاص من هذا القبيل فانهما من الوضوح بحد يجعل ما يفهم منهما هو المقياس في صحة التعريف و عدم صحته، و لو لم يكونا جليين و واضحين الى هذا المقدار لما كان صحة صدقهما و عدم صحة صدقهما مقياسا لصحة التعريف و عدمه، و الى هذا اشار بقوله: «و كان المعنى المركوز منه في الاذهان اوضح مما عرف به ... الى آخر الجملة».

الثاني: انه لا غرض و لا ثمرة تترتب على تعريفهما بالحد او بالرسم، بل الغرض منهما الاشارة الى افرادهما ليترتب على الفرد ما للفرد من الحكم، فان الغرض من عموم الحكم و عدم عمومه ما يترتب على كونه واردا بلفظ كل او بلفظ بعض لا على لفظ العام و لفظ الخاص، فالغرض في تعريف العام هو الاشارة الى: كل، و ما و الجمع المحلى باللام كالعلماء و غير ذلك، و في تعريف الخاص هو الاشارة الى لفظ بعض و امثاله مما لا يكون مدلوله شاملا لجميع الافراد، و اذا كان الغرض منهما هو الاشارة الى الحكم المترتب على فرده دون نفس معناه فلا داعي لتعريفه تعريفا حقيقيا و يكتفى بتعريفه بوجه ما بحيث يشار به الى افراده فقط، و الى هذا اشار بقوله:

«فالظاهر ان الغرض من تعريفه» أي تعريف لفظ العام «انما بيان ما يكون بمفهومه جامعا بين ما لا شبهة فيه في انها افراد العام» ككل و امثالها «ليشار به» أي بلفظ العام «اليه» أي الى ما لا شبهة انه من افراده «في مقام اثبات ما له من الاحكام» أي ما للفرد من الاحكام «لا بيان ما هو حقيقته و ماهيته» اي لا بيان حقيقة العام و ماهيته «لعدم تعلق غرض به» أي لعدم تعلق غرض ببيان حقيقة لفظ العام «بعد وضوح ما هو محل الكلام بحسب الاحكام من افراده و مصاديقه حيث» انه «لا يكون بمفهومه العام» و هو المفهوم من لفظ العام «محلا لحكم من الاحكام».

ص: 83

أقسام العام

ثم الظاهر أن ما ذكر له من الاقسام: من الاستغراقي و المجموعي و البدلي إنما هو باختلاف كيفية تعلق الاحكام به، و إلا فالعموم في الجميع بمعنى واحد، و هو شمول المفهوم لجميع ما يصلح أن ينطبق عليه، غاية الامر أن تعلق الحكم به تارة بنحو يكون كل فرد موضوعا على حدة للحكم، و أخرى بنحو يكون الجميع موضوعا واحدا، بحيث لو أخل بإكرام واحد في أكرم كل فقيه مثلا، لما امتثل أصلا، بخلاف الصورة الاولى، فإنه أطاع و عصى، و ثالثة بنحو يكون كل واحد موضوعا على البدل، بحيث لو أكرم واحدا منهم، لقد أطاع و امتثل، كما يظهر لمن أمعن النظر و تأمل (1).

______________________________

(1) توضيحه ان للعام اقساما لانه:

اما ان يكون الحكم قد لحظ بنحو يكون كل فرد من افراد العام موضوعا على حدة: بمعنى ان ينحل الحكم بعدد افراد العام فيكون لكل فرد حكم يخصه و يكون له اطاعة و عصيان و هو المسمى بالكل الافرادي و الاستغراقي.

و اما ان يكون الحكم قد لحظ بنحو يكون المجموع من افراد العام بما هي مجموع لها حكم واحد و لا ينحل الحكم في هذا الى احكام، بل هو حكم واحد غير منحل موضوعه مجموع الافراد بحيث لو تخلف واحد منها لا يكون المكلف ممتثلا، فليس له إلّا اطاعة واحدة و عصيان واحد تحصل اطاعته باتيان المجموع من الافراد، و عصيانه بعدم الاتيان بالمجموع بحيث لو تخلف واحد لما حصل الامتثال و هو المسمى بالكل المجموعي او العام المجموعي.

و اما ان يكون ملحوظا بنحو يكون كل واحد موضوعا للحكم على البدل: بمعنى ان يكون مجموع الافراد ملحوظا لكن لا بنحو ان يكون لكل فرد حكم اطاعة و عصيان و لا بنحو ان يكون للمجموع اطاعة واحدة و عصيان واحد، بل بنحو يكون كل فرد ملحوظا على البدل بحيث لو اتى بفرد من هذه الافراد لحصلت الاطاعة

ص: 84

.....

______________________________

و سقط الامر المتعلق بهذا العام و عصيانه بترك جميع الافراد، فهو و ان انحل الى احكام لكل فرد من افراد العام إلّا انه ليس لكل واحد اطاعة و عصيان، بل كل حكم من هذه الاحكام يسقط باتيان فرد منها و هو المسمى بالعموم البدلي او الكل البدلي، و هذا ما لا اشكال فيه.

و انما الاشكال في انه هل بين هذه الاقسام جامع بلحاظه يطلق عليها لفظ العام، او ان العام مشترك لفظي بينها؟ فاذا تصورنا الجامع كان العام مشتركا معنويا لهذه الاقسام، و تحقيق ذلك الجامع هو ان العام واحد مفهوما و كثير خارجا فله وحدة مفهومية و كثرة عددية، و هذا المعنى محفوظ في الاقسام الثلاثة.

فانه في العام الافرادي قد لحظ مفهوم واحد و لكن في مقام تعلق الحكم قد اخذت كثرته موضوعا للحكم.

و في العام المجموعي لم نلحظ كثرته في مقام تعلق الحكم بل لحظ هذا الكثير بما هو واحد متعلقا للحكم.

و في العام البدلي مثل العموم الاستغراقي قد لحظ مفهوم واحد و في مقام تعلق الحكم قد اخذت كثرته موضوعا للحكم و لكن على البدل كالاستغراقي في ان يكون لكل واحد اطاعة و عصيان، فالعام بوحدته و كثرته ملحوظ في الاقسام و لكن نحو تعلق الحكم به مختلف كما عرفت، و قد اتضح ان الاختلاف فيها من ناحية لحاظ الموضوع في مقام تعلق الحكم به، لا ان الاختلاف منتزع من كيفية تعلق الحكم فانها متأخرة عن الحكم.

و بعبارة اوضح: ان العموم و الشمول لجميع الافراد هو الموضوع الذي يتعلق به الحكم، فان الموضوع في هذه الاقسام العام بما هو واحد مفهوما و كثير مصداقا، و لكنه قد لحظ في مقام تعلق الحكم: تارة بنحو الاستغراق، و اخرى بنحو لحاظ هذا المجموع موضوعا واحدا للحكم، و ثالثة بنحو البدل، فالعموم هو الموضوع الملحوظ في جميع هذه الاقسام بوحدته مفهوما و كثرته مصداقا و هذه الاقسام منتزعة من كيفية

ص: 85

خروج أسماء الاعداد عن تعريف العام

و قد انقدح أن مثل شمول عشرة و غيرها لآحادها المندرجة تحتها ليس من العموم، لعدم صلاحيتها بمفهومها للانطباق على كل واحد منها (1)،

______________________________

تعلق الحكم به و ليس العموم و الشمول لجميع الافراد منتزعا من كيفية تعلق الحكم، و لا يعقل ان يكون العموم منتزعا من كيفية تعلق الحكم لبداهة ان الموضوع له التقدم على الحكم فلا يعقل ان يكون متأخرا عن الحكم، و اذا كان منتزعا عن الحكم كان متأخرا عن الحكم لتقدم منشأ الانتزاع على ما ينتزع منه، و ما ذكرنا هو مراده من قوله: «انما هو باختلاف كيفية تعلق الاحكام».

و اتضح أيضا معنى قوله: «و هو شمول المفهوم لجميع ما يصلح ان ينطبق عليه» فان العموم الذي هو المحفوظ في الاقسام الثلاثة و هو ان الملحوظ فيها مفهوم واحد يشمل جميع ما يصلح ان ينطبق عليه ذلك المفهوم، فان الرجل- مثلا- الموضوع للطبيعة المهملة قد لحظ في الاستغراقي بنحو يشمل جميع ما يصلح ان ينطبق عليه لكن بنحو يكون كل فرد ينطبق عليه له اطاعة و عصيان، و في العام المجموعي قد لحظ- ايضا- بنحو يشمل جميع ما يصلح ان ينطبق عليه لكن بنحو ان يكون المجموع ما ينطبق عليه اطاعة واحدة باتيان جميع ما انطبق عليه و عصيان واحد يحصل و لو بترك واحد من الافراد، و في العام البدلي- أيضا- قد لحظ بنحو يشمل جميع ما يصلح ان ينطبق عليه لكن بنحو تكون اطاعته باتيان واحد مما ينطبق عليه و عصيانه بترك جميع ما ينطبق عليه، و قد اشار الى الاختلاف فيها في مقام تعلق الحكم بقوله: «غاية الامر ... الى آخر العبارة».

(1) لقد وقع الاشكال في كون مثل العشرة و امثالها مما له وحدة مفهومية و كثرة عددية في انه هل هو من اقسام العام أم انه خارج عن العام و من الاسماء الفردية؟

و لا يخفى انه و ان كان بين العشرة و العام باقسامه الثلاثة المذكورة فرق من ناحية ان العام باقسامه ليس فيه احصاء للكثرة العددية فيه، بخلاف العشرة و المائة فانه فيهما احصاء لمقدار الكثرة، و ليس في واحد من اقسام العام احصاء لمقدار الكثرة الا

ص: 86

.....

______________________________

ان هذا لا يمنع من ان يكون من اقسام العام، و ليكن قسما رابعا بعد ان انطبق عليه لازم العام من الوحدة المفهومية و الكثرة خارجا.

لا يقال: ان اقسام العام الثلاثة لا تخرج عن العموم بخروج فرد من افرادها و العموم فيها محفوظ و لو بعد الخروج، بخلاف العشرة و امثالها فانها بخروج فرد واحد تخرج العشرة عن كونها عشرة و تكون تسعة، بخلاف العموم بدليا او استغراقيا او مجموعيا فانه بعد خروج فرد أو افراد عنه يبقى على ما هو عليه من العموم، غاية الامر انه يكون بدليا او استغراقيا او مجموعيا بالنسبة الى ما عدا ما خرج.

فانه يقال: ان هذا أيضا لا يجعل العشرة خارجا عن العموم غايته ان هذا القسم له لازم يخصه دون الاقسام الأخر.

و الحاصل: ان الذي ينبغي ان يكون مخرجا للعشرة عن ان تكون من العام هو ان العموم حقيقة هو الشمول الحاصل من تسرية الماهية المهملة لان تكون شاملة و عامة لجميع افراد تلك الطبيعة المهملة، فالكثرة في العام حاصلة من تسرية الماهية المهملة لان تكون شاملة و عامة بسبب لحاظها بنحو من انحاء العموم الثلاثة، بخلاف العشرة فانه ليس فيها طبيعة مهملة قد حصلت تسريتها بواسطة العموم بل هي موضوعة ابتداء لمقدار من الكثرة المحدودة.

و بعبارة اخرى: ان العموم هو تسرية الماهية المهملة الصالحة للانطباق على كل فرد فرد من افراد العام، غايته انه قبل التسرية للماهية المهملة صلاحية الانطباق و لكن بعد التسرية يكون ما لها بالقوة لها بالفعل بواسطة ما دل على تسريتها كلفظ (كل) فان لفظة رجل موضوع للماهية المهملة الصالحة للانطباق و بواسطة (كل) تكون منطبقة على جميع افرادها بالفعل، بخلاف لفظ العشرة فانها ليس لها صلاحية الانطباق على كل واحد من آحادها، و انما كل واحد من آحادها بعض ما هو الموضوع له لفظ العشرة، فليس شمولها للتسرية و انما كان شمولها لان منطبق

ص: 87

فافهم (1).

الفاظ العموم و الخصوص

فصل لا شبهة في أن للعموم صيغة تخصه- لغة و شرعا- كالخصوص كما يكون ما يشترك بينهما و يعمهما، ضرورة أن مثل لفظ (كل) و ما يرادفه

______________________________

مدلولها هو هذه الآحاد فشمولها ذاتي لمدلولها لا انه حاصل بالتسرية كما في (كل رجل) و الى هذا اشار بقوله: «و قد انقدح ... الى آخره».

و حاصله: انه بعد ما عرفت ان العموم هو شمول المفهوم و تسريته لجميع ما يصلح ان ينطبق عليه فان مثل رجل ماهية مهملة صالحة لان تنطبق على جميع افراد الرجل بواسطة التسرية الحاصلة لها من لفظ (كل) يحصل العموم، و كذلك في العموم البدلي فان رجل أيضا هو الماهية المهملة الحاصل لها العموم و الشمول بواسطة (أي) في قول القائل: اكرم أي رجل- تعرف الفرق بين العموم و العشرة، و هذا مراده من قوله: «لعدم صلاحيتها» أي العشرة «بمفهومها للانطباق على كل واحد منها».

(1) لعله اشارة الى ما يمكن ان يقال ان العام بما هو عام: أي مثل قولنا: كل رجل بعد افادة العموم بواسطة كل أيضا هو غير صالح للانطباق على واحد من افراد الرجل، فانه لا يصدق كل رجل على الرجل الواحد من افراد هذه الماهية المهملة، و الغرض هو الفرق بين العام بما هو عام و العشرة، لا بين الماهية المهملة و العشرة، و ما ذكره من صلوح الانطباق انما هو فرق بين الماهية المهملة و العشرة لا بين العام بما هو عام و العشرة.

و الجواب عنه: ان نسبة الفرد الى العام ليس كنسبة الواحد الى العشرة، فان الفرد في العام هو فرد للمادة التي كان لها السريان بواسطة العموم، بخلاف الواحد من العشرة فانه ليس فردا لمادة العشرة، بل مادة العشرة ليس لها إلّا فرد واحد هو مجموع آحاد هذا المقدار المحدود.

ص: 88

في أي لغة كان يخصه، و لا يخص الخصوص و لا يعمه (1)، و لا ينافي اختصاصه به استعماله في الخصوص عناية، بادعاء أنه العموم، أو

______________________________

(1) لا يخفى انهم اختلفوا في انه هل للعموم صيغة تخصّه لغة و شرعا أم لا؟ بعد اتفاقهم على انه للخصوص ما يخصه كالاعلام، فانه من الواضح ان مدلولها امر خاص شخصي.

و اتفاقهم على انه من الصيغ ما هو مشترك بين افادة العموم مرة و الخصوص اخرى كالمعرف بالألف و اللام، فانه اذا كان قد سبق العهد به في الخاص يكون مدلوله خاصا كقولنا جاءني رجل و اكرمت الرجل، و اذا كان المعهود عاما ما يكون مدلوله عاما كقولنا: جاءني علماء و اكرمت العلماء.(1)

بداية الوصول في شرح كفاية الأصول ؛ ج 4 ؛ ص89

على كل فقد اختلفوا في انه هل العموم كالخصوص له صيغ تخصّه ام لا؟

و بعضهم فصّل بين اللغة و الشرع، و انه ليس له في اللغة صيغ تخصّه و لكنه في الشرع له صيغ تخصّه كما هو المنسوب الى السيد (قدس سره) و قد اشار الى هذا اجمالا بقوله: «لغة و شرعا» و لم يتعرض المصنف لتفصيل السيد صريحا لأنه في الشرع موافق لمختاره، و في اللغة ما يذكره دليلا لكونه في اللغة أيضا له صيغ دالة على العموم كاف في ردّه. و ذهب بعضهم الى التوقف.

و المختار للمصنف هو ان للعموم صيغا تخصّه تدل على العموم لغة و شرعا.

و استدل عليه بالتبادر فان المتبادر من (كل رجل) هو العموم و استيعاب جميع افراد الرجل، فلفظة (كل) من صيغ العموم لتبادر العموم منها، ضرورة ان لفظ الرجل لا يتبادر منه العموم فلا بد و ان يكون العموم المتبادر مستندا الى لفظة (كل)، و هذا التبادر لا يختص بأهل اللسان العربي لان للفظة (كل) مرادفات في سائر اللغات، و المتبادر من مرادفاتها في بقية اللغات هو العموم، و الى هذا اشار بقوله:

«ضرورة ان مثل لفظ (كل) و ما يرادفه في أي لغة كان يخصه» أي يخص العموم «و لا يخص الخصوص و لا يعمه» أي و لا يعم الخصوص.

ص: 89


1- 7. آل شيخ راضى، محمد طاهر، بداية الوصول في شرح كفاية الأصول - قم، چاپ: دوم، 1426 ق.

بعلاقة العموم و الخصوص (1). و معه لا يصغى إلى أن إرادة الخصوص متيقنة، و لو في ضمنه بخلافه، و جعل اللفظ حقيقة في المتيقن أولى، و لا

______________________________

(1) هذا كتتميم لدليل التبادر، و حاصله: انه لا ينبغي ان يتوهم انه كيف يدعي انها موضوعة لخصوص العموم مع انها تستعمل في الخصوص كثيرا، فبناء على ان الاستعمال علامة للحقيقة يكون مشتركا بينهما، و بناء على بطلانه و انه أعم من الحقيقة و المجاز تكون كثرة الاستعمال في الخصوص مانعة عن دعوى اختصاص وضعه لخصوص العموم، لاحتمال ان هذا الاستعمال استعمال حقيقي أيضا فيمكن ان يكون استعماله في الخصوص لانه حقيقة فيه لا غير، و يحتمل ان يكون مشتركا بينهما، و يحتمل ان يكون حقيقة في العموم فقط، لكنه محتمل في عرض هذه الاحتمالات فلا وجه للجزم به دون غيره من المحتملات.

و دفع هذا التوهم بان استعمالها في الخصوص انما هو بنحوين- و كلا النحوين لا ينافي المدعى الذي اخترناه من كونها موضوعة لخصوص العموم-:

النحو الاول: استعمالها في الخصوص بادعاء ان ذلك الخصوص عموم، تنزيلا له منزلة العموم، و الادعاء انما يكون في غير ما وضع له اللفظ حقيقة، و إلّا فما الداعي للتنزيل و الادعاء، فهذا اذا لم يكن دليلا بنفسه على انها موضوعة للعموم دون الخصوص فلا اقل من كونه لا ينافي دعوى انها موضوعة للعموم فقط.

النحو الثاني: استعمالها في الخصوص بلحاظ العلاقة مجازا و هذا دليل على انها موضوعة لخصوص العموم لعدم معقولية ملاحظة العلاقة المجازية في ما هو المعنى الحقيقي، فهو دليل على الدعوى المذكورة لا انه ينافيها، و الى هذا اشار بقوله:

«و لا ينافي اختصاصه به» أي لا ينافي اختصاص مثل لفظ (كل) في الوضع لخصوص العموم «استعماله في الخصوص عناية ... الى آخر الجملة».

ص: 90

إلى أن التخصيص قد اشتهر و شاع، حتى قيل ما من عام إلا و قد خص، و الظاهر يقتضي كونه حقيقة، لما هو الغالب تقليلا للمجاز (1)، مع أن

______________________________

(1) استدل القائلون بانها موضوعة للخصوص و ليست بموضوعة لخصوص العموم و ليس للعموم صيغ تخصه كما في الخصوص بدليلين:

الأول: مؤلف من كبرى، و هي انه اذا دار أمر اللفظ بين كونه حقيقة في القدر المتيقن او انه موضوع لما يعم القدر المتيقن و غيره، فالاولى كونه موضوعا لخصوص القدر المتيقن للعلم بأنه مراد على كل حال.

و بعبارة أخرى: ان غرض المستدل اما ان يكون ان الخصوص حيث انه هو القدر المتيقن فيما لو شككنا في وضع اللفظ له او للاعم فلا بد من الاقتصار عليه دون الاعم لان الاعم يحتاج الى دليل، اما القدر المتيقن فحيث انه مراد قطعا فلا يحتاج الى دليل لاثبات وضع اللفظ له.

او ان غرض المستدل بكون القدر المتيقن اولى في كونه هو الحقيقة دون الاعم، لأن الغرض من وضع الالفاظ انما هو لبيان ما يراد من مداليلها و اذا كان الخصوص مرادا على كل حال سواء اريد هو أو اريد الاعم منه فينبغي ان يكون هو الذي يوضع له اللفظ لان الغرض فيه أتم من الوضع للاعم.

و اما الصغرى: فهي كون الخصوص هو القدر المتيقن من اللفظ المدعى وضعه للعموم فهذا مما لا ريب فيه.

و يرده اولا: ان الوضع لا يتعين بالاصول العقلائية، لان الاصول العقلائية لاحراز المراد لا لاحراز الوضع، فالاقتصار على القدر المتيقن انما هو في مقام الاخذ بالمراد لا في تعيين ما وضع له اللفظ.

كما ان كون القدر المتيقن هو المراد لا يستدعي وضع اللفظ له لان الغرض كما يتعلق بخصوص القدر المتيقن يتعلق- أيضا- بالاعم منه.

ص: 91

.....

______________________________

و كون الوضع للقدر المتيقن أتم لانه مراد على كل حال ممنوع، لان الغرض في وضع الالفاظ لبيان المداليل و كما ان الغرض يتعلق بالقدر المتيقن يتعلق- أيضا- بالاعم منه.

و ثانيا: انه مع التبادر الذي هو من العلائم المسلمة لتعيين ما وضع له اللفظ لا يبقى مجال للشك و لا لهذه الاستحسانات.

الدليل الثاني: هو ان الوضع للعموم يستلزم كثرة المجاز و لا ينبغي ان يوضع اللفظ لمعنى يكون استعمال اللفظ فيه نادرا، بل الاولى ان يوضع اللفظ لما هو الغالب ارادته في مقام الاستعمال تقليلا للمجاز.

و من الواضح ان ارادة الخصوص بخصوصه هو الغالب في مقام الاستعمال، و لذا تسمعهم يقولون: ما من عام إلّا و قد خص، فارادة الخصوص هو الشائع المشتهر دون ارادة العموم فالاولى كون الخصوص هو الموضوع له دون العموم.

و يرده، اولا: ان التخصيص لا يوجب المجازية لما سيأتي من انه يرجع الى التخصيص في الارادة اللبية دون الارادة الاستعمالية، و المجاز انما يلزم اذا كان التخصيص راجعا الى الارادة الاستعمالية دون اللبية.

و ثانيا: ان كثرة المجاز لا مانع منها لان البلاغة المأثورة في الاستعمالات العربية أكثرها يحصل بالاستعمال المجازي، فالمجاز بما هو مجاز لا ينبغي تقليله. نعم الاستعمال المجازي الممنوع في البلاغة هو الاستعمال المجازي من دون قرينة على المجازية لاستلزامه حمل اللفظ الحقيقة غير المرادة للبليغ.

و ثالثا: انه بعد دلالة التبادر لا وجه لهذه الاستحسانات كما يشير اليه بقوله:

«مع ان تيقن ... الخ».

قوله (قدس سره): «ان ارادة الخصوص» هذا هو الدليل الاول الذي مر ذكره.

قوله (قدس سره): «و لا الى ان التخصيص» هذا هو الدليل الثاني المشار اليه.

ص: 92

تيقن إرادته لا يوجب اختصاص الوضع به مع كون العموم كثيرا ما يراد (1)، و اشتهار التخصيص لا يوجب كثرة المجاز، لعدم الملازمة بين التخصيص و المجازية، كما يأتي توضيحه، و لو سلم فلا محذور فيه أصلا إذا كان بالقرينة، كما لا يخفى (2).

دلالة النكرة في سياق النفي أو النهي على العموم

فصل ربما عدّ من الالفاظ الدالة على العموم، النكرة في سياق النفي أو النهي، و دلالتها عليه لا ينبغي أن تنكر عقلا، لضرورة أنه لا يكاد يكون طبيعة معدومة، إلا إذا لم يكن فرد منها بموجود، و إلا كانت

______________________________

(1) لا يخفى انه بعد ان كان الدليل على وضع بعض الالفاظ للعموم هو التبادر الذي هو العلامة التامة لتعيين ما وضع له لا ينبغي ان يصغى الى هذه الادلة لانها لا تزيد على انها استحسان، و الاستحسان مع انه لا مجال له مع قيام ما يوجب العلم بالوضع انه لا يثبت به الوضع، و هذا رد لكلا الدليلين، و قد اشار اليه بقوله:

«و معه لا يصغي» ثم اشار الى ما يرد على الدليل الاول بالخصوص: و هو كون الخصوص قدرا متيقنا لا يقتضي وضع اللفظ له، و قد مرّ مفصلا بقوله: «مع ان تيقن ارادته ... الى آخر الجملة».

قوله: «مع كون العموم» حاصله: انه كثيرا ما يراد افادة العموم بعمومه و مع كثرة ارادة افادة العموم لا تقتضي الحكمة وضع اللفظ لخصوص القدر المتيقن.

(2) هذا اشارة الى ما يرد على الخصوص الدليل الثاني و هو ايرادان كما عرفت اشار الى الاول بقوله: «اشتهار التخصيص ... الى آخره»، و اشار الى الثاني بقوله: «و لو سلم ... الى آخره».

ص: 93

موجودة (1)، لكن لا يخفى أنها تفيده إذا أخذت مرسلة لا مبهمة قابلة للتقييد، و إلا فسلبها لا يقتضي إلا استيعاب السلب، لما أريد منها يقينا،

______________________________

(1) لا يخفى ان الكلام في هذا الفصل لبيان مصاديق ما اثبته في الفصل السابق، فانه بعد ان ثبت ان للعموم صيغا تخصّه عقد هذا الفصل لتعيين تلك الصيغ و قد ذكر بعضها و لم يستوفها.

- منها النكرة الواقعة في سياق النفي كقولنا: لم يكرم زيد رجلا او النهي كقولنا:

لا تكرم رجلا.

و الظاهر انه الاشكال في استفادة الشمول لجميع افراد طبيعة الرجل من النكرة الواقعة في سياق النفي او النهي، و لكن الاشكال في ان الدلالة على العموم فيها هل هي للنفي المسلّط على الطبيعة بوضعه لذلك، او ان الدلالة على العموم مستفادة من العقل؟

و مختار المصنف هو الثاني، أما نفي الدلالة اللفظية الوضعية فلوضوح ان النهي و النفي وضعا للسلب و لم يوضعا لامرين السلب و استيعاب افراد المسلوب و هو واضح، و الطبيعة المسلوبة موضوعة للماهية لا بشرط و لا وضع للجملة غير وضع مفرداتها.

و اما كون استفادة العموم منها عقلي فلانه بعد ان كان السلب قد تسلط على الطبيعة و هو اما اخبار عن عدمها او طلب عدمها، و من الواضح انه لا تعدم الطبيعة الّا بعدم جميع افرادها، و لو تحقق فرد واحد منها لما صحّ الاخبار عن عدم الطبيعة، و لما حصل امتثال ما طلبه المولى من اعدام الطبيعة بما هي طبيعة، فالعموم منها مستفاد من ناحية هذه الدلالة و هي عقلية، و ليست الدلالة لفظية لعدم وجود ما يدل على الاستيعاب بالوضع في مفردات هذه الجملة، و قد اشار المصنف الى كون دلالتها عقلية بقوله: «و دلالتها» أي دلالة الجملة التي هي النكرة الواقعة في سياق النفي او النهي على الاستيعاب «لا ينبغي ان تنكر عقلا» أي ان هذه الدلالة مستفادة من

ص: 94

لا استيعاب ما يصلح انطباقها عليه من أفرادها (1)، و هذا لا ينافي كون دلالتها عليه عقلية، فإنها بالاضافة إلى أفراد ما يراد منها، لا الافراد

______________________________

العقل دون وضع اللفظ لذلك «لضرورة» هذا تعليل لكون الدلالة عقلية و لم يتعرض للجهة الاولى و هي عدم كونها دلالة لفظية لوضوح انه علل ذلك بقوله:

«انه لا يكاد ... الى آخر الجملة» و هو بيان لكيفية استفادة العقل من هذه الجملة الاستيعاب.

(1) حاصله: انه هل يغني الدلالة على استيعاب جميع الافراد عن اعمال الاطلاق في الطبيعة المتعلق بها السلب؟ و قد نبه المصنف على ان الدلالة على استيعاب جميع الافراد لا يغني عن اعمال مقدمات الحكمة لاحراز كون الطبيعة المسلوبة قد اخذت بنحو الارسال دون الابهام، لان الدال على الاستيعاب انما يدل على استيعاب جميع افراد المسلوب، و حيث ان المسلوب هو الطبيعة المهملة فلا تتم الدلالة على استيعاب جميع افراد الطبيعة بحيث لا يشذ عنها فرد إلّا باحراز ان المراد من الطبيعة هو الطبيعة المطلقة لا المهملة لان المهملة في قوة الجزئية، و لا ريب ان تعيين كونها ماخوذة بنحو لا يشذ عنها فرد انما يتحقق باعمال مقدمات الحكمة لاحراز ان الطبيعة قد اخذت مرسلة و مطلقة حتى يكون الدال على استيعاب جميع الافراد شاملا لجميع افراد الطبيعة بحيث لا يشذ عنها فرد.

و برهان ذلك: ان الاستيعاب المستفاد من السلب انما هو لجميع افراد ما يراد من المدخول و اذا لم يتعين ان المراد من المدخول، هو الطبيعة المرسلة السارية في جميع افرادها فلا تتم الدلالة على استيعاب جميع افراد الطبيعة بحيث لا يشذ عنها فرد و لا تكفي محض الدلالة على الاستيعاب للدلالة على تعيين ما اريد من المدخول، و لو كان الدال على محض الاستيعاب دالا على ان المراد من المدخول هو جميع افراد الطبيعة لكان تقييد الطبيعة بقيد- كقولنا: لا تكرم رجلا عالما- منافيا لما دل على استيعاب جميع افراد طبيعة الرجل بما هي سارية في جميع افرادها، مع انه

ص: 95

.....

______________________________

بالوجدان لا نجد في التقييد منافاة للدلالة على الاستيعاب، و هذا يدل على ان الدال على الاستيعاب انما يدل على استيعاب جميع افراد ما يراد من المدخول للسلب، و لا شك ان تعيين ان المدخول بأي نحو اريد يحتاج الى دال عليه، و حيث ان الكلام لم يكن فيه سوى اللفظ الموضوع للطبيعة المهملة فلا بد من تعيين ارسالها و اطلاقها بحيث لا يشذ عنها فرد الى اعمال مقدمات الحكمة و انها قد اخذت بنحو الارسال لا الإهمال، و الى هذا اشار بقوله: «لا يخفى انها تفيده اذا اخذت مرسلة لا مبهمة قابلة للتقييد» أي ان النكرة الواقعة في سياق النهي أو النفي انما تدل على انها لا بد و ان تكون معدومة بعدم جميع افرادها بحيث لا يشذ عنها فرد و انها اذا وجد منها و لو فرد واحد لم تكن كذلك حيث تكون الطبيعة المسلوبة بما هي مرسلة لا مبهمة، لان لازم الابهام عدم كونها مأخوذة بما هي متعينة في السريان لجميع الافراد، فالطبيعة المبهمة بما هي مبهمة قابلة للتقييد لتعيين المبهم و قد اشار الى ان السلب انما يدل على استيعاب جميع أفراد ما يراد من المسلوب، و لا دلالة له على انه قد اريد من المسلوب هو جميع افراده فلا بد من اعمال معين لمقدار ما اريد من المدخول، و حيث ان الكلام خال عن المعين فاعمال مقدمات الحكمة يعين الارسال، و ان الطبيعة قد اخذت مرسلة لا مبهمة، و قد اشار الى ذلك بقوله: «و إلّا فسلبها لا يقتضي إلّا استيعاب السلب لما اريد منها يقينا» و لا دلالة للسلب على استيعاب جميع افراد هذه الطبيعة فيكون هو الدال على الارسال فيها، و انها مسلوبة بما هي صالحة للانطباق على جميع ما يصلح انطباقها عليه فيكون الدال على الاستيعاب المطلق بحيث يعين سعة المسلوب هو نفس السلب، و انما يدل على سعة السلب لما اريد من المدخول، و لا بد لتعيين نحو ما اريد من المدخول من احراز ارسالها بمقدمات الحكمة، و الى هذا اشار بقوله: «لا استيعاب ما يصلح انطباقها عليه من افرادها».

ص: 96

التي يصلح لانطباقها عليها (1)، كما لا ينافي دلالة مثل لفظ (كل) على العموم وضعا كون عمومه بحسب ما يراد من مدخوله، و لذا لا ينافيه تقييد المدخول بقيود كثيرة (2).

______________________________

(1) حاصله: انه لا يقال: ان الدلالة حيث كانت عقلية و انه انما تدل على الاستيعاب لان العقل قد حكم بان الطبيعة لا تكون معدومة الا بعدم جميع افرادها، و اذا كان العقل يرى ان سلب الطبيعة لا يكون إلّا بسلب جميع افرادها فلا بد و ان يكون المستفاد من هذه الدلالة العقلية هو الاستيعاب لجميع الافراد و تكون هذه الدلالة منافية لما ذكرتم: من انه لا بد من اعمال مقدمات الحكمة لتعيين الارسال في الطبيعة حتى يكون السلب عاما لجميع الافراد.

و جوابه: ما عرفت من ان العقل انما يحكم باستيعاب السلب لجميع افراد ما يراد من الطبيعة لا لجميع افراد الطبيعة، فلو فرضنا ان المراد من الطبيعة هو طبيعة مقيدة فتكون دلالته على ان هذه الطبيعة المقيدة لا تكون معدومة الا بعدم جميع افراد هذه الطبيعة المقيدة دون الطبيعة المطلقة، فحينئذ السلب لا يدل إلّا على الاستيعاب لما يراد من المدخول، و الى هذا الجواب اشار بقوله: «فانها بالاضافة الى افراد ما يراد منها» و ليست الدلالة العقلية معينة لكون المسلوب هو جميع الافراد التي تصلح الطبيعة لانطباقها عليها و الى هذا اشار بقوله: «لا الافراد التي يصلح لانطباقها عليها».

(2) لا يخفى ان الفرق بين دلالة كل رجل على الاستيعاب و دلالة النكرة الواقعة في سياق النهي عليه: هو ان الدلالة في النكرة على الاستيعاب عقلية، و في كل رجل لفظية و لكن (كل) لا تدل الا على استيعاب جميع افراد ما يراد من المدخول و لا دلالة لكل على استيعاب جميع افراد الطبيعة، و انما تدل على تعيين الارسال في الطبيعة بحيث لا يشذ عنها فرد، و اشار الى البرهان المتقدم: و هو انه لو كان لكل دلالة على ذلك لكان منافيا لهذه الدلالة تقييد المدخول بقيد من القيود و لا نرى منافاة

ص: 97

افادة المحلى باللام للعموم

نعم لا يبعد أن يكون ظاهرا عند إطلاقها في استيعاب جميع أفرادها (1)، و هذا هو الحال في المحلى باللام جمعا كان أو مفردا- بناء على إفادته للعموم- و لذا لا ينافيه تقييد المدخول بالوصف و غيره (2)، و إطلاق التخصيص على تقييده، ليس إلا من قبيل ضيق فم الركية (3)،

______________________________

لو قيد مدخول (كل) بأي قيد من القيود بقوله: «و لذا لا ينافيه تقييد المدخول» بقيود كثيرة.

(1) لا يخفى انه ليس مراده انه لا يبعد ان يكون لها ظهور في الاستيعاب ان ذلك الظهور لتحقق مقدمات الحكمة لظهور قوله عند اطلاقها انه ظهور لفظي أي لقرينة لفظية لا عقلية، هذا اولا.

و ثانيا: ان الاطلاق و مقدمات الحكمة حيث لا قرينة على خلافه فثبوته لا تردد فيه فلا ينبغي ان يعبر عنه بلا يبعد، و لا يعقل ان يكون مراده ان (كل) دالة على استيعاب جميع افراد المدخول لمنافاته لما حققه من انها انما تدل على استيعاب افراد ما يراد من المدخول و انه لا بد من احراز ارسالها بغير (كل).

فالظاهر ان مراده هو ان العرف يرى ان كل قرينة على انه قد اريد من المدخول السعة و الارسال فلا يحتاج الى اجراء مقدمات الحكمة لاحراز الارسال في مدخولها.

(2) المحلى باللام يكون مفردا تارة كقوله: اكرم العالم، و جمعا اخرى كاكرم العلماء، و على فرض افادته للعموم فالكلام فيه من ناحية دلالته على الاستيعاب فهي كالنكرة، و كل على رأيه في انه لا يدل على غير استيعاب ما يراد من المدخول و لا دلالة له على استيعاب المدخول، و اشار الى برهانه المتقدم بقوله: «و لذا لا ينافيه تقييد المدخول بالوصف و غيره» من التقييدات.

(3) ينبغي ان لا يخفى ان المصنف ذكر هذا في المحلى باللام و لكنه لا اختصاص له به.

و حاصله: انه ربما يطلق التخصيص على القيد اللاحق لمدخول (كل) او المحلى باللام كقولنا: اكرم كل رجل عالم، او اكرم العلماء العدول، او النكرة الواقعة في

ص: 98

.....

______________________________

سياق النفي كقولنا: لا رجل عالم في الدار، او النهي كقولنا: لا وضوء مبيح بعد غسل الجنابة.

و الظاهر من اطلاق التخصيص هو الاخراج من العام بعد تمامية عمومه، و القيد اللاحق للعام يمنع من انعقاد العموم و انما ينعقد في خصوص المقيد فليس فيه اخراج بعد تمامية العموم.

و بعبارة اخرى: ان اطلاق التخصيص على المحلى باللام المقيد كاكرم الرجل العالم او مدخول (كل) او مدخول النكرة الواقعة في سياق النفي لا بد و ان يكون باعتبار دلالة اللام و (كل) و النفي على الاستيعاب لجميع الافراد و عليه فالاطلاق صحيح و لكنه ينافي ما تقدم منه من انها انما تدل على الاستيعاب فيما اريد من المدخول، و الّا فلا يكون اطلاق التخصيص على المدخول المقيد صحيحا.

و الجواب فيه ان اطلاق التخصيص على المقيد انما هو باعتبار انه ينعقد خاصا أي يتم ظهوره بعد الاخراج منه، فهو من قبيل ضيق فم الركية: أي اوجدها ضيقة، لا انه اوجدها واسعة ثم ضيقها، و الركية هي البئر و جمعها ركايا، كهدية و هدايا و سرية و سرايا.

بقي شي ء: و هو انه بعد فرض دلالة المحلى باللام على الاستيعاب فما الفرق بين المفرد المحلى به و الجمع المحلى به.

قد يقال: ان الفرق بينهما هو ان المفرد يدل على الاستغراق في جميع الافراد التي يصدق عليها لفظ عالم، و الجمع يدل على الاستغراق في جميع مراتب الجمع، فان للجمع مراتب و هي الثلاثة و الأربعة و الخمسة و هكذا الى جميع مراتب الجمع، فهو يرجع الى اكرم كل جماعة جماعة من العلماء.

و هذا الفرق باطل لان مفهوم العلماء واحد لا ينحل الى مفاهيم متعددة، و انما الفرق بينهما هو ان الجمع له مرتبة بدونها لا يصدق الجمع و هو الثلاثة، و المفرد ينتهي الى الواحد، فالجمع المحلى باللام يدل على الاستغراق لجميع افراد العلماء بعد

ص: 99

لكن دلالته على العموم وضعا محل منع، بل إنما يفيده فيما إذا اقتضته الحكمة أو قرينة أخرى، و ذلك لعدم اقتضائه وضع اللام و لا مدخوله و لا وضع آخر للمركب منهما، كما لا يخفى، و ربما يأتي في المطلق و المقيد بعض الكلام مما يناسب المقام (1).

______________________________

هذه المرتبة الاخيرة، فلو فرضنا عدم دلالته على الاستغراق و عدم الاطلاق لوجب الاقتصار على الثلاثة بخلاف المفرد المحلى باللام فانه يدل على الاستغراق مما فوق الواحد الى جميع الافراد، فلو فرضنا عدم الدلالة على الاستغراق و عدم الاطلاق لوجب الاقتصار على الواحد، و في الجمع يجب الاقتصار على اول ما يصدق عليه الجمع.

(1) حاصله: ان كون المحلى باللام- مفردا كان او جمعا- دالا على الاستيعاب فيما يراد من مدخوله ممنوع، بل لا دلالة للمحلى باللام على الاستغراق و الاستيعاب اصلا، لأن اللام لم توضع للدلالة على الاستيعاب كما وضعت (كل) لذلك، بل اللام اما موضوعة لتعريف الجنس كما يدعيه المشهور، او انها لمحض التزيين على رأي المصنف كما سيعرج به في المطلق و المقيد و لم يثبت وضع اللام للاستيعاب، فاذا لم يكن للام وضع لذلك، و مدخول اللام اما المفرد فهو موضوع للطبيعة المهملة، و اما الجمع فهو أيضا لطبيعة الجمع المهملة التي اول مراتبها في الاثنين او الثلاثة، فلا دلالة للمدخول على الاستغراق و الاستيعاب و لا وضع للمركب غير وضع مفرداته و هو اللام و المدخول، فاذا لم تكن اللام موضوعة له و لا مدخولها، فلا دلالة للمحلى باللام على الاستيعاب، و يتوقف افادة الاستيعاب على جريان مقدمات الحكمة لافادة الاستيعاب، و عدم تقييد المدخول بقيد او قرينة اخرى لفظية كقوله اكرم العلماء جميعا او اكرم العالم من غير استثناء واحد منهم، و الى هذا اشار بقوله: «محل منع بل انما يفيده ... الى آخر الجملة»، و قد اشار الى الدليل على عدم دلالة المحلى على الاستيعاب بقوله: و ذلك لعدم اقتضائه وضع اللام ... الى آخر كلامه».

ص: 100

المخصص المتصل و المنفصل

فصل لا شبهة في أن العام المخصص بالمتصل أو المنفصل حجة فيما بقى فيما علم عدم دخوله في المخصص مطلقا و لو كان متصلا، و ما احتمل دخوله فيه أيضا إذا كان منفصلا، كما هو المشهور بين الاصحاب، بل لا ينسب الخلاف إلا إلى بعض أهل الخلاف.

و ربما فصّل بين المخصّص المتصل فقيل بحجيته فيه، و بين المنفصل فقيل بعدم حجيته (1)، و احتج النافي بالاجمال، لتعدد المجازات حسب

______________________________

(1) لا يخفى ان المخصص تارة: يكون متصلا كقولنا: اكرم العلماء الا الفساق، و اخرى يكون منفصلا كأن يقول: اكرم العلماء ثم يرد التخصيص في كلام آخر بعد تمامية الكلام الاول و تمامية ظهوره فيرد لا تكرم فساق العلماء.

و قد وقع الخلاف في العام المخصص في حجيته في الباقي على اقوال اشار المصنف الى ثلاثة منها:

الاول: مختار المصنف الذي نسبه الى المشهور: و هو كون العام المخصص بالمتصل او المنفصل حجة فيما بقي بعد التخصيص في خصوص ما علم خروجه عن المخصص، فان العلماء بعد ورود التخصيص عليه بالفساق يكون على ثلاثة اقسام:

العدول و هم خارجون عن عنوان الفسّاق، و خصوص مرتكبي الكبائر و هم فساق قطعا داخلين في المخصص قطعا، و مرتكبي الصغائر و هم ما احتمل دخولهم في العام لاحتمال خروجهم عن الفساق لان الفسق هو ارتكاب الكبائر فقط، و احتمال دخوله في المخصص لكون الفسق أعم من مرتكبي الكبائر و الصغائر.

فمختار المصنف و المشهور كون العام المخصص بالمنفصل او المتصل حجة في ما علم عدم دخوله في المخصص كالعدول فانهم خارجون عن الفساق قطعا، و فيما احتمل دخوله في المخصص كمرتكبي الصغائر.

فان كان المخصص منفصلا فالعام حجة في وجوب اكرامهم.

ص: 101

.....

______________________________

و ان كان متصلا كأن قال اكرم العلماء الا الفساق فلا يكون العام حجة فيه على تفصيل أيضا يأتي التنبيه عليه في الفصل الآتي بالنسبة الى الشبهة المصداقية، و الى هذا اشار اليه بقوله: «لا شبهة في ان العام المخصص بالمتصل او المنفصل حجة فيما بقي فيما علم عدم دخوله في المخصص» كالعدول فانهم مما علم عدم دخولهم في المخصص قطعا و العام في العدول حجة «مطلقا و لو كان المخصص متصلا» كأن يقول اكرم العلماء الا الفساق فلا شبهة في كونه حجة في العدول من العلماء، و أيضا العام حجة في «ما احتمل دخوله فيه أيضا» أي احتمل دخوله في المخصص كمرتكبي الصغائر فانه يحتمل دخوله في المخصص و هو الفساق، و في هذا فالعام أيضا حجة فيه «اذا كان» المخصص «منفصلا» بأن يرد لا تكرم فساق العلماء في كلام آخر بعد تمامية اكرم العلماء «كما هو المشهور بين الاصحاب» أي الامامية «بل» العامة أيضا لانه «لا ينسب الخلاف الا الى بعض اهل الخلاف» كما ينسب الى ابي ثور.

و هذا هو القول الثاني و هو كون العام ليس بحجة في الباقي مطلقا متصلا كان او منفصلا بعد ورود التخصيص عليه و هو المنسوب الى ابي ثور.

القول الثالث: التفصيل بين كون المخصص متصلا كأن يقول: اكرم العلماء الا الفساق فيكون العام حجة في الباقي، و بين كونه منفصلا فلا يكون العام حجة فيما بقي، و الى هذا اشار بقوله: «و ربما فصّل بين المخصص المتصل ... الى آخر الجملة».

و حيث لم يشر المصنف الى وجهه فلا بأس بالاشارة اليه، اما وجه كونه ليس بحجة فيما بقي اذا كان المخصص منفصلا فلما يأتي من احتجاج النافي مطلقا من كون العام بعد ورود تخصيصه بالمنفصل تتعدد المجازات و تعيين الباقي ترجيح بلا مرجح، و اما كونه حجة في الباقي فيما اذا كان متصلا فلانعقاد ظهور للعام في الباقي، و حيث انه في كونه حجة فيما اذا كان متصلا موافق للمختار، فالجواب عنه ينحصر ببطلان

ص: 102

مراتب الخصوصيات، و تعيين الباقي من بينها بلا معين ترجيح بلا مرجح (1).

______________________________

القول بعدم حجيته في الباقي فيما اذا كان المخصص منفصلا، و انه حجة في الباقي و ان كان المخصص منفصلا و سيأتي التعرض له في ردّ النافي مطلقا، و لعله لذلك لم يذكر المصنف وجه احتجاج هذا المفصّل.

(1) توضيحه: ان العموم قد وضع للدلالة على استيعاب جميع افراد المدخول فاذا خصص المدخول فلازمه عدم استعمال العموم فيما وضع له و هو جميع افراد المدخول، و يكون استعماله فيما عدا جميع الافراد من المجاز و هنا مراتب متعددة و استعماله في كل واحد منها هو من المجاز المحتاج الى قرينة معينة، لما هو معلوم ان المجاز بعد القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي يحتاج الى قرينة معينة، و حيث انه ليس في الكلام قرينة معينة لاحد المراتب، و ليس فيه إلّا المخصص و هو قرينة صارفة عن استعمال العموم في معناه الحقيقي لخروج الخاص عنه بواسطة المخصص، و لا قرينة تعين ان العام بعد خروج الخاص قد استعمل في أي مرتبة من المراتب و في أي مجاز من المجازات، و المرتبة الباقية و هي ما عدا الخاص مرتبة من المراتب و مجاز من المجازات و لا قرينة معينة تعينه، فتعينه بخصوصه من غير معين ترجيح بلا مرجح، مثلا اذا ورد اكرم كل عالم ثم ورد لا تكرم الفاسق فان لفظ كل قد وضعت لاستيعاب جميع افراد العالم، و بعد تخصيصه بالفاسق لم تستعمل فيما وضعت له و هو جميع افراد العالم و بقى استعمالها مرددا بين جميع افراد العالم من العادل و مرتكب الصغائر أو خصوص العادل، و لا قرينة تعين ما يعم العادل و مرتكب الصغائر، لان الفاسق بعد ما اخرج مرتكب الكبائر عن العالم قد كان قرينة صارفة عن استعمال (كل) في جميع افراد العالم، و ليس هو قرينة معينة على المراد من العالم بعد اخراج مرتكب الكبيرة عنه، فيبقى العام مرددا بين المراتب، و كل مرتبة منها استعمال العموم فيها مجاز لانها ليست هي جميع افراد العالم، فترجيح

ص: 103

و التحقيق في الجواب أن يقال: إنه لا يلزم من التخصيص كون العام مجازا، أما في التخصيص بالمتصل، فلما عرفت من أنه لا تخصيص أصلا، و إن أدوات العموم قد استعملت فيه، و إن كان دائرته سعة و ضيقا تختلف باختلاف ذوي الادوات، فلفظة (كل) في مثل (كل رجل) و (كل رجل عالم) قد استعملت في العموم، و إن كان إفراد أحدهما بالاضافة إلى الآخر بل في نفسها في غاية القلة.

و اما في المنفصل، فلان إرادة الخصوص واقعا لا تستلزم استعماله فيه و كون الخاص قرينة عليه، بل من الممكن قطعا استعماله معه في العموم قاعدة، و كون الخاص مانعا عن حجية ظهوره تحكيما للنص، أو الاظهر على الظاهر، لا مصادما لاصل ظهوره، و معه لا مجال للمصير إلى أنه قد استعمل فيه مجازا، كي يلزم الاجمال (1).

______________________________

خصوص مرتبة منها من دون قرينة تعينه ترجيح بلا مرجح، فالعام بعد تخصيصه يكون مجملا و المجمل لا يكون حجة في بعض المحتملات دون غيرها، و الى هذا اشار بقوله: «و احتج النافي بالاجمال لتعدد المجازات ... الى آخر كلامه».

(1) حاصله: انه قد عرفت- مما مرّ- ان الفاظ العموم موضوعة للدلالة على استيعاب ما يراد من المدخول فتخصيص العام بالمتصل لا يستلزم مجازا، لان اكرم كل عالم الا الفاسق قد استعملت فيما وضعت له و هو جميع افراد ما اريد من مدخولها و لم يرد من العام- اولا- جميع افراد العالم ثم خصص باخراج الفاسق، بل المراد من اول الامر هو العالم غير الفاسق، و قد عرفت ان تسميته تخصيصا هو من باب ضيق فم الركيّة، فلا تخصيص في قولنا: اكرم كل عالم الا الفاسق حتى يلزم استعمال الفاظ العموم في غير ما وضعت له، و الى هذا اشار بقوله: «اما في التخصيص بالمتصل فلما عرفت من انه لا تخصيص اصلا» لانه قد استعملت فيما وضعت له و هو استيعاب جميع افراد ما اريد من مدخولها، و قد اريد من مدخولها خصوص

ص: 104

.....

______________________________

العالم غير الفاسق و لم يرد من مدخولها العالم مطلقا ثم ورد عليه التخصيص، بل المراد قد نشأ خاصا من اول الأمر و ان اطلاقهم التخصيص عليه من باب ضيق فم الركية (و ان) في مثله «ادوات العموم قد استعملت فيه» أي في العموم «و ان كان دائرته» أي دائرة العموم «سعة و ضيقا تختلف باختلاف ذوي الادوات» أي المدخول بحسب ما يرد عليه من الخصوصات «فلفظة (كل) رجل في مثل» قولنا اكرم «كل رجل و» لفظة «كل رجل عالم» على حد سواء في ان (كل) في كل من الجملتين «قد استعملت في» معناها و هو «العموم و ان كان افراد احدهما بالاضافة الى الآخر بل في نفسها في غاية القلة» بان يكون افراد الرجل العالم في نفسها قليلة جدا لا ان قلتها اضافية بالنسبة الى افراد مطلق الرجل.

فالجواب عن احتجاج النافي في المتصل هو انه لا تخصيص و لا استعمال مجازي حتى يكون مجملا مرددا بين المجازات.

و اما في المنفصل، فحاصل الجواب: انه أيضا لا يلزم من التخصيص بالمنفصل المجاز حتى يكون المستعمل فيه مرددا بين المراتب فيلزم الاجمال، بل العام مستعمل في العموم و ان ورد عليه التخصيص بالمنفصل.

و بالجملة: بعد ورود التخصيص بالمنفصل على العام لا يكشف عن كون العام قد استعمل في الخصوص، بل هو باق على استعماله في العموم و ان كان قد تخصص بالمنفصل.

و توضيحه: ان كل استعمال للفظ في المعنى سواء كان اخبارا او إنشاء فيه ارادتان: ارادة استعمالية بجعل اللفظ قالبا للمعنى، و ارادة جدّيّة هي الداعي لهذه الارادة الاستعمالية، غايته انها في الخبر بداعي الاعلام و الاخبار و في الانشاء بداعي الانشاء، ففي الأمر في قولنا: اكرم العالم ارادتان: ارادة جدّيّة هي مسببة عن المصلحة في اكرم العالم و تنبعث من هذه الارادة ارادة استعمال لفظ الامر في انشاء البعث المتعلق بطبيعة العالم، و هذا الظهور الاستعمالي كاشف عن الارادة الجدّيّة

ص: 105

.....

______________________________

بالكشف النوعي عن انها متعلقة بالعام على عمومه، فاذا ورد المخصص الذي هو حجة اقوى من الظهور الاولى الكاشف عن الارادة الجدّيّة فيزاحمه في كشفه عن كون الارادة الجدية متعلقة بالعام على عمومه، و يكون التخصيص كاشفا عن ان الارادة الجدّيّة متعلقة بالخاص و لا موجب لان يكون التخصيص عن كون استعمال العام من اوله كان في خصوص الخاص، لانه لا مزاحمة له للارادة الاستعمالية و انما يزاحم الارادة الجدّية.

فان قلت: ان استعمال العام في العموم لا بد و ان يكون بداع من الدواعي، و حيث انكشف ان الارادة الجدية متعلقة بخصوص الخاص بعد التخصيص فاستعمال العام في العموم بأي داع يكون، و لا يعقل ان يكون بلا داع أصلا.

قلت: الداعي الى استعمال العام في العموم هو كونه لضرب القاعدة، و ليكون حجة للمكلف على الاخذ بالعام حيث لا تزاحم هذه الحجة حجة أقوى منها.

و اذا تبين ان التخصيص لا يزاحم الاستعمال فلا يستلزم التخصيص استعمالا مجازيا، لوضوح ان المجازية انما هي في استعمال اللفظ في غير ما وضع له، و اذا كان العام لم يستعمل في غير العموم و ان كان مخصصا فلا مجازية، و اذا لم يكن في التخصيص بالمنفصل استعمال مجازي فلا يكون العام مرددا بين المجازات المتعددة ليلزم الاجمال، و الى ما ذكرنا اشار بقوله: «و اما في المنفصل فلان ارادة الخصوص واقعا» أي بالارادة الجدية المنكشفة بورود التخصيص «لا تستلزم استعماله فيه» أي لا تستلزم استعمال العام في الخصوص «و كون الخاص قرينة عليه» أي قرينة على الاستعمال «بل من الممكن قطعا استعماله» أي استعمال العام «معه» أي مع التخصيص «في العموم قاعدة» أي بداعي ضرب القاعدة و كونه حجة و كاشفا حيث لا يزاحم بكاشف اقوى منه و ان التخصيص انما يزاحم الارادة الجدية اللبية، و يكون الظهور النوعي للعام كاشفيته عن العموم مزاحمة بالخاص لا استعماله في العموم.

ص: 106

لا يقال: هذا مجرد احتمال، و لا يرتفع به الاجمال، لاحتمال الاستعمال في خصوص مرتبة من مراتبه (1).

______________________________

و بعبارة اخرى: المزاحمة بين العام و الخاص انما هي مزاحمة بين الكاشفين عن الارادة الواقعية، و يتقدم الخاص لكونه كاشفا اقوى من كاشفية العموم عن الارادة اللبية، فالخاص يزاحم حجية العموم في ظهوره الكاشف عن العموم، و لا مزاحمة له لاستعمال العام في عمومه و ظهوره في استعماله في العموم.

و بعبارة اخرى: ان للعام ظهورا في العموم و هذا الظهور له- بحسب بناء العقلاء- حجية على الكشف عن الارادة اللبية، و الخاص انما يزاحم حجية هذا الظهور في كشفه لان الخاص اقوى منه، إما لانه بالنسبة الى حجية هذا الظهور من قبيل النص بالنسبة الى العام، أو لانه اظهر من العام فيتقدم الخاص على حجية ظهور العام في العموم اما لانه نص بالنسبة اليه او لانه أظهر منه.

و على كل فالخاص يزاحم العام في حجية ظهوره لا في ظهوره، فالظهور الاستعمالي للعام بما هو ظهور استعمالي هو على حاله و لم يزاحمه الخاص، و الى هذا اشار بقوله: «و كون الخاص مانعا عن حجية ظهوره تحكيما للنص او الاظهر على الظاهر لا مصادما لاصل ظهوره» و اذا كان الظهور الاستعمالي للعام باقيا على حاله و غير مزاحم بشي ء «فلا مجال للمصير الى انه قد استعمل فيه مجازا كي يلزم الاجمال» أي انه مع بقاء ظهوره الاستعمالي بحاله لا وجه لدعوى المجازية لانها ترتبط بالاستعمال، و اذا كان الاستعمال بحاله فلا مجازية، و اذ لا مجازية فلا اجمال كما عرفت.

(1) حاصله: انه بعد كشف الخاص عن ان الارادة الجدية قد تعلقت بالخصوص فكما يحتمل ان يكون قد استعمل العام في عمومه كذلك يحتمل ان يكون العام قد استعمل في الخصوص، و اذا كان استعماله في الخاص محتملا فيكون الاجمال محتملا- أيضا- لاحتمال الاستعمال.

ص: 107

فإنه يقال: مجرد احتمال استعماله فيه لا يوجب إجماله بعد استقرار ظهوره في العموم، و الثابت من مزاحمته بالخاص أنما هو بحسب الحجية تحكيما لما هو الاقوى، كما أشرنا إليه آنفا (1).

______________________________

و بعبارة اخرى: ان النافي يقول بالاجمال للقطع بالمجازية، و ما ذكر في جوابه غايته ان لا تكون المجازية مقطوعة بل تكون محتملة، و احتمالها كاف في الاجمال لما مر: من انه بعد الكشف عن ان الارادة اللبية الجدية قد تعلقت بغير مورد التخصيص فلا بد و ان يكون قد تعلقت بخصوص الخاص، و حيث يحتمل انه قد استعمل العام فيه أيضا فيكون الاجمال محتملا لتردده بين المحتملات، و الى هذا اشار بقوله:

«مجرد احتمال و لا يرتفع به الاجمال لاحتمال الاستعمال في خصوص مرتبة من مراتبه».

(1) حاصله: انه بعد ان كان التخصيص منفصلا فقد ورد الخاص بعد تمامية العام و انعقاد كل ظهور فيه، و قد عرفت ان له ظهورين: ظهور استعمالي في العموم، و ظهور في كونه كاشفا و حجة على الارادة اللبية الجدية، و لا يرفع اليد عن أي ظهور الا بمزاحم يزاحم ذلك الظهور اقوى منه، و قد عرفت ان الخاص انما يزاحم العام في كاشفيته و لا اقل من ان القدر المتيقن هو هذه المزاحمة، فلا ينبغي رفع اليد عن الظهور الاستعمالي، بل رفع اليد عنه رفع يد من دون مزاحم فلا يجوز بحسب القواعد المتبعة العقلائية في الظهورات، فاحتمال استعمال العام في خصوص الخاص احتمال لا قرينة عليه فلا يعتنى به بمجرد كونه احتمالا لا شاهد عليه، فلا موجب لان يكون مجملا بعد ان انعقد و لا اجمال فيه.

و الحاصل: ان العام بعد انعقاد ظهوره و تماميته له ظهوران: ظهور في الارادة الاستعمالية، و ظهور في الارادة اللبية، و القدر اللازم في تقديم الخاص هو تقديمه على ظهور الارادة اللبية و يبقى الظهور الاستعمالي بحاله لا حجة في قباله، و صرف الاحتمال من دون قيام حجة ملزمة به لا يقتضي رفع اليد عن الظهور الذي تمت

ص: 108

و بالجملة: الفرق بين المتصل و المنفصل، و إن كان بعدم انعقاد الظهور في الاول إلا في الخصوص، و في الثاني إلا في العموم، إلا أنه لا وجه لتوهم استعماله مجازا في واحد منهما أصلا (1)، و إنما اللازم

______________________________

حجيته، و على هذا فلا بد من الاخذ بالظهور الاستعمالي و عدم الاعتناء بالاحتمال من دون حجة عليه في قباله، و الى هذا اشار بقوله: «فانه يقال مجرد احتمال استعماله فيه لا يوجب اجماله» لان التخصيص قد ورد «بعد استقرار ظهوره» أي العام «في العموم» و ظهوره في الكاشفية «و الثابت من مزاحمته بالخاص انما هو» مزاحمة الخاص للعام «بحسب» ما للعام من «الحجية تحكيما لما هو الاقوى».

(1) حاصله: انه بين التخصيص بالمتصل و بالمنفصل فرق من جهة و اتفاق من جهة اخرى، اما الفرق بينهما فهو ان العام في المتصل ينعقد ظهوره من اول الامر في خصوص الخاص فلا ينعقد له ظهور في العموم ثم يعرضه التخصيص، لان ألفاظ العموم في المتصل قد دلت على استيعاب ما اريد من مدخولها و مدخولها في المتصل هو خصوص الخاص.

و اما في المنفصل فان العام بعد انعقاد ظهوره في العموم قد ورد عليه التخصيص، فالعام في المنفصل قد استعمل في العموم بخلاف المتصل فانه لم يستعمل الا في الخصوص.

هذه هي جهة الفرق بين التخصيص بالمتصل و المنفصل.

و اما جهة الاتفاق بينهما فهو ان العام في المتصل و المنفصل لم يستعمل استعمالا مجازيا اصلا، و انما الظهور في كاشفيته و حجيته على الارادة اللبية في المتصل لم تزاحم بشي ء بل هي من اول الامر قد انعقدت كاشفة عن خصوص الخاص، و في المنفصل قد زوحمت هذه الكاشفية فانها بعد ان كانت قبل ورود الخاص كاشفة عن تعلق الارادة بالعموم قد زوحمت هذه الكاشفية بالكاشف الاقوى و صارت حجية

ص: 109

كلام التقريرات و الاشكال عليه

الالتزام بحجية الظهور في الخصوص في الاول، و عدم حجية ظهوره في خصوص ما كان الخاص حجة فيه في الثاني، فتفطن (1).

و قد أجيب عن الاحتجاج، بأن الباقي أقرب المجازات. و فيه:

لا اعتبار في الاقربية بحسب المقدار، و إنما المدار على الاقربية بحسب زيادة الانس الناشئة من كثرة الاستعمال (2)، و في تقريرات بحث شيخنا

______________________________

العام في كشفه مختصة بخصوص الخاص، و اما استعماله في العموم فلا يزاحم بشي ء و هو على حاله.

و قد اشار المصنف الى الفرق بينهما بقوله: «الفرق بين المتصل و المنفصل ... الى آخر الجملة»، و اشار الى جهة اتفاقهما بقوله: «إلّا انه لا وجه لتوهم استعماله مجازا ... الى آخر الجملة».

(1) حاصله: ان لازم الفرق المذكور بين المتصل و المنفصل هو كون المتصل يكون حجة من أول الامر في خصوص الخاص، و في المنفصل حجيته في شموله لما عدا الخاص تنقطع بعد ورود التخصيص، و الى هذا اشار بقوله: «انما اللازم الالتزام بحجية الظهور في الخصوص في الاول» أي في المتصل «و عدم حجية ظهوره في خصوص ما كان الخاص حجة فيه في الثاني» أي في المنفصل، فحجيته تكون مقصورة على خصوص الخاص و لا تشمل غيره مما كان له ظهور فيه و هو جميع افراد العام قبل التخصيص.

(2) لا يخفى انه قد عرفت ان جواب المصنف عن الاحتجاج هو انه لا استعمال مجازي في كليهما، فلا يدور الامر بين المجازات المتعددة ليلزم الاجمال.

و قد اجاب بعضهم بعد تسليم المجازية فيها بما حاصله:

انه و ان تعددت المجازات إلّا انه هناك قرينة على احدها بالخصوص و هو الباقي بعد التخصيص لانه اقرب المجازات الى العموم، فالعام بعد تخصيصه يكون ظاهرا في الباقي لانه اقرب المجازات، فان الباقي هو اكثر مقدارا من بقية المجازات، و بعد

ص: 110

الاستاذ (قدس سره) في مقام الجواب عن الاحتجاج، ما هذا لفظه:

و الاولى أن يجاب بعد تسليم مجازية الباقي، بأن دلالة العام على كل فرد من أفراده غير منوطة بدلالته على فرد آخر من أفراده، و لو كانت دلالة مجازية، إذ هي بواسطة عدم شموله للافراد المخصوصة، لا بواسطة دخول غيرها في مدلوله، فالمقتضي للحمل على الباقي موجود و المانع مفقود، لان المانع في مثل المقام إنما هو ما يوجب صرف اللفظ عن مدلوله، و المفروض انتفاؤه بالنسبة إلى الباقي لاختصاص المخصص بغيره، فلو شك فالاصل عدمه، انتهى موضع الحاجة (1).

______________________________

امتناع بقاء العام على عمومه مستوعبا لجميع الافراد لا بد من حمله على اكثر المراتب، و الباقي هو المرتبة الكثيرة المشابهة لجميع الافراد التي هي المعنى الحقيقي.

و يرده: انه بعد تسليم المجازية لا وجه لهذا الجواب لان المدار في الاقربية هو الأقربية بحسب الانس الذهني الناشئة من الاستعمال، و الكثرة الخارجية لا توجب استيناسا.

و بعبارة اخرى: ان الكلام اذا كان خاليا من القرينة اللفظية و القرينة العقلية المعينة فلا بد و ان تكون القرينة الموجبة للانتقال الذهني مما اعتادها الذهن، و كثرة الافراد و ان كانت اقربية خارجية إلّا ان الموجب للانتقال الذهني هو الاقربية الذهنية، و هي انما تحصل من كثرة الاستعمال بحيث يكون المعنى قد كثر الاستعمال فيه من دون بقية المجازات، فيوجب ذلك ان يكون اقرب المجازات، و اما الكثرة الخارجية بنفسها فلا توجب اقربية موجبة لاستيناس الذهن في مقام الانتقال و حمل اللفظ عليه، و هذا مراده من قوله: «و فيه» انه «لا اعتبار في الاقربية بحسب المقدار» و هي الكثرة الخارجية «و انما المدار على الاقربية بحسب ... الى آخر الجملة».

(1) اجاب في التقريرات بعد تسليم المجازية بطريق آخر غير ما ذكر من كون الباقي أقرب المجازات.

ص: 111

.....

______________________________

و عبارة التقريرات لا تخلو عن اغلاق فلا بد من توضيحها.

فنقول: ان استعمال اللفظ مجازا في غير ما وضع له على نحوين:

تارة يكون في معنى مباين للمعنى الحقيقي له شبه به، مثلا كاستعمال الاسد في الرجل الشجاع فانه مباين للاسد.

و اخرى في مثل العام المستعمل مجازا في الباقي، فان الباقي ليس مباينا مباينة تامة للمعنى الحقيقي و هو جميع الافراد، بل هو مما للعام دلالة عليه تضمنية لانه بعضه، و دلالة العام على بعض اجزائه من التضمن و الباقي جزء من جميع الافراد.

و لا يخفى ان العام قبل ورود التخصيص له دلالات تضمنية: منها المقدار الذي خرج بالتخصيص منه، و منها الباقي، و منها المراتب الآخر دون الباقي، و هذه الدلالات التضمنية لا ربط لكل منها بالاخرى، فاذا انقطع العام عن الدلالة على بعض هذه الدلالات التضمنية فلا ينقطع عن الدلالات التضمنية الاخرى، فالعام بعد اخراج المقدار الخاص عنه بالتخصيص الذي كان العام يدل عليه بالتضمن لا ينقطع ربطه بالدلالات الاخرى، لان انقطاع العام عن دلالته التضمنية على الخارج منه لا يستلزم كون الباقي شيئا مباينا له كالرجل الشجاع بالنسبة الى الاسد، بل الباقي يبقى مرتبطا بالعام لان خروج الخاص عنه انما هو لوجود مانع عن دلالة العام عليه و هو التخصيص، فالمقتضي للربط بين العام و بين الدلالة التضمنية الاخرى و هو الباقي موجود و المانع عن هذا الارتباط، مفقود، اذ ليس للعام بالنسبة اليه تخصيص حتى يكون مانعا عن الربط بينهما.

فان قيل: ان الربط بينهما انما كان حيث كان دالا على معناه الحقيقي فكيف يبقى الربط بعد ارتفاع المعنى الحقيقي و استعمال العام مجازا.

فانا نقول: ان استعمال العام مجازا في الباقي انما هو مقتضى الجمع بين الخاص المانع عن شمول العام لجميع الافراد، فاذا جمعنا بين العام الذي له دلالات تضمنية

ص: 112

.....

______________________________

و بين هذا المانع عن بعض دلالته كان لازم ذلك كون الباقي هو المعنى المجازي، فالربط بين العام و هذه المرتبة بعد باق و ان كان الاستعمال مجازا.

و بعبارة أخرى: انه كان للعام دلالة حقيقية و هي جميع الافراد و دلالات تضمنية، و بوجود المانع عن شمول العام لبعض مدلوله التضمني ينقطع شموله للجميع، و اما اقتضاء شموله للباقي فهو موجود و لا مانع عنه، فلازم هذا ان يكون مستعملا فيه مجازا، فالمانع عن المعنى الحقيقي لا يوجب ارتفاع اقتضاء العام بالنسبة الى هذا المعنى المجازي، و هذا مراده من قوله: «و لو كانت دلالة مجازية اذ هي بواسطة عدم شموله للافراد المخصوصة» و ليس هذا المانع يقتضي دخول معنى آخر مباينا للمعنى الحقيقي كقرينة يرمي للاسد الموجبة لانقطاع المعنى الحقيقي بتمامه بواسطة دخول معنى آخر في ما هو المستعمل فيه مجازا، و لذا قال: «لا بواسطة دخول غيرها في مدلوله» فلا ينقطع الربط بين العام و بين دلالته على الباقي «فالمقتضي للحمل على الباقي موجود و المانع مفقود لان المانع في مثل المقام» هو التخصيص و التخصيص «انما هو ما» أي انما هو مانع «يوجب صرف اللفظ عن مدلوله» أي عن مدلوله الحقيقي و هو العموم بحيث يشمل الفرد الخاص الخارج عن العموم، و اما نسبة العام الى الباقي فلا مخصص له فلا مانع عنه، و هو مراده من قوله: «و المفروض انتفاؤه» أي المفروض انتفاء المانع الذي هو التخصيص للعام «بالنسبة الى الباقي لاختصاص المخصص بغيره» فان التخصيص انما خصص العام بالنسبة الى الخاص الخارج عنه لا بالنسبة الى الباقي، فالمقتضي للعام بالنسبة الى الباقي موجود و المانع مفقود، فمقتضى الجمع بين العام و الخاص الذي هو المانع عن شمول ربط العام بهذا الفرد الخارج عنه فقط و انتفاء المانع عن الباقي فلا بد من حمل اللفظ عليه- و ان كان لازم هذا كون الاستعمال مجازيا- و اذا شك في ان الباقي غير مراد فالاصل عدمه لان الاصل العقلائي في مباحث الالفاظ الاخذ على طبق

ص: 113

قلت: لا يخفى أن دلالته على كل فرد إنما كانت لاجل دلالته على العموم و الشمول، فإذا لم يستعمل فيه و استعمل في الخصوص- كما هو المفروض- مجازا، و كان إرادة كل واحد من مراتب الخصوصيات مما جاز انتهاء التخصيص إليه، و استعمال العام فيه مجازا ممكنا، كان تعيين بعضها بلا معين ترجيحا بلا مرجح، و لا مقتضي لظهوره فيه، ضرورة أن الظهور إما بالوضع و إما بالقرينة، و المفروض أنه ليس بموضوع له، و لم يكن هناك قرينة، و ليس له موجب آخر، و دلالته على كل فرد على حدة حيث كانت في ضمن دلالته على العموم، لا توجب ظهوره في تمام الباقي بعد عدم استعماله في العموم، إذا لم تكن هناك قرينة على تعيينه، فالمانع عنه و إن كان مدفوعا بالاصل، إلا أنه لا مقتضي له بعد رفع اليد عن الوضع، نعم إنما يجدي إذا لم يكن مستعملا إلا في العموم، كما فيما حققناه في الجواب (1)، فتأمل جيدا.

______________________________

الاقتضائي الدلالي و نفي الشك بالاصل، و هذا مراده من قوله: «فلو شك فالاصل عدمه».

(1) حاصله: ان ربط العام بالباقي انما هو لكونه مدلولا عليه بالدلالة التضمنية، و من الواضح ان الدلالة التضمنية فرع الدلالة المطابقية و هي تبع لها، و اذا ارتفع الاصل الذي هو المتبوع فلا بد من ارتفاع الفرع الذي هو التابع اذ لا معنى لبقاء الفرع التابع بعد ارتفاع الاصل المتبوع، فكيف يعقل ان يبقى الربط بين العام و دلالته على الباقي بعد ارتفاع الاصل لهذه الدلالة و هي الدلالة المطابقية للعام، فبالتخصيص و اخراجه للخاص عن العموم ارتفعت الدلالة المطابقية للعموم و هي جميع الافراد، و به أيضا ارتفعت العلاقة بين المراتب كلها و بين العام لأن ربط العام بها انما هو لدلالته التضمنية عليها و لا بد من ارتفاعها بعد ارتفاع دلالة العام المطابقية، و تكون حينئذ

ص: 114

.....

______________________________

المراتب كلها في عرض واحد بالنسبة لاحتمال كونها هي المستعمل فيها العام و لا موجب لتعيين احدها الا بمعين، و المعين:

اما الوضع: و هو منتف قطعا لفرض كون استعمال العام في غير جميع الافراد من الاستعمال المجازي.

و اما القرينة: و هي منتفية أيضا لان المفروض انه ليس في المقام قرينة غير التخصيص و التخصيص هو قرينة على خروج الخاص الموجبة هذه القرينة لارتفاع المعنى المطابقي فقط، و لا دلالة لها على مرتبة من المراتب الاخرى، و لا قرينة اخرى معينة لكون العام ظاهرا في الباقي.

ينبغي ان لا يخفى ان عمدة دليل التقريرات مبناه وجود الاقتضاء للعام بعد التخصيص بالنسبة الى الدلالات التضمنية، و المهم في قلت هو عدم الاقتضاء للعام بعد التخصيص بالنسبة الى الدلالات التضمنية، و لذلك قلنا.

فاتضح مما ذكرنا: ان العام بعد ارتفاع دلالته المطابقية لا يبقى له اقتضاء بالنسبة الى الباقي فاستعماله فيه مجاز، و ان كان محتملا كاحتمال استعماله في ساير المراتب، و ليس مانع يمنع عن هذا الاحتمال إلّا انه لا مقتضى له بعد ارتفاع الدلالة المطابقية للعام و هو دلالته على جميع الافراد، و الى هذا اشار بقوله: «فالمانع عنه و ان كان مدفوعا بالاصل» لما عرفت انه لا مانع من احتمال ان يكون مستعملا في الباقي مجازا كما انه يحتمل استعماله في بقية المراتب الاخرى أيضا، لان المانع هو التخصيص و المفروض عدم التخصيص لغير الخاص فاذا شك في تخصيص آخر فالاصل عدمه، و هذا مراده من قوله: «و ان كان مدفوعا بالاصل» لكنك قد عرفت انه بعد ارتفاع المعنى الموضوع له الحقيقي الذي هو المعنى المطابقي يرتفع الاقتضاء لدلالة العام على أي مرتبة من المراتب، و الى هذا اشار بقوله: «إلّا انه لا مقتضى له بعد رفع اليد عن الوضع».

ص: 115

المخصص اللفظي المجمل مفهوما

فصل إذا كان الخاص بحسب المفهوم مجملا، بأن كان دائرا بين الاقل و الاكثر و كان منفصلا، فلا يسري إجماله إلى العام، لا حقيقة و لا حكما، بل كان العام متبعا فيما لا يتبع فيه الخاص، لوضوح أنه حجة فيه بلا مزاحم أصلا، ضرورة أن الخاص إنما يزاحمه فيما هو حجة على خلافه، تحكيما للنص أو الاظهر على الظاهر، لا فيما لا يكون كذلك، كما لا يخفى (1).

______________________________

و اتضح ان الجواب عن الاحتجاج ينحصر بما ذكرناه: من ان العام سواء في المخصص المتصل او المنفصل لم يستعمل الا في العموم و ان الارادة الاستعمالية في المنفصل لم تزاحم بالخاص و انما المزاحم به هو الارادة الجدية، و العام مستعمل في العموم بداعي ضرب القاعدة و الى هذا اشار بقوله: «نعم انما يجدي اذا لم يكن مستعملا الا في العموم».

(1) لا يخفى ان الاجمال:

تارة يكون بحسب المفهوم كما في مفهوم الفاسق المراد بحسب مفهومه بين مرتكب الكبيرة و الصغيرة و بين خصوص مرتكب الكبيرة.

و اخرى يكون الاجمال بحسب المصداق كما لو كان الفاسق معلوما بحسب المفهوم، و لنفرض انه خصوص مرتكب الكبيرة و لكن الشك في دخول المشكوك في الفاسق من ناحية انه هل هو فاسق او غير فاسق؟ أي أنه هل هو مرتكب للكبيرة ام لا؟.

فتبين ان الشك في شمول الخاص للمشكوك دخوله فيه مرة يكون من ناحية الشبهة المفهومية لحصول الشك فيه من جهة الشك في المفهوم و عدم معلوميته.

و ثانية: من جهة الشبهة المصداقية لحصول الشك فيه من جهة الشك فيما هو خارج عن المفهوم، و سيأتي الكلام في الاجمال و الشك من جهة الشبهة المصداقية.

ص: 116

.....

______________________________

و الكلام- فعلا- من جهة الاجمال و الشك من ناحية الشبهة المفهومية أي من جهة الاجمال الناشئ من عدم تبين المفهوم سعة و ضيقا بحيث اوجب الشك في دخول المشكوك فيه و عدم دخوله فيه كما عنونه المصنف بقوله: «اذا كان الخاص بحسب المفهوم مجملا».

و توضيح الحال: ان المخصص المجمل مفهوما تارة يكون دائرا بين الاقل و الاكثر كدوران الفاسق بين مرتكب الكبيرة و الصغيرة و خصوص مرتكب الكبيرة.

و اخرى: يكون دائرا بين المتباينين كما لو قال: اكرم العالم و لا تكرم زيدا العالم، و تردد زيد بين كونه ابن بكر او ابن عمر.

و على كل من هذين النحوين: اما ان يكون الخاص المجمل مفهوما متصلا بالعام كما لو قال: اكرم العالم الا الفاسق، او اكرم العالم الا زيدا.

او يكون منفصلا بان جاء النهي عن اكرام الفاسق او زيد المردد بعد تمامية الكلام و انعقاد ظهور العام في العموم، و سيأتي تقسيم للخاص من جهة كونه لفظيا او لبّيا، و لكنه حيث لا ثمرة فيه في المجمل بحسب المفهوم لذا ينبغي الاقتصار على ما ذكرنا من الاقسام.

ثم لا يخفى ان الخاص المزاحم للعام:

تارة يزاحمه في ظهوره بحيث لا ينعقد للعام ظهور في العموم فيكون مزاحما لظهوره و حجيته، و هذا هو المزاحم للعام حقيقة.

و اخرى يكون الخاص مزاحما للعام في حجيته فقط لا في ظهوره، و هذا هو المزاحم للعام حكما لا حقيقة: أي ان ظهور العام في عمومه كان محفوظا و لكن الخاص مزاحم لحجية العام فقط فيكون العام مجملا حكما لا حقيقة، فالعام في هذا يسقط في حجيته لا في ظهوره، و في الاول يسقط العام في ظهوره و في حجيته تبعا لظهوره، فان العام اذا سقط في ظهوره فلا بد من سقوطه في حجيته، اذ لا يعقل ان يكون ما لا ظهور له حجة بخلاف الحجية وحدها فانه ربما يكون للعام ظهور و لكنه

ص: 117

.....

______________________________

لا يكون حجة، و المراد من الظهور الباقي للعام بعد عدم حجيته هو ظهوره الاستعمالي.

و تبين مما ذكرنا: ان الاجمال الحقيقي هو اجمال العام في مقام الاستعمال، فالمجمل حقيقة ما كان في مقام الاستعمال مجملا، و الاجمال حكما هو كون العام ليس بمجمل في مقام الاستعمال و لكنه لا يكون حجة و يكون ساقطا في مقام حجيته على الحكم، فان سرى الاجمال الى الاستعمال كان العام مجملا حقيقة و ان سرى الى حجيته فقط كان العام مجملا حكما لا حقيقة.

اذا عرفت هذا، فنقول: اذا كان الخاص منفصلا و كان مجملا بحسب المفهوم كالفاسق المردد مفهوما بين المرتكب لكبيرة اولها و للصغيرة- و هذا هو المردد بين الاقل و الاكثر- فاجماله لا يسرى الى العام.

و توضيح ذلك: ان الخاص لاجماله لا يكون حجة في ما عدا الاقل، لوضوح لزوم الاقتصار على القدر المتيقن في المفاهيم المجملة، فلا حجية للخاص في ما عدا القدر المتيقن، و حيث كان المفروض ان الخاص كان منفصلا فوروده بعد انعقاد العام في ظهوره و حجيته في الجميع: العادل، و المرتكب للصغيرة، و المرتكب للكبيرة- فيخرج منه مرتكب الكبيرة لمزاحمة الخاص له، و يبقى العام حجة في الباقي و هو العادل و مرتكب الصغيرة، لان العام قد انعقد ظهوره و حجيته فيهما، و لا يزاحمه الخاص فيهما لا في ظهوره و لا في حجيته، فالعام لم يختل ظهوره ليكون مجملا حقيقة، و لم تختل حجيته ليكون مجملا حكما، لان العام بعد ان تمت حجيته فلا يرفع اليد عنها إلّا باحد امرين:

اما لمزاحمته بحجة اقوى منه و المفروض عدمها لكون الخاص ليس بحجة فيما عدا مرتكب الكبيرة حتى يكون مزاحما للعام.

و اما للعلم الاجمالي بورود التخصيص على العام قطعا، و يكون ما له التخصيص مرددا فيعلم اجمالا بتخصيص العام، فالعلم الاجمالي بالتخصيص

ص: 118

و إن لم يكن كذلك (1) بأن كان دائرا بين المتباينين مطلقا، أو بين الاقل و الاكثر فيما كان متصلا، فيسري إجماله إليه حكما في المنفصل المردد بين المتباينين، و حقيقة في غيره:

______________________________

يوجب مزاحمة العام في حجيته و ليس هذا بموجود أيضا، فالعام حجة بلا مزاحم و لا مانع فلا يرفع اليد عنه و لا يكون اجمال الخاص لتردده بين الاقل و الاكثر ساريا اليه لا حقيقة و لا حكما، و قد اشار الى هذا بقوله: «فلا يسري اجماله الى العام لا حقيقة و لا حكما» و اشار الى البرهان على ذلك بقوله: «لوضوح ... الى آخر الجملة».

و حيث انه في الخاص المردد بين الاقل و الاكثر لا علم اجمالي لانحلال الخاص الى ما هو معلوم قطعا و هو الاقل و هو القدر المتيقن و الى ما هو مشكوك لا تنجز للعلم بالنسبة اليه، فليس في المقام علم اجمالي فلذلك اقتصر على ذكر عدم مزاحمة الخاص للعام.

(1) قد عرفت ان الخاص اما متصلا او منفصلا، و كل واحد منهما اما دائرا بين الاقل و الاكثر، او مرددا بين المتباينين، و اتضح حكم الخاص المنفصل الدائر بين الاقل و الاكثر و ان اجماله لا يسري الى العام لا حقيقة و لا حكما.

و بقيت الاقسام الثلاثة: المتصل بقسميه، و المنفصل المردد بين المتباينين:

اما في المنفصل المردد بين المتباينين فالعام يسقط عن الحجية فقط بالنسبة الى هذا الخاص المردد، و اما ظهور العام الاستعمالي فهو باق لما تقدم: من ان الخاص المنفصل مع تخصيصه للعام و اخراج الخاص عنه لا يزاحم ظهوره الاستعمالي، و انما يزاحم حجيته فقط لكشفه عن ان الارادة الجدية للعام تختص بخصوص الخاص، و اما ظهوره الاستعمالي في العموم فلا يزاحمه الخاص و ان الاستعمال في العموم كان بداعي ضرب القاعدة، و المنفصل المردد بين المتباينين لا يزيد على الخاص المعلوم خروجه عن العام فلا يزاحم ظهوره الاستعمالي فلا يكون مجملا في مقام الاستعمال

ص: 119

.....

______________________________

حتى يكون مجملا حقيقة، فان الاجمال الحقيقي للعام هو كونه مجملا في مقام الاستعمال، و اما في حجيته فيسقط العام للعلم الاجمالي بتخصيصه قطعا فلا يكون العام فيما خصص فيه بحجة، و حيث كان الخاص مرددا بين المتباينين لا بين الاقل و الاكثر حتى ينحل و يقتصر فيه على القدر المتيقن فلا يكون العام حجة في الخاص المردد بين المتباينين لكلا طرفيه، فاذا ورد لا تكرم زيدا بعد ورود اكرم العالم و كان زيد مرددا بين ابن بكر و ابن عمرو، فلا بد من رفع اليد عن حجيته في كلا الزيدين لتردد الخاص بينهما، فهذا الاجمال للخاص قد اسقط حجيّة العام فقط فهو سار اليه حكما لا حقيقة.

و اما العام المخصص بالمتصل سواء كان بين المتباينين او الاقل و الاكثر كما لو ورد اكرم العالم الا زيدا و كان زيد مرددا بين فردين من افراد العام، او ورد اكرم العالم الا الفاسق المردد بين مرتكب الصغيرة و الكبيرة او مرتكب الكبيرة فقط، فان هذا الاجمال في الخاص المتصل يسرى الى العام حقيقة لانه حيث كان متصلا بالعام فلم ينعقد للعام ظهور في عمومه.

و بعبارة اخرى: لم يتم للعموم ظهور كاشف عن الارادة الجدية، لانه بعد اتصاله بالخاص المجمل قد احتف الكلام بالقرينة و لما كانت القرينة مجملة فلا يتم للعام كشف عن المراد الجدي به، فالعام من اول الامر لم يتم له ظهور كاشف بخلاف المنفصل المردد بين المتباينين فانه بعد ان تم و انعقد له ظهور كاشف يمنع العلم الاجمالي بالتخصيص عن اتباع ذلك الظهور الكاشف فيسقط عن الاتباع، بخلاف العام المتصل به المخصص المجمل فانه لم يتم له ظهور كاشف من اول الامر حتى يسقط بالخاص، فالاجمال يسري الى العام حقيقة و حكما في الخاص المجمل المتصل سواء كان دائرا بين المتباينين او الاقل و الاكثر، و يكون العام حجة في ما عدا الخاص، فمثل اكرم العالم الا الفاسق لا يجب اكرام مرتكب الصغيرة، بخلاف

ص: 120

.....

______________________________

المنفصل فقد علمت حجيته في اكرامه، و في اكرم العالم الا زيدا المردد بين شخصين يكون العام حجة في غيرهما.

قوله (قدس سره): «بان كان دائرا بين المتباينين مطلقا»: أي سواء كان الخاص متصلا او منفصلا.

قوله: «و حقيقة في غيره» أي يسري الاجمال حقيقة الى العام في الخاص المتصل حقيقة سواء كان الخاص دائرا بين المتباينين او بين الاقل و الاكثر- فقد عرفت أن الاقسام اربعة: المنفصل المردد بين الاقل و الاكثر، و فيه لا يسري الاجمال الى العام لا حقيقة و لا حكما، و فيما عدا القدر المتيقن من الخاص يكون العام حجة، و في المنفصل المردد بين المتباينين يسري الاجمال الى العام حكما لا حقيقة، و في المتصل مطلقا يسري الاجمال الى العام حقيقة و حكما.

قوله (قدس سره): «اما الاول ... الخ» هذا بيان لسقوط العام في المنفصل حكما لا حقيقة.

قوله (قدس سره): «و اما الثاني ... الخ» هذا بيان لسقوط العام في المتصل حقيقة و انه لا ينعقد له ظهور من رأس، و انه لا يكون حجة الا في القدر المتيقن و هو ما عدا الخاص المجمل كما مر.

قوله (قدس سره): «فانقدح بذلك ... الخ» قد عرفت ان الفرق بين العام المخصص بالمتصل و العام المخصص بالمنفصل: هو انه في المنفصل ينعقد الظهور للعام، بخلاف العام في المتصل فانه لا ينعقد له ظهور من رأس.

و بعبارة اخرى: ان الفرق بين المتصل و المنفصل هو انه في المتصل يسري الاجمال الى العام حقيقة، و في المنفصل يسري الاجمال اليه حكما لا حقيقة.

قوله (قدس سره): «و كذا في المجمل ... الخ» الفرق بين المجمل: أي الخاص المردد بين المتباينين و بين المردد بين الاقل و الاكثر: هو انه في المردد بين المتباينين سواء كان متصلا او منفصلا لا يكون العام حجة في المردد، و في الاقل و الاكثر في المتصل

ص: 121

الشبهة المصداقية

أما الاول: فلان العام- على ما حققناه- كان ظاهرا في عمومه، إلا أنه لا يتبع ظهوره في واحد من المتباينين اللذين علم تخصيصه بأحدهما.

و أما الثاني: فلعدم انعقاد ظهور من رأس للعام، لاحتفاف الكلام بما يوجب احتماله لكل واحد من الاقل و الاكثر، أو لكل واحد من المتباينين، لكنه حجة في الاقل، لانه المتيقن في البين.

فانقدح بذلك الفرق بين المتصل و المنفصل، و كذا في المجمل بين المتباينين و الاكثر و الاقل، فلا تغفل.

و أما إذا كان مجملا بحسب المصداق، بأن اشتبه فرد و تردد بين أن يكون فردا له أو باقيا تحت العام، فلا كلام في عدم جواز التمسك بالعام لو كان متصلا به، ضرورة عدم انعقاد ظهور للكلام إلا في الخصوص، كما عرفت.

و أما إذا كان منفصلا عنه، ففي جواز التمسك به خلاف، و التحقيق عدم جوازه، إذ غاية ما يمكن أن يقال في وجه جوازه، أن الخاص إنما يزاحم العام فيما كان فعلا حجة، و لا يكون حجة فيما اشتبه أنه من أفراده، فخطاب (لا تكرم فساق العلماء) لا يكون دليلا على حرمة إكرام من شك في فسقه من العلماء، فلا يزاحم مثل أكرم العلماء و لا يعارضه، فإنه يكون من قبيل مزاحمة الحجة بغير الحجة (1)، و هو في

______________________________

لا يكون العام بحجة لا في الاقل الذي هو خصوص مرتكب الكبيرة و لا في الاكثر الذي هو مرتكب الصغيرة، و تختص حجيته بخصوص العادل، و في المنفصل يكون العام حجة في مرتكب الصغيرة، و تختص عدم حجيته بخصوص مرتكب الكبيرة.

(1) ما تقدم من الكلام كان في المخصص المجمل بحسب المفهوم. و الكلام الآن في المخصص المجمل بحسب المصداق، و المراد من المجمل بحسب المصداق هو ما كان الشك لا لاجل عدم تبين مفهومه، بل كان من ناحية الامور الخارجة عن المفهوم،

ص: 122

.....

______________________________

مثلا كما يشك بعد ورود الخاص كقوله: لا تكرم الفاسق- بعد اكرم العالم- في كون زيد فاسقا ام لا؟ لا من ناحية عدم تبين مفهوم الفاسق و انه هل هو الاعم من مرتكب الصغيرة و الكبيرة، كذلك الشك في كونه فاسقا ام غير فاسق بعد معلومية مفهوم الفاسق و انه مثلا خصوص مرتكب الكبيرة، لكن الشك في كون زيد فاسقا ام لا؟ انما حصل من ناحية هل هو من مرتكبي الكبيرة ام لا؟

و من الواضح ان الشك في كونه من مرتكب الكبيرة ام لا انما ينشأ من الامور الخارجية لا من مفهوم الفاسق لفرض كونه معلوما و هو خصوص مرتكب الكبيرة، و هذا هو الشك من ناحية الشبهة المصداقية، لان الشك فيه يحصل من ناحية ان زيدا هل هو مصداق لهذا المفهوم المعلوم بحسب مفهوميته ام لا؟

ثم لا يخفى انه قد تقدم ان الخاص ينقسم الى كونه لفظيا و لبيا، و حيث لم يكن له ثمرة في الشك في الشبهة المفهومية و انما ثمرته في الشك من ناحية الشبهة المصداقية- فاعلم:

ان الخاص اللفظي هو ما اذا ورد اكرم العالم ثم ورد لا تكرم الفاسق مستفادا من ناحية البيان اللفظي.

و اللبي ما اذا كان لا تكرم الفاسق مستفادا من اجماع او سيرة او عقل.

و الكلام- فعلا- في الخاص اللفظي المجمل بحسب المصداق كما يدل عليه قول المصنف في آخر كلامه: «هذا اذا كان المخصص لفظيا».

و لا يخفى أيضا ان الكلام في المجمل بحسب المصداق فيما هو المعلوم مفهوما، فيكون الكلام في المردد بين الاقل و الاكثر و المتباينين خارجا لانه في غير المعلوم مفهوما.

و على كل فالكلام- فعلا- في المخصص اللفظي المعلوم المفهوم المشكوك من ناحية الامور الخارجية، و حيث ان المخصص اللفظي المجمل بحسب المصداق:

تارة: يكون متصلا كما لو قال: اكرم العالم الا الفاسق.

ص: 123

.....

______________________________

و اخرى: يكون منفصلا و قد عرفت ان الخاص المتصل يوجب انعقاد ظهور العام ابتداء في الخاص و لا ينعقد له ظهور في مطلق العالم، فظهور اكرم العالم الا الفاسق من أول الامر ينعقد في وجوب اكرام العالم غير الفاسق، فالموضوع لوجوب الاكرام هو العالم غير الفاسق. و من الواضح انه لا بد في ترتب الحكم على موضوع من احراز موضوع الحكم، فاذا شك في فسق العالم و لو من ناحية الامور الخارجية لا يجب اكرامه قطعا، لعدم احراز ما هو موضوع الحكم في وجوب اكرامه، اذ لم يحرز كونه عالما غير فاسق حتى يجب اكرامه.

و بعبارة اخرى: ان الخاص المتصل بالعام يوجب تعنون العام بعنوان الخاص المتصل به، فقوله اكرم العالم الا الفاسق يوجب تعنون العالم بكونه غير فاسق، فاذا شك في فسقه فلا يكون غير فسقه محرزا فلا يجب اكرامه، و الى هذا اشار بقوله:

«فلا كلام في عدم جواز التمسك بالعام لو كان متصلا به ضرورة عدم انعقاد ... الى آخر الجملة».

و اما اذا كان المخصص اللفظي المجمل بحسب المصداق منفصلا، كما لو ورد اكرم العالم و بعد انعقاد ظهوره في كل فرد من افراد العالم سواء كان عادلا او فاسقا ثم يرد الخاص و هو لا تكرم الفاسق، فهل يكون العام حجة في اكرام مشكوك الفسق و العدالة ام لا؟ هذا هو محل الخلاف.

و ذهب المصنف الى عدم كون العام حجة فيه كما هو رأي جمهور المتأخرين في الجملة، و الذي يمكن ان يستدل به لحجية العام فيه ادلة اشار المصنف الى واحد منها، و لذا قال: «و اما اذا كان» أي الخاص اللفظي المجمل بحسب المصداق «منفصلا عنه ففي جواز التمسك به» أي بالعام «خلاف و التحقيق عدم جوازه اذ غاية ما يمكن ان يقال في وجه جوازه ان الخاص انما يزاحم ... الى آخر كلامه».

و توضيحه: انه بعد ان انعقد للعام ظهور في كل فرد من افراده فلا يرفع اليد عنه هذا الظهور إلّا بحجة اقوى منه، لانه رفع يد عن الحجة من غير حجة، فبعد ان تمت

ص: 124

.....

______________________________

حجية العام في جميع افراده ورد الخاص و هو عدم وجوب اكرام الفاسق من افراد العالم، و من الواضح ان هذا الخاص هو عبارة عن موضوع له الحكم و هو و ان كان يقدم على حجية العام لانه حجة اقوى منه، إلّا انه انما يتقدم على العام فيما اذا احرز موضوعه، فيكون الحكم بعدم اكرامه مقدما على وجوب اكرامه لتقدم الحجة الاقوى و هو الخاص على العام، فالفاسق انما يتقدم على العام فيما احرز انه فاسق، و حيث ان المفروض انه مشكوك الفسق فلا يكون الخاص حجة في مشكوك الفسق لعدم احراز الموضوع للحكم فيه، و اذا لم يكن الخاص حجة فيه فلا وجه لعدم كون العام حجة فيه، لانه رفع اليد عن الحجة من غير حجة على خلافه و لا حجة على خلاف العام في المشكوك لعدم كون الخاص حجة فيه.

و بعبارة اخرى: ان العام حجة فعلية على جميع الافراد و مشكوك الفسق حيث انه من افراد العام فقد قامت الحجة الفعلية عليه و الخاص ليس بحجة فعلية على خلاف العام، لوضوح ان الحكم لموضوع لا يكون حكما فعليا منجزا الا بعد احراز موضوعه، و حيث لم يحرز الموضوع لفرض الشك في الموضوع و هو الفسق فالخاص لا يكون حكمه فعليا منجزا، فالعام حجة فعلية منجزة و الخاص ليس حجة فعلية منجزة في قباله، فيكون رفع اليد عن العام في المشكوك الفسق رفع يد عن الحجة الفعلية من غير حجة على خلافه.

و بعبارة اوضح: ان الخاص انما يقدم على العام و يزاحمه فيما اذا كان الخاص حجة فعلية في قبال العام، و المفروض ان الخاص ليس بحجة فعلية في مشكوك الفسق فلا يزاحم العام و لا يقدم عليه، و الى هذا اشار بقوله: «ان الخاص انما يزاحم العام فيما كان فعلا حجة و لا يكون حجة فيما اشتبه من افراده» أي ان الخاص لا يكون حجة في الفرد المشتبه الفسق من العلماء «فخطاب لا تكرم فساق العلماء» الذي هو الخاص «لا يكون دليلا على حرمة اكرام من شك في فسقه من العلماء» و حيث لا يكون الخاص حجة في المشكوك «فلا يزاحم مثل اكرم العلماء و لا يعارضه» و هو

ص: 125

غاية الفساد، فإن الخاص و إن لم يكن دليلا في الفرد المشتبه فعلا، إلا أنه يوجب اختصاص حجية العام في غير عنوانه من الافراد، فيكون (أكرم العلماء) دليلا و حجة في العالم غير الفاسق، فالمصداق المشتبه و إن كان مصداقا للعام بلا كلام، إلا أنه لم يعلم أنه من مصاديقه بما هو حجة، لاختصاص حجيته بغير الفاسق (1).

______________________________

العام لان مزاحمته له من مزاحمة الحجة باللاحجة، و لذا قال: «فانه يكون من قبيل مزاحمة الحجة بغير الحجة».

(1) هذا هو الجواب، و توضيحه:

ان العام و ان انعقد له ظهور في كل فرد من افراده إلّا انه بعد ورود الخاص و هو الفاسق يكون هذا الاخراج موجبا لانقسام العام الى قسمين واقعا: بعض يجب اكرامه، و بعض لا يجب اكرامه او يحرم اكرامه، و هو العالم غير الفاسق، و العالم الفاسق، فورود الخاص اوجب اختصاص حجية العام واقعا بغيره: أي انه بعد ان ورد لا تكرم الفاسق اوجب قصر حجية وجوب اكرام العالم في غير الفاسق، فمشكوك الفسق و ان كان الخاص ليس بحجة فيه لعدم احراز موضوع الحكم فيه إلّا ان العام بعد ورود التخصيص أيضا لا يكون حجة فيه، لان التخصيص اوجب قصر حجية العام واقعا على ما عدا الخاص.

و بعبارة اخرى: ان العنوان للعام بعد التخصيص لم يبق على ما هو عليه بل اختصت حجيته واقعا بغير الخاص، فاكرم العالم- مثلا- بعد ورود لا تكرم الفاسق صارت حجيته مختصة واقعا بغير الفاسق، فيكون هناك حجتان واقعا وجوب اكرام العالم غير الفاسق و حرمة اكرام الفاسق، و حيث لم يعلم اندراج المشكوك في أي الحجتين، فكما لا يكون حرمة اكرام الفاسق حجة في عدم اكرامه كذلك لا يكون وجوب اكرام العالم غير الفاسق حجة في وجوب اكرامه، فهو غير معلوم الاندراج

ص: 126

و بالجملة العام المخصص بالمنفصل، و إن كان ظهوره في العموم، كما إذا لم يكن مخصصا، بخلاف المخصص بالمتصل كما عرفت، إلا أنه في عدم الحجية إلا في غير عنوان الخاص مثله، فحينئذ يكون الفرد المشتبه غير معلوم الاندراج تحت إحدى الحجتين، فلا بد من الرجوع إلى ما هو الاصل في البين (1)، هذا إذا كان المخصص لفظيا.

______________________________

في أي الحجتين لعدم احراز موضوعهما فيه، و لا بد من الرجوع فيه الى ما تقتضيه الاصول.

و بعبارة اخرى: ان العام و ان شمل العالم المشكوك الفسق بما هو عالم إلّا ان هذا العام بعد ورود لا تكرم الفاسق لا يكون حجة بما له من مفهومه العام، بل يكون حجة، و بما هو مقيد بغير الفاسق بما هو مقيد بغير الفاسق لا يشمل مشكوك الفسق فيما هو شامل له ليس بحجة، و بما هو حجة ليس بشامل له، و الى هذا اشار بقوله: «فالمصداق المشتبه» و هو العالم المشكوك الفسق «و ان كان مصداقا للعام» و هو العالم «بلا كلام إلّا انه لم يعلم انه من مصاديقه» أي لم يعلم انه من مصاديق العام «بما هو حجة لاختصاص حجيته» أي حجية العام بعد ورود التخصيص عليه تكون مختصة «ب» العالم «غير الفاسق».

(1) انه و ان كان هناك فرق بين المخصص بالمتصل و المخصص بالمنفصل المجملين من ناحية الشبهة المصداقية- انه في المتصل لا يكون للعام ظهور بالنسبة الى المشكوك، و في المنفصل يكون للعام ظهور يشمل المشكوك لانعقاد الظهور للعام قبل ورد التخصيص بحيث يشمل ظهوره المشكوك- إلّا انهما في الحجية على حد سواء لما عرفت: من انه بعد ورود التخصيص بالفاسق ينقسم العام الى فاسق و غير فاسق، و تختص حجية العام واقعا بغير الفاسق و الخاص بالفاسق، و يكون الفرد المشكوك غير معلوم الاندراج في ايهما و هما بالنسبة اليه نظير الحجتين المتعارضتين، و مقابلة العام بالخاص من مقابلة الحجة بالحجة، فرفع اليد عنه ليس من رفع اليد عن الحجة

ص: 127

المخصص اللبي

و أما إذا كان لبيا، فإن كان مما يصح أن يتكل عليه المتكلم، إذا كان بصدد البيان في مقام التخاطب، فهو كالمتصل، حيث لا يكاد ينعقد معه ظهور للعام إلا في الخصوص، و إن لم يكن كذلك، فالظاهر بقاء العام في المصداق المشتبه على حجيته كظهوره فيه (1).

______________________________

باللاحجة، بل رفع يد عن الحجة بحجة مثلها. و الفرق بين هذا التعارض و التعارض المتعارف هو انه في التعارض المتعارف ينشأ التعارض من احراز كلا الموضوعين، و هنا ينشأ التعارض من عدم احراز احد الموضوعين، و كما يرجع في مورد المتعارضين الى الاصول كذلك لا بد هنا في الفرد المشكوك من الرجوع الى الاصول أيضا.

و الى الفرق بين المتصل و المنفصل اشار بقوله: و بالجملة العام المخصص بالمنفصل و ان كان ظهوره في العموم» محفوظا لما عرفت: انه قد تم ظهوره في الشمول قبل ورود التخصيص، و الظهور بعد انعقاده لا يعقل انقلابه عما كان له ظهور فيه فهو في كونه له ظهور «كما اذا لم يكن مخصصا بخلاف المخصص بالمتصل» فانه لا ينعقد للعام ظهور فيه «كما عرفت إلّا انه في عدم الحجية الا في غير عنوان الخاص» أي إلّا ان العام المخصص بالمنفصل من حيث الحجية و انها بعد ورود الخاص تنحصر حجيته في غير الفاسق فلا يكون حجة في المشكوك، فهو «مثله» أي مثل المخصص بالمتصل في عدم الحجية، و قد أشار الى ان الفرد المشكوك بالنسبة اليهما لا بد من رفع اليد عن كلا الحجتين فيه لعدم احراز الموضوع فيه، و انهما بالنسبة اليه كالحجتين المتعارضتين بقوله: «فحينئذ يكون الفرد المشتبه ... الى آخر الجملة»، و أشار الى الرجوع فيه الى الاصول بقوله: «فلا بد من الرجوع ... الى آخره».

قوله (قدس سره): «هذا اذا كان المخصص لفظيا» يدل هذا على ان كلامه المتقدم مختص بخصوص اللفظي كما نبهنا عليه.

(1) لا يخفى ان المخصص اللبي كالعقل- مثلا-:

ص: 128

و السر في ذلك، أن الكلام الملقى من السيد حجة، ليس إلا ما اشتمل على العام الكاشف بظهوره عن إرادته للعموم، فلا بد من اتباعه

______________________________

تارة يكون من الوضوح بحيث انه ملتفت اليه عند كل احد و لا يغفل عنه أي ذهن من الاذهان و لا يحتاج التنبيه اليه الى مقدمات او برهان او نحو ذلك، و مثل هذا يكون مخصصا متصلا عقليا بالعام اللفظي كمثل اللعن الوارد لبعض اهل البقاع، فان خروج المؤمن عن اللعن من مرتكزات جميع الاذهان، و يصح لكل متكلم ان يتكل على هذا التخصيص، و مثل هذا المخصص يمنع عن انعقاد ظهور اللعن العام في الشمول و العموم، بل العام من اول الامر يختص انعقاد الظهور فيه بغير المؤمن، و هو كالمخصص اللفظي المتصل من غير فرق أصلا، فهو خارج عن ما هو محل الكلام لان الكلام في المخصص اللبي المنفصل الذي لا يمنع عن انعقاد الظهور للعام في العموم، و اشار المصنف اليه بقوله: «فان كان مما يصح ان يتكل عليه ... الى آخر الجملة».

و اخرى: يكون المخصص اللبي كالمخصص المنفصل و هو الذي يحتاج الالتفات اليه الى مقدمات و قياس و برهان، و لا يكون كالاول من المرتكزات التي يلتفت اليها كل ذهن، و مثل هذا لا يصح ان يتكل عليه المتكلم في مقام البيان بحيث يكون كالقرينة المتصلة، و هذا هو محل الكلام في انه هل هو كالمخصص اللفظي المنفصل مما لا يكون فيه العام حجة في الفرد المشكوك من ناحية الشبهة المصداقية أم ان العام في مثل هذا المخصص اللبي يكون حجة في الفرد المشكوك؟

و المختار للمصنف كون العام حجة فيه، و قد اشار الى ما ذكرنا بقوله: «و ان لم يكن كذلك فالظاهر بقاء العام في المصداق المشتبه على حجيته كظهوره» أي انه قد عرفت في المخصص اللفظي المنفصل للعام ظهور الّا انه من دون حجية، و لكن العام في اللبي المنفصل كما انه له ظهور شامل للفرد المشكوك كذلك له حجية بالنسبة اليه فيجوز التمسك بالعام في الفرد المشكوك و اثبات حكم العام له.

ص: 129

ما لم يقطع بخلافه، مثلا إذا قال المولى: (أكرم جيراني) و قطع بأنه لا يريد إكرام من كان عدوا له منهم، كان أصالة العموم باقية على الحجية بالنسبة إلى من لم يعلم بخروجه عن عموم الكلام، للعلم بعداوته، لعدم حجة أخرى بدون ذلك على خلافه، بخلاف ما إذا كان المخصص لفظيا، فإن قضية تقديمه عليه، هو كون الملقى إليه كأنه كان من رأس لا يعم الخاص، كما كان كذلك حقيقة فيما كان الخاص متصلا، و القطع بعدم إرادة العدو لا يوجب انقطاع حجيته، إلا فيما قطع أنه عدوّه، لا فيما شك فيه (1)، كما يظهر صدق هذا من صحة

______________________________

(1) لقد ذكر المصنف في مجموع عبارته دليلين على كون العام حجة في الفرد المشكوك اذا كان المخصص لبيا:

الاول ما اشار اليه بقوله: «و السر»، و حاصله: ان الفرق بين المخصص اللفظي و اللبي الموجب لعدم كون العام حجة في الفرد المشكوك في اللفظي و ان كان يشمله ظهوره، و في اللبي كما ان له ظهورا يشمل المشكوك هو حجة فيه أيضا، على ان العام في كليهما بعد التخصيص قد انقسم واقعا الى قسمين، مثلا اذا قيل لعن اللّه اهل حروراء قاطبة، و نفرض ان خروج المؤمن منه كان تخصيصا لبيا منفصلا بحيث يحتاج الى برهان و ليس هو من المرتكزات التي هي كالقرينة المتصلة، فحينئذ يكون العام منقسما- واقعا- الى غير المؤمن و هو الملعون، و الى المؤمن و هو الخارج عنه و هو غير ملعون، فهو مثل المخصص اللفظي الموجب لانقسام العالم بعد التخصيص الى عالم غير فاسق و الى عالم فاسق، فاللبي من هذه الجهة مثل اللفظي و لكنه مع ذلك العام في اللفظي غير حجة في المشكوك فسقه و غير فسقه، فلا يجوز التمسك به لوجوب اكرامه، و في اللبي العام حجة في المشكوك فيجوز التمسك بالعام لجواز لعن المشكوك ايمانه و عدم ايمانه من اهل حروراء.

ص: 130

.....

______________________________

و توضيح السر الذي اشار اليه في هذا الفرق بينهما: هو ان المخصص اللفظي بدلالته على التخصيص لفظا قد دل على امرين:

الاول: المنافاة لما دل عليه العام من ان الحكم المرتب على العنوان العام لا ينافيه أي عنوان من العناوين الأخر المندرجة تحته، و الخاص بعد وروده قد دل على ان هناك منافاة لهذا العنوان العام.

الثاني: دلالة الخاص على ان هذا العنوان المنافي للعام موجود بين افراد العام و هو حجة في قبال حجية العام، فالمولى بتخصيصه اللفظي قد صار بصدد بيان امرين: المنافاة للعام، و وجود المنافي بين افراد العام فانه لو لم يكن المنافي موجودا بين افراد العام لما صار المولى بصدد التخصيص، فان الفروض المحضة لا تحمل الحكيم على البيان و التخصيص، فكانه ببيانه اللفظي قد اظهر انه لا تتبع حجية العام في جميع افراده، فان ما بين الافراد قد اوجدت حجة تنافي حجية العام، و لازم هذا البيان انه في الفرد المشكوك لا يؤخذ بالعام لان المولى قد نبه على انه توجد حجة اقوى منه تنافيه اذا كانت منطبقة على المشكوك، فتكون حجية العام مزاحمة بحجة اخرى موجودة في ضمن افراده، و هذا بخلاف المخصص اللبي كما في المثال المذكور في المتن فيما اذا قال المولى: اكرم جيراني و العقل بعد تأمله يقطع بعدم وجوب اكرام العدوّ للمولى من جيرانه، و لكن العقل لا يدل على اكثر من ان العداوة منافية للعام الدال على وجوب اكرام جار المولى، و اما كون العدو موجودا في ضمن افراد الجار او غير موجود فلا دلالة للعقل عليه، فالجار المشكوك عداوته للمولى و عدم عداوته لا يقول العقل في مقام التمسك بالعام لوجوب اكرامه بان هنا حجة اخرى موضوعها موجود بين افراد الجيران و هي تزاحم حجية العام، و حيث لا تكون للعقل هذه الدلالة فالعام حجة في اكرام هذا الفرد المعلوم كونه جارا و المشكوكة عداوته من دون مزاحم قد علم بتحقق موضوعه في ضمن افراده كما كان الامر كذلك في المخصص اللفظي، فانك قد عرفت انه في الفرد المشكوك بعد ان دل الخاص على وجود المنافي

ص: 131

.....

______________________________

للعام في حجيته ضمن افراده يكون المشكوك مورد تزاحم الحجتين الموجودتين، لاحتمال انطباق كل منهما عليه و لكن العقل حيث لا دلالة له على وجود المنافي و انما يدل على محض المنافاة و لو فرضا، فيكون الاخذ بالعام لازما لانه حجة موجودة، و المنافي لها محض الاحتمال لا انه موجود محتمل الانطباق.

و بعبارة اخرى: المخصص اللفظي مخصص موجود يحتمل انطباقه، و المخصص اللبي مخصص محتمل الوجود، ففي اللفظي انطباقه محتمل و في اللبي وجوده محتمل، و حيث كان وجوده محتملا فلا يزاحم الحجة الموجودة و هو العام إلّا بحجة موجودة مثله تحتمل الانطباق و هي المخصص اللفظي دون اللبي.

و لعله لما ذكرنا قال المصنف: «كان اصالة العموم باقية على الحجية بالنسبة الى من لم يعلم بخروجه عن عموم الكلام» و هو الفرد المشكوك عداوته من الجيران فانه لم يعلم بخروجه عن عموم وجوب اكرام الجيران، فان الذي يخرج من الجيران هو خصوص المعلوم عداوته منهم و هو مراده من قوله: «للعلم بعداوته» فانه تعليل للخارج عن عموم هذا الكلام، و هو خصوص من علم عداوته لتحقق سبب الخروج فيه و هو العلم بالعداوة، فان العام حجة قد تحقق موضوعها في الفرد المشكوك لكونه جارا قطعا و لا يرفع اليد عن هذه الحجة إلّا بحجة اخرى موجودة يحتمل انطباقها على هذا المشكوك، و حيث لم يحرز وجود هذه الحجة المشكوك محض انطباقها كان العام حجة «لعدم حجة اخرى» موجودة «بدون ذلك على خلافه بخلاف ما اذا كان المخصص لفظيا» فانه بعد ان كان دالا على حجة موجودة و هي مقدمة على حجية العام، و لازمه كون حجية العام مقصورة على غير المشكوك و يكون العام بالنسبة الى الفرد المشكوك من جهة الحجية كانه لم يعمه من رأس، و هذا مراده بقوله: «فان قضية تقديمه» أي قضية تقديم الخاص «عليه» أي على العام يجعل العام حجة مخصوصة بغير الخاص، و يقصر حجيته على غيره، و كأن العام من رأس لا يعم الخاص من ناحية الحجية، و الخاص قد قام حجة في قباله في

ص: 132

مؤاخذة المولى لو لم يكرم واحدا من جيرانه لاحتمال عداوته له، و حسن عقوبته على مخالفته، و عدم صحة الاعتذار عنه بمجرد احتمال العداوة، كما لا يخفى على من راجع الطريقة المعروفة، و السيرة المستمرة المألوفة بين العقلاء التي هي ملاك حجية أصالة الظهور.

و بالجملة كان بناء العقلاء على حجيتها بالنسبة إلى المشتبه هاهنا بخلاف هناك، و لعله لما أشرنا إليه من التفاوت بينهما، بإلقاء حجتين هناك، و تكون قضيتهما بعد تحكيم الخاص و تقديمه على العام، كأنه لم يعمه حكما من رأس، و كأنه لم يكن بعام، بخلاف هاهنا، فإن الحجة الملقاة ليست إلا واحدة، و القطع بعدم إرادة إكرام العدو في (اكرم جيراني) مثلا، لا يوجب رفع اليد عن عمومه إلا فيما قطع

______________________________

عنوانه الخاص و ان كان للعام ظهور يعم الخاص لكن حجيته بالنسبة اليه قد انقطعت و صار العام كانه ليس بحجة من رأس فيه و اختصت حجيته بما عدا الخاص، و هو مراده من قوله: «و هو كون الملقى اليه» أي ان الملقى اليه هذا الكلام يرى «كانه» أي «كان» العام «من رأس لا يعم الخاص» حكما «كما كان» العام «كذلك» أي كما كان لا يعم الخاص «حقيقة فيما كان الخاص متصلا» و الخاص بعد ان كان كذلك بحسب الدلالة اللفظية كان حجة موجودة منافية تزاحم العام في المشكوك، بخلاف ما اذا كان الخاص لبيا فانه لا ينافي حجية العام في المشكوك، فانه لا يدل على اكثر من المنافاة «و» هي غاية ما توجب «القطع بعدم ارادة» اكرام «العدو» و هذا القطع «لا يوجب انقطاع حجيته» أي لا يوجب انقطاع حجية العام «الا فيما قطع انه عدوه لا فيما شك فيه» أي لا فيما شك في عداوته لعدم دلالة العقل على وجود الحجة المنافية للعام و انما دل على محض المنافاة.

ص: 133

بخروجه من تحته، فإنه على الحكيم إلقاء كلامه على وفق غرضه و مرامه، فلا بد من اتباعه ما لم تقم حجة أقوى على خلافه (1).

______________________________

(1) هذا هو الدليل الثاني الذي اشار اليه في صحة التمسك بالعام في الفرد المشكوك اذا كان المخصص لبيا، و هو بناء العقلاء و سيرتهم على التمسك بالعام في المشكوك، كما لو قال المولى: اكرم جيراني و خصص العقل هذا الحكم بغير العدو، فالمشكوك عداوته يصح التمسك بالعام في وجوب اكرامه و العام عندهم حجة على اكرامه، و لذا لو اعتذر المكلف فيما لو لم يكرم احد الجيران بدعوى احتماله انه عدو للمولى لا يقبل عذره و تحسن عقوبته عندهم و يصح للمولى مؤاخذته على مخالفته في عدم اكرامه، و لو لم يكن العام عندهم حجة في الفرد المشكوك لقبل عذره و لما حسنت عقوبته و لما صح للمولى مؤاخذته، بخلاف العام المخصص باللفظي فانه لو قال المولى بعد قوله اكرم جيراني لا تكرم عدوى، فانه يصح للعبد الاعتذار عن اكرام الجار المحتمل عداوته للمولى و لا تحسن عقوبته و لا يصح للمولى مؤاخذته، و هذا كاشف عن عدم تمسك العقلاء بالعام في الشبهة المصداقية فيما كان المخصص لفظيا، و عن تمسكهم به فيما كان المخصص لبيا، و الى هذا اشار بقوله: «و بالجملة كان بناء العقلاء على حجيتها» أي على حجية اصالة العموم «بالنسبة الى المشتبه هاهنا» و هو فيما كان المخصص لبيا «بخلافه هناك» أي بخلاف اصالة العموم في المشتبه فيما كان المخصص لفظيا فانه لا بناء من العقلاء على التمسك بها.

قوله (قدس سره): «و لعله لما اشرنا اليه ... الخ» حيث ان بناء العقلاء على التمسك بالعام في المخصص اللبي دون اللفظي غير مبين وجهه، و انما البين هو ارتكازهم على التمسك في مقام و عدم التمسك في مقام، و لكنه يحتمل ان يكون السبب في تمسكهم و عدمه ما ذكره من السر الفارق بينهما ذكره بنحو الاحتمال.

قوله (قدس سره): «بخلافه هاهنا فان الحجة الملقاة ... الخ» لوضوح ان الحجة الشرعية الواردة في لسان الشارع هو العام و المخصص عقلي، و ليس له عنوان سوى

ص: 134

بل يمكن أن يقال: إن قضية عمومه للمشكوك، أنه ليس فردا لما علم بخروجه من حكمه بمفهومه، فيقال في مثل لعن اللّه بني أمية قاطبة إن فلانا و إن شك في إيمانه يجوز لعنه لمكان العموم، و كل من جاز لعنه لا يكون مؤمنا، فينتج أنه ليس بمؤمن، فتأمل جيدا (1).

______________________________

كون العداوة منافية و ليس في المقام حجة على وجود المنافي كما هو في المخصص اللفظي، ففي اللبي ليس هناك إلّا حجة واحدة فيصح التمسك بها في المشتبه، و في اللفظي حجتان فلا يصح التمسك بالعام في المشتبه لمزاحمته بالحجة.

(1) لما ثبت جواز التمسك بالعام في المخصص اللبي فيثبت حكم العام للمشكوك فهل يقتصر على هذا الحكم فقط او يثبت له جميع الاحكام الأخر المترتبة على غير المؤمن؟

و المصنف يرى ترتب جميع الاحكام عليه فلذلك ذكره بعنوان الترقي فقال:

«بل يمكن ان يقال ... الى آخره».

توضيح ما ذكره انه بعد ان جاز التمسك بالعام في قوله: لعن اللّه اهل حروراء- مثلا- في جواز لعن المشكوك ايمانه من اهل حروراء فهل يقتصر على جواز لعنه فقط ام يترتب عليه جواز اهانته و نحوه من الاحكام الثابتة لغير المؤمن ام لا؟ و بعد ما تبين انه بعد ورود التخصيص على العام انقسم العام الى غير مؤمن و مؤمن، و حكم غير المؤمن جواز اللعن و حكم المؤمن عدم جواز اللعن و قد ثبت في المخصص اللبي جواز التمسك بالعام لترتب حكم اللعن على المشكوك ايمانه، و لازم ذلك ان يكون مشمولا لحكم الخاص و هو عدم جواز اللعن، و حيث ان التمسك بالظواهر من باب الكشف النوعي فاذا جاز التمسك بظاهر الحكم الذي هو حكم غير المؤمن فيكشف هذا عن ثبوت كل حكم هو لغير المؤمن.

ص: 135

احراز المشتبه بالاصل الموضوعي

إيقاظ: لا يخفى أن الباقي تحت العام بعد تخصيصه بالمنفصل أو كالاستثناء من المتصل، لما كان غير معنون بعنوان خاص، بل بكل عنوان لم يكن ذاك بعنوان الخاص، كان إحراز المشتبه منه بالاصل الموضوعي في غالب الموارد- إلا ما شذ- ممكنا، فبذلك يحكم عليه بحكم العام و إن لم يجز التمسك به بلا كلام، ضرورة أنه قلما لم يوجد عنوان يجري فيه أصل ينقح به أنه مما بقي تحته، مثلا إذا شك أن امرأة تكون قرشية أو غيرها، فهي و إن كانت اذا وجدت اما قرشية أو غير قرشية، فلا أصل يحرز أنها قرشية او غيرها، إلا أن أصالة عدم تحقق الانتساب بينها و بين قريش تجدي في تنقيح أنها ممن لا تحيض إلا إلى خمسين، لان المرأة التي لا يكون بينها و بين قريش انتساب أيضا باقية تحت ما دل على

______________________________

و بعبارة اخرى: ان المشكوك بعد ان كان خارجا عن حكم الخاص الثابت للمؤمن فيثبت له حكم غير المؤمن و يجوز اهانته كما جاز لعنه بواسطة التمسك بعموم العام.

و الحاصل: ان المشكوك بواسطة التمسك بالعام في جواز لعنه و ان كان لا يثبت انه ليس بمؤمن واقعا لان المفروض انه مشكوك الايمان لا انه ليس بمؤمن واقعا، إلّا انه لما لم يشمله حكم المؤمن و شمله حكم غير المؤمن و هو جواز اللعن يثبت له غير جواز اللعن من احكام غير المؤمن.

و ينبغي ان يكون هذا مراده من قوله: «و كل من جاز لعنه لا يكون مؤمنا فينتج انه ليس بمؤمن» ليس مراده من القياس و هو ان هذا يجوز لعنه و كلما جاز لعنه فهو ليس بمؤمن فهو ليس بمؤمن فينتج انه ليس بمؤمن واقعا، اذ لا يعقل ان يكون جواز اللعن الثابت له بما هو مشكوك الايمان يكون رافعا للعنوان الذي ثبت له جواز اللعن و هو رفع الشك فيه و اثبات انه ليس بمؤمن واقعا.

ص: 136

أن المرأة إنما ترى الحمرة إلى خمسين، و الخارج عن تحته هي القرشية، فتأمل تعرف (1).

______________________________

(1) توضيح ما في هذا الايقاظ يحتاج الى بيان امور:

الاول: ان التخصيص سواء كان بالمتصل او المنفصل:

تارة: يكون معنونا بعنوان وجودي كقولنا: اكرم العلماء العدول، او يرد في كلام منفصل- بعد قوله: اكرم العلماء- ليكونوا عدولا.

و اخرى: يكون التخصيص مخرجا من دون ان يكون معنونا للعام كقوله: اكرم العلماء الا الفساق، فان الاستثناء انما تكفل اخراج الفساق و لم يتضمن بلفظه عنوانا للعام، و مثل الاستثناء المنفصل الذي لا يكون معنونا للعام و لم يتكفل غير الاخراج كما اذا قال- بعد قوله: اكرم العلماء في كلام منفصل- لا تكرم الفساق فانه أيضا لم يعط بلفظه عنوانا للعام.

و لا يخفى انه مثل الاستثناء في عدم اعطاء العنوان التخصيص بالغاية كأن يقول اكرم العلماء الى ان يفسقوا او بالشرط كان يقول اكرم العلماء بشرط ان لا يفسقوا.

و الكلام في هذا الايقاظ يختص بالنحو الثاني من التخصيص و هو الذي لم يكن فيه الا اخراج الخاص من دون ان يكون فيه عنوان لفظي للعام، كما في قولنا: اكرم العلماء العدول في المتصل او في المنفصل بأن يقول ليكونوا عدولا، و الى ما ذكرنا اشار بقوله: «ان الباقي تحت العام بعد تخصيصه بالمنفصل» كلا تكرم الفساق «او» بعد تخصيصه بالمتصل غير المعنون الذي هو «كالاستثناء من» التخصيص «المتصل» كالتخصيص بالغاية او بالشرط، و اشار الى ان مثل هذا و هو التخصيص غير معنون للعام و هو محل الكلام بقوله: «لما كان غير معنون» للعام «بعنوان خاص».

ص: 137

.....

______________________________

الثاني من الامور: هو ان العام بعد تخصيصه بالنحو الثاني، هل يكون لازمه تعنون العام بعنوان وجودي ضد العنوان المخرج: بان يكون لازم لا تكرم الفساق هو تعنون العام بعنوان العدول، و ربما ينسب هذا الى ظاهر التقريرات.

او ان لازم هذا التخصيص غير المعنون بلفظه هو كون العام معنونا بكل عنوان ما عدا عنوان الخاص الخارج عنه، فبعد قولنا: لا تكرم الفساق من العلماء، او قولنا:

الا الفساق يكون العام و هو اكرام العلماء معنونا بالعدول و بغير الفساق و بالذي لم يكن بينهم و بين الفساق انتساب.

و بعبارة اخرى: يكون لازم هذا التخصيص غير المعنون للعام بلفظه تعنون العام بكل عنوان ما عدا عنوان الخاص. و هذا هو مختار المصنف و اليه اشار بقوله: «بل بكل عنوان لم يكن ذاك بعنوان الخاص» سواء كان وجوديا مضادا لعنوان الخاص كالعدول، او مناقضا لعنوان الخاص و هو اللافساق، او عنوانا آخر كمثل قولنا الذي لم يكن بينهم و بين الفساق انتساب، فان هذا ليس عنوانا وجوديا مضادا كعنوان العدول، و ليس عنوان النقيض و هو اللافساق، بل عنوان عدمي مناف لعنوان الخاص و هو من الاضداد العدمية لعنوان الخاص.

او ان لازم التخصيص غير المعنون هو عدم تعنون العام أصلا باي عنوان من العناوين، فان شأن التخصيص ليس إلّا الاخراج و كون العنوان الخاص و هو الفسق- مثلا- مانعا عن اقتضاء تأثير العالمية للاكرام، و لا يدل على ان هناك عنوانا آخر له الاقتضاء في الاكرام غير العالمية.

الامر الثالث: ان الاستصحاب:

تارة: تكون اركانه موجودة بنحو كان الناقصة بان كان الفرد المشكوك فسقه و عدالته- فعلا- مسبوقا باليقين بعدالته او فسقه، فيستصحب و يدخل ببركة الاستصحاب في العام مرة فيما لو كان متيقن العدالة سابقا، او في الخاص فيما كان متيقن الفسق سابقا.

ص: 138

.....

______________________________

و اخرى: لا تكون له حالة سابقة بنحو كان الناقصة، بان لم يعلم حاله لا فسقا و لا عدالة، و في هذا لا يجري الاستصحاب بنحو كان الناقصة، و اما الاستصحاب بنحو كان التامة و هو استصحاب العدم الازلي فان زيدا و لو في حال عدم وجوده كان لم يحصل له نسبة الى الفسق و لا الى العدالة، و هذا الاستصحاب يجري فاذا كان الاثر لعدم الانتساب الى الفسق فقط يترتب، و اذا كان الاثر لعدم الانتساب الى العدالة وحده يترتب، و اذا كان الاثر لكل واحد منهما يتعارضان بعد الجريان.

و ثالثة: ان يتوارد عليه حالتان مجهولتا التاريخ: بان يكون فاسقا في وقت و عادلا في آخر و لم يعلم تاريخهما، و في مثل هذا الخلاف الآتي في باب الاستصحاب في جريانهما بنحو كان الناقصة و تساقطهما او عدم جريانهما أصلا لعدم اتصال الشك باليقين فيهما كما هو مختار المصنف في باب الاستصحاب.

و على كل ففي مثل هذا كما لا يجري الاستصحاب بنحو كان الناقصة كذلك لا يجري الاستصحاب بنحو كان التامة أيضا، لانقلاب العدم الازلي الى الوجود أيضا و لكن لا يخفى ان مثل هذا الفرض و هو توارد الحالتين من النادر الشاذ.

الامر الرابع: انه اتضح مما ذكرنا ان محل الكلام في هذا الايقاظ هو ما ليس له حالة سابقة، لان ما له حالة لا اشكال في جريان الاستصحاب فيه، و تنقيح الموضوع فيه بواسطة الاستصحاب فيدخل اما في العام او في الخاص، و ما فيه توارد الحالتين من الشاذ النادر فيتعين خصوص ما ليس له حالة سابقة، و المراد مما ليس له حالة سابقة انه لا يقين و لا علم بحالته السابقة.

و اتضح ايضا: ان الكلام فيه في جريان الاصل بنحو كان التامة و هو العدم الازلي دون كان الناقصة، لان المفروض عدم العلم بحالته.

اذا عرفت هذا- فاعلم: انه اذا كان العام بعد التخصيص معنونا بكل عنوان ما عدا عنوان الخاص فيجري استصحاب العدم الازلي في هذا المشكوك فسقه و عدالته،

ص: 139

.....

______________________________

الذي قد مرّ انه لا يشمله العام بعنوانه بعد التخصيص، و يكون مما تتزاحم فيه الحجتان باحتمال اندراجه تحت احداهما.

إلّا انه بواسطة العدم الازلي يكون مندرجا تحت العام لتنقيح موضوع له يستدعي دخوله تحته دون الخاص، فان هذا الفرد المشكوك كان ازلا في حال عدم وجوده ليس له انتساب الى الفسق لان انتسابه الى الفسق أو الى العدالة انما يتحقق له بعد وجوده فيستصحب عدم انتسابه الى الفسق: أي عدم حصول نسبة الفسق اليه، فالمشكوك فسقه و عدالته- فعلا- و ان كان هو اما فاسقا فعلا او عادلا فعلا و لكن استصحاب العدم الازلي فيه ينقح له موضوع عدم الانتساب الى الفسق و هذا يدخله في العام، لما عرفت انه بعد خروج عنوان الفسق عنه يكون العام معنونا بكل عنوان غير عنوان الفسق، و من جملة العناوين هو عدم الانتساب الى الفسق.

لا يقال: انه أيضا يجري فيه عدم الانتساب الى العدالة أيضا فيتعارض الاصلان أصالة عدم الانتساب الى الفسق، و اصالة عدم الانتساب الى العدالة، فيتساقطان فلا يتم الموضوع الموجب لاندراجه تحت العام.

فانه يقال: انه لم يترتب الاثر في العام على عنوان العادل، فعنوان عدم الانتساب الى العدالة ليس له أثر في المقام و انما الاثر لعنوان الفسق، فاذا جرى فيه استصحاب عدم الانتساب الى الفسق الذي له أثر فعلا دخل في العام، فانه لا نحتاج في اندراجه تحت العام لاحراز عنوان العدالة له حتى يكون استصحاب عدم انتسابه الى العدالة مضرا، فان غاية هذا الاستصحاب عدم شمول العام له بعنوان العادل، فانه يكفي فيه أي عنوان لم يكن ذلك العنوان بعنوان الخاص الخارج.

و من الواضح: ان عنوان عدم الانتساب الى الفسق هو غير عنوان الفسق الذي هو الخاص الخارج عن العام، فيشمله العام بعد تنقيح الموضوع له بواسطة استصحاب عدم الانتساب الى الفسق أي عدم اضافته الى الفسق ازلا، و هذا هو الاصل الموضوعي الذي اشار اليه في المتن من انه بواسطته يحكم على هذا المشكوك

ص: 140

.....

______________________________

الفسق و العدالة بحكم العام فيجب اكرامه، و قد اشار بقوله: «الا ما شذ» الى الفرد المشكوك الذي تواردت عليه الحالتان، فان العدم الازلي فيه أيضا لا يجري للعلم بانقطاعه بواسطة توارد الحالتين.

و قوله: «و ان لم يجز التمسك به بلا كلام» أي انه و ان لم يجز التمسك بالعام ابتداء لاثبات الحكم له لما مر: من انه لا يجوز التمسك بالعام في المشتبه بالشبهة المصداقية، و لكنه بعد تنقيح موضوعه بالاستصحاب المحرز لكونه فردا من الافراد الثابت لها حكم العام، و قد اشار الى ان غالب ما هو موجود من المشكوك فيه للشبهة المصداقية يجري فيه العدم الازلي بقوله: «ضرورة انه قلما لم يوجد ... الى آخر الجملة».

و بواسطة هذا الاصل يشمله العام، و لذا قال: «ينقح به» أي ينقح بواسطة هذا الاصل العدمي الازلي «انه» أي ان المشكوك «مما بقي تحته» أي مما بقي تحت العام، و قد اشار الى عدم جريان الاستصحاب بنحو كان الناقصة بقوله: «و ان كانت اذا وجدت اما قرشية او غيرها فلا اصل يحرز» به «انها قرشية او غيرها» لعدم اليقين السابق بكونها قرشية او غير قرشية، و قد اشار الى ان الجاري هو الاصل العدمي الازلي و هو اصالة عدم انتسابها الى قريش بقوله: «إلّا ان اصالة عدم تحقق الانتساب بينها بين قريش تجدي» لوضوح ان هذا الاصل اركانه تامة، لليقين السابق بعدم انتسابها الى قريش في حال عدم وجودها لوضوح ان الانتساب الى قريش من عوارض وجود المرأة، فان المرأة في حال عدمها ليس لها انتساب الى قريش و لا انتساب الى غير قريش، و بعد وجودها يشك في كونها قرشية و غير قرشية، فهذه المرأة بعد وجودها و ان كانت من المشكوك و لا يشملها العام ابتداء إلّا ان استصحاب عدم انتسابها يجعلها ممن لها هذا العنوان بالفعل بواسطة هذا الاستصحاب لليقين السابق بعدم انتسابها في عالم الازل قطعا، و بعد وجودها يشك في انتسابها الى قريش فيستصحب هذا العدم و تكون المرأة ممن ليس لها انتساب الى

ص: 141

.....

______________________________

قريش، و هذا من العناوين التي يشملها العام بعد اخراج الخاص عنه، فان العام هو قوله عليه السّلام: (المرأة تتحيض الى خمسين) و قد خرج عنه عنوان القرشية فانها تتحيض الى الستين، فهذه المرأة المشكوك كونها من غير قريش او غير قريش لا يشملها العام ابتداء و لكن بعد جريان هذا الاستصحاب يحرز به ليس لها انتساب الى قريش، و هذا من العناوين المندرجة تحت العام لانه عنوان لم يكن هو عنوان الخاص، فان من الواضح ان عنوان عدم الانتساب الى قريش غير عنوان القرشية الخارج عن هذا العام، فبواسطة هذا الاستصحاب يثبت للمرأة حكم العام و هو التحيض الى الخمسين، و يكون الدم التي تراه هذه المرأة بعد الخمسين ليس بحيض: أي لا تتحيض به و الى هذا اشار بقوله: «تجدي» اي اصالة عدم الانتساب الى قريش تجدي «في تنقيح انها ممن لا تحيض الا الى خمسين».

لا يقال كما ان اصالة عدم انتسابها الى قريش جارية كذلك اصالة عدم الانتساب هذه المرأة الى غير قريش أيضا جارية فيتعارض الاصلان.

فانه يقال: حكم الخاص مرتب على عنوان القرشية و استصحاب عدم انتسابها الى غير قريش لا يثبت انها قرشية إلّا بالاصل المثبت المفروغ عن عدم حجيته، و غاية هذا الاصل ان العام لا يشملها بعنوان انها غير قرشية و لكنه لا ينحصر شمول العام لها به، بل هناك عنوان آخر مما هو مندرج تحت العام و هو كونها ممن ليس لها انتساب الى قريش، و هذا كاف في اثبات حكم العام لها، و من الواضح ان العام بعد ان كان هو عنوان المرأة و بعد خروج القرشية عنه يبقى تحته كل عنوان ليس هو بعنوان الخاص و عنوان عدم انتسابها الى قريش هو من جملة هذه العناوين التي بتنقيحها يتحقق لهذه المرأة ما به تندرج تحت العام و تكون محكومة بحكمه، و الى هذا اشار بقوله: «لان المرأة التي لا يكون بينها و بين قريش انتساب ايضا باقية تحت ما دل على ان المرأة انما ترى الحمرة الى الخمسين و الخارج عن تحته هي القرشية» و قد

ص: 142

التمسك بالعام في غير الشك في التخصيص

وهم و إزاحة: ربما يظهر عن بعضهم التمسك بالعمومات فيما إذا شك في فرد، لا من جهة احتمال التخصيص، بل من جهة أخرى، كما إذا شك في صحة الوضوء أو الغسل بمائع مضاف، فيستكشف صحته بعموم مثل أوفوا بالنذور فيما إذا وقع متعلقا للنذر (1)، بأن يقال:

______________________________

عرفت ان استصحاب عدم انتسابها الى غير قريش لا يجعلها مندرجة تحت عنوان القرشية الذي هو العنوان الخاص الخارج عن حكم العام لعنوان المرأة.

و قد تبين من مجموع ما ذكرنا ان العام:

بناء على تعنونه بعنوان وجودي مضاد لعنوان الخاص بعد التخصيص لا ينفع فيه هذا الاستصحاب لوضوح كونه مثبتا بالنسبة اليه، فانه بناء عليه العام و هو قوله عليه السّلام: (المرأة انما ترى الحمرة الى الخمسين) بعد اخراج القرشية عنه يوجب تعنونه بانها المنتسبة الى غير قريش، و باستصحاب عدم الانتساب الى قريش لا يثبت الانتساب الى غير قريش إلّا بالاصل المثبت.

و بناء على ان العام بعد اخراج الخاص يشمل كل عنوان غير العنوان الخاص يجري الاصل و يندرج تحت العام.

إلّا ان يقال: ان العرف يفهمون من العام ترتب الحكم فيه على العنوان بنحو كان الناقصة بمعنى ان الحكم المترتب على المرأة بالتحيض الى الخمسين و على الخاص و هو تحيض القرشية الى الستين مترتب في كلا طرفي العام و الخاص على المرأة التي لها شان ان تكون قرشية و غير قرشية، فالتقابل بينهما بنحو تقابل العدم و الملكة لا تقابل السلب و الايجاب، و على هذا فيكون استصحاب العدم الازلي مثبتا بالنسبة الى العدم بنحو العدم و الملكة، فتأمل.

(1) لما ذكر وجه التمسك بالعام في المخصص اللبي في الفرد المشكوك من ناحية الشبهة المصداقية، و في المخصص اللفظي بواسطة الاستصحاب و ادراج الفرد المشكوك في

ص: 143

.....

______________________________

العام لتنقيح الاستصحاب، موضوع دخول هذا الفرد في العام ناسب ذكر هذا الوهم و ازاحته:

و هو ما اذا كان الشك في شمول العام للفرد المشكوك لا من ناحية الشبهة المصداقية، بل من ناحية اجمال الدليل العام كما يظهر ذلك من مثاله، و من الواضح ان العام اذا كان مجملا من ناحية المفهوم كأدلة وجوب الوضوء و وجوب الغسل، فان هذه الادلة مجملة من ناحية ما به يحصل الوضوء او الغسل انه هل هو خصوص الماء المطلق او مطلق المائع حتى المضاف كماء الورد؟ فلا بد فيها من الاقتصار على القدر المتيقن و هو الماء المطلق.

و من الواضح ان الشك في صحة الوضوء بالمضاف لم ينشأ من ناحية الشك في الشبهة المصداقية بل هو من ناحية الاجمال في الدليل على وجوب الوضوء او الغسل من جهة ما هو المتعلق لوجوبهما و انه هل هو مطلق المائع او خصوص الماء المطلق، و الى هذا اشار بقوله: «فيما اذا شك في فرد لا من جهة احتمال التخصيص» الذي مر الكلام فيه «بل من جهة اخرى» و هي اجمال الدليل «كما اذا شك في صحة الوضوء أو الغسل بمائع مضاف» فان الشك فيه من ناحية الاجمال في متعلق وجوب الوضوء او الغسل.

و لا يخفى انه لو خلينا نحن و هذه الادلة الاولية الدالة على وجوب الوضوء و الغسل فلا يجوز التمسك بها لاثبات جواز الوضوء او الغسل بالمائع المضاف، و هو مما لا اشكال فيه، لوضوح عدم صحة التمسك بالمجمل في مورد اجماله، و لا يعقل ان يكون الحكم مبيّنا و محرزا لموضوعه.

إلّا انه قد توهم امكان التمسك بادلة ثانوية لتصحيح الاتيان بهذا المشكوك كادلة وجوب الوفاء بالنذر او ادلة وجوب اطاعة الوالدين او وجوب اطاعة العبد لسيده او إطاعة الزوجة لزوجها، او ادلة العسر و الحرج و ادلة الضرر: بان ينذر الوضوء

ص: 144

وجب الاتيان بهذا الوضوء وفاء للنذر للعموم، و كل ما يجب الوفاء به لا محالة يكون صحيحا، للقطع بأنه لو لا صحته لما وجب الوفاء به (1)،

______________________________

بالمائع المضاف او يوجب الوالد على ولده الوضوء به فيدعى انه بواسطة النذر يصح الاتيان بها و تقع صحيحة.

فالفرق بين ما يدعى في هذا الوهم و بين ما مر في المجمل من ناحية الشبهة المصداقية: هو انه في ذلك المقام كما فيما اذا كان المخصص لبيا يكون التمسك بنفس العام و في الاستصحاب يكون موجبا أيضا لادراجه في مصاديق العام بحيث يتمسك بالعام لترتب الحكم في الفرد المشكوك.

و في هذا المقام المتمسك به لتصحيح الوضوء هو ادلة عموم وجوب الوفاء بالنذر او غيره من عمومات الادلة الثانوية دون العمومات الاولية، و تكون هذه الادلة كاشفة عن وقوعه صحيحا بشرط تعلق النذر به لا مطلقا لا العمومات الاولية، و الى هذا اشار بقوله: «فيستكشف صحته» اي صحة الوضوء او الغسل بمائع مضاف «بعموم مثل اوفوا بالنذور فيما اذا وقع متعلقا للنذر».

(1) هذا بيان للوهم المذكور، و حاصله:

انه بعد ان كانت العمومات الاولية كدليل وجوب الوضوء مجملة و لا يمكن التمسك لاثبات صحة الوضوء بالمائع المضاف بها، الّا انه لما كانت الادلة الثانوية كأدلة وجوب الوفاء بالنذر عامة فيتوسل لصحة الوضوء بالمضاف بان ينذر الوضوء بهذا المائع فينعقد النذر لعموم دليل النذر فيكون الوضوء بهذا المائع واجبا بمقتضى دليل اوفوا بالنذور المثبت لوجوب الوضوء بعنوان كونه منذورا لا لعنوان كونه مما يقع الوضوء به بحسب دليل وجوب الوضوء الاولى، و اذا كان متعلقا للنذر فلازمه وقوعه صحيحا اذ لا يعقل ان يكون الوجوب الذي جاء من قبل تعلق النذر متعلقا بما لا يصح وقوعه وضوءا.

ص: 145

و ربما يؤيد ذلك بما ورد من صحة الاحرام و الصيام قبل الميقات و في السفر إذا تعلق بهما النذر كذلك (1).

______________________________

و المتحصل من هذا قياسان مترتب ثانيهما على اولهما ينتجان صحة الوضوء بالمائع المضاف.

الاول: ان يقال ان الوضوء بهذا المائع وقع متعلقا للنذر و كلما وقع متعلقا للنذر يجب الوفاء به، فالوضوء بهذا المائع المضاف يجب الوفاء به.

الثاني: ان الوضوء بهذا المائع المضاف صار واجبا بالنذر و كلما تعلق وجوب الوضوء به فلا بد و ان يكون الوضوء به يقع صحيحا، اذ لا يعقل ان يتعلق الوجوب بما لا يقع الوضوء به صحيحا.

فالناتج من هذين هو صحة الوضوء بالمائع المضاف، و قد اشار المصنف الى القياس الاول بقوله: «بان يقال وجب الاتيان بهذا الوضوء وفاء للنذر» و الى الثاني بقوله: «و كل ما يجب الوفاء به لا محالة يكون صحيحا للقطع بانه لو لا صحته لما وجب الوفاء به».

(1) حاصل التأييد لهذه الدعوى من امكان صحة ما لا تشمله الادلة بالعنوان الاولي و لكنه يكون مشمولا للادلة بالعناوين الثانوية، هو ما ورد من صحة الصوم في السفر بشرط تعلق النذر به، و الاحرام قبل الميقات اذا وقع متعلقا للنذر.

و توضيحه: انه بناء على عدم مشروعية الصوم في السفر- لا بناء على المشهور من صحة الصوم النذري في السفر- قد وردت الادلة الخاصة على صحته اذا وقع متعلقا للنذر، و اولى منه في الدلالة الاحرام قبل الميقات فانه مما يصح قطعا بالنذر، و قد ورد فيه ان الاحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت فهو غير مشروع قطعا، و لكنه مع ذلك قد وردت الاخبار بصحة الاحرام قبل الميقات اذا وقع متعلقا للنذر، فالصوم في السفر و الاحرام قبل الميقات مما لا يشرع قبل النذر، و بواسطة النذر يقع صحيحا و مشروعا، فالادلة الثانوية لها قابلية ان تصحح ما ليس بصحيح.

ص: 146

و التحقيق أن يقال: إنه لا مجال لتوهم الاستدلال بالعمومات المتكفّلة لاحكام العناوين الثانوية فيما شك من غير جهة تخصيصها، إذا أخذ في موضوعاتها أحد الاحكام المتعلقة بالافعال بعناوينها الاولية، كما هو الحال في وجوب إطاعة الوالد، و الوفاء بالنذر و شبهه في الامور المباحة أو الراجحة، ضرورة أنه معه لا يكاد يتوهم عاقل أنه إذا شك في رجحان شي ء أو حليته جواز التمسك بعموم دليل وجوب الاطاعة أو الوفاء في رجحانه أو حليته (1).

______________________________

و لا يخفى ان الصوم في السفر و الاحرام قبل الميقات مما علم عدم مشروعيته، و ليس هو مما احتمل شمول الادلة الاولية له و لكنه اذا كانت العناوين الثانوية تصحح ما هو غير مشروع قطعا فبالاولى ان تكون الادلة الثانوية مصححة لما احتمل شمول الادلة بعنوانها الاولى له.

و انما ذكره مؤيدا لا دليلا لاحتمال ان يكون لخصوصية خاصة للصوم في السفر و الاحرام قبل الميقات توجب صحتهما اذا تعلق النذر بهما، فلا تكون دليلا على ان العناوين الثانوية مطلقا تصحح ما لا يشمله العنوان الاولى.

إلّا ان كونها مؤيدة للدعوى مما لا ينكر لاشعارها بان للادلة الثانوية قابلية ان تصحح ما لا يصح بالعنوان الاولي و لذا قال (قدس سره): «و ربما يؤيد ذلك ... الى آخر الجملة».

(1) هذا هو الازاحة و الدفع لهذا الوهم، و تفصيله على ما يتحصل من عبارة المتن ان الادلة الثانوية على نحوين:

الاول: ان يكون قد اخذ في موضوع هذه الاحكام بعناوينها الثانوية حكم واقعي كالرجحان او الاباحة مثل ادلة النذر و العهد و اليمين و وجوب اطاعة الوالد و السيد، فانه قد دلت الاخبار على انه يشترط في متعلق النذر ان يكون راجحا، و في وجوب اطاعة الوالد و السيد ان لا يكون ما أمرا به فعل حرام او ترك واجب: أي انه يشترط

ص: 147

.....

______________________________

في وجوب اطاعتهما ان يكون ما أمرا به مباحا، و في مثل هذا فالقاعدة تقتضي عدم امكان تصحيح ما لا يشمله العنوان الاولي لاجماله كالوضوء بالمائع المضاف بواسطة النذر او ايجاب الوضوء به بأمر السيد، لوضوح ان عمومات ادلة وجوب الوفاء بالنذر كقوله تعالى: وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ 8] قد خصصت بما ورد من الاخبار بانه يشترط في متعلق النذر و العهد و اليمين الرجحان و لا ينعقد النذر و لا اخواه إلّا ان يكون المتعلق لها راجحا، و بعد هذا التخصيص الوارد على عمومات وجوب الوفاء بالنذر يكون التمسك بادلة وجوب الوفاء بالنذر فيما شك في رجحانه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية و هو واضح مما مر.

فاذا تبين هذا- تعرف ان المفروض ان نذر الوضوء بالمائع المضاف- مثلا- مما يحتمل عدم مشروعيته أي مما يحتمل عدم رجحانه بل حرمته تشريعيا، فالتمسك لصحته بدليل اوفوا بالنذر المشترط موضوعه باحراز كونه راجحا من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فالقاعدة الاولية تقتضي انه ما شك في صحته كالمائع المضاف لاجمال العنوان الاولى بالنسبة اليه ان لا يقع صحيحا بالعنوان الثانوي: بان ينذر الوضوء به، لاحتمال عدم صحة تعلق النذر به و عدم انعقاد هذا النذر لاشتراط احراز الرجحان فيه، و قد عرفت احتمال عدم رجحانه، فالتمسك لتصحيحه بدليل اوفوا بالنذر تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فلا يوجب تعلق النذر بالوضوء بالمائع المضاف وقوع الوضوء به صحيحا فلا يتم القياس الاول، و هو انه قد تعلق النذر بالوضوء بهذا المائع و كلما تعلق به النذر يجب الوفاء به، فلا نسلم انه يجب الوفاء به، لان وجوب الوفاء انما يتحقق بعد احراز الرجحان، و لم يحرز رجحان هذا الوضوء حتى يكون موضوع النذر محققا ليتم وجوب الوفاء بالنذر بالنسبة اليه.

ص: 148

.....

______________________________

و الكلام في وجوب اطاعة الوالد و السيد فيما لو امرا بالوضوء بهذا المائع- مثلا- مثل النذر لتخصيص ادلة وجوب اطاعتهما بان يكون ما يامران به مباحا، و احتمال عدم مشروعية هذا الوضوء يوجب كون التمسك بوجوب الاطاعة للأمر المتعلق بالوضوء من هذا المائع من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و الى هذا اشار بقوله: «لا مجال لتوهم الاستدلال بالعمومات المتكلفة لاحكام العناوين الثانوية فيما شك من غير جهة تخصيصها» بل من جهة احتمال جواز الوضوء بالمائع المضاف واقعا و ان كان ادلة وجوب الوضوء لا تشمله لاجمالها من جهته «اذا اخذ في موضوعاتها» أي اذا اخذ في موضوعات الادلة المتكفلة لاحكام العناوين الثانوية كادلة وجوب الوفاء بالنذر و ادلة اطاعة الوالد و السيد «احد الاحكام المتعلقة بالافعال بعناوينها الاولية» و هو الرجحان و الاباحة فانهما حكمان متعلقان بالافعال بعناوينها الاولية، و قد اخذ الرجحان في ادلة النذر و الاباحة في ادلة اطاعة الوالد و السيد، و لذا قال: «كما هو الحال في وجوب اطاعة الوالد و الوفاء بالنذر و شبهه» و هو العهد و اليمين فقد اخذ فيها ان يتعلقا اما «في الامور المباحة او الراجحة» و قد اشار الى انه لا يجوز التمسك بهما في حكم ذلك المشكوك لانه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية «ضرورة انه معه» أي ضرورة انه مع اخذ الاباحة او الرجحان في موضوع هذه الادلة الثانوية «لا يكاد يتوهم عاقل» ان يكون دليل الحكم الذي اخذ في موضوعه الرجحان او الاباحة ان يثبت حكمه كوجوب الوفاء او وجوب الاطاعة لما شك في رجحانه او اباحته فلا يعقل فيما «اذا شك في رجحان شي ء او حليته جواز التمسك بعموم دليل وجوب الاطاعة او الوفاء» في اثبات «رجحانه او حليته» اذ لا يعقل ان يثبت دليل الحكم موضوعه و هو المانع من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

ص: 149

نعم لا بأس بالتمسك به في جوازه بعد إحراز التمكن منه و القدرة عليه، فيما لم يؤخذ في موضوعاتها حكم أصلا (1).

______________________________

(1) هذا هو النحو الثاني من الادلة المتكفلة للاحكام بعناوينها الثانوية و هو كادلة العسر و الحرج و ادلة لا ضرر فانها من الاحكام الثانوية لانها ليست كالاحكام بعناوينها الاولية و هي الاحكام العارضة للشي ء بعنوانه كالوجوب العارض للصلاة و الحرمة العارضة للخمر بما هي صلاة و خمر، بخلاف ادلة العسر و الضرر فانها لا تعرض للصلاة بما هي صلاة، بل بما هي عسرية او ضررية، فلذلك كانت من ادلة الاحكام بعناوينها الثانوية، و لكنها لم يؤخذ في موضوعها حكم واقعي اصلا بل لم يؤخذ فيها غير موضوع نفسها و هو عنوان العسر او الضرر.

نعم يشترط فيها ما يشترط في الاحكام الاولية و هو مثل التمكن و القدرة و بقية الشروط العامة التي هي شروط في جميع الاحكام كالعلم و الحياة و لذا تسمى هذه الشروط بالشرائط العامة.

و قد اشار الى عدم اخذ شي ء من الاحكام في موضوع هذه الادلة الثانوية [و انه لا يشترط فيها الا الشرائط العامة](1) بقوله: «نعم لا بأس بالتمسك به في جوازه بعد احراز التمكن منه و القدرة عليه» و بهذا اشار الى [ان شرطها هو] الشرائط العامة لا غير.

و لا يخفى انه ظهر من المصنف بالنسبة الى القدرة انه يجب احرازها، و لكن المعروف انه مع الشك في القدرة يبنى على القدرة و لا يسقط التكليف كما سيأتي

ص: 150


1- 9. ( 1) تنبيه! هذان القوسان ] اشارة الى ان ما بداخلهما يمثل التصحيح الذي اجريته للمخطوط الشريف و ذلك للتلف الذي حصل للمخطوط بسبب الرطوبة، و قد تتبعنا اشباح الحروف قدر المستطاع، و اما الذي تلف كليا فقد اثبتنا مقامه ما يناسب سياق الكلام. و قد ساعدنا في ذلك فضيلة العلامة الشيخ محمد جواد المهدوي جزاه اللّه خيرا.

فإذا شك في جوازه صح التمسك بعموم دليلها في الحكم بجوازها، و إذا كانت محكومة بعناوينها الاولية بغير حكمها بعناوينها الثانوية، وقع المزاحمة بين المقتضيين، و يؤثر الاقوى منهما لو كان في البين، و إلا لم يؤثر أحدهما، و إلا لزم الترجيح بلا مرجح، فليحكم عليه حينئذ بحكم آخر، كالاباحة إذا كان أحدهما مقتضيا للوجوب و الآخر للحرمة مثلا (1).

______________________________

التعرض له في الجزء الثاني ان شاء اللّه. و اشار الى عدم اخذ حكم من الاحكام الواقعية في موضوعاتها اصلا، كما و اشار الى الادلة بالنحو الاول بقوله: «فيما لم يؤخذ في موضوعاتها حكم اصلا».

و هناك فرق آخر بينهما غير هذا الفرق، و هو ان محل الكلام في الادلة الثانوية بالنحو الاول هو الفرد المشكوك شمول العام الاولي له ابتداء، فان الوضوء بالمائع المضاف مما يشك ابتداء شمول ادلة عموم الوضوء الاولية له واقعا، و الكلام في هذا النحو الثاني و هو ادلة العسر و الحرج هو الفرد المشكوك بقاؤه تحت العام بعد عروض العنوان الثانوي كالعسر و الضرر له، فان الوضوء بالماء البارد- مثلا- قبل عروض العسر أو الضرر كان داخلا تحت ادلة عموم الوضوء قطعا، و لكن بعد عروض العسر و الحرج أو الضرر يشك في بقائه تحت العمومات الاولية، لاحتمال حصول المانع بتقديم ادلة العسر و الضرر عليه كما سيأتي بيانه.

(1) و لا يخفى ان الكلام فيها على التفصيل يأتي في بابها من الجزء الثاني أي الادلة العقلية، و انما الكلام فيها هنا في الجملة و على المبنى فنقول:

انه تارة: يكون بين هذه الادلة الثانوية و الادلة الاولية توافق في الحكم كما لو كان الحكم الاولي هو الاباحة- و المباح لا وجوب فيه و لا حرمة- كغسل الجلد للتنظيف- مثلا- بالماء البارد فانه من المعلوم عدم وجوبه و عدم حرمته، فاذا عرض عليه العسر يكون الدليل الثانوي موافقا للدليل الاولي، فان دليل العسر رافع للزوم

ص: 151

.....

______________________________

و المفروض ان المورد لا لزوم فيه فتكون الادلة الاولية و الادلة الثانوية متوافقتين، و في مثل هذا لا شبهة في العمل بالدليل الثانوي، و هذا مراده من قوله: «صح التمسك بعموم دليلها» أي دليل الاحكام الثانوية «في الحكم بجوازها» أي في الحكم بجواز الموضوعات التي لم يؤخذ فيها حكم اصلا كالرجحان أو الاباحة

و اخرى: يكون بين ادلة العسر أو الضرر و بين الادلة الاولية تناف بان يكون الحكم الاولي على خلاف [الحكم الثانوي من العسر و الحرج كما لو كان اصل الوضوء عسرا فان ادلة الوضوء [العامة تقتضي وجوب الوضوء، و ادلة العسر تقتضي رفع الوجوب.

و لا يخفى انه حيث كان بين [ادلة العسر و كل واحد واحد] من الادلة الاولية عموم و خصوص من وجه، لتحقق وجوب الوضوء من دون العسر [في موارد الوضوء غير العسري ، و تحقق العسر في غير الوضوء في مورد العسر غير الوضوء، و اجتماعهما في الوضوء العسري، فمقتضى الدليل الاولي وجوب هذا الوضوء العسري، و مقتضى دليل العسر عدم وجوبه فهما يقتضيان حكمين متخالفين لا متوافقين، لوضوح مخالفة الوجوب لعدم الوجوب.

و قد اختلفت الآراء في تقديم ادلة العسر أو وقوع التزاحم بينها و بين الادلة الاولية.

و يظهر من المصنف- في الجزء الثاني- تقديم ادلة العسر على الدليل الاولي، اما للحكومة او للتوفيق العرفي، و لكن كلامه في هذا المقام يظهر منه انه يرى التزاحم بين الادلة الاولية و ادلة العسر، فيتقدم الاقوى منهما لو احرز الاقوى منهما، و إلّا فيتزاحمان و لا يؤثر احدهما لان تقديم احدهما من دون سبب للتقديم من الترجيح بلا مرجح، و لا بد من الرجوع الى الاصول، و ربما كان الاصل يقتضي الاباحة، و كان الدليل الاولي- مثلا- يقتضي الوجوب كوجوب ازالة النجاسة عن البدن- مثلا- فيما يتوقف على طهارة البدن كالصلاة او الاحرام و كان استعمال الماء للتطهير

ص: 152

.....

______________________________

مضرا، فان ما يلزم الاضرار بالنفس حرام، و بعد تزاحمهما و عدم احراز الاقوى منهما يتساقطان في مقام التأثير فيرجع الى الاصل، و الاصل في المقام يقتضي الاباحة، و الى هذا اشار بقوله: «و اذا كانت محكومة بعناوينها الاولية بغير حكمها بعناوينها الثانوية» كالمثال المتقدم و حينئذ «وقعت المزاحمة بين المقتضيين و يؤثر الاقوى منهما لو كان في البين ... الى آخر كلامه» انتهى.

فالمتحصل من مجموع ما ذكر ان المشكوك من جهة اجمال العمومات الاولية ابتداء لا يمكن ان يكون مشمولا للعمومات الثانوية اذا كان قد اخذ في موضوعاتها حكم واقعي كالرجحان او الاباحة، و اذا كان المشكوك فيه من [ناحية بقائه تحت العمومات الاولية بعد ان كان مشمولا لها ابتداء تقع المزاحمة بينها و بين العمومات الثانوية.

و لكنه لا يخفى ان هذا خارج عن الفرض [لعدم الاجمال في مقام التزاحم فان لازم التزاحم احراز كلا المناطين.

إلّا ان يكون المراد بقوله من جهة اخرى [هو احتمال الاجمال ابتداء او] احتمال الخروج عن العمومات الاولية بقاء لمزاحمتها بالعناوين الثانوية كما عرفت.

و بعبارة اخرى: ان مراده بقوله في صدر المبحث: «فيما اذا شك في فرد لا من جهة احتمال [التخصيص بل من جهة اخرى، و المراد بالجهة] الاخرى هو ان الشك في صحة الوضوء بالمائع المضاف ليس من جهة ورود [تخصيص لعمومات الوضوء ليكون الشك في هذا الفرد من ناحية تردده بين دخوله في العام أو في الخاص، بل الشك فيه اما من ناحية دخول هذا [المشكوك في حكم العام واقعا و ان كان لا يشمله العام لاجماله او من ناحية خروجه عنه بقاء.

و على كل فلو ثبت لهذا الشك حكم بواسطة العمومات الثانوية فهو في الحقيقة حكم آخر اما مماثل لحكم العام او مخالف له.

ص: 153

توجيه نذر الاحرام قبل الميقات و الصوم في السفر

و أما صحة الصوم في السفر بنذره فيه- بناء على عدم صحته فيه بدونه- و كذا الاحرام قبل الميقات، فإنما هو لدليل خاص، كاشف عن رجحانهما ذاتا في السفر و قبل الميقات، و إنما لم يأمر بهما استحبابا أو وجوبا لمانع يرتفع مع النذر، و إما لصيرورتهما راجحين بتعلق النذر بهما بعد ما لم يكونا كذلك، كما ربما يدل عليه ما في الخبر من كون الاحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت (1).

______________________________

(1) هذا هو الجواب عن التأييد، الذي حاصله دلالة الاخبار على كون العناوين الثانوية باستطاعتها ان تثبت حكما لهذا المشكوك مع انه غير مشمول للعمومات الاولية، كالاخبار الدالة على صحة الصوم في السفر بالنذر، و على صحة الاحرام قبل الميقات بالنذر ايضا.

و قد اجاب عنه باجوبة ثلاثة، بعد ان نبه على ان صحة السفر بالنذر انما هو بناء على عدم صحته بغير النذر، خلافا لما هو المشهور من صحة الصوم المندوب في السفر من دون النذر، و الى هذا اشار بقوله: «بناء على عدم صحته فيه» أي عدم صحة الصوم في السفر «بدونه» أي بدون النذر، و اما بناء على ما هو المشهور من صحة الصوم الندبي في السفر من دون النذر فلا موقع لهذا التأييد، لانه يكون مما تشمله العمومات الاولية ابتداء فلا شك فيه حتى تكون العمومات الثانوية مثبتة للحكم فيه.

و على كل فلا بد من تمهيد و توضيح في المقام لتظهر اجوبة المصنف عما هو محل الكلام في المقام، و هو ان نقول:

ان هذا التأييد انما هو كنقض على ما ادعيناه: من ان العناوين الثانوية كالنذر لا تشمل المشكوك لانه قد اخذ في موضوعها حكم الرجحان او الاباحة، و المشكوك على الفرض قد شك في رجحانه او اباحته و لا يعقل ان يثبت الحكم موضوعه مع انه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

ص: 154

.....

______________________________

و بعبارة اخرى: انه بعد ان كان النذر لا يتعلق إلّا بالراجح فلا بد من كونه راجحا قبل تعلق النذر، و ما ليس براجح قبل النذر تعلق النذر به من تعلق النذر بغير المقدور، فذكروا هذا التأييد الذي حاصله انه قد دلت الاخبار على ان النذر باستطاعته ان يكون الفرد المشكوك مما يثبت له حكم الرجحان بواسطة النذر و يكون مقدورا.

و الجواب عن هذا هو الاجوبة الثلاثة التي اشار اليها المصنف: من ان النذر قد تعلق بما هو الراجح ذاتا و لكنه كان له مانع قد ارتفع بالنذر، او انه هناك عنوان راجح ملازم لتعلق النذر، او انه يكفي الرجحان في متعلق النذر في ظرف الامتثال و لا يلزم ان يكون راجحا قبل تعلق النذر، و ان كان الاشكال في الصوم و في السفر هو كون الامر النذري أمرا توصليا لا يصحح وقوع الصوم و الاحرام عبادة مع انهما لا يصحان الا باتيانهما بقصد القربة، و هو ما سيذكره في قوله: «لا يقال لا يجدي ...

الى آخره»، فيكون الجواب عنه هو الجواب الاول من هذه الاجوبة الثلاثة: و هو ان النذر قد تعلق بالراجح بما هو الراجح فلا بد من اتيانه قربيا ليكون هو الراجح الذي قد تعلق به النذر.

و على كل حال فالجواب الاول: ان الادلة التي دلت على صحة الصوم في السفر بالنذر انما هو لكشفها على ان الفرد المشكوك و هو الصوم في السفر فيه اقتضاء ان تشمله الادلة الاولية للامر بالصوم، و انما لم يأمر به لانه كان فيه مانع عن شمول الحكم الاولي له و هذا المانع يرتفع بواسطة النذر، فهذا الحكم ليس حكما آخر غير حكم العام بل هو حكم العام الاولي قد ثبت لهذا المشكوك بواسطة ارتفاع المانع عنه، و هذا مراده من قوله: «فانما هو لدليل خاص» أي ان ثبوت الحكم لهذا المشكوك انما هو للدليل الخاص الدال على ثبوت الاقتضاء في المشكوك، فالدليل الخاص «كاشف عن رجحانهما ذاتا» أي انه كاشف عن ان الصوم في السفر و الاحرام قبل الميقات فيهما رجحان ذاتي يقتضي صحة الصوم «في السفر و» صحة

ص: 155

لا يقال: لا يجدي صيرورتهما راجحين بذلك في عباديتهما، ضرورة كون وجوب الوفاء توصليا لا يعتبر في سقوطه إلا الاتيان بالمنذور بأي داع كان (1).

______________________________

الاحرام «قبل الميقات و انما لم يأمر بهما» أي و انما لم يؤمر بالصوم «استحبابا أو» بالاحرام «وجوبا» كان «لمانع» الّا انه «يرتفع مع النذر».

و الجواب الثاني: ان نقول ان الاخبار التي دلت على صحة الصوم و الاحرام بالنذر لا لكشفها عن وجود الاقتضاء فيهما و انما لم يؤمر بهما لمانع، بل هما قبل النذر لا اقتضاء فيهما يقتضي الامر بهما استحبابا او وجوبا، لعدم الرجحان الذاتي فيهما قبل النذر، و لكنه عند تعلق النذر بهما يحصل فيهما الرجحان لعنوان ملازم لتعلق النذر و يكون به متعلق النذر راجحا، فيثبت فيهما الحكم الاولي و هو صحة الصوم و صحة الاحرام لانهما انما يثبتان لما فيه الرجحان، و قد دلت الاخبار الخاصة على انه بالنذر يثبت الرجحان فيهما للعنوان الملازم، و الذي يدل على ان هذا المشكوك فيه قبل النذر لا رجحان فيه و انما يحصل الرجحان له بواسطة النذر للعنوان الملازم للنذر ما دل على ان الاحرام قبل الميقات كما ان الصلاة قبل الوقت لا رجحان ذاتي فيها، و قد اشار الى ان النذر يجعلهما [راجحين بقوله : «بتعلق النذر بهما»، و اشار الى انهما قبل النذر لا رجحان فيهما بقوله: [بعد ما لم يكونا كذلك، كما ربما يدل على عدم كونهما راجحين قبل النذر و صيرورتهما راجحين بواسطة النذر [ما في الخبر من كون الاحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت.

(1) لا يخفى ان هنا إشكالا آخر، و هو ما اشرنا اليه فيما مرّ.

و حاصله: ان الصوم و الاحرام من العبادات التي لا يصح وقوعهما إلّا بقصد القربة و صحة تعلق النذر بهما غاية ما يكشف عن كونهما بواسطة تعلق النذر بهما صارا راجحين.

ص: 156

فإنه يقال: عباديتهما إنما تكون لاجل كشف دليل صحتهما عن عروض عنوان راجح عليهما، ملازم لتعلق النذر بهما (1)، هذا لو لم

______________________________

الّا ان غاية ذلك هو صحة ان يتعلق النذر بهما، و ان من الواضح ان الامر النذري امر توصلي لا عبادي، و الصوم و الاحرام المنذوران تتوقف صحتهما على امر عبادي و لا امر عبادي بهما في المقام غير الامر النذري و هو توصلي لا عبادي، فكيف يمكن وقوعهما صحيحين عباديين مع انه لا امر عبادي فيهما، و الى هذا اشار بقوله: «لا يجدي صيرورتهما راجحين بذلك» أي لا يجدي تعلق النذر بهما «في» تصحيح «عباديتهما ضرورة كون وجوب الوفاء توصليا» أي ان الامر النذري الحاصل من قبل اوفوا بالنذور امر توصلي، و الامر التوصلي لا يعتبر في سقوطه اتيان المنذور بقصد القربة بل «لا يعتبر في سقوطه الّا الاتيان بالمنذور باي داع كان» و ان لم يكن بداعي قصد القربة، و المفروض انهما عباديان لا بد من قصد القربة فيهما، و ليس هنا غير الامر النذري امر آخر قربي و هو امر توصلي لا قربي، فكيف يصح وقوعهما عباديين قربيين.

(1) و حاصله: انه بعد دلالة الادلة على صحة تعلق النذر بهما و انّهما عباديان منذوران فتعلق النذر [بهما] يكشف عن عروض عنوان عبادي عليهما ملازم لتعلق النذر بهما، فمتعلق النذر حينئذ هو العبادة فلا بد من قصد الاتيان بهما بما هما راجان ليقعا عبادة.

و من هنا اتضح انه بناء على الجواب الاول و هو كونهما راجحين [ذاتا] لا يتأتى هذا الاشكال، لأنّ متعلق النذر بناء عليه هو الراجح ذاتا، و معناه ان متعلق النذر [عبادة] فلا موقع لهذا الاشكال.

و على كل فقد اشار الى الجواب بناء على ما سلكه في الجواب الثاني من كونهما لا رجحان فيهما قبل النذر و بالنذر يكونان راجحين فاتى الاشكال من كونهما عبادة

ص: 157

نقل بتخصيص عموم دليل اعتبار الرجحان في متعلق النذر بهذا الدليل (1)، و إلا أمكن أن يقال بكفاية الرجحان الطارئ عليهما من قبل النذر في عباديتهما، بعد تعلق النذر بإتيانهما عباديا و متقربا بهما منه تعالى، فإنه و إن لم يتمكن من إتيانهما كذلك قبله، إلا أنه يتمكن منه

______________________________

تتوقف صحتهما على قصد راجح، و الرجحان النذري هو بمقدار ما يصح تعلق النذر بهما و الامر النذري ليس بعبادي.

فالجواب عنه: ان «عباديتهما انما تكون لاجل كشف دليل صحتهما عن عروض عنوان راجح عليهما ملازم لتعلق النذر بهما» و يصح اتيانهما بواسطة هذا العنوان الراجح العارض الملازم لتعلق النذر بهما.

(1) هذا هو الجواب الثالث و توضيحه: انه كان الاشكال في ان التمسك بالادلة الثانوية المأخوذ فيها حكم واقعي لا يثبت الحكم بها لما شك في رجحانه كالوضوء بالمائع المضاف، و انه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فلا يفيد تعلق النذر بها صحتها، و المدعي لصحة التمسك بها ذكر صحة الصوم في السفر و الاحرام قبل الميقات بواسطة النذر مؤيدا لكون الادلة الثانوية تثبت الحكم للمشكوك.

فحاصل هذا الجواب الثالث، و هو جوابان:

الاول: ان هذه الاخبار الدالة على صحة الصوم في السفر و الاحرام قبل الميقات لا تدل على صحة تعلق النذر فيما شك في رجحانه، و انما تدل الاخبار الدالة على صحة تعلق النذر بالصوم في السفر انه لا يشترط في تعلق هذا النذر المتعلق بالصوم في السفر ان يكون متعلق النذر راجحا، فهذه الاخبار الدالة على صحة تعلق النذر بالصوم في السفر مخصصة للعمومات الدالة على اعتبار الرجحان في متعلق النذر، و الى هذا اشار بقوله: «هذا لو لم نقل ... الى آخر الجملة».

ص: 158

بعده، و لا يعتبر في صحة النذر إلا التمكن من الوفاء و لو بسببه (1)، فتأمل جيدا (2).

______________________________

(1) هذا هو الجواب الثاني و حاصله: انه نقول بلزوم الرجحان في متعلق النذر، و لكن نقول ان الرجحان اللازم تحققه في متعلق [النذر انما هو] رجحان المنذور في مقام الامتثال لا في مقام تعلق النذر، و الصوم و الاحرام قبل تعلق النذر و ان كان لا رجحان فيهما إلّا انهما حيث انهما يقعان متعلقا للنذر بما هما عباديان فلا بد من كونهما راجحين في مقام الامتثال ليصح تعلق النذر بهما، و انما يكونان راجحين حيث يقعا عبادة، فتعلق النذر بهما يستلزم [الرجحان فيهما] في مقام الامتثال، و الامر النذري و ان كان توصليا إلّا ان الامر التوصلي لا يمنع ان يقصد امتثاله فيقع المنذور عبادة، و الصوم و الاحرام حيث ان النذر تعلق بهما حيث يقعا عبادة في مقام الامتثال و يصح وقوعهما عبادة بواسطة هذا الامر النذري التوصلي، بان يقصد امتثاله في اتيان الصوم المنذور و الاحرام فيكفي في وقوعهما عبادة هذا الرجحان: أي قصد عباديتهما في مقام الامتثال الطارئ عليهما بواسطة تعلق النذر بهما بما هما صوم و احرام عباديان، و هما و ان لم يتمكن المكلف من اتيانهما عبادة قبل النذر و لكنه يمكن ان يقعا عبادة بعد تعلق النذر بان يقصد اتيانهما بقصد امتثاله، و قد عرفت انه لا يعتبر في صحة النذر الا الرجحان في مقام الامتثال و لو كان هذا قد جاء بسبب النذر، و الى هذا اشار بقوله: «و إلّا امكن ان يقال بكفاية الرجحان الطارئ عليهما من قبل النذر في عباديتهما ... الى آخر كلامه»

(2) يمكن ان يكون اشارة الى ما في هذا الثالث: من انه لا يعقل ان يكون الرجحان الماخوذ في النذر هو الرجحان الآتي من قبل النذر، لانه فيه مضافا الى عدم معقولية ان يؤخذ في موضوع الحكم ما يتولد من الحكم، فان الرجحان الآتي من قبل النذر قد تولد من الوجوب النذري- انه على هذا ان يصح تعلق النذر بغير المحرم من المباحات التي لا رجحان فيها بل و المكروهات ايضا، فلا تخرج المباحات التي

ص: 159

مورد حجية أصالة العموم

بقي شي ء، و هو أنه هل يجوز التمسك بأصالة عدم التخصيص في إحراز عدم كون ما شك في أنه من مصاديق العام، مع العلم بعدم كونه محكوما بحكمه، مصداقا له مثل ما إذا علم أن زيدا يحرم إكرامه، و شك في أنه عالم، فيحكم عليه بأصالة عدم تخصيص أكرم العلماء أنه ليس بعالم، بحيث يحكم عليه بسائر ما لغير العالم من الاحكام. فيه إشكال لاحتمال اختصاص حجيتها بما إذا شك في كون فرد العام محكوما بحكمه، كما هو قضية عمومه، و المثبت من الاصول اللفظية و إن كان حجة، إلا أنه لا بد من الاقتصار على ما يساعد عليه الدليل، و لا دليل هاهنا إلا السيرة و بناء العقلاء، و لم يعلم استقرار بنائهم على ذلك، فلا تغفل (1).

______________________________

لا رجحان فيها و المكروهات عن قابلية تعلق النذر بها، لانها كلها بعد تعلق النذر تكون واجبة فلا بد و ان تكون راجحة في مقام الامتثال لرجحان الواجب قطعا، و هذا مما لا يلتزم به القائل بلزوم كون متعلق النذر راجحا و لو في مقام الامتثال، فلا بد بناء على كفاية الرجحان المتعلق في مقام الامتثال ان يكون هذا الرجحان هو الرجحان الطارئ من قبل النذر، و اللّه العالم.

(1) توضيحه: ان الشك في حكم العام، تارة: يكون مع انطباق عنوانه على المشكوك كما لو شك في اكرام زيد العالم بعد ورود اكرم العلماء [لاحتمال تخصيص اكرم العلماء بالنسبة الى زيد، و في مثل هذا لا إشكال في اثبات اصالة عدم التخصيص لكون زيد ممن يجب اكرامهم و ترتيب جميع ما للعالم من الاحكام على هذا المشكوك.

و ثانية: فيما اذا شك في حكم العام بالنسبة الى زيد العالم للعلم الاجمالي بحرمة اكرام احد الزيدين، و كان احدهما عالما و الآخر جاهلا فهل يثبت بواسطة اصالة عدم التخصيص ان زيدا العالم مما يجب اكرامه، و ان حرمة الاكرام تتعين في اكرام

ص: 160

.....

______________________________

زيد الجاهل او لا تثبت اصالة عدم التخصيص شيئا فلا يثبت بها ان زيدا عالم و لا يثبت بها تعيين حرمة الاكرام بزيد الجاهل؟

و ذهب جماعة من المحققين الى ان اصالة عدم التخصيص تقتضي ادخال زيد العالم فيمن يجب اكرامه و تعيين حرمة الاكرام في زيد الجاهل، و يظهر منهم الاستدلال عليه بامور:

- الاول: الاستدلال بصدق عكس النقيض المسلم صدقه، فان قولنا: كل انسان حيوان ينعكس بعكس النقيض الى كل ما ليس بحيوان ليس بانسان، و اصالة عدم التخصيص تؤول الى مثل هذا، لانها تدل على عدم تخصيص العام، و لازم عدم تخصيصه عدم خروج زيد العالم عن وجوب اكرام العلماء و اختصاص حرمة الاكرام بزيد الجاهل، لان اصالة عدم التخصيص مرجعها الى ان اكرم العلماء لم يخصص و لم يخرج عنها زيد العالم، فكل ما يجب اكرامه فهو عالم و كل ما ليس بعالم لا يجب اكرامه.

و هذا الدليل و ان كان غايته اثبات ان زيدا الجاهل لا يجب اكرمه و لكن بضميمة العلم بحرمة اكرام احد الزيدين تتعين حرمة الاكرام بزيد الجاهل.

- الثاني: ان اصالة عدم التخصيص من الاصول اللفظية التي يكون مثبتها حجة، و لازم ذلك كون زيد العالم يجب اكرامه لاصالة عدم التخصيص، و لازم عدم التخصيص للعالم اختصاص حرمة الاكرام بزيد الجاهل.

- الثالث: ما اشتهر انه كلما دار الامر بين التخصيص و التخصّص [فالتخصص اولى، و عليه فلازم كون زيد العالم يحرم اكرامه هو التخصيص، و لازم كون المحرّم اكرامه هو زيد الجاهل التخصّص [فاذا لا دليل على التخصيص.

و يردّ الاول: انه لا ريب في صدق عكس النقيض و لكنه في [المحمولات الواقعية، دون الاصول العملية التي مرجعها الى سلب الحكم او ثبوته للمشكوك مع كونه مشكوكا، فهي من الاحكام [الظاهرية لا الواقعية] فحيث لا علم [لنا] بان العام لم

ص: 161

.....

______________________________

يخصص واقعا فلا موجب لاختصاص حرمة الاكرام في المقام بزيد الجاهل و ادخال زيد العالم في من يجب اكرامه، لانها من الاصول العملية التي مفادها حكم ظاهري لا واقعي.

و يرد الثاني: ان الاصول اللفظية و ان كان مثبتها حجة الّا ان حجيتها حيث كانت ببناء العقلاء فلا بد من الاقتصار فيها على مقدار ما يراه العقلاء حجة فيه، و ليس للعقلاء بناء في المقام على اثبات اصالة عدم التخصيص، لذلك فلا يثبت بها ان زيدا العالم هو ممن يجب اكرامه، و ان غير العالم هو الذي يحرم اكرامه بعد العلم الاجمالي بحرمة اكرام احدهما، و انما يكون مثبتها فيما لو شك في اكرام زيد العالم لاحتمال التخصيص كما مر في الفرض الاول، فانه يثبت بها ان زيدا مما يجب اكرامه و يثبت له كل ما للعالم من الاحكام الأخر غير وجوب الاكرام.

و يردّ الثالث: ان قولهم اذا دار الامر بين التخصيص و التخصص فالتخصص اولى ليست قضية قام بناء العقلاء عليها بنفسها، و انما مرجعها الى اصالة عدم التخصيص، و قد عرفت انه لا بد فيها من الاقتصار على القدر المتيقن الذي علم بناء العقلاء عليه.

و ثالثة: ما تقدم- في الفصل السابق- من المصنف في قوله: «بل يقال» الذي حاصله: كون لازم حجية العام في الفرد المشكوك تخصيصه بالمخصص اللبي في اثبات حكم العام له، فيحكم فيمن شك في ايمانه من اهل حروراء بجواز لعنه، و بواسطة جواز لعنه يثبت انه ليس بمؤمن في ترتيب جميع ما لغير المؤمن من الاحكام الأخر، و لعله اشار الى المناقشة فيه بقوله: «فتأمل جيدا» الى ما ذكرنا من انه لم يعلم بناء العقلاء على اثبات عنوان عدم المؤمن له ليترتب عليه احكام عدم الايمان، إلّا ان تكون الاحكام اقل اهمية من جواز اللعن، فاذا جاز اللعن للتمسك بالعام تثبت الاحكام التي هي اقل اهمية بالاولوية القطعية.

ص: 162

.....

______________________________

و رابعة: هو ما اشار اليه المصنف في قوله: «بقي شي ء» فان قوله بقي شي ء لم يشر الى غير الرابعة، و اما الفروض الثلاثة المتقدمة فلم يشر اليها، و هو ما اذا شك في فرد من ناحية الحكم عليه بانه ليس من افراد العام بعد العلم بخروجه عن حكم العام، مثلا اذا ورد- بعد اكرم العلماء- حرمة اكرام زيد، و شك في ان زيدا من العلماء فيكون تخصيصا للعام، او انه جاهل و ليس بعالم فيكون خارجا موضوعا عن اكرم العلماء، فهل يثبت باصالة عدم التخصيص ان زيدا جاهل و يثبت له جميع ما للجاهل و غير العالم من الاحكام الأخر غير حرمة اكرامه؟ او ان اصالة التخصيص لا تثبت ذلك؟

و لا يخفى ان من ذهب الى اثبات اصالة عدم التخصيص ذلك قد استدل عليه بعين ما ذكرناه من الادلة الثلاثة في الفرض السابق: من عكس النقيض و هو ان اصالة عدم التخصيص تدل على ان اكرم العلماء لم يخصص، و لازم ذلك هو انه كلّ ما كان عالما يجب اكرامه و كل ما لا يجب اكرامه فليس بعالم، و حيث ان زيدا لم يجب اكرامه فهو ليس بعالم.

و يردّه ما ذكرناه، و ان التخصص اولى من التخصيص، و قد مر ما فيه.

و الثالث ما اشار اليه في طي كلامه: من كون مثبت الاصول اللفظية حجة، و اصالة عدم التخصيص من الاصول اللفظية فيكون مثبتها حجة، و لازم كون مثبتها حجة هو ان زيدا ليس بعالم.

و يرد عليه ما عرفت: من انه حيث كانت حجية الاصول اللفظية هو بناء العقلاء و يقتصر فيه على القدر المتيقن، و لم يعلم بناء العقلاء على ان اصالة عدم التخصيص مثبتة لمثل ذلك و انما القدر من مثبتيّتها هو ما اذا شك في وجوب اكرام زيد العالم لاحتمال تخصيص العام، فباصالة عدم التخصيص يثبت وجوب اكرامه و يثبت كل ما للعالم من الاحكام الأخر.

و لا يخفى ان المصنف اشار في كلامه الى الدليل الثالث فقط و سيأتي التنبيه عليه.

ص: 163

.....

______________________________

ثم لا يخفى ايضا ان المصنف قد ذكر- فيما سبق- الفرض الثالث بقوله بل يمكن ان يقال كما نبهنا عليه، و ذكر الفرض الرابع في قوله: «بقي شي ء و هو انه هل يجوز التمسك باصالة عدم التخصيص في احراز عدم كون ما شك في انه [من مصاديق العام» للشك في كونه عالما أو ليس بعالم «مع العلم بعدم كونه محكوما بحكمه» لفرض العلم بانه يحرم اكرامه [و حكم العام هو وجوب اكرام العلماء] فزيد بعد ان فرض العلم بحرمة اكرامه فهو ليس ممن يجب اكرامه [قطعا فيكون الشك حينئذ] في كونه عالما أو ليس بعالم، فالشك في كونه مصداقا للعالم فقط لا في وجوب اكرامه، و هذا مراده من قوله: «مصداقا له» فقوله: مصداقا له خبر لكون الذي اسمه جملة ما شك في انه من مصاديق العام.

و حاصله: انه يتمسك باصالة عدم التخصيص لاحراز كون زيد المشكوك كونه عالما او ليس بعالم انه ليس بعالم، و يحرز بها عدم كونه مصداقا للعام «مثل ما اذا علم ان زيدا يحرم اكرامه و شك في انه عالم فيحكم عليه باصالة عدم تخصيص اكرم العلماء انه ليس بعالم» فيحرز باصالة عدم التخصيص عنوان عدم العالم له «بحيث يحكم عليه بسائر ما لغير العالم من الاحكام» و اشار الى الجواب بقوله: «فيه اشكال» و اشار الى وجهه بقوله: «لاحتمال اختصاص حجتها بما اذا شك في كون فرد العام محكوما بحكمه» و هو الاقتصار على ما فيها القدر المتيقن و هو جريان اصالة عدم التخصيص في الفرض الاول و فيه يكون مثبتها حجة.

و بعبارة اخرى: انه بعد ان كان عالما و يجب اكرامه لعدم ثبوت تخصيص العام فيه، فباصالة عدم التخصيص تثبت حجية العام الذي لا شك في كونه يشمل هذا الفرد من ناحية عنوان العام لفرض كونه عالما قطعا و كان الشك في العام من ناحية حجيته، فباصالة عدم التخصيص تثبت حجية العام في اكرامه كما كان عمومه له بحسب العنوان ثابتا لفرض كونه عالما، و هذا مراده من قوله: «كما هو قضية عمومه».

ص: 164

العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص

فصل هل يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص فيه خلاف، و ربما نفي الخلاف عن عدم جوازه، بل ادعي الاجماع عليه (1)، و الذي ينبغي أن يكون محل الكلام في المقام، أنه هل يكون أصالة العموم متبعة مطلقا أو بعد الفحص عن المخصص و اليأس عن الظفر به بعد الفراغ عن اعتبارها بالخصوص في الجملة، من باب الظن النوعي للمشافه و غيره، ما لم يعلم بتخصيصه تفصيلا، و لم يكن من أطراف ما علم تخصيصه إجمالا (2)، و عليه فلا مجال لغير واحد مما استدل به على عدم

______________________________

و قد اشار الى الاستدلال الثالث بقوله: «و المثبت من الاصول اللفظية ... الى آخر الجملة»، و اشار الى لزوم الاقتصار على القدر المتيقن في بناء العقلاء بقوله:

«إلّا انه لا بد من الاقتصار على ما يساعد عليه الدليل ... الى آخر كلامه».

(1) وقع الكلام في انه هل يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص ام لا يجوز العمل به قبل الفحص عن المخصص؟

و قد استدل بعض القائلين بعدم جواز العمل به قبل الفحص معبّرا بنفي الخلاف عن ذلك، كما يحكى ذلك عن كلام الغزالي انه: قال لا خلاف في عدم جواز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص [و استدل بعض القائلين بالعدم بالاجماع كما هو المنقول عن نهاية العلامة: انه لا يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص اجماعا.

(2) لا يخفى انه حيث يظهر من استدلال بعضهم في المقام عدم وضوح ما هو محل الكلام، لذلك ابتدأ المصنف ببيان ما ينبغي ان يكون هو محل النزاع قبل بيان مختاره.

و توضيحه: ان محل الكلام هو ان اصالة العموم التي هي حجة من باب الظن النوعي و التي حجيتها مطلقة للمشافه و غيره، هل يجوز العمل بها قبل الفحص عن المخصص ام لا يجوز؟ و ليس ذلك مختصا بما علم اجمالا بورود المخصصات، بل

ص: 165

جواز العمل به قبل الفحص و اليأس (1).

______________________________

حتى لو علمنا بخروج العام عن اطراف ما علم تخصيصه و لكنا احتملنا ورود تخصيص عليه مع ذلك هل يجوز العمل به قبل الفحص ام لا؟ كما لو علمنا بورود مائة تخصيص على العمومات و ظفرنا بها ثم وجدنا عاما احتملنا ان يكون له مخصص، فمثل هذا داخل في محل النزاع في انه هل يجوز العمل به قبل الفحص ام لا؟

و الى هذا اشار بقوله: «و الذي ينبغي ان يكون محل النزاع في المقام انه هل يكون اصالة العموم متبعة مطلقا» أي و لو قبل الفحص «او بعد الفحص عن المخصص و اليأس عن الظفر به بعد الفراغ عن اعتبارها بالخصوص في الجملة» لعدم الريب في اصل حجية اصالة العموم، و لكنها هل هي قبل الفحص او بعد الفحص؟

و لا يخفى ان حجيتها من باب الظن النوعي دون الظن الفعلي، و الى هذا اشار بقوله: «من باب الظن النوعي»، و اشار الى انها لا تختص بالمشافه بقوله:

«للمشافه و غيره»، و اشار الى ان الكلام في العام الخارج عن اطراف ما علم اجمالا بتخصيصه كما عرفت، و اما ما علم تخصيصه بالخصوص فهو خارج قطعا لانه لا معنى للفحص عن تخصيص ما وصل تخصيصه بقوله: «ما لم يعلم بتخصيصه تفصيلا و لم [يكن من اطراف ما علم تخصيصه اجمالا» لانه لا معنى لوجوب الفحص عما علم تخصيصه تفصيلا، و لا ريب في وجوب الفحص عن [اطراف ما علم اجمالا تخصيصه من العمومات.

(1) بهذا اشار الى ما ذكرنا من انه يظهر من [استدلال بعضهم في المقام عدم وضوح ما هو محل النزاع.

فقد استدل بعضهم على وجوب الفحص عن المخصص بان حجية العموم [من باب الظن الفعلي، و مع احتمال المخصص لا ظن فعلي بعموم العام فلا يجوز ان يكون متبعا قبل الفحص.

ص: 166

.....

______________________________

و يرد عليه اولا: ان حجية العموم انما هي من باب الظن النوعي دون الفعلي.

و ثانيا: انه ربما لا يحصل الظن الفعلي بارادة العام على عمومه و ان حصل الفحص عن المخصص له بالمقدار الذي استقرت السيرة العقلائية على الفحص عنه، لاحتمال وجوده و عدم ظفرنا به أو نسيان حملته و رواته، او لنسيان تدوينه او تلفه بعد التدوين.

و على كل فمحل النزاع بعد فرض حجية اصالة العموم من باب الظن النوعي في انه هل هناك بناء من العقلاء على الاخذ بها قبل الفحص او بعد الفحص؟

و استدل بعضهم على وجوب الفحص بان حجية اصالة العموم انما هي للمشافه فلا بد من الفحص لتعيين العموم الذي هو حجة للمشافه، و بعد تمامية الفحص و تمييزه ليحصل الظن لنا بالعموم ثم يثبت الحكم لغير المشافه بدليل الاشتراك.

و يرد عليه اولا: ان حجية اصالة العموم لا تختص بالمشافه كما سيأتي بيانه عند التعرض له.

و ثانيا: ان الكلام في اصالة العموم لا في الظن بالعموم.

و ثالثا: ان الكلام في الاخذ بالعام قبل الفحص أو بعد الفحص مما يشمل المشافه نفسه، فانه بناء على عدم جواز الاخذ بالعام الا بعد الفحص لا يجوز للمشافه الاخذ به الا بعد الفحص ايضا.

و استدل آخرون على وجوب الفحص عن المخصص بانه قد علم اجمالا بوجود مخصصات للعمومات، و مع العلم الاجمالي بذلك لا يجوز الاخذ بالعموم قبل الفحص عن المخصصات التي علم اجمالا بها.

و يرد عليه: ما عرفت من ان الكلام في العام الخارج عن اطراف ما علم اجمالا بتخصيصه، كما لو ظفرنا بمقدار المخصصات التي علمنا بها او ظفرنا بمقدار ما يوجب انحلال العلم الاجمالي الى علم تفصيلي و شك بدوي، ثم وجدنا عمومات

ص: 167

فالتحقيق عدم جواز التمسك به قبل الفحص، فيما إذا كان في معرض التخصيص كما هو الحال في عمومات الكتاب و السنة، و ذلك لاجل أنه لو لا القطع باستقرار سيرة العقلاء على عدم العمل به قبله، فلا أقل من الشك، كيف و قد ادعي الاجماع على عدم جوازه، فضلا عن نفي الخلاف عنه، و هو كاف في عدم الجواز، كما لا يخفى.

و أما إذا لم يكن العام كذلك، كما هو الحال في غالب العمومات الواقعة في السنة أهل المحاورات، فلا شبهة في أن السيرة على العمل به بلا فحص عن مخصص (1)، و قد ظهر لك بذلك أن مقدار الفحص

______________________________

احتملنا تخصيصها فانها من محل النزاع في انه هل يجوز الاخذ بها قبل الفحص ام لا يجوز إلّا بعد الفحص؟

(1) [حاصله: ان العام على نحوين: الاول ما كان في معرض التخصيص و هو كالعمومات الواردة في الكتاب و السنة، فان مهم الشارع غالبا على ذكر الحكم الخاص بعد العام الذي يشمله و غيره، و اما الكلام في انه ما السبب [لان كان ديدن الشارع على هذا النهج فسيأتي التعرض له ان شاء اللّه.

الثاني: العمومات التي لم تكن في معرض [التخصيص كالعمومات الموجودة في لسان اهل المحاورة.

و لما كان حجية ظهور العموم في عمومه انما هو ببناء العقلاء و سيرتهم المتبعة في حجية الظهورات و الأخذ بها، و في النحو الاول و هو العمومات الواقعة في معرض التخصيص اذا لم نقل بانه من المقطوع به استقرار سيرتهم و بنائهم على عدم الاخذ بهذه العمومات قبل الفحص عن مخصصها فلا اقل من الشك في حجية هذه العمومات عندهم قبل الفحص.

و ان دعوى عدم الخلاف و الاجماع على عدم الاخذ بالعمومات قبل الفحص مما يدل واضحا على عدم السيرة من العقلاء على الاخذ بها، و ان لم يدلا على عدم

ص: 168

الفحص اللازم عن المخصص في العمل بالعام

اللازم ما به يخرج عن المعرضية له (1)، كما أن مقداره اللازم منه بحسب سائر الوجوه العقلية التي استدل بها من العلم الاجمالي به أو حصول

______________________________

السيرة فلا محالة مما يوجبان الشك فيها، و من البين انه يكفي الشك في حجية الظهور عند العقلاء في عدم الاخذ بالظهور و عدم اتباعه، و لكن في العمومات غير الواقعة في معرض التخصيص قد استقر بناؤهم على الاخذ بالعام على عمومه قبل الفحص عن مخصصه، و عبارة المتن واضحة.

و اشار الى النحو الاول بقوله: «فالتحقيق عدم جواز التمسك به» أي بالعام «قبل الفحص فيما كان» العام «في معرض التخصيص ... الى آخر الجملة».

و اشار الى النحو الثاني بقوله: «و اما اذا لم يكن العام كذلك ... الى آخر الجملة».

(1) بعد ما عرفت ان السبب في وجوب الفحص عن العام كونه واقعا في معرض التخصيص، فاذا خرج العام عن المعرضية للتخصيص فيجب الاخذ بعمومه لتمامية حجية ظهوره عند العقلاء، و لازم هذا كون مقدار الفحص عن المخصص ينتهي امده بمقدار ما يخرج به العام عن معرضية التخصيص، فالفحص اللازم في عمومات الكتاب أو السنة هو مراجعة الكتب التي تقضي العادة بوجود المخصص فيها، فاذا لم يوجد فيها مخصص للعام فينبغي الاخذ به، اذ كما ان الموجب للفحص هو سيرة العقلاء كذلك مقدار الفحص فانما هو بحسب ما تقتضي به سيرتهم على مقدار الفحص، لانه حيث لم يرد من الشارع بيان لمقدار الفحص فلا تكون له طريقة غير طريقة العقلاء في تقدير مقدار الفحص، و قد اشار لهذا بقوله: «و قد ظهر لك بذلك ان مقدار الفحص اللازم» هو مقدار «ما به يخرج العام عن المعرضية له» أي عن المعرضية للتخصيص.

ص: 169

الظن بما هو التكليف، أو غير ذلك رعايتها، فتختلف مقداره بحسبها، كما لا يخفى (1).

______________________________

(1) و قد ظهر- مما مر- ان مسلك المصنف في وجوب الفحص هو بناء العقلاء على الفحص في العام المعرض للتخصيص، و ان اللازم على هذا [هو الفحص عن المخصص حتى يخرج عن معرضية التخصيص.

و هناك مسالك أخر اشرنا اليها في لزوم الفحص عن المخصص:

- منها كون [العام من اطراف العلم الاجمالي.

و اللازم على هذا المسلك الفحص بمقدار ينحل به العلم الاجمالي و يخرج العام عن الطرفية للعلم الاجمالي.

- و منها ان الفحص انما يجب لانه لا يحصل الظن الفعلي بالظهور قبل الفحص، و على هذا فاللازم الفحص حتى يحصل الظن الفعلي.

- و منها ان الفحص انما يجب لكون حجية العام مختصة بالمشافه و انما يثبت الحكم في العام لنا بدليل الاشتراك، فالفحص انما هو للحصول على العام الذي هو حجة للمشافه، و على هذا فيجب الفحص بمقدار ما يحصل الظن بذلك، و الى هذا اشار بقوله: «كما ان مقداره اللازم منه بحسب سائر الوجوه العقلية التي استدل بها» لوجوب الفحص «من العلم الاجمالي به او حصول الظن بما هو التكليف» بالفعل «او غير ذلك» كمسلك من يرى اختصاص العام بالمشافه.

قوله: «رعايتها» هذا خبر ان: أي ان مقدار الفحص اللازم رعاية الوجوه التي استدل بها للفحص و تقدير الفحص بحسب ما تقتضيه تلك الوجوه كما عرفت، و لازم ذلك اختلاف مقدار الفحص، ففي العلم الاجمالي بمقدار ما ينحل به، و في الظن بمقدار ما يحصل الظن، و في المعرضية بمقدار ما يخرج عنها بالفحص، و لذا قال (قدس سره): «فيختلف مقداره» أي يختلف مقدار الفحص «بحسبها» أي بحسب ما تقتضيه الوجوه التي استدل بها لوجوب الفحص.

ص: 170

ثم إن الظاهر عدم لزوم الفحص عن المخصص المتصل، باحتمال أنه كان و لم يصل، بل حاله حال احتمال قرينة المجاز، و قد اتفقت كلماتهم على عدم الاعتناء به مطلقا، و لو قبل الفحص عنها، كما لا يخفى (1).

______________________________

(1) لما عرفت ان وجوب الفحص على مختار المصنف انما هو لكون العام واقعا في معرض التخصيص، و من الواضح ان معرضية العام للتخصيص بالمتصل تنتهي بانتهاء التخاطب فلا وجه لوجوب الفحص عن المخصص المتصل، بعد ان كان العام الواصل الينا خاليا عن التخصيص المتصل.

نعم غاية ما يمكن ان يقال: انه هناك احتمال انه كان تخصيص متصل و لم يصل الينا.

و لكنه [لا وجه لأن يكون هذا الاحتمال موجبا للفحص بعد ان كان العام خارجا عن معرضية التخصيص بالمتصل، و هذا الاحتمال منفي ببناء العقلاء على عدم الاعتناء به، و حال هذا الاحتمال حال احتمال القرينة على المجاز [حيث يتم بناء العقلاء على الاخذ بالحقيقة و بما وضع له اللفظ الى ان تثبت القرينة على المجازية، و احتمال [وجود القرينة على المجاز] و لكنها لم تصل الينا منفي ببناء العقلاء على اصالة الحقيقة، و على نفي احتمال القرينة على المجاز، و الاخذ بالحقيقة من دون فحص عن القرينة اذ لم تصل مع الكلام.

و لذا قال (قدس سره): «و قد انفقت كلماتهم» على استقرار بناء العقلاء «على عدم الاعتناء به» أي باحتمال القرينة «مطلقا و لو قبل الفحص عنها» و قد علمت حال احتمال المخصص المتصل كاحتمال وجود القرينة على المجاز.

ص: 171

الفرق في الفحص بين الاصول اللفظية و العملية

إيقاظ: لا يذهب عليك الفرق بين الفحص هاهنا، و بينه في الاصول العملية، حيث أنه هاهنا عما يزاحم الحجية، بخلافه هناك، فإنه بدونه لا حجة، ضرورة أن العقل بدونه يستقل باستحقاق المؤاخذة على المخالفة، فلا يكون العقاب بدونه بلا بيان و المؤاخذة عليها من غير برهان، و النقل و إن دل على البراءة أو الاستصحاب في موردهما مطلقا، إلا أن الاجماع بقسميه على تقييده به (1)،

______________________________

(1) حاصله: انه كما ان العمل بالعمومات الواقعة في معرض التخصيص لا يجوز إلّا بعد الفحص كذلك العمل بالاصول العملية كالبراءة و الاحتياط و الاستصحاب لا يجوز إلّا بعد الفحص عن الدليل، و لكن مع ذلك فرق بين وجوب الفحص عن تخصيص العام و بين الفحص عن الدليل في الاصول العملية، فان الفحص هنا فحص عن المانع عن حجية العام في عمومه بعد ثبوت مقتضى الحجية في العام، و في الاصول العملية الفحص فيها فحص عن المقتضي، و انه في الاصول العملية لا اقتضاء للاصول للعمل على طبقها الا بعد الفحص، بخلافه في العام فان المقتضى فيه موجود و الفحص فيها عن المانع.

و توضيحه: ما عرفت من ان الموجب للفحص في العام هو وقوعه في معرض التخصيص، و من الواضح ان معنى هذا كون العام له اقتضاء الحجية و لكن وقوعه في هذا المعرض اوجب التوقف عن تأثير هذا الاقتضاء حتى يتم عدم المانع عن تأثيره.

و بعبارة اخرى: ان الفحص عن المخصص في العام انما هو عما يزاحم حجية العام في عمومه، فان للعام ظهورا في العموم و هذا الظهور هو المقتضي لحجية العام عند العقلاء، و لكن وقوعه في معرض احتمال ان يكون لهذه الحجة حجة اخرى مزاحمة هو الذي اوجب الفحص عندهم بخلافه في الاصول العملية.

اما في الاصول العملية العقلية كقبح العقاب بلا بيان- مثلا- فمن البين انه لا [اقتضاء في الجواز و العمل قبل الفحص لان الموضوع فيها هو عدم البيان، و انما

ص: 172

.....

______________________________

يقبح العقاب بلا بيان- مثلا- حيث يحرز اللابيان، و قبل الفحص عدم البيان ليس بمحرز فلا موضوع لقبح العقاب بلا بيان، و العقل مستقل باستحقاق العقاب لو اخذ بالاصول العملية قبل الفحص و كان ذلك مخالفا لحكم الشارع.

و بعبارة اخرى: ان الحكم قبل تحقق موضوعه لا اقتضاء له و انما يكون له الاقتضاء فيما اذا تحقق موضوعه و حصل مانع عن ترتب الحكم عليه، و الموضوع للحجية في العام هو ظهور العام و هو متحقق قبل الفحص و العقلاء بنوا على الظهور، و لكنه في العام الواقع في معرض تخصيصه و احتمال مزاحمته بحجة اقوى يجب الفحص، فالفحص فيه فحص عن المزاحم لما هو موضوع الحجية في العام، و معنى هذا كونه فحصا عن المانع، و في الاصول العملية كقبح العقاب بلا بيان موضوع القاعدة اللابيان، و هو انما يتحقق بعد الفحص لوضوح انه مع احتمال البيان لا يكون اللابيان متحققا الذي هو الموضوع للاصول العقلية، فالفحص فيها انما هو لاحراز ما هو المقتضي فيها لا عن المانع، و قد اشار الى ذلك بقوله: «حيث انه هاهنا» أي ان الفحص في العام هو «عما يزاحم الحجية» لما عرفت من ان موضوع الحجية في العام هو الظهور، و ظهور العام في عمومه متحقق قبل الفحص «بخلافه هناك» أي في الاصول العملية العقلية «فانه بدونه لا حجة» لان موضوع الحجة فيها هو اللابيان و هو غير متحقق قبل الفحص، و الذي يدل على ان الموضوع فيها اللابيان «هو ضرورة ان العقل بدونه» أي بدون الفحص «يستقل باستحقاق المؤاخذة على المخالفة» لعدم تحقق الموضوع فيها قبل الفحص و هو اللابيان «فلا يكون العقاب بدونه» أي بدون الفحص من العقاب «بلا بيان و المؤاخذة عليها» أي على المخالفة «بلا برهان» هذا في الفرق بين الفحص في العام و بينه في الاصول العملية العقلية.

و اما الاصول العملية النقلية كرفع ما لا يعلمون و لا تنقض اليقين بالشك فظاهرها و ان كان تحقق الموضوع، لان موضوعها و هو عدم العلم و هو متحقق قبل الفحص،

ص: 173

فافهم (1).

______________________________

و اليقين و الشك و هما متحققان قبل الفحص إلّا ان الاجماع قد تحقق على ان موضوعها و هو عدم العلم بعد الفحص، و اليقين و الشك بعد الفحص عن الدليل، فالموضوع فيها مقيد بالفحص، و اذا كان الموضوع فيها مقيدا بالفحص فالفحص فيها لتحقق الموضوع، فهو فحص عن المقتضى لا عن المانع، و الى هذا اشار بقوله:(1)

بداية الوصول في شرح كفاية الأصول ؛ ج 4 ؛ ص174

و النقل» كدليل الرفع و الاستصحاب «و ان دل على البراءة و الاستصحاب في [موردهما مطلقا]» أي غير مقيد بالفحص لان موضوعها هو عدم العلم، و اليقين و الشك و هما بظاهر الدليل غير مقيدين بالفحص بل مطلقين من ناحيته، فمع عدم العلم قد رفعت المؤاخذة و مع اليقين و الشك يستصحب اليقين سواء كان هناك فحص او لم يكن فحص «إلّا ان الاجماع بقسميه» البسيط و المركب قائم «على تقييده به» أي على تقييد الموضوع فيها بالفحص.

(1) لعله اشارة الى ان حجية الظهور انما هي ببناء العقلاء و ليس للعقلاء بناءان:

بناء على الاقتضاء، و بناء على الفحص عن المانع، بل ليس لهم إلّا بناء واحد و هو العمل على طبق العام و اعتبار الظهور فيه حجة، و هذا انما يكون بعد الفحص، فلا فرق بين الفحص في العام و الفحص في الاصول و في كليهما الموضوع للحجية انما يتحقق بعد الفحص.

و لكن الانصاف انه بعد بناء العقلاء على حجية الظهور في العام غير المعرض للتخصيص كعمومات اهل المحاورة، فيكون بناؤهم على الفحص في العام المعرض للتخصيص هو بمنزلة التخصيص لهذا البناء، و ان توقفهم عن العمل على العام الواقع في ذلك المعرض انما هو للبحث عما يزاحم ما هو موضوع الحجة عندهم في العام، و يكشف هذا ان الظهور عندهم هو موضوع الحجية، فموضوعها متحقق في العام و لكن وقوعه في معرض التخصيص اوجب توقفهم عن العمل على طبقه حتى يتم احراز عدم المانع عن العمل.

ص: 174


1- 10. آل شيخ راضى، محمد طاهر، بداية الوصول في شرح كفاية الأصول - قم، چاپ: دوم، 1426 ق.

الخطابات الشفاهية

فصل هل الخطابات الشفاهية مثل (يا أيها المؤمنون) تختص بالحاضر مجلس التخاطب، أو تعم غيره من الغائبين، بل المعدومين فيه خلاف، و لا بد قبل الخوض في تحقيق المقام، من بيان ما يمكن أن يكون محلا للنقض و الابرام بين الاعلام (1).

______________________________

(1) لا يخفى ان الخطاب مثل قوله: (يا ايّها المؤمنون) و قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ 11] يشتمل على امور ثلاثة:

- الحكم و هو السعي و ترك البيع.

- و توجيه هذا الكلام.

- و المراد من الذين آمنوا.

و لا اشكال في ان صحة الكلام في التكليف و شموله للغائبين و المعدومين لا يختص بخصوص التكليف الذي تضمنه الخطاب.

كما انه لا يختص صحة توجيه الكلام للغائبين و المعدومين بخصوص توجيه الكلام الخطابي، بل يشمل مطلق توجيه الكلام سواء كان بنحو الخطاب كقوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ او كان بغير الخطاب كقوله تعالى: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ 12] و لعله انما بحث عنه في فصل الخطابات الشفاهية لان البحث في الجهة الثالثة: و هي كون المراد بالالفاظ الواقعة بعد أداة الخطاب كالمؤمنين الواقع بعد يا ايها هل تعم الغائبين و المعدومين ام لا تعم؟

و يختص بالمشافهين.

ص: 175

فاعلم أنه يمكن أن يكون النزاع في أن التكليف المتكفل له الخطاب هل يصح تعلقه بالمعدومين، كما صح تعلقه بالموجودين، أم لا؟ أو في صحة المخاطبة معهم، بل مع الغائبين عن مجلس الخطاب بالالفاظ الموضوعة للخطاب، أو بنفس توجيه الكلام إليهم، و عدم صحتها، أو في عموم الالفاظ الواقعة عقيب أداة الخطاب، للغائبين بل المعدومين، و عدم عمومها لهما، بقرينة تلك الاداة (1).

______________________________

و لا اشكال في ان هذا البحث مما يختص بالخطاب فلذلك ناسب البحث في الجهتين الواقعتين في الجملة الخطابية في هذا الفصل ايضا، و قد ظهر مما ذكرنا ان البحث في هذا الفصل في جهات ثلاث:

- الاولى: في التكليف المتكفل له الخطاب هل يعم الغائبين و المعدومين؟

- الثانية: في توجيه الكلام و الخطاب هل يصح ان يتوجه الى الغائبين و المعدومين كما يتوجه الى الحاضرين؟

- الثالثة: في الالفاظ الواقعة بعد أداة الخطاب هل يصح ان تعم الغائبين و المعدومين؟

(1) هذه هي الجهة الاولى و هو انه هل يصح تعلق التكليف بالغائبين عن مجلس الخطاب و المعدومين في وقت الخطاب ام لا؟ فعلى الاول يكون التكليف الواقع في الجملة الخطابية يعم الغائبين و المعدومين.

و على الثاني يكون مختصا بخصوص الحاضرين مجلس الخطاب و هم المشافهون بالخطاب.

و الى هذا اشار بقوله: «ان التكليف المتكفل له الخطاب هل يصح تعلقه بالمعدومين» و الغائبين «كما صح تعلقه بالموجودين ام لا» و اشار الى الجهة الثانية بقوله: «او في صحة المخاطبة معهم» أي مع المعدومين «بل مع الغائبين عن مجلس الخطاب بالالفاظ الموضوعة للخطاب» ككاف الخطاب و يا أيها و امثالها «او بنفس

ص: 176

و لا يخفى أن النزاع على الوجهين الاولين يكون عقليا، و على الوجه الاخير لغويا (1).

______________________________

توجيه الكلام» أي بان يكون الخطاب مستفادا من نفس توجيه الكلام كقوله تعالى:

وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ الموجه الى الحاضرين في ذلك الوقت عند قراءة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم لها «و عدم صحتها» أي عدم صحة المخاطبة لا بالفاظ الخطاب و لا بتوجيه الكلام».

فان الجهة الثانية كما عرفت هو انه هل يصح توجيه الكلام الخطابي الى الغائبين و المعدومين ام لا يصح سواء كان الخطاب مدلولا عليه بالالفاظ الموضوعة للخطاب او كان مستفادا من نفس توجيه الكلام، و الى الجهة الثالثة اشار بقوله: «او في عموم الالفاظ الواقعة عقيب أداة الخطاب» كلفظ المؤمنين و الذين آمنوا و الناس في انها شاملة «للغائبين بل المعدومين و عدم عمومها» و شمولها «لهما بقرينة تلك الاداة» لوضوح ان لفظ المؤمنين و الذين آمنوا و لفظ الناس مما يشمل الغائبين قطعا و إنما [وقع الكلام في شمولها لهم، و عدم شمولها انما هو لاجل دعوى كون أداة الخطاب قرينة على الاختصاص بالمشافهين.

(1) و هما صحة تكليف الغائبين و المعدومين [و عدم صحة مخاطبتهم و من الواضح ان الكلام في هاتين الجهتين لا خصوصية فيه ان يكون [مستفادا من الالفاظ] لبداهة ان الكلام جار في التكليف المستفاد من الاجماع و العقل انه هل يصح في هذا التكليف المستفاد منهما ان يتعلق بالغائبين أو المعدومين ام لا؟

و كذلك في الخطاب المستفاد من الاجماع- مضافا الى ما سيأتي من ان البرهان على عدم صحة تكليف المعدومين و عدم صحة مخاطبتهم لا يختص بالتكليف و بالخطاب بالحكم المستفادين من الالفاظ- و العقل هل يصح ان يتوجه الى الغائبين و المعدومين ام لا؟

ص: 177

لا يصح توجيه الخطاب الى الغائب و المعدوم

إذا عرفت هذا، فلا ريب في عدم صحة تكليف المعدوم عقلا، بمعنى بعثه أو زجره فعلا، ضرورة أنه بهذا المعنى يستلزم الطلب منه حقيقة، و لا يكاد يكون الطلب كذلك إلا من الموجود ضرورة (1)، نعم هو بمعنى

______________________________

و القائل بصحته يقول به مطلقا في التكليف المستفاد من اللفظ او الاجماع او العقل، و في الخطاب ايضا سواء كان مستفادا من اللفظ او الاجماع أو العقل: بان يقوم الاجماع على ان النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم خاطب الحاضرين بخطاب و لو بالاشارة من غير لفظ.

و اما الجهة الثالثة: فهو ما يخص بالالفاظ لما عرفت انه فيما يراد من الالفاظ الواقعة بعد أداة الخطاب.

مضافا الى ما مر من ان الالفاظ صالحة بنفسها لأن تشمل الغائبين و المعدومين و لكن حيث كانت الالفاظ مشفوعة باداة الخطاب لذا وقع الكلام في شمولها لهم و عدم شمولها، و قد اشار الى كون الكلام في الجهتين الاولتين عقليا لا لفظيا بقوله:

«لا يخفى ان النزاع على الوجهين الاولين يكون عقليا» و اشار الى ان الجهة الثالثة الكلام فيها لفظي لا عقلي بقوله: «و على الوجه الاخير لغويا».

(1) يظهر منه (قدس سره) انه يفصل بين المعدومين و الغائبين كما يقتضيه استدلاله على عدم معقولية تكليف المعدومين، و توضيحه:

ان المراد من التكليف الذي لا يعقل ان يشمل المعدومين هو التكليف بمرتبته الفعلية، اما مرتبة التنجز فلتأخرها عن مرتبة الفعلية فبالاولى ان لا يعقل ايضا.

و اما الحكم بمرتبته الانشائية فيجوز ان يعم المعدومين كما سيصرح به، و اذا جاز بمرتبته الانشائية فالاولى جوازه بمرتبة الاقتضاء ايضا.

و الحاصل: ان الحكم بمرتبته الفعلية هو التحريك التشريعي و هو دفع المبعوث تشريعا، و التحريك و الدفع التشريعي هو بازاء التحريك و الدفع التكويني، و من البديهي عدم معقولية التحريك الفعلي التكويني للمعدوم، اذ التحريك الفعلي

ص: 178

.....

______________________________

التكويني هو فعل بين المحرك و المتحرك، و لا يعقل ان يكون التحريك التكويني فعليا مع كون احد اطرافه ليس له فعلية و المعدوم [لا فعلية له . و اما كون التحريك التشريعي بازاء التكويني فلان معنى كون الحكم فعليا هو بلوغ الامر الى مرتبة بحيث لو انقاد العبد الى مولاه لكان الامر داعيا له و محركا له، و من الواضح ان المعدوم لا يعقل ان ينقاد بالفعل ليكون الامر داعيا و محركا له بالفعل.

و بعبارة اخرى: ان كون الحكم باعثا بالفعل يستلزم الارادة الحقيقية من الباعث ان ينبعث المكلف عنها بالفعل، و لا يعقل ان تكون الارادة الحقيقية فعلية و المراد منه غير موجود و معدوم بالفعل، لان التحريك الفعلي كما لا بد فيه من محرك بالفعل كذلك لا بد فيه من متحرك بالفعل.

لا يقال: انه قد مر من المصنف امكان الواجب المعلق و لازمه كون الامر فعليا في الواجب المعلق و قد تعلق بامر استقبالي، و كما لا يعقل ان ينقاد المعدوم لعدم وجوده و فعليته، فكذلك لا يمكن ان ينقاد الموجود بالفعل اذا كان متعلق البعث غير موجود بالفعل فاذا جاز ان يكون الحكم فعليا مع عدم امكان الانقياد بالفعل لعدم المبعوث اليه فكذلك لا ينبغي ان يكون مانعا عن فعليته مع عدم المبعوث.

فانه يقال: فرق واضح بين عدم المبعوث اليه و عدم المبعوث في حالة فعلية البعث، فانه مع عدم المبعوث اليه لا ريب في امكان تحقق الانبعاث و الانقياد بالفعل من المبعوث أي المكلف، لعدم المانع له من قبل المكلف، و انما لم يتحقق لعدم وجود المبعوث اليه حيث انه استقبالي، بخلاف ما اذا كان المكلف الذي هو المبعوث معدوما فانه لا يعقل ان يكون له انقياد او انبعاث فلا يمكن ان يكون انقياده و انبعاثه فعليا فليس المانع عن فعلية، التكليف عدم قدرة المكلف بالفعل حتى لا يكون فرق بين عدم المبعوث و عدم المبعوث اليه، بل المانع عن فعلية التكليف في المعدوم هو عدم الامكان لعدم الموضوع، بخلافه في الواجب المعلق فان امكان الانبعاث متحقق و غايته عدم فعلية الانبعاث.

ص: 179

إنشاء الطلب بلا بعث و لا زجر، لا استحالة فيه أصلا، فإن الانشاء خفيف المئونة، فالحكيم تبارك و تعالى ينشئ على وفق الحكمة و المصلحة، طلب شي ء قانونا من الموجود و المعدوم حين الخطاب، ليصير فعليا بعد ما وجد الشرائط و فقد الموانع بلا حاجة إلى إنشاء آخر، فتدبر (1).

______________________________

و فرق واضح بين عدم الامكان و عدم الفعلية، و قد اشار الى ما ذكرنا من عدم امكان البعث الى المعدوم بقوله: «ضرورة انه بهذا المعنى» أي يكون الحكم في مرتبة الفعلية و انه باعث و زاجر بالفعل «يستلزم الطلب منه حقيقة» أي يستلزم البعث و الزجر الفعلي الارادة الحقيقية الفعلية «و لا يكاد يكون الطلب كذلك» أي لا يكاد يكون الطلب الحقيقي و الارادة الحقيقية طلبا و ارادة بالفعل «الا من الموجود ضرورة» أي بداهة.

و قد ظهر مما مر: ان التكليف لا يعقل بحسب البرهان المذكور ان يعم المعدومين بالخصوص، و اما بالنسبة الى الغائبين فلا مانع من ان يكون الحكم فعليا بالنسبة اليهم لامكان الانقياد و الانبعاث منهم، و لذا خصه بالمعدومين فقط، فقال لا ريب في عدم صحة تكليف المعدوم عقلا، فتأمل.

(1) حاصله: انه لا مانع من ان يعم الحكم المعدومين بمرتبته الانشائية، و هي مرحلة جعل القانون، فان الحكم في هذه المرتبة لا بعث فيه و لا زجر و لا إرادة حقيقية فيه بالفعل و لا طلب حقيقي كذلك فيه، فان الحكم بهذه المرتبة هو جعل الحكم إنشاء فانه مرتبة جعل الحكم قانونا على وفق المصلحة و المفسدة، و حين تتم شروط الفعلية له يكون فعليا من دون حاجة الى انشاء آخر، و الى هذا اشار بقوله: «فان الانشاء خفيف المئونة ... الى آخره» بعد ما اشار الى ان الحكم في هذه المرتبة لا بعث فيه و لا زجر بقوله: «هو بمعنى» مجرد «انشاء الطلب بلا بعث و لا زجر لا استحالة فيه اصلا».

ص: 180

و نظيره من غير الطلب إنشاء التمليك في الوقف على البطون، فإن المعدوم منهم يصير مالكا للعين الموقوفة، بعد وجوده بإنشائه، و يتلقى لها من الواقف بعقده، فيؤثر في حق الموجود منهم الملكية الفعلية، و لا يؤثر في حق المعدوم فعلا، إلا استعدادها لان تصير ملكا له بعد وجوده (1)، هذا إذا أنشئ الطلب مطلقا.

______________________________

(1) أي و نظير الطلب في عدم صحته فعلا للمعدومين هو التمليك الفعلي لهم، و انما الصحيح هو انشاء التمليك لهم لا فعلية التمليك كما في الوقف على البطون، فانه تسبيل العين و تمليك المنفعة.

و لا يخفى ان الملكية من الاعتبارات و الاعتبار خفيف المئونة كالانشاء، و لكنه مع ذلك لا يصح اعتبار الملك بالفعل لهم، إلّا انه اختلف تعليلهم لذلك.

فبعضهم علله بان اعتبار الملكية بالفعل للمعدوم لغو و لا فائدة فيه.

و بعضهم علله بان الملكية الاعتبارية بازاء مقولة الجدة، و ان مقولة الملك و الجدة عرض خارجي و الملكية اعتبار هذا العرض. و من الواضح عدم معقولية كون العرض المقولي فعليا من غير موضوع، لوضوح تقوم العرض في مقام وجوده بوجود موضوعه، و اعتبار العرض كالعرض الخارجي لا يعقل من غير وجود موضوعه فلا معنى لكون الملك فعليا و المالك معدوما بالفعل.

و بعضهم علل عدم معقولية الملك الفعلي في الوقف على البطون هو انه يلزم منه اجتماع مالكين استقلالين على مملوك واحد، فان المفروض انه ملك للطبقات و ان كل طبقة متأخرة تملك ما تملكه الطبقة المتقدمة عليها، فاعتبار الملكية الفعلية للطبقة المعدومة المتأخرة مع ملك الطبقة الموجودة بالفعل يلزم منه اجتماع مالكين و ملكيتين استقلاليتين على مملوك واحد.

و على كل فلا يصح اعتبار الملك الفعلي للمعدومين و انما يملكون العين الموقوفة عليهم بعد وجودهم، و يكون عقد الوقف بالنسبة اليهم انشاء تمليك فقط يكون فعليا

ص: 181

و أما إذا أنشئ مقيدا بوجود المكلف و وجدانه الشرائط، فإمكانه بمكان من الامكان (1).

و كذلك لا ريب في عدم صحة خطاب المعدوم بل الغائب حقيقة، و عدم إمكانه، ضرورة عدم تحقق توجيه الكلام نحو الغير حقيقة إلا إذا كان موجودا، و كان بحيث يتوجه إلى الكلام، و يلتفت إليه (2).

______________________________

بعد وجودهم، و فائدة هذا الانشاء هو انه لا يحتاج بعد الى انشاء آخر في ملكية المعدومين للوقف، و تأثير هذا الانشاء فعلا بالنسبة الى المعدومين هو استعداد الملكية لان تكون ملكا بالفعل عند وجود المعدومين، و لازم هذا البيان ان يكون المعدومون قد تلقوا الملك من الواقف لا من الموقوف عليهم، فليس من ملكيتهم بالفعل هو تلقيهم للملك من الموقوف عليهم، بل مع تلقيهم له من الواقف مع ذلك لا يصح اعتبار الملك الفعلي لهم لما ذكرنا، و عبارة المتن واضحة.

(1) حاصله: ان الكلام في صحة تكليف المعدوم و عدم صحته و انه بعد البرهان المتقدم اتضح عدم صحته بمرتبته الفعلية، و صحته بمرتبته الانشائية لعدم المانع من كونه بمرتبة جعل القانون يعم المعدومين، و انما المانع كونه فعليا في حقهم هذا كله في انشاء الطلب مطلقا.

و اما اذا انشئ مقيدا بوجود المعدومين فلا شبهة في امكانه، فانه يكون حال عدمهم انشائيا محضا لتقييد فعليته بوجودهم.

و اما الانشاء المطلق غير المقيد بوجودهم فحيث ان ظاهره الفعلية فلا بد من حمله على مرتبة الانشاء في حق المعدومين، لما مر من امتناع كون الحكم فعليا في حق المعدومين، و الى هذا اشار بقوله: «هذا اذا انشئ الطلب مطلقا و اما اذا انشئ مقيدا بوجود المكلف ... الى آخر الجملة».

(2) لا يخفى ان الخطاب الحقيقي سواء كان مستفادا من اللفظ او من غيره كالاجماع او العقل هو كون الكلام ملقى الى السامع: بان يكون هو المعني بالكلام ليسمعه

ص: 182

وضع أدوات النداء للخطاب الانشائي

و منه قد انقدح أن ما وضع للخطاب، مثل أدوات النداء، لو كان موضوعا للخطاب الحقيقي، لا وجب استعماله فيه تخصيص ما يقع في تلوه بالحاضرين، كما أن قضية إرادة العموم منه لغيرهم استعماله في غيره (1)، لكن الظاهر أن مثل أدوات النداء لم يكن موضوعا لذلك، بل

______________________________

و يفهمه، فاذا كان الخطاب الحقيقي كون السامع هو المعني بالكلام ليسمع و يفهم استحال خطاب غير المشافه بالكلام، لعدم امكان ان يكون الغائب فضلا عن المعدوم معنيا بالكلام لان يسمع و يفهم، لعدم امكان ان يسمع فضلا عن ان يفهم من السماع.

و من هذا اتضح ان الكلام في هذه الجهة الثانية يشمل الغائبين و المعدومين، بخلافه في الجهة الاولى، فقد عرفت اختصاص استحالة عدم شمول التكليف انما هو للمعدومين فقط دون الغائبين، و لذا ادرج الغائبين في هذه الجهة دون الاولى، فقال:

«لا ريب في عدم صحة خطاب المعدوم بل الغائب حقيقة و عدم امكانه» و اشار الى وجه ذلك بقوله: «ضرورة عدم تحقق توجيه الكلام نحو الغير حقيقة» بان يكون معنيا بالكلام ليسمع و يفهم «إلّا اذا كان موجودا» لا معدوما «و كان بحيث يتوجه الى الكلام» و هو خصوص المشافه فانه هو الذي يمكنه ان يتوجه الى الكلام «و يلتفت اليه» دون الغائب فضلا عن المعدوم.

(1) لا يخفى ان الجهة الثالثة، و هو كون الالفاظ الواقعة في تلو الخطاب هل المراد منها خصوص المشافهين او يعم الغائبين و المعدومين؟ يتبين مما استعمل فيه ادوات الخطاب اصطلاحا كالكاف و انتم او مما هو بمنزلتها كادوات النداء، فانها لو كانت مستعملة في الخطاب الحقيقي الذي هو كون السامع معنيا بالكلام ليسمع و يفهم فلا محالة يكون المراد بالالفاظ الواقعة بعده كالذين آمنوا الواقع بعد يا ايها و الناس و المؤمنون هو خصوص المشافهين و تكون القضية قضية خارجية، و اذا كان الخطاب ليس مستعملا في الحقيقي، بل في غيره كان المراد بالالفاظ الواقعة بعده ما يعم

ص: 183

.....

______________________________

الحاضرين و الغائبين بل و المعدومين ايضا، لوضوح عدم اختصاص نفس العام الواقع بعد هذه الادوات بالمشافهين، فان الذين آمنوا و المؤمنون و الناس مما يمكن ان يعم كل مؤمن و كل انسان سواء كان حاضرا او غائبا او معدوما، و تكون القضية قضية حقيقية لا خارجية، و انما تكون قضية خارجية مختصة بالمشافهين حيث يكون الخطاب خطابا حقيقيا، كما انه لو علمنا ان العام الواقع تلو ادوات الخطاب هو على عمومه و شموله للحاضرين و الغائبين و المعدومين فلا محالة تكون ادوات الخطاب غير مستعملة في الخطاب الحقيقي.

و الحاصل: ان ادوات الخطاب اذا كانت موضوعة للخطاب الحقيقي فلا محالة يختص تلوها بالمشافهين، لان الادوات الموضوعة للخطاب الحقيقي تكون قرينة على ان العمومات مختصة بالمشافهين، و مثله ما اذا قلنا بان ادوات الخطاب لم توضع للخطاب الحقيقي، و لكنها منصرفة الى الخطاب الحقيقي اذا لم تقم قرينة تمنع عن الانصراف.

و قد اشار الى ما ذكرنا بقوله: «و منه قد انقدح ان ما وضع للخطاب مثل ادوات النداء لو كانت موضوعة للخطاب الحقيقي لا وجب استعماله فيه تخصيص ما يقع في تلوه بالحاضرين» أي لا وجب استعمال ما وضع للخطاب الحقيقي في معناه الحقيقي ان يكون العموم الواقع بعدها مختصا بالمشافهين بالخطاب، لوضوح محالية ان تكون ادوات الخطاب مستعملة في ما وضعت له و هو الخطاب الحقيقي، و يكون العموم الواقع بعدها مما يعم الغائبين و المعدومين، لبداهة لزوم كون المراد من المؤمنين مثلا حيث انهم هم الذين عنوا بالخطاب لان يسمعوا و يفهموا ان يكونوا هم خصوص المشافهين دون الغائبين و المعدومين، للزوم حمل اللفظ على المعنى الحقيقي ما لم تقم قرينة على خلافه.

نعم لو علمنا كون العام الواقع تلوها قد اريد به ما يعم الحاضرين و غيرهم، فلا محالة تكون ادوات الخطاب مستعملة في غير معناها الحقيقي، و الى هذا اشار بقوله:

ص: 184

للخطاب الايقاعي الانشائي، فالمتكلم ربما يوقع الخطاب بها تحسرا و تأسفا و حزنا مثل: يا كوكبا ما كان أقصر عمره أو شوقا، و نحو ذلك، كما يوقعه مخاطبا لمن يناديه حقيقة، فلا يوجب استعماله في معناه الحقيقي- حينئذ- التخصيص بمن يصح مخاطبته، نعم لا يبعد دعوى الظهور، انصرافا في الخطاب الحقيقي، كما هو الحال في حروف الاستفهام و الترجي و التمني و غيرها، على ما حققناه في بعض المباحث السابقة، من كونها موضوعة للايقاعي منها بدواع مختلفة مع ظهورها في الواقعي منها انصرافا، إذا لم يكن هناك ما يمنع عنه، كما يمكن دعوى وجوده غالبا في كلام الشارع، ضرورة وضوح عدم اختصاص الحكم في مثل (يا أيها الناس اتقوا) و (يا أيها المؤمنون) بمن حضر مجلس الخطاب، بلا شبهة و لا ارتياب. و يشهد لما ذكرنا صحة النداء بالادوات، مع إرادة العموم من العام الواقع تلوها بلا عناية، و لا للتنزيل و العلاقة رعاية (1).

______________________________

«كما ان قضية ارادة العموم منه لغيرهم» أي ان ارادة العموم من العام لغير الحاضرين بحيث يشمل الغائبين و المعدومين يستلزم «استعماله» أي استعمال ما وضع للخطاب الحقيقي «في غيره» أي في غير معناه الحقيقي.

(1) قد مر في مبحث الاوامر في ذيل بحث اتحاد الطلب و الارادة فيما وضع له هذه الادوات كالتمني و الترجي و الاستفهام و الخطاب، و انها لم توضع للحقيقي منها، و انما وضعت للمعنى الانشائي الايقاعي منها، فادوات الخطاب مثلا لم توضع للخطاب الذي يكون بقصد ان يفهم المخاطب ما سمعه مما وقع بعد أداة، بل كثيرا ما يقع الخطاب و المخاطب مثل الديار و الرسوم و هي لا تسمع و لا تفهم بقصد التحسر او التأسف، و لو كانت موضوعة للخطاب الحقيقي لكان استعمال ادوات

ص: 185

.....

______________________________

الخطاب في مثل هذا من المجاز المحتاج الى لحاظ العلاقة، و نحن لا نجد في هذا الاستعمال لحاظ علاقة و عناية.

و لا يخفى انها لو كانت موضوعة للخطاب الحقيقي لوجدنا في انفسنا في مثلها لحاظ عناية و علاقة.

و الحاصل: ان مدلول هذه الادوات هو الخطاب، و اما كونه مشروطا بنحو شرط الوضع لخصوص الخطاب الذي يفهمه المخاطب بسماعه له فلا دليل عليه، بل البرهان قائم على خلافه و هو عدم لحاظ العناية و العلاقة في استعمال الخطاب مع كون المخاطب مثل الديار و الرسوم، فاذا قلنا- مثلا- الا انعم صباحا ايها الطلل البالي لا نجد في انفسنا انا قد استعملنا النداء في غير ما وضع له.

نعم قد مر في ذلك المبحث دعوى عدم بعد الانصراف في هذه الادوات الى خصوص ما كان منها بداعي الحقيقي منها، و لكنه لا وجه له لوضوح عدم تحقق الانصراف فيما كان الواقع بعد هذه الادوات مما لا يختص بالغائبين، لتوقفه على عدم ما يصلح للقرينة على خلافه، و عموم العام و شموله للغائبين و المعدومين يصلح للقرينة فيمنع الانصراف في ادوات الخطاب الى كون الداعي فيها خصوص الخطاب الحقيقي.

فاتضح مما ذكرنا: ان ادوات الخطاب موضوعة للخطاب الايقاعي الانشائي، و اذا كانت موضوعة له فاستعمالها في غير الخطاب الحقيقي لا يكون استعمالا لها في غير ما وضعت له كما لو استعملت في ما يعم خطاب الغائبين و المعدومين، لانه عليه تكون مستعملة في معناها الحقيقي و هو الايقاعي الانشائي، و الى هذا اشار بقوله:

«فلا يوجب استعماله» أي استعمال مثل ادوات النداء «في معناه الحقيقي حينئذ» و هو الايقاعي الانشائي لا يستلزم «التخصيص» فيما يقع تلوها كالمؤمنين «بمن يصح مخاطبته حقيقة» و هو خصوص المشافهين دون الغائبين و المعدومين، لعدم وضعها لخصوص الخطاب الحقيقي حتى تكون قرينة على ان المراد بما وقع تلوها

ص: 186

.....

______________________________

كالمؤمنين هو خصوص من يصح مخاطبته حقيقة و هم خصوص المشافهين، و قد اشار الى دعوى الانصراف الى كونها بداعي الخطاب الحقيقي بقوله: «نعم لا يبعد دعوى الظهور» فيها «انصرافا في الخطاب الحقيقي» و اشار بقوله: «كما هو الحال ...

الى آخر الجملة» الى ان الحال في الاستفهام و الترجي و التمني هو كالحال في ادوات الخطاب في ان جميعها موضوعة للمعاني الانشائية الايقاعية، و المنصرف منها هو خصوص ما كان منها بدواعيها الحقيقية، و اشار الى ان ظهور العام في عمومه لما يشمل الغائبين و المعدومين يمنع عن الانصراف بقوله: «اذا لم يكن هناك ما يمنع عنه» و اشار بقوله: «ضرورة وضوح ... الى آخر الجملة» ان حكم العمومات في لسان الشارع لوضوح عدم اختصاصه بالحاضرين هو قرينة تمنع الانصراف في مثل ادوات الخطاب الى الخطاب الحقيقي، اما وضوح عدم اختصاص الحكم بالحاضرين فلأنه لو كان كذلك لما احتاج القائلون بان المراد منها هو خصوص المشافه الى دليل الاشتراك، فان ذلك انما هو لعدم اختصاص الحكم قطعا بالحاضرين، و انما اضطروا الى القول باختصاصه بالمشافهين و احتاجوا الى دليل الاشتراك لقولهم بوضع هذه الادوات لخصوص الخطاب الحقيقي، و قد عرفت عدمه و ان الانصراف مع قيام القرينة على عدمه لا تصح دعواه، و قد اشار الى الدليل على كونها لم توضع للحقيقي، بل هي موضوعة للمعنى الإنشائي الإيقاعي منها بقوله: «و يشهد لما ذكرنا صحة النداء بالأدوات مع إرادة العموم من العام الواقع تلوها» بحيث يشمل الغائبين و المعدومين «بلا عناية» في استعمالها في النداء الذي لا يختص بمن خوطب ليسمع و يفهم «و لا للتنزيل و العلاقة رعاية» في مثل هذا الاستعمال و لو كانت موضوعة كما يدعي لخصوص ما كان بداعي الحقيقي منها لكان في استعمالها في ما يعم الغائبين و المعدومين لوجدنا في أنفسنا لحاظ علاقة و لحاظ رعاية لتنزيل الغائبين و المعدومين منزلة الحاضرين المشافهين.

ص: 187

و توهم كونه ارتكازيا، يدفعه عدم العلم به مع الالتفات إليه، و التفتيش عن حاله مع حصول العلم به بذلك لو كان ارتكازيا، و إلا فمن أين يعلم بثبوته كذلك كما هو واضح (1).

______________________________

(1) حاصله: انه لا ينبغي ان يتوهم ان السبب في عدم لحاظ العلاقة و الرعاية كون العلاقة ملحوظة ارتكازا، فهي من الامور الارتكازية و الارتكازيات تقتضي الاستعمال على وفق الامر الارتكازي و لا تحتاج الى الالتفات الى لحاظ العلاقة و الرعاية.

و ملخصه: ان كون الخطاب لا بداعي الحقيقي بل بداعي غير الحقيقي الذي اوجب استعمال ادوات الخطاب في غير ما وضعت له هو الارتكاز في كون الحكم المتكفل له الجملة الخطابية هو مما يعم الغائبين و المعدومين، فهذا الامر الارتكازي هو الذي اوجب الاستعمال في غير ما وضع له ادوات الخطاب، و مع تحقق الارتكازي الداعي الى هذا الاستعمال لا نجد في انفسنا الالتفات الى لحاظ العلاقة و الرعاية، بل العلاقة و الرعاية يكون لحاظها- ايضا- لحاظا ارتكازيا.

و الجواب عن هذا التوهم: ان الفرق بين الامر الارتكازي و غيره هو ان الارتكازي مع عدم التنبيه اليه يجري الانسان فيه على موجب طبعه الارتكازي، و لكنه مع إلفات النظر اليه يخرج الارتكاز عن كونه علما بسيطا الى كونه علما مركبا و هو العلم بالعلم، و نحن بعد التنبيه و إلفات النظر في مقام الاستعمال لا نجد في انفسنا لحاظ علاقة و رعاية، و لو كان الارتكاز هو المصحح لهذا الاستعمال المجازي لأحسسنا به بعد التنبيه و إلفات النظر، و الى هذا اشار بقوله: «يدفعه عدم العلم به مع الالتفات اليه و التفتيش عنه» أي يدفع كون المصحح لهذا الاستعمال المجازي هو الارتكاز انه لا يحصل العلم بلحاظ العلاقة مع الالتفات في حال الاستعمال لاجل التفتيش عن انه هل هناك لحاظ للعلاقة بنحو الارتكاز ام لا؟ و مع هذا الالتفات لا نجد في انفسنا لحاظ علاقة او رعاية كان الاستعمال في غير الخطاب الحقيقي بلحاظها

ص: 188

و إن أبيت إلا عن وضع الادوات للخطاب الحقيقي، فلا مناص عن التزام اختصاص الخطابات الإلهية بأدوات الخطاب، أو بنفس توجيه الكلام بدون الأداة كغيرها بالمشافهين، فيما لم يكن هناك قرينة على التعميم (1).

______________________________

مع انه لو كان ارتكازيا يحصل العلم به مع الالتفات اليه و التفتيش، و الى هذا اشار بقوله: «مع حصول العلم به بذلك لو كان ارتكازيا» لما علمت من ان الامور الارتكازية لا بد من خروجها من الارتكازيات الى الوجدانيات المحسوسات اذا التفت اليه و فتش عنه، و اذا كان مع الالتفات اليه لا يخرج الى العلم بالعلم فلا يكون هناك ارتكاز «و إلّا» لخرج من العلم بالعلم، و الى هذا اشار بقوله: «فمن اين يعلم بثبوته كذلك كما هو واضح».

(1) حاصله: انه مع القول بكون ادوات الخطاب موضوعة لخصوص الخطاب الحقيقي لا بد من ان يكون المراد بالالفاظ الواقعة بعدها ما يختص بخصوص المشافهين، فيكون المراد بالمؤمنين- مثلا- في يا ايها المؤمنون هو خصوص المشافهين و تكون القضية خارجية، لوضوح أن ظهور استعمال العام في عمومه لا يصلح ان يكون قرينة على المجاز لكثرة ما يراد بالعام غير عمومه الواسع، بخلاف ما اذا قلنا بانها منصرفة الى خصوص الحقيقي منها فان ظهور استعمال العام في عمومه يمنع عن الانصراف، لان الانصراف هو تخصيص لما وضع بغير ما وضع له اوجبه مقدار من كثرة الاستعمال فيه او مناسبات اخرى، و مع قرينة الاستعمال في غيره لا يتحقق الانصراف المتوقف على عدم القرينة على خلافه، و لذلك خص ذلك و هو لزوم كون المراد من المؤمنين المشافهين مختص بخصوص القول بكون الخطاب خطابا حقيقيا سواء كان الخطاب مدلولا عليه بالأداة او يكون مستفادا من نفس توجيه الكلام، فانه يختص بخصوص المشافهين و لا يعم الغائبين و المعدومين، و قد اشار الى ما ذكرنا بقوله: «و ان ابيت ... الى آخر الجملة».

ص: 189

و توهم صحة التزام التعميم في خطاباته تعالى لغير الموجودين، فضلا عن الغائبين، لاحاطته بالموجود في الحال و الموجود في الاستقبال، فاسد، ضرورة أن إحاطته لا توجب صلاحية المعدوم بل الغائب للخطاب، و عدم صحة المخاطبة معهما لقصورهما لا يوجب نقصا في ناحيته تعالى، كما لا يخفى (1)، كما أن خطابه اللفظي لكونه تدريجيا

______________________________

(1) حاصل هذا التوهم: ان استحالة تعميم الخطاب الحقيقي للغائبين و المعدومين انما هو في غير خطاب واجب الوجود، لعدم احاطة الممكن بغير المشافهين لخطابه. اما واجب الوجود تبارك و تعالى فلاحاطته بكل شي ء سواء الموجود في الحال أو الموجود في المستقبل، و لا فرق في احاطته بين الموجودين او المعدومين، فلا مانع من ان تكون خطاباته- تعالى- عامة للمعدومين فضلا عن الغائبين، و الى هذا اشار بقوله:

«لاحاطته بالموجود في الحال و الموجود في الاستقبال».

و يرده: ان الخطاب الحقيقي كما يحتاج من طرف المخاطب- بالكسر- ان يكون المخاطب- بالفتح- حاضرا عنده، كذلك يحتاج من طرف المخاطب- بالفتح- ان يكون بحيث يسمع الخطاب و يفهمه كما مر في بيان الخطاب الحقيقي على ما يظهر من المصنف، فعدم امكان الخطاب الحقيقي في خطاباته- تعالى- لا لفقد الشرط من جهته- جل و عظم- بل من ناحية فقدان الشرط من ناحية المخاطب- بالفتح- فان الغائب فضلا عن المعدوم لا يمكن ان يخاطب للنقصان من طرفه لا من جهته تبارك و تعالى، و الى هذا اشار بقوله: «فاسد» أي ان التوهم فاسد «ضرورة ان احاطته» تعالى «لا توجب صلاحية المعدوم بل الغائب للخطاب» الحقيقي، و اشار الى ان هذه الاستحالة انما هي لفقد الشرط من طرف المخاطب لا منه تعالى، فلا يوجب عدم تأتي الخطاب مع الغائبين و المعدومين نقصا في ناحيته جل و علا، و انما القصور و النقصان من جانب المخاطبين بقوله: «و عدم صحة المخاطبة معهما» أي مع المعدومين و الغائبين «لقصورهما لا يوجب نقصا في ناحيته تعالى».

ص: 190

و متصرم الوجود، كان قاصرا عن أن يكون موجها نحو غير من كان بمسمع منه ضرورة (1)، هذا لو قلنا بأن الخطاب بمثل يا أيها الناس اتقوا في الكتاب حقيقة إلى غير النبي (صلى اللّه عليه و آله) بلسانه.

______________________________

(1) لا يخفى ان كلامه- تعالى- له وجود علمي، و هذا الوجود قديم لم يزل و لا يزال، و الموجودات كلها في هذه النشأة قديمة لقدم علمه الذي هو عين ذاته لكون صفاته عين ذاته جل و علا، و له وجود لفظي تدريجي تصرمي ككلامه المخلوق في الشجرة في تكليمه- تعالى- لموسى عليه السّلام و ككلامه النازل به جبرائيل على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فلهذا النحو من الوجود حيث انه واقع في افق الموجودات الزمانية التي لها وحدة اتصالية، و هي من التدريجيات و المتصرمات التي يكون وجود كل جزء لاحق منها بعدم الجزء السابق للتدرج الصوتي، فهو من هذه الناحية كسائر الالفاظ التي وجودها نحو من وجودات الصوت المتدرج في وجوده.

و من الواضح: ان مثل هذا الوجود يتوقف فهمه على سماعه و لا بد في مثل هذا الخطاب اللفظي من السماع حتى يصح ان يكون المخاطب فيه مخاطبا، فلا يعقل ان يكون موجها لغير من يسمعه، و يختص الخطاب اللفظي بخصوص المشافه و لا يعقل ان يكون موجها الا له، لانه هو الذي يكون بمسمع من الخطاب. و اما الغائب فضلا عن المعدوم فلعدم امكان ان يسمع الخطاب فلا يعقل ان يكون الخطاب موجها له، فهو قاصر عن ان يكون الكلام موجها اليه، و نفس الكلام اللفظي بما انه لفظي من الموجودات الصوتية لا بد من ان يكون بحيث يسمع، فالخطاب الموجود بهذا النحو من الوجود المحتاج الى ان يسمع ايضا قاصر عن ان يكون موجها لغير من يسمع الصوت اللفظي، فلذا لا بد و ان يختص خطابه اللفظي المتكلم به جبرائيل عليه السّلام او النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم بالمشافهين دون الغائبين عن محل الخطاب فضلا عن المعدومين، و الى هذا اشار بقوله: «كما ان خطابه اللفظي لكونه تدريجيا و متصرم الوجود كان قاصرا» له، شان كل موجود لفظي من القصور «عن ان يكون موجها نحو غير من كان

ص: 191

و أما إذا قيل بأنه المخاطب و الموجه إليه الكلام حقيقة وحيا أو إلهاما، فلا محيص إلا عن كون الاداة في مثله للخطاب الايقاعي و لو مجازا، و عليه لا مجال لتوهم اختصاص الحكم المتكفل له الخطاب بالحاضرين، بل يعم المعدومين، فضلا عن الغائبين (1).

______________________________

بمسمع منه ضرورة» أي بداهة، لما عرفت من ان الخطاب الموجود بالوجود الصوتي لا بد و ان يكون له شان الصوت من انه لا يكون خطابا لغير من يسمعه، لما عرفت من ضرورة كون الخطاب الحقيقي اللفظي ان يسمع و يفهم.

(1) حاصله: ان المراد بالناس و بالمؤمنين في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ* و يا ايها المؤمنون هل هو ظاهرها الشامل للنبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم و غيره، او ان المراد بهما خصوص النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم.

و على الاول: يبتني النزاع المتقدم في صحة الخطاب الحقيقي للغائبين و المعدومين و عدمه.

و اما على الثاني: فلا يتأتي النزاع المتقدم، لوضوح عدم امكان اختصاصه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بالاحكام وحده المتكفل لها هذه الخطابات، فلا يعقل ان يكون الخطاب فيها حقيقيا، لان الخطاب الحقيقي فيها خطاب باحكامها و اذا كانت احكامها عامة له صلى اللّه عليه و آله و سلّم و لجميع الناس فلا بد و ان يكون الخطاب فيها ليس بخطاب حقيقي، و لا بد و ان يكون الخطاب إيقاعيا إنشائيا حتى لو قلنا بان هذه الادوات موضوعة للخطاب الحقيقي، فلا بد من التزام المجاز فيها، و اذا كان الخطاب انشائيا ايقاعيا لكون الاحكام فيها عامة له صلى اللّه عليه و آله و سلّم و لغيره فلا وجه لان يختص الحكم المتكفل له الخطاب بالمشافهين، لان الاختصاص بالمشافهين انما هو لحفظ ظهور الخطاب في كونه خطابا حقيقيا، فان العام فيها كالمؤمنين و الناس مما يشمل المعدومين فضلا عن الغائبين، و لكن الخطاب حيث كان حقيقيا استلزم اختصاص هذه العمومات بالمشافهين، و بعد ان كان الخطاب ليس بحقيقي بل ايقاعي فلا موجب لاختصاص الحكم المتكفل له هذه الخطابات

ص: 192

ثمرة خطابات المشافهة

فصل ربما قيل: إنه يظهر لعموم الخطابات الشفاهية للمعدومين ثمرتان:

الأولى حجية ظهور خطابات الكتاب لهم كالمشافهين.

و فيه: إنه مبني على اختصاص حجية الظواهر بالمقصودين بالإفهام، و قد حقق عدم الاختصاص بهم. و لو سلم، فاختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بذلك ممنوع، بل الظاهر أن الناس كلهم إلى يوم القيامة يكونون كذلك، و إن لم يعمهم الخطاب، كما يومئ إليه غير واحد من الاخبار (1).

______________________________

بالمشافهين، و الى هذا اشار بقوله: «و اما اذا قيل بانه المخاطب و الموجه اليه الكلام حقيقة وحيا او إلهاما فلا محيص الّا عن كون الاداة في مثله للخطاب الايقاعي و لو مجازا» أي حتى لو قلنا بانها موضوعة للخطاب الحقيقي فلا بد من ان تكون- بناء على كون المخاطب حقيقة فيها هو النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم وحده- مستعملة في الخطاب الايقاعي مجازا لما عرفت، و قد اشار الى انه بناء على الخطاب الايقاعي فالحكم المتضمن له الخطاب لا بد و ان يشمل المعدومين فضلا عن الغائبين بقوله: «و عليه لا مجال ... الى آخر كلامه».

(1) لقد ذكروا للنزاع المتقدم في اختصاص الخطابات بخصوص المشافهين و عدمه ثمرتين:

الاولى: انه اذا كانت العمومات حجة تعم المعدومين فيجوز لهم التمسك بظواهرها، بخلاف ما اذا قلنا باختصاصها بالمشافهين فانه لا يجوز للمعدومين التمسك بظواهرها.

و بعبارة اخرى: ان حجية الظواهر تختص بالمشافهين بناء على اختصاص العمومات بهم و تكون حجة في حقهم، و في غيرهم من المعدومين و الغائبين بناء على تعميم الخطابات لهم.

ص: 193

.....

______________________________

و نتيجة هذه الثمرة: انه بناء على تعميم الخطاب لغير المشافهين فالحكم يعمهم و الظاهر حجة في حقهم، و بناء على تخصيص الخطابات بخصوص المشافهين فلا محالة يكون الحكم مختصا بهم، و يثبت لغيرهم بدليل الاشتراك، و كون حجية الظاهر مختصة بالمشافهين ايضا فثمرته انه لا بد من الاقتصار في الحكم الثابت للمشافهين على القدر المتيقن فيه، و ذلك الثابت للقدر المتيقن هو الذي يثبت لغير المشافهين بدليل الاشتراك.

و اما بناء على عدم اختصاص حجية الظواهر بالمشافهين فلغير المشافهين عدم الاقتصار على القدر المتيقن و لهم توسعة حكم المشافهين فيثبت لهم الحكم الواسع بواسطة دليل الاشتراك.

و الى هذا اشار مجملا بقوله: «الاولى» من الثمرتين «حجية ظهور خطابات الكتاب لهم» أي الغائبين و المعدومين «كالمشافهين» بخلاف ما اذا كانت مختصة بالمشافهين فانه لا تكون حجة في سواهم.

و يردّه ما اشار اليه بقوله: «و فيه انه مبني ... الى آخره». و توضيحه: ان بين المخاطبين و المقصودين بالافهام عموم و خصوص من وجه، فربما يكون من توجه اليه الكلام مخاطبا و غير مقصود بالافهام كمخاطبة الرسوم و الديار المذكورة في الشعر فانها قطعا غير مقصودة بالافهام.

و ربما يكون المقصود بالافهام غير مخاطب و يكون ذلك من باب اياك اعني و اسمعي يا جارة، فانه في مثل ذلك المقصود بالافهام الجارة و هي غير مخاطبة لدلالة قوله اياك اعني لاختصاص الخطاب بغيرها و انما هي مقصودة بالافهام و قوله و اسمعي كناية عن ذلك.

و ربما يجتمعان كغالب الموارد التي يكون المخاطب فيها هو مقصود بالافهام.

و لا يخفى ان المشافهين في الخطابات الكتابية مقصودون بالافهام.

ص: 194

.....

______________________________

اذا عرفت هذه المقدمة- فاعلم انه سيأتي في مبحث الظواهر قيام بناء العقلاء على حجية الظواهر لغير المقصودين بالافهام، هذا اولا.

و ثانيا: انه قد ظهر مما ذكرنا عدم اختصاص المقصودين بالافهام بخصوص المشافهين، بل بينهما عموم من وجه فربما يكون المعدومون و الغائبون مقصودين بالافهام كالمشافهين فلو سلمنا اختصاص حجية الظواهر بخصوص المقصودين بالافهام فلا نسلم ان المعدومين و الغائبين غير مقصودين بالافهام.

و يدل على عدم اختصاص القصد بالافهام بخصوص المشافهين في ظواهر الكتاب الكريم امور:

الاول: كون القرآن معجزة الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلّم مستمرة من زمانه الى يوم البعث، و اعجازه انما هو بفهم ما تضمنه من الاعجاز في تركيبه و معانيه، و لو كان المشافهون به هم المقصودون بفهمه لا غير لما امكن ان يكون معجزة لغيرهم و لما صح لاحد من المتأخرين عن زمانه ان يقول هذا هو المعنى في الكتاب المقدس.

الثاني: احتجاج الناس سلفا عن سلف بعضهم على بعض، عقائد و اخلاقا و احكاما بالقرآن الكريم.

الثالث: ما ورد عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم- بان الناس كلهم سواء الموجودين في زمان الخطاب و الذين سيوجدون بعد ذلك مقصودون بالافهام في كلامه تعالى- هو خبر الثقلين المتواتر عند الفريقين عنه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في الامر بالتمسك بكتاب اللّه، فانه قال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: (اني مخلف فيكم الثقلين: كتاب اللّه، و عترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ابدا).

و ما ورد في الحديث الوارد عن الائمة الاطهار عليهم السّلام: من الامر في مورد التعارض بالعرض على كتاب اللّه، و ما ورد في الوضوء ان هذا و امثاله يعرف من كتاب اللّه، الى غير ذلك من الاخبار، و هذا صريح في كون المعدومين في زمان الخطاب مقصودين بالافهام، و الّا فكيف يمكن لهم التمسك به و كيف يكون الكتاب

ص: 195

الثانية: صحة التمسك بإطلاقات الخطابات القرآنية بناء على التعميم، لثبوت الاحكام لمن وجد و بلغ من المعدومين، و إن لم يكن متحدا مع المشافهين في الصنف، و عدم صحته على عدمه، لعدم كونها حينئذ متكفلة لاحكام غير المشافهين، فلا بد من إثبات اتحاده معهم في الصنف، حتى يحكم بالاشتراك مع المشافهين في الاحكام، و حيث لا دليل عليه حينئذ إلا الإجماع، و لا إجماع عليه إلا فيما اتحد الصنف، كما لا يخفى (1).

______________________________

هو الحكم الفصل للمتعارضين، و الى هذا اشار بقوله: «و لو سلم» أي و لو سلم اختصاص حجية الظواهر بالمقصودين بالافهام، و لكنا لا نسلم اختصاص المقصودين بالافهام بخصوص المشافهين، بل قصد الافهام يعمهم و المعدومين ايضا فضلا عن الغائبين، و لذا قال: «فاختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بذلك» أي بالافهام دون غيرهم «ممنوع» و اشار الى الدليل من الاخبار على ان قصد الافهام يعم المعدومين بقوله: «و الظاهر ان الناس كلهم الى يوم القيامة يكونون كذلك» أي مقصودين بالافهام كالمشافهين «و ان لم يعمهم الخطاب كما يومئ اليه غير واحد من الاخبار».

(1) هذه هي الثمرة الثانية التي ذكرت لاختصاص الخطابات بخصوص المشافهين:

و هي انه بناء على تعميم الخطابات القرآنية للمعدومين يصح تمسكهم بالاطلاق في كلامه تعالى، و بناء على اختصاصها بالمشافهين لا يصح للمعدومين التمسك بالاطلاق في كلامه تعالى.

و قبل توضيح ذلك لا بد من بيان الفرق بين هذه الثمرة، و الثمرة الاولى.

و حاصل ما ذكر من الفرق بينهما من جهتين:

الاولى: ان الثمرة الاولى هي اختصاص حجية الظواهر بالمشافهين بناء على اختصاص الخطابات بالمشافهين، و لذا اورد على هذه الثمرة: بان اختصاص حجية

ص: 196

.....

______________________________

الظواهر بالمشافهين ليس من لوازم اختصاص الخطابات بالمشافهين، و انما تختص حجية الظواهر بالمشافهين اذا قلنا بان حجية الظواهر مختصة بالمقصودين بالافهام و لا نقول بذلك، بل نقول ان الظاهر حجة و لو لغير المقصود بالافهام، مضافا الى انه لو قلنا بان الظاهر حجة لخصوص المقصود بالافهام فغير المشافه مقصود بالافهام في خطابات الكتاب و السنة.

و اما الثمرة الثانية فهي جواز التمسك بالاطلاق لاثبات الحكم لغير المشافهين فيما اذا لم يتحدوا بالصنف مع المشافهين.

فالثمرة الاولى هي خصوص كون الظواهر حجة لخصوص المشافهين ام لا؟ من دون نظر الى كون حكم المشافهين يشمل غير المشافهين، بخلافه في الثانية فانها في شمول الحكم لغير المشافهين و هو بدليل الاشتراك، فيختص بما اذا اتحد الصنف بناء على اختصاص الخطاب بالمشافهين، و بناء على عدم اختصاص الخطاب بالمشافهين يثبت الحكم لغير المشافهين بالاطلاق لا بدليل الاشتراك.

الجهة الثانية في الفرق بينهما: هي ان الثمرة الاولى من مقدمات الثمرة الثانية، لانه بعد اختصاص حجية الظواهر بالمشافهين فثبوت حكم المشافهين لغيرهم يحتاج الى دليل الاشتراك و الاتحاد في الصنف كما سيأتي بيانه في توضيح الثمرة الثانية.

و على كل فتوضيح هذه الثمرة الثانية: هو انه بناء على تعميم كلامه تعالى للمعدومين يصح لهم التمسك باطلاق كلامه تعالى في اثبات الحكم لهم او لغيرهم و ان كانوا مختلفين بالصنف مع المشافهين، و بناء على عدم عمومه للمعدومين و اختصاصه بالمشافهين لا يصح للمعدومين التمسك بالاطلاق اذا اختلفوا بالصنف مع المشافهين، و انما كانت هذه الثمرة لخصوص من اختلف بالصنف مع المشافهين لقيام دليل الاشتراك على اشتراك المعدومين مع المشافهين في الحكم، و انما لا يشمل دليل الاشتراك المختلف بالصنف مع المشافهين لان دليل الاشتراك هو الاجماع، و الاجماع دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن، و في غيره يكون مجملا لا مجال

ص: 197

.....

______________________________

للتمسك به مع الشك، و من الواضح تحقق الشك في الاشتراك مع المشافهين في حكمهم في غير المتحد معهم بالصنف.

فبناء على الاختصاص بالمشافهين فالمتكفل لثبوت الحكم للمعدومين هو دليل الاشتراك لا تمسكهم بالاطلاق، و حينئذ يشكل ثبوت الحكم للمعدومين اذا كانوا غير متحدي الصنف مع المشافهين.

اما بناء على صحة تمسك المعدومين باطلاقات كلامه- تعالى- فلا حاجة الى دليل الاشتراك لشمول احكام الكتاب للمعدومين بحسب اطلاقه.

و لا يخفى انه سيأتي التعرض منه لمرادهم من الصنف اللازم مراعاته في دليل الاشتراك، و الى ما ذكرنا اشار بقوله: «الثانية صحة التمسك باطلاقات الخطابات القرآنية بناء على التعميم» و هو كون كلامه تعالى مما يعم المعدومين و المشافهين «لثبوت الاحكام» المتضمن لها كلامه تعالى «لمن وجد و بلغ من المعدومين و ان لم يكن متحدا مع المشافهين في الصنف» من دون حاجة الى دليل الاشتراك اللازم فيه مراعاة الاتحاد في الصنف.

و بعبارة: انه اذا كان اطلاق كلامه تعالى يصح التمسك به للمعدومين فيثبت الحكم لهم بواسطة الاطلاق النافي لكل خصوصية توجب الشك التي منها احتمال اتحاد الصنف.

و اما بناء على اختصاص كلامه تعالى بالمشافهين و عدم عمومه للمعدومين فلا يصح للمعدومين التمسك بالاطلاق و نحتاج في ثبوت الحكم لهم الى دليل الاشتراك اللازم الاقتصار فيه على خصوص من اتحد بالصنف من المعدومين مع المشافهين، و الى هذا اشار بقوله: «و عدم صحته على عدمه» أي و عدم صحة التمسك بالاطلاق للمعدومين بناء على عدم التعميم و اختصاص كلامه تعالى بخصوص المشافهين «لعدم كونها حينئذ متكفلة لاحكام غير المشافهين» لانه انما يصح التمسك باطلاق الحكم لمن كان الحكم له، و بناء على اختصاصه بالمشافهين فلا يكون الحكم

ص: 198

و لا يذهب عليك أنه يمكن إثبات الاتحاد، و عدم دخل ما كان البالغ الآن فاقدا له مما كان المشافهون واجدين له، بإطلاق الخطاب إليهم من دون التقييد به (1)، و كونهم كذلك لا يوجب صحة الاطلاق، مع إرادة

______________________________

حكما للمعدومين حتى يصح لهم التمسك باطلاق الحكم، و حينئذ في شمول الحكم للمعدومين من التمسك بدليل الاشتراك، و حيث انه لا بد في دليل الاشتراك من الاتحاد في الصنف بين المشافهين و المعدومين فلا مجال لاثبات حكم المشافهين لغير المتحد بالصنف معهم، و الى هذا اشار بقوله: «فلا بد من اثبات اتحاده» أي اتحاد غير المشافهين «معهم» أي مع المشافهين «في الصنف حتى يحكم ب» دليل «الاشتراك مع المشافهين في الاحكام» و السبب في الاقتصار في الحكم على خصوص المتحدين في الصنف مع المشافهين، لان دليل الاشتراك انما ثبت بالاجماع و هو دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن، و الى هذا اشار بقوله: «حيث لا دليل عليه» أي على الاشتراك في الحكم «حينئذ» أي حين الالتزام بعدم التعميم و اختصاص كلامه بالمشافهين «الا الاجماع و لا اجماع عليه» أي على الاشتراك في الحكم «الا فيما اتحد الصنف» لتحقق الشك في عموم دليل الاشتراك لغير متحدي الصنف، و لا لسان للدليل اللبي على نفي هذا الشك حيث نحتمل دخالته.

(1) هذا شروع في الجواب عن هذه الثمرة الثانية، و انه يصح للمعدومين التمسك بالاطلاق و ان كان الخطاب مما لا يعمهم و يختص بالمشافهين. و توضيحه ببيان امور:

الاول: ما ثبت في الكلام في الثمرة الاولى من عدم اختصاص حجية الظواهر بخصوص المشافهين، لان المعدومين مقصودون بالافهام ايضا و لو قلنا بان المشافهين هم بالخصوص مقصودون بالافهام ايضا دون المعدومين، و لكنه مع ذلك بنى العقلاء على حجية الظواهر لغير المقصودين بالافهام، فان من سمع شخصا يخاطب شخصا في سبه فان من الواضح ان المقصود بالسب غير مقصود بالافهام غالبا، و لكنه مع ذلك للسامع ترتيب الاثر على الكلام المتضمن لسبه، و ضرورة بناء العقلاء على انه

ص: 199

.....

______________________________

للسامع ترتيب الاثر و انه ليس للمخاطب الاحتجاج على ترتيب الاثر على هذا الظاهر بدعوى ان السامع ليس بمقصود بالافهام.

و الحاصل: ان العقلاء بنوا على حجية الظاهر مطلقا غير مقيد بالمشافه و لا بالمقصود بالافهام.

الثاني: ان المشافهين لهم صفات تخصهم ككونهم ابناء لآباء مخصوصين و كونهم لهم اصوات و الوان و اشكال كطول و قصر، و مثل هذه الصفات لا موقع لاحتمال دخالتها في الاحكام المتضمنة لها الخطابات، و لهم صفات عامة ككونهم عقلاء و مكلفين و امثال هذه الصفات.

الثالث من الامور: ان المراد من الصنف الذي لا بد من الاتحاد فيه في عموم دليل الاشتراك هو الاتحاد في الصفات التي يحتمل عقلائيا ان لها دخالة في الحكم المختص بالمشافهين، و ليس المراد من الصنف هو الصنف المنطقي ككون الانسان عربيا او روميا او فارسيا او حجازيا او غير ذلك.

و بعد تمامية هذه الامور- يتضح الجواب عن هذه الثمرة، فان كون الخطاب مختصا بالمشافهين لا يمنع من تمسك المعدومين بالاطلاق لتوسعة الحكم الثابت للمشافهين حتى يثبت ذلك الحكم بسعته للمعدومين بدليل الاشتراك.

و حيث ان الامر الاول قد اتضح الحال فيه من الكلام في الثمرة الاولى لم يشر اليه المصنف، و اشار الى الامر الثاني بقوله: «و لا يذهب عليك انه يمكن اثبات الاتحاد و عدم دخل ما كان البالغ الآن فاقدا له» كالصفات الخاصة المختصة بذات المشافهين بما هي صفات لذواتهم الخاصة ككونهم أبناء لآباء مخصوصين و امثال هذه الصفات «مما كان المشافهون واجدين له» دون المعدومين، لبداهة عدم احتمال دخالة مثل هذه الصفات في الاحكام المتضمن لها الخطاب الموجه للمشافهين، و حيث لا دخالة لمثل هذه الصفات فللمعدومين التمسك «باطلاق الخطاب اليهم» أي الى

ص: 200

ما المراد بالاتحاد في الصنف؟

المقيد منه فيما يمكن أن يتطرق اليه الفقدان، و إن صح فيما لا يتطرق إليه ذلك (1). و ليس المراد بالاتحاد في الصنف إلا الاتحاد فيما اعتبر قيدا في

______________________________

المشافهين «من دون التقييد به» أي من دون التقييد بدخالة ما كان البالغ الآن فاقدا له مما كان المشافه واجدا له كصفات المشافه الخاصة بذاته.

(1) هذا جواب عن سؤال يمكن ان يورد، و حاصله: انه سيأتي في باب المطلق و المقيد ان الاطلاق انما يجري لنفي غير القدر المتيقن في مقام التخاطب، و اما القدر المتيقن في مقام التخاطب فيجوز اعتماد المتكلم عليه و يكون قيدا للموضوع و لا يصح نفيه بالاطلاق، و ما كان المشافه واجدا له في حال الخطاب مما كان غيره فاقدا له الآن هو من القدر المتيقن في مقام التخاطب و يحتمل اعتماد المتكلم على وجوده في حال الخطاب في تقييد ما هو الموضوع للحكم به، و لا ينفي هذا الاحتمال الاطلاق لما عرفت.

و الجواب عنه: ان الصفات الخاصة كالاصوات المخصوصة و الاشكال الخاصة مما يتطرق عليها التغير و الفقدان مما لا يصح ان تكون قدرا متيقنا يعتمد عليها لو كانت لها دخالة في تقييد الموضوع للحكم بها.

نعم يصح ان تكون من القدر المتيقن في مقام التخاطب الذي يجوز للمتكلم الاعتماد عليه في تقييد الموضوع به، و لا ينفيها الاطلاق هي الصفات التي لا يتطرق اليها التغير و الفقدان، فلو كان للمشافهين صفات خاصة مما لا يتطرق اليها الفقدان و احتمل دخالتها في تقييد موضوع الحكم بها لما صح نفيها بالاطلاق و جاز للمتكلم الاعتماد عليها، و لكن وجود مثل هذه الصفات التي لا يتطرق اليها التغيير و كانت يحتمل دخالتها هو من النادر الشاذ الذي يمكن ان نقول انها غير موجودة في الاحكام العامة المتضمن لها الخطاب المختص بالمشافهين.

فاتضح ان الصفات التي يتطرق اليها التغير ليست من القدر المتيقن فيصح نفيها بالاطلاق، و الى هذا اشار بقوله: «و كونهم كذلك» أي كون المشافهين واجدين

ص: 201

الاحكام، لا الاتحاد فيما كثر الاختلاف بحسبه، و التفاوت بسببه بين الانام (1)، بل في شخص واحد بمرور الدهور و الايام، و إلا لما ثبت

______________________________

لصفات خاصة مفقودة عند غيرهم و هي مما يتطرقها التغير و الفقدان و كانت دخيلة في الحكم لا يصح للمتكلم الاعتماد على وجودها في حال الخطاب لنفي الاطلاق لدخالتها، فيلزم منه نقض الغرض لدخولها في موضوع الحكم واقعا مع ان الاطلاق ينفيها، و هذا مراده من قوله: «لا يوجب صحة الاطلاق مع ارادة المقيد معه فيما يمكن ان يتطرق اليه الفقدان» أي في الصفات التي يتطرقها الفقدان لا يوجب صحة ان لا ينبه المتكلم على دخالتها و يطلق كلامه غير منبه على التقييد بالنسبة اليها، لانها ليست من القدر المتيقن فينفيها الاطلاق، فيلزم نقض الغرض لفرض دخالتها واقعا و عدم التنبيه من المتكلم على تقييد الموضوع بها.

نعم في الصفات التي لا يتطرق اليها الفقدان يصح الاعتماد و هي من القدر المتيقن في مقام التخاطب، و الى هذا اشار بقوله: «و ان صح فيما لا يتطرق اليه ذلك» أي و ان صح للمتكلم عدم التنبيه و اطلاق الكلام اعتمادا على الصفات الموجودة في زمان الخطاب و كان الموضوع مقيدا بها لانها من القدر المتيقن في مقام التخاطب، و هو مما يصح الاعتماد عليه و عدم تنبيه المتكلم على دخالته، إلّا أنّك قد عرفت ندرة تلك الصفات و شذوذها.

(1) هذا هو الامر الثالث.

و حاصله: ما عرفت ان مرادهم بالاتحاد في الصنف اللازم رعايته في دليل الاشتراك هو الاتحاد في الصفات التي يحتمل- احتمالا عقلائيا- دخالتها في الاحكام و هي الصفات التي لا يتطرق اليها الفقدان. اما ما يتطرق اليها الفقدان غالبا فلا يحتمل- عقلائيا- دخالتها في الحكم، و هذه الصفات هي التي يكثر فيها الاختلاف و يكون البالغ الآن بالنسبة اليها بالخصوص فاقدا لما كان المشافه واجدا له.

ص: 202

الحاجة الى التمسك باطلاق الخطاب

بقاعدة الاشتراك للغائبين- فضلا عن المعدومين- حكم من الاحكام.

و دليل الاشتراك إنما يجدي في عدم اختصاص التكاليف بأشخاص المشافهين، فيما لم يكونوا مختصين بخصوص عنوان، لو لم يكونوا معنونين به لشك في شمولها لهم أيضا، فلو لا الاطلاق و إثبات عدم دخل ذاك العنوان في الحكم، لما أفاد دليل الاشتراك، و معه كان الحكم يعم غير المشافهين و لو قيل باختصاص الخطابات بهم (1)، فتأمل جيدا.

______________________________

و اما الصفات التي لا يتطرق اليها الفقدان فدخالتها في الحكم و ان كان محتملا عقلائيا إلّا ان البالغ الآن واجد لها فيجوز لغير المشافه التمسك بالاطلاق بالنسبة اليها، و تعيين الحكم الذي هو للمشافه و ثبوته لغير المشافه بدليل الاشتراك، فلا يكون التمسك بالاطلاق و عدمه ثمرة النزاع المتقدم في عموم الخطاب للمشافهين و غيرهم و اختصاصه بخصوص المشافهين.

(1) هذا اشارة الى الدليل على عدم امكان احتمال دخالة الصفات التي يكثر الاختلاف فيها في كونها مما يتقيد الحكم بها.

و حاصله: انه لو كانت الصفات التي يكثر الاختلاف فيها دخيلة في الحكم لما أمكن ان يستمر الحكم بالنسبة الى شخص واحد، فان هذا الشخص الواجد كثيرا ما يكون واجدا لصفات في حال الخطاب تتغير بمرور الدهور و الايام، و لازمه انتفاء الحكم بالنسبة اليه فيما اذا تغيرت فيه صفة مما كانت فيه حال الخطاب لاحتمال دخالتها في الحكم ايضا، و اذا كان الحكم لا يمكن استمراره بالنسبة الى شخص واحد، فلا يمكن ان يثبت حكم المشافهين لغيرهم ابدا و تكون قاعدة الاشتراك لغوا محضا، اذا احتملنا دخالة الصفات التي يكثر فيها الاختلاف في موضوع الحكم، اذ لا يشذ حكم من الاحكام الثابتة للمشافهين عن احتمال دخالة صفات حاصلة للمشافهين دون غيرهم، فاي فائدة في قاعدة الاشتراك و اي حكم يثبت بها اذا كان الاتحاد في الصنف مما يشمل الصفات التي يكثر فيها الاختلاف، و الاتحاد في الصنف

ص: 203

.....

______________________________

مما يلزم رعايته في تسرية دليل الاشتراك حكم المشافهين لغيرهم من الغائبين فضلا عن المعدومين، و الى هذا اشار بقوله: «و إلّا لما ثبت بقاعدة الاشتراك للغائبين فضلا عن المعدومين حكم من الاحكام».

و اتضح مما ذكرنا: ان الفائدة في دليل الاشتراك انما تكون حيث لا يكون للصفات التي تكثر فيها الاختلاف دخالة بتقييد موضوع الحكم بها و لذا قال (قدس سره):

«و دليل الاشتراك انما يجدي» في تسرية الحكم لغير المشافهين بواسطتها و «في عدم اختصاص التكاليف باشخاص المشافهين» انما هو «فيما لم يكونوا» أي المشافهون «مختصين بخصوص عنوان» يكثر الاختلاف فيه و قد احتمل دخالته في قيديته للحكم، فانه في مثل هذا لا يجدي دليل الاشتراك، و كذلك لا يجدي دليل الاشتراك فيما لو كان مثل هذا العنوان الذي يكثر فيه الاختلاف قد عنون به المشافهون، ففي مثله لا تجدي قاعدة الاشتراك لتقييد موضوع الحكم بعنوان غير موجود في غير المشافهين، و في مثل هذين لا يستمر الحكم بالنسبة الى نفس المشافهين ايضا لكثرة حصول التغيير في مثل تلك الصفات، مثلا لو خاطب المشافهين بمثل ايها الشباب و احتملنا دخالة عنوان الشبابية في الحكم لما امكن ثبوت الحكم مستمرا لنفس المشافهين فيما لو كانوا كهولا او شيوخا و الى هذا اشار بقوله: «او لم يكونوا معنونين به للشك في شمولها لهم ايضا» أي انما يجدي دليل الاشتراك في غير ما كان المشافهون معنونين بعنوان يكثر الاختلاف فيه، فانه في مثله لا يستمر الحكم لخصوص المشافهين فيما اذا تغير ذلك العنوان فضلا عن غيرهم من الغائبين و المعدومين الفاقدين لذلك العنوان، فلا بد من ان يكون مثل هذه العناوين التي يكثر فيها الاختلاف ليست قيدا في موضوع الحكم و تنفى بالاطلاق، و إلّا لما افاد دليل الاشتراك و لما نفع في اثبات حكم المشافهين لغيرهم، و لذا قال: «فلو لا الاطلاق و اثبات عدم دخل ذلك العنوان» الذي يكثر فيه الاختلاف في الحكم و نفيه بواسطة الاطلاق «لما افاد دليل الاشتراك» و اذا لم يكن للصفات التي يكثر فيها الاختلاف

ص: 204

فتلخص: أنه لا يكاد تظهر الثمرة إلا على القول باختصاص حجية الظواهر لمن قصد إفهامه، مع كون غير المشافهين غير مقصودين بالافهام، و قد حقق عدم الاختصاص به في غير المقام، و اشير إلى منع كونهم غير مقصودين به في خطاباته تبارك و تعالى في المقام (1).

______________________________

دخالة في الحكم سواء احتملنا دخالتها و لم تكن عنوانا للمشافهين او كانت عنوانا للمشافهين كمثل عنوان الشباب مثلا، و لكن حيث يكثر الاختلاف فيه فلا يصح الاعتماد في مقام التكلم عليه فينفيه الاطلاق و لا يكون له دخالة في الحكم، و تبقى الصفات التي لا يتطرق اليها تغير او فقدان غالبا في احتمال الدخالة في الحكم، و هي موجودة في المعدومين و الغائبين فيثبت الحكم لهم بواسطة دليل الاشتراك و لا فائدة و لا ثمرة في القول باختصاص الخطاب بالمشافهين، و الى هذا اشار بقوله: «و معه» أي و مع دخالة تلك الصفات التي يكثر فيها الاختلاف و يتطرق اليها الفقدان في قيدية موضوعية الحكم «كان الحكم» الثابت للمشافهين يعم غير المشافهين «و لو قيل باختصاص الخطابات بهم» أي بالمشافهين.

(1) قد عرفت ان من جملة مقدمات انكار الثمرة الثانية هو انكار الثمرة الاولى و كون الظواهر ليست حجة في خصوص المشافهين، اما بناء على اختصاص حجية الظواهر بالمشافهين بان نقول: باختصاص حجيتها بمن قصد افهامه، و اختصاص من قصد افهامه بخصوص المشافهين ايضا، فانه على هذا تترتب الثمرة الثانية لعدم صحة التمسك بالاطلاق على هذا للغائبين فضلا عن المعدومين، لوضوح عدم صحة التمسك بالاطلاق ممن لم يكن الظاهر حجة له.

و منه يتضح ايضا انه بناء على هذا تترتب الثمرة الاولى ايضا، و هو اختصاص حجية الظواهر بخصوص المشافهين بناء على تخصيص الخطابات بهم و عدم حجية الظواهر لغيرهم من المعدومين و الغائبين.

ص: 205

تعقب العام بضمير يرجع الى بعض افراده

فصل هل تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده، يوجب تخصيصه به أو لا؟ فيه خلاف بين الاعلام (1) و ليكن محل الخلاف ما إذا وقعا في

______________________________

اما بناء على تعميم الخطابات للمشافهين و غيرهم فلا تترتب الثمرة الاولى و لا الثانية، و هذا التلخيص اشارة الى ذلك، و لذا قال: «فتلخص انه لا تكاد تظهر الثمرة» مطلقا لا الاولى و لا الثانية «الا على القول باختصاص حجية الظواهر لمن قصد افهامه مع كون غير المشافهين غير مقصودين بالافهام» إلّا انه قد عرفت بناء العقلاء على عدم اختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه، لما عرفت من حجية الظاهر و ترتب آثار السب لمن سمع شخصا يخاطب شخصا في سبه.

و على فرض اختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه فقد عرفت عدم اختصاص من قصد افهامه بخصوص المشافهين.

و اشار الى عدم اختصاص حجية الظاهر بالمقصودين بالافهام بقوله: «و قد حقق عدم الاختصاص به» أي بالمقصودين بالافهام «في غير المقام» أي في باب حجية الظواهر. و اشار الى انه بناء على اختصاص حجية الظاهر بمن قصد افهامه فليس قصد الافهام مما يختص بالمشافهين بقوله: «و اشير الى منع كونهم» أي المعدومين و الغائبين «غير مقصودين به» أي غير مقصودين بالافهام «في خطاباته تبارك و تعالى في المقام» و هو ما اشار اليه سابقا من ورود النصوص في كون المعدومين و الغائبين مقصودين بالافهام كالمشافهين كخبر لزوم العرض على كتاب اللّه في المتعارضين و غيره من النصوص التي تقدمت الاشارة اليها.

(1) توضيحه: انه وقع الخلاف فيما اذا كان عام و له حكم كقوله تعالى وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ 13] فالعام المطلقات الشامل بحسب عمومه الى البائنات

ص: 206

كلامين، أو في كلام واحد مع استقلال العام بما حكم عليه في الكلام، كما في قوله تبارك و تعالى: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ إلى قوله وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ و أما ما إذا كان مثل: و المطلقات ازواجهن احق بردهن، فلا شبهة في تخصيصه به (1).

______________________________

و الرجعيات و جاء خاص فيه ضمير يرجع الى هذا العام كقوله تعالى وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ فانه لا اشكال ان البعولة التي ثبت لها حكم الاحقية بالرد هم بعولة المطلقات الرجعيات دون مطلق المطلقات، فان بعولة المطلقات البائنات ليس لهم حق الردّ لازواجهم المطلقات- فاتضح ان الضمير في هذا الخاص و هو ضمير البعولة يرجع الى بعض افراد العام و هو خصوص الرجعيات منهن، فممّا لا اشكال فيه ان ضمير بعولتهن يراد منه بعض افراد العام.

فهل يوجب هذا ان يكون المراد من العام في حكمه و هو التربص هو خصوص الرجعيات فلا يكون تربص للبائنات او ان العام يبقى على عمومه في حكمه و هو ثبوت التربص لمطلق المطلقات؟

و هذا هو مرادهم من قولهم هل تعقب العام بضمير يرجع ذلك الضمير الى بعض افراد ذلك العام يوجب تخصيص العام في حكمه فيختص حكمه و هو التربص بخصوص الافراد التي هي مرجع الضمير- و هي الرجعيات- ام لا يوجب تخصيصه و يبقى حكم العام و هو التربص ثابتا لمطلق المطلقات الرجعيات و البائنات؟ و لذا قال (قدس سره): «هل تعقب العام بضمير» مثل ضمير بعولتهن الذي «يرجع الى بعض افراده» و هو خصوص الرجعيات «يوجب تخصيصه به» أي هل يوجب ان يكون المراد من العام الذي له حكم التربص هو خصوص الرجعيات «او لا» يوجب تخصيصه و يبقى حكم التربص لمطلق المطلقات؟

(1) حاصله: ان الضمير الراجع الى العام الذي قد قامت القرينة على رجوعه اليه ببعض افراده، تارة: يكون في كلام واحد بحيث لا يكون العام قد استوفى ظهوره

ص: 207

.....

______________________________

بحسب ظاهر العرف، بان يقال لم يتم الكلام في العام، كما لو قال: وجبت الجنة لاصحاب رسول اللّه و متابعيهم، و نفرض انه قد قامت القرينة على ان المراد من المتابعين هم خصوص العدول، فالمراد من الضمير هم العدول منهم قطعا، او قال اكرم العلماء و واحدا من جيرانهم، و قد قامت القرينة الخاصة على ان المراد من الجيران هم العدول بالخصوص، او كما مثل المصنف و المطلقات ازواجهن احق بردهن، فان المراد من ازواجهن هم خصوص ازواج المطلقات الرجعيات دون مطلق المطلقات.

و اخرى: يرد الضمير الراجع الى العام ببعض افراده في كلام منفصل بعد الكلام الاول، بحيث يكون هناك كلامان كلام فيه العام يكون قد تم ظهوره ثم ينقطع كلام المتكلم، و بعد ذلك يتكلم المتكلم و يذكر الخاص الذي فيه الضمير، كما لو قال:

اكرم العلماء و يسكت المتكلم فيستوفي ظهوره في حجية اكرام مطلق العلماء، و بعد ذلك يتكلم و يقول اكرم واحدا من جيرانهم، و تقوم القرينة الخاصة على ان المراد من الجيران الّذين يجب اكرام واحد منهم هم خصوص العدول.

و ثالثة: يرد الضمير الراجع الى العام ببعض افراده في كلام واحد، و لكنه يكون بحسب المتفاهم العام قد استوفى ما له من حجية الظهور، و يكون الخاص الذي فيه الضمير بالنسبة الى العام كالكلام المنفصل.

فاذا عرفت هذا نقول: انه لا ينبغي ان يكون محل الخلاف هو النحو الاول، لوضوح انه فيه لم يكن للعام حكم غير حكم الخاص حتى يكون رجوع الضمير ببعض افراده موجبا لتخصيصه، فان قوله: و المطلقات ازواجهن احق بردهن لم يكن في هذا حكم للمطلقات غير جواز الرّد، فاذا قامت القرينة على ان المراد هو خصوص ازواج الرجعيات فلا بد و ان يكون المراد من المطلقات خصوص الرجعيات ايضا، و بقاء المطلقات على عمومه لغو لا فائدة فيه حيث لا حكم له فما الفائدة في كونه عاما او ليس بعام؟

ص: 208

و التحقيق أن يقال: إنه حيث دار الامر بين التصرف في العام، بإرادة خصوص ما أريد من الضمير الراجع إليه، أو التصرف في ناحية الضمير: إما بإرجاعه إلى بعض ما هو المراد من مرجعه، أو إلى تمامه مع التوسع في الاسناد، بإسناد الحكم المسند إلى البعض حقيقة إلى الكل توسعا و تجوزا (1)، كانت أصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها في

______________________________

و اما النحو الثاني و الثالث فهو الذي ينبغي ان يكون محلا للكلام لانه فيهما قد كان للعام حكم قد استوفى حجية ظهوره فيه فهل يوجب مرجع الضمير اليه ببعض افراده تخصيصا للعام في حكمه ام لا؟ و الى هذا اشار بقوله: «و ليكن محل الخلاف ما اذا وقعا» أي العام و الخاص المشتمل على الضمير «في كلامين او في كلام واحد» و لكن «مع استقلال العام بما حكم عليه في الكلام» بحيث يكون مستوفيا لحجية ظهوره في حكمه الشامل لجميع افراده بحسب قانون المتفاهم العرفي «كما في» الآية الواحدة في القرآن الكريم التي ربما تكون مشتمله على جمل متعددة ذات احكام كثيرة مثل «قوله تبارك و تعالى وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ .. الى قوله وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ ثم اشار الى خروج النحو الاول بقوله: «و اما ما اذا كان مثل و المطلقات ازواجهن احق بردهن فلا شبهة في تخصيصه به» أي فلا شبهة في ان المراد بالعام في هذا الحكم هو الخاص و هو خصوص المطلقات الرجعيات.

(1) حاصله: انه يدور الامر بين تصرفين: التصرف في العام، و التصرف في الخاص، فان العام بعد ان استوفى ما له من حجية الظهور يكون الظهور فيه ان التربص لمطلق المطلقات الرجعيات و البائنات، و الظاهر من الضمير ان مرجعه نفس عنوان العام و هو المطلقات، فإبقاء الضمير على حاله من دون تصرف فيه لازمه ان يكون المراد المطلقات هو خصوص الرجعيات، فلازمه تخصيص العام ببعض افراده و ذلك لقيام القرينة القطعية على ان الحكم لهذا الضمير يختص بخصوص الرجعيات، فالمراد من قوله تعالى هن في بعولتهن هو خصوص المطلقات الرجعيات، فاذا كان العام الذي

ص: 209

جانب الضمير، و ذلك لان المتيقن من بناء العقلاء هو اتباع الظهور في تعيين المراد، لا في تعيين كيفية الاستعمال، و إنه على نحو الحقيقة أو المجاز في الكلمة أو الاسناد مع القطع بما يراد، كما هو الحال في ناحية الضمير.

______________________________

هو المطلقات قد خصص بالرجعيات فلا يكون تصرف في الضمير، لان مرجعه و الموضوع لحكم الخاص يكون واحدا و هو المطلقات الرجعيات، و اذا ابقينا العام على عمومه و كان التربص حكما لمطلق المطلقات الرجعيات و البائنات فلا بد من التصرف في ضمير بعولتهن الذي كان ظاهره ان مرجعه المطلقات:

اما بان يكون راجعا اليها بنحو الاستخدام الذي يكون المراد من الضمير الاستخدامي غير المراد من مرجعه و هو مجاز من المجاز في الكلمة، للزوم التصرف في المرجع بحمله على خلاف ظاهره من حيث هو مرجع للضمير، فيراد من المطلقات بما هي مرجع للضمير غير ما يراد منها بحسب الحكم عليها في التربص.

او بان يكون المراد من الضمير هو المطلقات بما لها من مفهومها العام بادعاء انها هي خصوص الرجعيات، و هذا من المجاز ايضا و لكنه في الاسناد لا في الكلمة، و الى هذا اشار بقوله: «حيث دار الامر بين التصرف في العام بارادة خصوص ما اريد من الضمير الراجع اليه» فيكون تصرفا في العام في تخصيصه ببعض افراده و هو الرجعيات، و هو خلاف الظاهر اذ الظاهر فيه ان المطلقات مما يشمل الرجعيات و البائنات، و على هذا فلا تصرف في الضمير لان ما اريد منه و ما اريد من مرجعه واحد «او التصرف في ناحية الضمير اما بارجاعه الى بعض ما هو المراد من مرجعه» بنحو الاستخدام و هو من المجاز في الكلمة «او الى تمامه مع التوسع في الاسناد باسناد الحكم المسند الى البعض حقيقة الى الكل توسعا و تجوزا» و هو من المجاز في الاسناد.

ص: 210

ترجيح أصالة العموم على أصالة عدم الاستخدام

و بالجملة: أصالة الظهور إنما يكون حجة فيما إذا شك فيما أريد، لا فيما إذا شك في أنه كيف اريد (1)،

______________________________

(1) بعد ما عرفت انه يدور الامر بين التصرف في العام او التصرف في الضمير، و التحقيق يقتضي عدم التصرف في العام و التصرف في الضمير، لان التصرف الذي بنى العقلاء عليه هو التصرف في الاستعمال لان يكون محددا للكشف عن الارادة الجدّية، و حيث ان المراد الجدي في الضمير معلوم لقيام القرينة على ان المراد الجدي من الضمير هو خصوص المطلقات الرجعيات و لم تقم القرينة على ما هو المراد الجدي من العام، فظهور العام في بقائه على عمومه الاستعمالي من موارد بناء العقلاء على الاخذ به لانه يكشف عن المراد الجدي، بخلاف ظهور الضمير في كون أن المراد منه و مرجعه واحد بعد وضوح ما هو المراد من الضمير، فليس للعقلاء بناء على عدم التصرف فيه لانه ليس للعقلاء بناء على احراز الاستعمال، فانه من الواضح ان عدم التصرف في الضمير لا فائدة فيه سوى بيان كيفية الاستعمال بعد قيام القرينة على ما هو المراد منه.

و بعبارة اخرى: ان البناءات العقلائية انما هي لاحراز المراد لا لاحراز الاستعمال، و التصرف في العام لحفظ الظهور في الضمير نتيجته ان الضمير يكون استعماله استعمالا حقيقيا لعدم الشك فيما هو المراد منه، بخلاف التصرف في الضمير و ابقاء العام على ظهوره في العموم فان نتيجته استكشاف المراد الجدي و هو بقاء العام على عمومه في الحكم المترتب عليه، و فائدته كون المراد الجدي بالتربص هو كونه حكما لمطلق المطلقات، و قد عرفت ان الحكم في الضمير معلوم و هو لخصوص الرجعيات، فلا فائدة فيه سوى احراز ان الضمير كيف كان استعماله؟

و الى هذا اشار بقوله: «كانت اصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها في جانب الضمير» أي ان اصالة الظهور في العام سالمة عن اصالة الظهور في الضمير، و معناه ان اصالة الظهور في العام سالمة و غير معارضة باصالة الظهور في الضمير، و لا تصلح

ص: 211

فافهم (1)، لكنه إذا انعقد للكلام ظهور في العموم، بأن لا يعد ما اشتمل على الضمير مما يكتنف به عرفا، و إلا فيحكم عليه بالاجمال، و يرجع

______________________________

اصالة الظهور في الضمير لمعارضة اصالة الظهور في العام «و ذلك لان المتيقن من بناء العقلاء هو اتباع الظهور في تعيين المراد» و هو المتحقق في اصالة ظهور العام في عمومه لانه به يستكشف المراد الجدي من العام، و ليس للعقلاء بناء على اصالة الظهور لتعيين الاستعمال في الالفاظ، و لذا قال: «لا في تعيين كيفية الاستعمال و انه على نحو الحقيقة او المجاز في الكلمة او الاسناد مع القطع بما يراد كما هو الحال في ناحية الضمير» فان نتيجة اصالة الظهور فيه بعد العلم بالمراد هو تعيين كيفية الاستعمال، و لا بناء للعقلاء على الاخذ باصالة الظهور لبيان كيفية الاستعمال، و لذا قال: «و بالجملة اصالة الظهور انما تكون حجة» عند العقلاء بحيث لو اخذ بها «فيما اذا شك فيما اريد» ليكون الاخذ باصالة الظهور لتعيين المراد «لا فيما اذا» عرف المراد و «شك في انه كيف اريد».

(1) يمكن ان يكون اشارة الى انه لا وقع لهذا النزاع من رأس، لان هنا عامين لكل واحد حكم و قد خصص احدهما، غايته ان العام الذي هو الموضوع في القضيتين واحد، و كونه واحدا لا يجعل القضيتين قضية واحدة، و التخصيص لا يوجب تصرفا في مقام الارادة الاستعمالية و انما يوجب تصرفا في الارادة الجدية و يبقى العام على عمومه في مقام الاستعمال فلا يدور الامر بين تصرفين.

و توضيحه: ان لفظ المطلقات بعد ان كان موضوعا في حكم التربص فهو غير المطلقات الذي كان موضوعا في حكم جواز الرد لاختلاف القضايا و لو باختلاف احد اطرافها، فهما قضيتان في كل منهما الموضوع هو المطلقات، و في الاولى الحكم وجوب التربص، و في الثانية الحكم جواز الرد.

فالظاهر من الضمير في قوله بعولتهن هو المطلقات، و القرينة غايتها انها قامت على ان الحكم في بعولتهن يختص بالرجعيات، فهو كتخصيص لهذا العام الثاني

ص: 212

إلى ما يقتضيه الاصول (1)، إلا أن يقال باعتبار اصالة الحقيقة تعبدا،

______________________________

الذي كان ظاهره ثبوت حق الرّد لمطلق المطلقات. و قد عرفت ان التخصيص في كون حكم الرد في قوله و بعولتهن بخصوص الرجعيات لا يستلزم استعمال المطلقات الموضوع في حكم التربص في خصوص الرجعيات، بل هو مستعمل في مطلق المطلقات و قد قامت القرينة على تخصيص الحكم الثاني للمطلقات التي هي المرجع للضمير في بعولتهن في الرجعيات، و لا يلزم من استعمال الضمير في بعولتهن في خصوص بعض المطلقات و هي الرجعيات ان يكون المطلقات في حكم التربص هي الرجعيات، فيكون حال ما اذا قال اعط العلماء دراهم ثم قال اعط العلماء طعاما، فخصص العلماء في الحكم الثاني بخصوص العدول فيختص الاطعام بالعدول منهم، و لا يستلزم تخصيص العلماء الذي هو الموضوع في اعطاء الدراهم بالعدول و هو واضح.

(1) حاصله: قد عرفت انه لا فرق في النزاع بين كون العام و الضمير في كلامين مستقلين او في كلام واحد، و لكنه بشرط ان يكون بحسب المتفاهم العرفي كون العام بحيث قد استكمل ظهوره و حجيته، اما لو كان الضمير الوارد مع العام في كلام واحد مما يجعل العام غير متيقن في استكمال حجية الظهور فيه عرفا بحيث يعد الضمير الوارد مع العام من قبيل احتفاف الكلام بمحتمل القرينيّة- و سيأتي انه لا بناء من العقلاء على الاخذ بظهور الكلام المحتف بمحتمل القرينية- و على هذا فيكون العام في عمومه مجملا، اما الخاص فلمعلومية المراد منه لا اجمال فيه و يرجع بالنسبة الى العام في غير القدر المتيقن الى الاصول العملية، ففي مثل الآية المتقدمة اذا كان ضمير بعولتهن بالنسبة الى المطلقات من قبيل احتفاف الكلام بمحتمل القرينيّة فيقتصر بوجوب التربص على خصوص الرجعيات، و يرجع في البائنات الى ما تقتضيه الاصول العملية، و الى هذا اشار بقوله: «لكنه اذا عقد للكلام ظهور في العموم» بحيث يكون كالظهور الاستقلالي «بان لا يعد ما اشتمل على الضمير مما يكتنف به

ص: 213

حتى فيما إذا احتف بالكلام ما لا يكون ظاهرا معه في معناه الحقيقي (1)

______________________________

عرفا و إلّا فيحكم عليه بالاجمال» أي اذا كان العام من الكلام المحتف بمحتمل القرينيّة من جهة احتفافه بالضمير فانه يكون مجملا و يقتصر فيه على القدر المتيقن، «و» في غير القدر المتيقن «يرجع الى ما يقتضيه الاصول».

(1) سيأتي الكلام فيه- في بابه ان شاء اللّه تعالى- في ان اصالة الحقيقة عند العقلاء هل هي من باب التعبد او من باب الظهور؟ و معناه انه هل ان بناء العقلاء على الاخذ بالحقيقة من باب انه حيث كان اللفظ قد وضع للمعنى الحقيقي فالعقلاء بناؤهم على التمسك و العمل بالمعنى الحقيقي للفظ الى ان تثبت القرينة على خلافه، او ان بناء العقلاء على حمل اللفظ على معناه الحقيقي و الاخذ به من حيث ان للفظ الموضوع للمعنى الحقيقي ظهورا في معناه الحقيقي.

فعلى الاول: و هو المراد بقولهم اصالة الحقيقة من باب التعبد، فاحتفاف الكلام بمحتمل القرينية لا يوجب رفع اليد عن حمل اللفظ على معناه الحقيقي، لان المفروض ان الكلام قد احتف بمحتمل القرينية لا بمقطوع القرينيّة.

و على الثاني فلا بد من التوقف عن حمل اللفظ على معناه الحقيقي، لضرورة الوجدان بان الكلام المحتف بمحتمل القرينية لا ظهور له و سيأتي ان الحق هو البناء على اصالة الحقيقة من باب الظهور لا من باب التعبد.

و الى هذا اشار بقوله: «إلّا ان يقال باعتبار اصالة الحقيقة من باب التعبد» بان يحمل اللفظ على معناه الحقيقي و ان كان لا ظهور له فيه فتكون اصالة الحقيقة عند العقلاء هي بناؤهم على التعبد بها و ان كان لا ظهور، و لذا قال: «حتى فيما اذا احتف بالكلام ما لا يكون» الكلام «ظاهرا معه في معناه الحقيقي» و هو كاحتفاف الكلام بمحتمل القرينية فانه مع هذا لا يكون للفظ ظهور.

ص: 214

كما عن بعض الفحول (1).

التخصيص بالمفهوم المخالف

فصل قد اختلفوا في جواز التخصيص بالمفهوم المخالف، مع الاتفاق على الجواز بالمفهوم الموافق، على قولين، و قد استدل لكل منهما بما لا يخلو عن قصور (1).

______________________________

(1) هو المحقق صاحب الهداية الحاشية الجليلة على المعالم، و المنسوب له القول بحجية اصالة الحقيقة من باب التعبد، و هو الذي عناه المصنف بقوله: «بعض الفحول».

(1) المفهوم اما موافق كقوله اكرم خدام العلماء فانه يدل عقلا بالاولوية القطعية على اكرام نفس العلماء، او مخالف كقوله ان بلغ الماء قدر كرّ لم ينجسه شي ء فانه يدل على ان الماء الذي لم يبلغ كرّا ينجسه شي ء.

و قد اتفقوا على جواز تخصيص العام بالمفهوم الموافق كما لو قال: لا تكرم البصريين ثم قال اكرم خدام علماء البصريين، فانه يدل على تخصيص لا تكرم البصريين بغير العلماء منهم، هذا هو موضع الوفاق عندهم.

و اما تخصيص العام بالمفهوم المخالف فقد اختلفوا فيه كما لو قال: خلق اللّه الماء طهورا لم ينجسه شي ء ما لم يتغير طعمه او ريحه او لونه، ثم قال اذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شي ء.

فهل يؤخذ بالمفهوم في هذه القضية و هو تنجس الماء غير الكر فيخصص به خلق اللّه الماء طهورا لم ينجسه شي ء، فيحكم بتنجس الماء غير الكر و ان لم يتغيّر طعمه او ريحه او لونه، او لا يؤخذ به فلا يخصص العام به؟

و لعل السبب في اتفاقهم على التخصيص في المفهوم الموافق و الاختلاف في المفهوم المخالف هو ان الدلالة في المفهوم المخالف على المفهوم انما هي لاستفادة العليّة المنحصرة من الدلالة المنطوقية، فالملازمة التي تدل على المفهوم مستفادة من الدلالة

ص: 215

و تحقيق المقام أنه إذا ورد العام و ما له المفهوم في كلام أو كلامين، و لكن على نحو يصلح أن يكون كل منهما قرينة متصلة للتصرف في الآخر (1)، و دار الامر بين تخصيص العموم أو إلغاء المفهوم، فالدلالة

______________________________

اللفظية، بخلاف الملازمة في مفهوم الموافقة فانها مستفادة من العقل، باضافة ان عدم المفهوم في القضية لازمه التصرف و التفكيك بين الملزوم و اللازم، و حيث ان الملازمة في مفهوم الموافقة عقلية فلا سبيل الى التفكيك فيه بين اللازم و الملزوم. و اما في المفهوم المخالف فلان الملازمة فيه عرفية دلالية فهناك مجال للتصرف و التفكيك برفع اليد عن الدلالة على العلية المنحصرة، و يظهر من المطولات وجوه اخرى للاتفاق و الاختلاف.

و على كل فقد اختلفوا في تخصيص العام بالمفهوم المخالف على قولين: من تخصيص العام به، و عدم تخصيصه به.

قوله: «على قولين» هذا من متعلقات قوله قد اختلفوا و هو المفهوم المخالف، لوضوح انه بعد الاتفاق في المفهوم الموافق لا معنى لوجود القولين فيه.

(1) توضيحه: ان العام و ما له المفهوم المخالف، تارة: يكونان في كلامين منفصلين لا ربط بينهما و لا اتصال، و في مثل هذا تلاحظ المعارضة و شئونها و ينبغي خروج هذا عن محل النزاع لما سيتضح.

و اخرى: يقع العام و ما له المفهوم المخالف في كلام واحد او في كلامين، كما لو كانا جملا في آية واحدة و لكنه كان بينهما ربط و اتصال بحيث كانا كما لو وقعا في كلام واحد، بان يكون في احدهما اشارة الى الربط.

و هذا هو الذي ينبغي ان يكون محلا للكلام في الاخذ بعموم العام او الاخذ بالمفهوم و تخصيص العام به، لوضوح ان صلاحية كون احدهما قرينة على الآخر انما هو في مثل هذين الفرضين لا في الفرض الاول، اذ لا معنى لصلاحية كون احدهما قرينة على الاخرى مع فرض كون كل واحد منهما قد استوفى ما له من الظهور

ص: 216

على كل منهما إن كانت بالاطلاق بمعونة مقدمات الحكمة، أو بالوضع (1)، فلا يكون هناك عموم و لا مفهوم، لعدم تمامية مقدمات الحكمة في واحد منهما لاجل المزاحمة، كما في مزاحمة ظهور أحدهما وضعا لظهور الآخر كذلك، فلا بد من العمل بالاصول العملية فيما دار الامر فيه بين العموم و المفهوم (2)، إذا لم يكن مع

______________________________

و الحجية مع عدم الربط بينهما، و الى هذا اشار بقوله: «او كلامين و لكن على نحو يصلح ان يكون كل منهما قرينة متصلة للتصرف في الآخر» و من هذا يظهر انه اذا لم يكونا كذلك فلا وجه لجعله من محل الكلام.

(1) حاصله: ان دلالة العام و دلالة المفهوم، تارة: تكون متساوية بان يكون دلالة كل منهما بالاطلاق كما في العموم المستفاد من قوله خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء، و في المفهوم كما لو قلنا ان لا دلالة لحرف الشرط على العلية المنحصرة، و انما تستفاد من مقدمات الحكمة.

او بأن تكون دلالة كل منهما بالوضع كما لو دل العموم بما وضع للدلالة على العموم كلفظ (كل) و في المفهوم كما لو قلنا بدلالة حرف الشرط وضعا على العلية المنحصرة، فاذا كانا كذلك و كانا قد وقعا في كلام واحد أو في كلامين و كان بينهما ربط بحيث يعد كل منهما كقرينة على الآخر، و الى هذا اشار بقوله: «فالدلالة على كل منهما ان كانت بالاطلاق بمعونة مقدمات الحكمة او بالوضع» فيتساويان في الدلالة المستفادة منهما.

(2) اما اذا كانت الدلالة في كل واحد منهما بالاطلاق فلصلاحية كل واحد منهما ان يكون قرينة على عدم الاطلاق في الآخر فلا يتم الاطلاق في كل واحد منهما، لتوقف الاطلاق على احراز انتفاء القرينة على خلافه، و حيث احتف كل واحد منها بالآخر فقد احتف اطلاق الكلام في كل منهما بما يصلح ان يكون قرينة على عدم الاطلاق فيه و لم يحرز في كل منهما احراز انتفاء القرينة على خلافه.

ص: 217

ذلك أحدهما أظهر، و إلا كان مانعا عن انعقاد الظهور، أو استقراره في الآخر (1).

______________________________

و اما في الدلالة الوضعية بان يكون كل واحد من العموم و المفهوم بالوضع، فانه و ان كان لكل واحد منهما ظهور في مدلوله لفرض كونه بالوضع، إلّا انه لاحتفاف الكلام في كل منهما بما يصلح للقرينية على عدم ارادة مدلولة الوضعي تسقط حجية الظهور في كل منهما، لما تقدم مرارا انه مع احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية ليس للعقلاء بناء على حجية الظهور، و ان بناء العقلاء على حجية الظهور انما هو فيما لا يكون الكلام محتفا بما يصلح للقرينية على خلافه، فيكون الاطلاق و الظهور في كل واحد منهما مزاحما بالاطلاق في الآخر أو بالظهور فيه، و الى هذا اشار بقوله:

«فلا يكون هناك عموم و لا مفهوم لعدم تمامية مقدمات الحكمة في احد منهما لاجل المزاحمة» فيما يتم به الاطلاق «كما في» الوضع لاجل «مزاحمة ظهور احدهما وضعا لظهور الآخر كذلك» أي وضعا ايضا و في المورد الذي يتزاحمان فيه لا بد من الرجوع فيه الى الاصول العملية كما في كل مجمل.

(1) قد عرفت الحال فيما اذا تساوى العموم و ما له المفهوم في الدلالة.

اما اذا اختلفا و ذلك: اما بان يكون احدهما بالوضع و الآخر بالاطلاق او كان كل منهما بالوضع او بالاطلاق و لكن كان الظهور في احدهما اقوى من الآخر، كما لو كان- مثلا- ظهور العام في عمومه ظهورا آبيا عن التخصيص فلا بد من الاخذ بالاظهر و ترك الظاهر هذا فيما اذا كان لكل منهما ظهور وضعي، و اما اذا كان احدهما بالاطلاق فيكون ما له ظهور وضعي هو الظاهر و الآخر لا ظهور فيه.

و لا يخفى ان ما كان له ظهور اقوى تارة يكون واقعا في ابتداء الكلام فيكون مانعا عن انعقاد الظهور في الثاني، و ان كان واقعا في آخر الكلام كان مانعا عن استقرار الظهور في الاول، و قد اشار الى ما ذكرنا بقوله: «اذا لم يكن مع ذلك احدهما اظهر» لا يخفى ان قوله مع ذلك اشارة الى ما ذكرنا من ان المدار على الاظهرية،

ص: 218

و منه قد انقدح الحال فيما إذا لم يكن بين ما دل على العموم و ما له المفهوم، ذاك الارتباط و الاتصال، و أنه لا بد أن يعامل مع كل منهما معاملة المجمل، لو لم يكن في البين أظهر، و إلّا فهو المعول، و القرينة على التصرف في الآخر بما لا يخالفه بحسب العمل (1).

______________________________

فلا يمنع ان تكون دلالة كل منهما بالوضع او بالاطلاق و لكنه مع ذلك كان احدهما اظهر من الآخر.

و يدل هذا بالاولوية على ما اذا لم يتساويا بان كان احدهما بالوضع و الآخر بالاطلاق، فانه لا بد فيه من تقدم الاظهر قطعا، لان الاظهرية اذا كانت موجبة للتقديم مع تساويهما في نوع الدلالة فبالاولى تكون موجبة للتقدم فيما اذا كان احدهما اضعف من الآخر لاختلافهما في نوع الدلالة و بقوله: «و إلّا كان مانعا عن انعقاد الظهور» الى ما كان المانع واقعا في ابتداء الكلام، و بقوله: «او استقراره في الآخر» الى ما كان المانع واقعا في آخر الكلام.

(1) لقد اتضح مما ذكرنا من حكم المتساويين و المختلفين الواقعين في كلام واحد او كلامين، بحيث يصلح عرفا ان يكون كل واحد منهما قرينة على التصرف في الآخر- انهما في المتساويين يكونان مجملين اما لعدم تمامية الاطلاق فيهما او لعدم تمامية حجية الظهور فيهما معا فهما من المجمل حقيقة، و في المختلفين يقدم الاقوى منهما.

و منه يظهر الحال فيما اذا كان العام و ما له المفهوم واقعين في كلامين منفصلين بحيث قد تم لكل منها الاطلاق او الظهور من جهة الحجية لكل واحد منهما لعدم الربط بينهما بحيث يصلح ان يكون احدهما قرينة على التصرف في الآخر.

فانه لا بد فيهما ان يعاملا معاملة المجمل فيكونان من المجمل حكما لا حقيقة اذ لم يكن احدهما اقوى ظهورا من الآخر.

اما انهما ليسا من المجمل حقيقة فلوضوح تمامية الظهور في كل واحد منهما لا انه ليس لهما ظهور كما لو كانا واقعين في كلام واحد، فان احتفاف كل واحد منهما بما

ص: 219

فصل

الاستثناء المتعقب لجمل متعددة

الاستثناء المتعقب للجمل المتعددة، هل الظاهر هو رجوعه إلى الكل أو خصوص الاخيرة، أو لا ظهور له في واحد منهما، بل لا بد في التعيين من قرينة؟ أقوال.

______________________________

يصلح للقرينية يجعلهما من المجمل حقيقة و لا يكتسب الظهور فيهما صفة الحجية فلذلك كانا من المجمل حقيقة. و اما في المنفصلين اللذين لا ربط بينهما فلم يحتف كل واحد منهما بما يصلح للقرينية فيكون كل واحد منهما قد اكتسب صفة الحجية و بعد تعارضهما و عدم وجود الاظهر فيهما يكون العمل بكل منهما غير معقول، و باحدهما دون الآخر من الترجيح بلا مرجح، فلا بد ان يعاملا معاملة المجمل فهما من المجمل حكما لا حقيقة.

و اما السبب في المعاملة معهما معاملة المجمل و لم يجر فيهما ما ذكر في ادلة العلاج من المرجحات لو كانت و إلّا فالتخيير، فلان المفروض ان النسبة بينهما عموم من وجه لعدم تنافيهما في المنطوق و في بعض العام، و القدر المتسالم عليه في مجرى ادلة العلاج هو كون النسبة بينهما التباين و في العموم من وجه القاعدة التساقط كما يأتي تفصيله في باب التعارض ان شاء اللّه تعالى، و قد اشار الى ما ذكرنا بقوله: «و منه قد انقدح» و قد عرفت وجه الانقداح «الحال فيما اذا لم يكن بين ما دل على العموم و ما له المفهوم ذاك الارتباط و الاتصال» بان كانا منفصلين تاما و يكون كل واحد منهما مكتسبا صفة الحجية «و» مع ذلك «انه لا بد ان يعامل مع كل منهما معاملة المجمل» فيكونان من المجمل حكما لا حقيقة هذا «لو لم يكن في البين اظهر و إلّا» أي و اذا كان بينهما ما هو اظهر «فهو المعول» و يؤخذ به «و» يكون هو «القرينة على التصرف في الآخر بما لا يخالفه بحسب العمل» أي ان التصرف في الظاهر بقرينة الاظهر لا بد و ان يكون بمقدار يكون الظاهر غير مخالف للاظهر و لا معارضا له بحيث لا يكون الظاهر مخالفا للاظهر في مقام العمل.

ص: 220

و الظاهر أنه لا خلاف و لا إشكال في رجوعه إلى الاخيرة على أي حال، ضرورة أن رجوعه إلى غيرها بلا قرينة خارج عن طريقة أهل المحاورة (1)، و كذا في صحة رجوعه إلى الكل، و إن كان المتراءى من

______________________________

(1) ينبغي ان يعلم ان محل الكلام ما اذا كان الاستثناء صالحا للرجوع الى الكل و الى الاخيرة، كما لو قال: اكرم الفقهاء و النحويين الّا الفساق منهم فانه صالح للرجوع الى الكل و الى الاخيرة، و اما لو كان غير صالح الّا للرجوع الى احدهما و ان كان مرددا بينهما كما لو قال اكرم الفقهاء و النحويين الّا زيدا، و كان زيد مرددا بين شخصين احدهما من الفقهاء و الثاني من النحويين بان كان شخص من الفقهاء اسمه زيد و شخص من النحويين ايضا اسمه زيد، فان مثل هذا خارج عن محل الكلام لعدم صلاحية الاستثناء للرجوع الى كل من الجملتين للعلم بانه واحد قطعا فلا يعقل رجوعه الى الاثنين.

ثم لا يخفى ان المحتملات بدوا اربعة: الاول، رجوعه الى خصوص الاول او الى ما عدا الاخيرة.

الثاني: رجوعه الى الكل.

الثالث: رجوعه الى خصوص الاخيرة.

الرابع: لا ظهور له في شي ء من ذلك.

و حيث ان الاحتمال الاول و هو رجوع الاستثناء الى خصوص الاول مع فصل الجمل او الجملة الواحدة بينه و بين المستثنى منه جار على خلاف الاستعمالات المتعارفة فلذا لم يذكره اولا، و قد ذكر الاحتمالات الثلاثة، و اشار بالاخير الى الاحتمال الاول و هو رجوعه الى الكل او الى خصوص الاخيرة او لا ظهور له في شي ء منهما بقوله: «هل الظاهر هو رجوعه الى الكل او خصوص الاخيرة او لا ظهور له في واحد منهما».

ص: 221

كلام صاحب المعالم رحمه اللّه حيث مهد مقدمة لصحة رجوعه إليه، أنه محل الإشكال و التأمل (1). و ذلك ضرورة أن تعدد المستثنى منه،

______________________________

و لا يخفى ان الكلام في كون الاستثناء له ظهور في احد القولين من الرجوع الى الكل او خصوص الاخيرة كون الاستثناء بحيث يكون دالا على رجوعه الى الكل أو الاخيرة، و لذلك مع القول بالثالث و انه لا ظهور له في احدهما لكن رجوعه الى الاخيرة مما لا بد منه لكونه قدرا متيقنا سواء كان ظاهرا في الرجوع الى الكل او كان ظاهرا في الرجوع الى خصوص الاخيرة.

و الحاصل: ان معنى لا ظهور له في احدهما هو انه لا دلالة له على احدهما بالخصوص من الرجوع الى الكل او خصوص الاخيرة، و قد اشار الى أن مراده من قوله «او لا ظهور له في واحد منهما» هو ما ذكر بقوله: «بل لا بد في التعيين من قرينة» و اشار الى ان الرجوع الى الاخيرة على كل حال من القدر المتيقن بقوله:

«و الظاهر انه لا خلاف و لا اشكال في رجوعه الى الاخيرة على أي حال» و قد اشار الى ان احتمال رجوع الاستثناء الى غير الاخيرة مما هو خارج عن متعارف الاستعمال، فهو احتمال مقطوع بخلافه عادة بقوله: «ان رجوعه الى غيرها» أي الى غير الاخيرة بان تكون الاخيرة غير مستثنى منها «بلا قرينة» تدل على ذلك «خارج عن طريقة اهل المحاورة».

(1) قد عرفت ان الاحتمالات الثلاثة: الرجوع الى الكل، او الى خصوص الاخيرة، او لا ظهور له في احدهما.

و لا شبهة في امكان الاحتمالين الاخيرين، لكن الاول قد يظهر من صاحب المعالم احتمال عدم امكانه.

بدعوى: ان (الّا) من الحروف و حيث ان الوضع في الحرف على المشهور هو الوضع العام و الموضوع له الخاص فلا بد و ان يكون المستعمل فيه ايضا خاصا، ف (الّا) في مقام الاستعمال لا بد و ان يراد بها اخراجا خاصا خارجيا، و اذا كان

ص: 222

.....

______________________________

كذلك فرجوعه الى الكل يكون ممتنعا لاستلزامه استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد، و هو محال على رأي، و غير جائز على أي رأي آخر.

و يردّه، اولا: ان هذا مبنى على ان الحرف موضوع للجزئي الخارجي لا للجزئي الاضافي و لا الى الجزئي الذهني فانه غير مانع بناء عليهما من تعدد مصداق الحرف خارجا و هو واضح.

و ثانيا: انه مع تسليم وضعه للجزئي الخارجي فان مراد القائل هو ان الموضوع له واحد متشخص من ناحية تشخصه بطرفيه فيتبع في السعة و الضيق في مقام الخارج سعة الطرفين و ضيقهما، ففي قولنا: الماء في الكوز لا بد و ان يكون الواحد واحدا خارجيا شخصيا، و في مثل السير من الكوفة غير السير من البصرة، فان الحرف في مثل هذا ايضا مستعمل في متشخص خارجي، و لكنه بحسب تشخص طرفيه من السير و البصرة و السير و الكوفة.

و على هذا فلا مانع من صحة رجوعه الى الكل حتى بناء على الوضع العام و الموضوع له الخاص، لوضوح امكان ملاحظة الجمل كلها بما هي مستثنى منه واحدا، و لا يلزم من تعددها خارجا استعمال اللفظ في اكثر من معنى.

و بعبارة اخرى فيما كان المستثنى واحدا شخصيا خارجيا لا مانع من ناحية المستثنى لفرض وحدته الخارجية، و انما الاشكال من ناحية المستثنى منه، اذ الواحد الخارجي بما هو واحد خارجي لا يكون له اخراجات متعددة الّا بلحاظات متعددة باستعمالات متعددة، فان الاستثناء حيث انه نسبة خاصة بين المستثنى منه و المستثنى و هي خارجية شخصية فلا بد من ان يكون طرفاها شخصين ايضا، و فيما كان المستثنى منه واحدا و كان المستثنى جملا متعددة يقع الاشكال من ناحية المستثنى.

و قد عرفت ان لحاظ المستثنى منه المتعدد بلحاظ واحد و جعله واحدا كاف في لزوم مراعاة الجزئية الموضوع لها الحرف، و مثله لحاظ المستثنى المتعدد واحدا بجعله و فرضه واحدا.

ص: 223

كتعدد المستثنى، لا يوجب تفاوتا أصلا في ناحية الاداة بحسب المعنى، كان الموضوع له في الحروف عاما أو خاصا، و كان المستعمل فيه الاداة فيما كان المستثنى منه متعددا هو المستعمل فيه فيما كان واحدا، كما هو الحال في المستثنى بلا ريب و لا إشكال، و تعدد المخرج أو المخرج عنه خارجا لا يوجب تعدد ما استعمل فيه أداة الاخراج مفهوما (1)، و بذلك

______________________________

و قد اشار الى صحة رجوعه الى الكل و أخر البرهان عليه بقوله: «و كذا في صحة رجوعه الى الكل» أي و كذا لا ينبغي الاشكال في صحة رجوع الاستثناء الى الكل، و اشار الى الاشكال فيه بقوله: «و ان كان المتراءى من كلام صاحب المعالم رحمه اللّه حيث مهد» صاحب المعالم «مقدمة لصحة رجوعه اليه» أي لصحة رجوع الاستثناء الى الكل «انه محل الإشكال و التأمل» في هذه الجملة و هي قوله انه محل الاشكال هي خبر و ان كان المتراءى.

و حاصله: انه يستظهر من تمهيد المقدمة من صاحب المعالم لصحة رجوع الاستثناء الى الكل ان رجوع الاستثناء الى الكل محل اشكال، و لم يشر الى وجه الاشكال و لكنه من برهانه على صحة الرجوع يعلم وجه الاشكال.

(1) هذا هو البرهان على صحة رجوع الاستثناء الى الكل.

و حاصل البرهان: انه لا مانع بحسب الظاهر في رجوع الاستثناء الى الكل الا ما ذكرناه من لزوم استعمال اللفظ في اكثر من معنى بناء على ما هو المعروف في الحروف من الوضع العام و الموضوع له الخاص.

و اذا اتضح انه لا مانع من هذه الجهة فلا يبقى اشكال في صحة رجوع الاستثناء الى الكل، و قد ذكرنا وجه الصحة، و بقي شرح عبارة المتن و هي قوله: «ضرورة ان تعدد المستثنى منه كتعدد المستثنى» و بهذا اشار الى ان الاشكال لا يختص بتعدد المستثنى منه و وحدة المستثنى، بل يجري في وحدة المستثنى منه و تعدد المستثنى ايضا للزوم الوحدة الخارجية في الطرفين، و حيث ان المراد من الوحدة هي فرض المستثنى

ص: 224

.....

______________________________

منه و المستثنى واحدا مفهوما و لحاظا، فانه به يحصل التشخص اللازم في المعنى الحرفي، و لذلك كان تعدد المستثنى منه «لا يوجب تفاوتا اصلا في ناحية الاداة بحسب المعنى» من لزوم كون الموضوع له و المستعمل فيه واحدا و شخصيا، فان الوحدة كما تكون خارجية تكون ايضا جعلية و لحاظية بان يلاحظ المتعدد واحدا في مقام الاخراج و الاستثناء سواء «كان الموضوع له في الحروف عاما او خاصا» فانه بناء على الوضع العام و الموضوع له العام فالامر واضح جدا.

و اما بناء على خصوصية الموضوع له فاللازم ما عرفت من كفاية الوحدة و التشخص بحسب الفرض و اللحاظ «و» على هذا «كان المستعمل فيه الاداة فيما كان المستثنى منه متعددا هو المستعمل فيه فيما كان واحدا» لانه بعد فرض المتعدد واحدا كان المستثنى منه واحدا ايضا كما لو كان واحدا خارجا، و اشار الى ان الحال في تعدد المستثنى، و وحدة المستثنى منه هو الحال في تعدد المستثنى منه، و وحدة المستثنى اشكالا و جوابا بقوله: «كما هو الحال في المستثنى بلا ريب و لا اشكال».

و على كل فالعبرة في لزوم تعدد اللحاظ في مقام الاخراج هو التعدد مفهوما بمعنى ان يكون بما هو مخرج منه متعددا، لا ما اذا كان بما هو مخرج منه واحدا و لكنه في الخارج كان متعددا كما هو الحال في المقام، فان المخرج قد كان واحدا لحاظا و لكنه متعدد في الخارج، و الى هذا اشار بقوله: «و تعدد المخرج او المخرج عنه خارجا لا يوجب تعدد ما استعمل فيه أداة الاخراج مفهوما» و المراد من تعدد المفهوم الذي يلزم منه تعدد الاخراج هو ما ذكرنا: من كونه بما هو مخرج منه في قبال المخرج منه الآخر و في المقام لم تلحظ الجمل المتعددة كذلك بل لحظت كلها بما هي مخرج واحد.

و لا يخفى ان الاشكال من ناحية المستثنى ضعيف لانه غالبا يتعدد بالعطف و العطف بمنزلة اعادة (الا) فلا يلزم الاشكال المزبور. نعم تعدد المستثنى منه بالعطف لا ينفع في رفع الاشكال، لان العطف فيه يجعله مستثنى منه و لما كان الاستثناء ب (الا) واحدا يأتي الاشكال من ناحية وحدة المستثنى و تعدد المستثنى منه.

ص: 225

يظهر أنه لا ظهور لها في الرجوع إلى الجميع، أو خصوص الاخيرة، و إن كان الرجوع إليها متيقنا على كل تقدير (1)، نعم غير الاخيرة أيضا من الجمل لا يكون ظاهرا في العموم لاكتنافه بما لا يكون معه ظاهرا فيه، فلا بد في مورد الاستثناء فيه من الرجوع إلى الاصول.

اللهم إلا أن يقال بحجية أصالة الحقيقة تعبدا، لا من باب الظهور، فيكون المرجع عليه أصالة العموم إذا كان وضعيا، لا ما إذا كان بالاطلاق و مقدمات الحكمة، فإنه لا يكاد يتم تلك المقدمات مع صلوح الاستثناء للرجوع إلى الجميع (2)،

______________________________

(1) حاصله بعد ما عرفت من صحة رجوع الاستثناء الى الكل كما يصح رجوعه الى الاخيرة- تعرف ان اصح الاقوال هو القول الاخير من انه لا ظهور للاستثناء المتعقب للجمل المتعددة في كونه راجعا الى الكل او الى خصوص الاخيرة، اذ ليس في الكلام على الفرض قرينة على التعيين و أداة الاستثناء صالحة لهما معا و لا قرينة عامة بحسب المتفاهم العرفي على التعيين، كما يدعى في ورود الامر عقيب الحظر في ظهوره في الاباحة. فالاقوى هو القول الاخير من عدم الظهور في احدهما و لكنه حيث كان الرجوع الى الاخيرة من القدر المتيقن فالاستثناء منها مقطوع به، و الى ما ذكرنا اشار بقوله: «و بذلك يظهر انه لا ظهور لها» أي لاداة الاستثناء «في الرجوع الى الجميع او خصوص الاخيرة و ان كان الرجوع اليها» أي الى الاخيرة «متيقنا على كل تقدير» كما تقدم بيانه واضحا.

(2) لا يخفى انه بعد ان كان الرجوع الى الاخيرة من باب القدر المتيقن لا لان أداة الاستثناء ظاهرة في الرجوع اليها فقط دون الكل، و قد عرفت امكان رجوع الاستثناء الى الكل- فتكون الجمل ما عدا الاخيرة بالنسبة الى ما خرج بالاستثناء من قبيل الكلام المحتف بمحتمل القرينية، مثلا قوله: اكرم الفقهاء و الامراء الا المتكبر منهم فان خروج المتكبر من الامراء هو القدر المتيقن، و عموم الفقهاء بالنسبة الى المتكبر منهم من الكلام المحتف بمحتمل القرينية فلا حجية له بالنسبة الى اكرام المتكبر من العلماء

ص: 226

.....

______________________________

فيرجع فيه كسائر الموارد من المجملات الى ما تقتضيه الاصول في غير القدر المتيقن فيها. هذا بناء على مختاره في الظهور المكتنف بمحتمل القرينية من ان الحق فيه هو اجماله.

و اما بناء على حجية اصالة الحقيقة من باب التعبد- كما مر بيانها قريبا- و كان العام دالا على العموم بحسب الوضع اما للقول بان المعرف باللام من الصيغ الموضوعة للعموم او بان يقول اكرم كل فقيه و امير الا المتكبر منهم، فلا مانع من التمسك بها و بها تثبت حجية العموم في وجوب اكرام المتكبر من الفقهاء. و اما اذا كان الشمول مستفادا من الإطلاق و مقدمات الحكمة كما لو قلنا بعدم وضع المعرف للعموم و انما يتم الشمول فيه بواسطة الاطلاق و مقدمات الحكمة فاحتفاف الكلام بمحتمل القرينية- لما مر و سيأتي في بابه- من اشتراط تمامية الاطلاق بانتفاء القرينة و لا بد من احراز ذلك، و حيث يصلح الاستثناء للقرينية و لا بناء من التمسك باصالة عدم القرينة في الكلام المحتف بمحتمل القرينية فلا محرز لعدم القرينة، و لذلك فلا يتم الاطلاق بالنسبة الى المتكبر من العلماء، و الى ما ذكرنا اشار بقوله: «نعم غير الاخيرة ايضا من الجمل لا يكون ظاهرا في العموم» بحيث يشمل مورد الاستثناء «لاكتنافه» أي لاكتناف العموم «بما لا يكون العموم معه» و هو محتمل القرينية «ظاهرا فيه» أي في الشمول بحيث يشمل مورد الاستثناء و يكون العموم بالنسبة اليه من المجمل، و لا بد في المجمل من الاخذ بالقدر المتيقن و الرجوع في غيره الى الاصول، و كل فقيه بالنسبة الى المتكبر من هذا القبيل، و لذا قال: «فلا بد في مورد الاستثناء فيه» أي فيما كان العام بالنسبة اليه مجملا «من الرجوع الى الاصول» هذا على مختاره في الكلام المحتف بمحتمل القرينية.

و اما بناء على غير ذلك فقد اشار اليه بقوله: «اللهم إلّا ان يقال بحجية اصالة الحقيقة تعبدا لا من باب الظهور فيكون المرجع عليه» أي على مبنى التمسك باصالة الحقيقة من باب التعبد هو «اصالة العموم اذا كان وضعيا» كما لو كان مستفادا من

ص: 227

فتأمل (1).

______________________________

لفظه كل «لا ما اذا كان» الشمول مستفادا «بالاطلاق و مقدمات الحكمة فانه لا يكاد يتم تلك المقدمات» أي مقدمات الحكمة التي لا بد من تماميتها في جريان الاطلاق «مع صلوح الاستثناء للرجوع الى الجميع».

(1) لقد ذكر وجه التأمل في هامش الكتاب 14]، و حاصله: ان احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية انما يمنع الاطلاق و يختل به شرط مقدمات الحكمة فيما اذا كان الاحتمال اعتماد المتكلم عليه.

و بعبارة اخرى: ان المانع هو احتمال كون المتكلم قد نصب القرينة على خلاف ما يقتضيه الاطلاق و لكنها كانت القرينة غير واضحة الظهور في القرينية، لانه مع هذا الاحتمال لا يحرز كون المتكلم في مقام البيان لما يقتضيه اطلاق كلامه، كما اذا قال رأيت اسدا يرمي و احتملنا انه يريد بقوله يرمي رمي الحجارة فيكون قرينة على المجازية، او انه يريد انه يرمي الزبد من فمه من الغيض و الشراسة، ففي احتفاف الكلام بمثل هذا يكون صلوح يرمي للقرينية مانعا، و هذا المثال و ان كان في الدوران بين الحقيقة و المجاز إلّا انه لبيان ان الصلوح المانع عن جريان الاطلاق هو كونه مثل هذا بحيث يحتمل اعتماد المتكلم عليه.

و اما اذا كان احتفاف الكلام بما يصلح للقرينة ليس كذلك، بل كان كلاما بطبعه يصلح للقرينة و لكن لم يعلم و لا هناك قرينة على التفات المتكلم اليه و اعتماده عليه فلا يصلح مثل هذا مانعا عن جريان الاطلاق كما في مثل المقام، فان صلوح (الا) للرجوع الى غير الاخيرة انما هو بطبيعة الحال بمعنى انه لو اريد به الرجوع الى الكل لما

ص: 228

تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد

فصل الحق جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد المعتبر بالخصوص كما جاز بالكتاب، أو بالخبر المتواتر، أو المحفوف بالقرينة القطعية من الخبر الواحد، بلا ارتياب (1)، لما هو الواضح من سيرة الاصحاب على العمل

______________________________

كان مانعا من جهة استعمال (الّا) في ذلك، و حيث لم يعلم التفات المتكلم الى هذا الصلوح و لم ينصب القرينة عليه فلا وجه للاعتماد على مثل هذا لمنع الاطلاق.

و بعبارة اخرى: ان المانع عن الاطلاق هو كون محتمل القرينيّة صالحا بحسب المتفاهم العرفي للقرينيّة، و اذا لم يكن كذلك فاصالة الاطلاق بمعنى ان الاصل في الكلام الذي فيه قابلية الاطلاق ان يكون المتكلم بصدده مع ضميمة اصالة عدم القرينة تتم مقدمات الحكمة و يجري الاطلاق، و المقام من هذا القبيل لان (الّا) و ان كانت صالحة بذاتها للقرينيّة إلّا انها لم يحرز انها بحسب المتفاهم العرفي صالحة لذلك.

الّا ان يقال: ان الاطلاق حيث انّ لازمه هو انه لو لم يرد الاطلاق لكان ناقضا للغرض، فمجرد احتمال ان يكون قد اعتمد عليه يكون مانعا عن هذا اللازم لانه يكفي في عدم لزوم نقض الغرض صرف كون الكلام محتفا بما يصلح للقرينيّة، فانه بعد صلاحية (الّا) لرجوعها الى الكل يكون مما يحتمل ان يكون هو مراد المتكلم فيكون مانعا عن جريان الاطلاق و مقدمات الحكمة.

و بعبارة اخرى: انه يمنع عن جريان الاطلاق اخص الاحتمالات.

(1) لا يخفى انه يحتمل ان يكون مراده من قوله المعتبر بالخصوص هو الخبر الذي قامت الادلة الخاصة على حجيته كالاجماع و الاخبار المتواترة و السيرة الممضاة، في قبال الخبر الواحد الذي قام دليل الانسداد على اعتباره لانه انما يقوم على حجية مطلق الظن، و الخبر الواحد احد المصاديق و ليس الانسداد دليلا على حجية خبر الواحد بعنوان كونه خبر واحد.

ص: 229

.....

______________________________

و يحتمل ان يكون مراده من قوله بالخصوص هو حجية الخبر الواحد في قبال الخبر المتواتر و الخبر المحفوف بالقرينة القطعية.

و حيث ان القائل بجواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد لا يفرق فيه بين الخبر الواحد المعتبر للادلة الخاصة او لدليل الانسداد فالاحتمال الثاني اقوى ان يكون هو مراده، مضافا الى ان قوله كما جاز بالكتاب او بالخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة القطعية و المحفوف بالقرينة القطعية من الخبر الواحد، و في هذا اشعار أو اشارة بان مراده من الخبر الواحد المعتبر هو ما قام الدليل على اعتباره، و ان كان الانسداد في قبال الخبر القطعي و هو المحفوف بالقرينة القطعية و في قبال بقية المذكورات التي لا ريب في جواز تخصيص الكتاب بها.

و على كلّ فالاقوال في جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد ثلاثة جواز التخصيص به. و عدم الجواز. و التوقف، و حيث ان وجه التوقف عدم تبين وجه الترجيح لاحد الرأيين عند القائل فليس هناك دليل على التوقف حتى يذكر، لذا فالامر دائر بين الجواز و العدم.

و لا يخفى ان القول بالجواز لا بد فيه من امرين شمول الادلة الدالة على حجية الخبر الواحد لتخصيص الكتاب به و عدم المانع عن شمولها لذلك.

و حيث ان المانعين ذكروا موانع منها ما يرجع الى وجود المانع، و منها ما يرجع الى عدم المقتضي فلا بد من ردّها حتى يتم ما دل على حجية الخبر على تخصيص الكتاب به، فلذلك ابتدأ اولا بذكر الادلة الدالة على شمول حجية الخبر لتخصيص الكتاب به ثم تعرض بعدها لادلة المانعين وردها.

لا يقال: انه بعد تمامية هذين الامرين فالعام الكتابي و الخبر الدال على تخصيصه من المتعارضين فلما ذا يقدم الخبر على عموم الكتاب؟

ص: 230

بأخبار الآحاد في قبال عمومات الكتاب إلى زمن الائمة عليهم السّلام، و احتمال أن يكون ذلك بواسطة القرينة واضح البطلان (1) مع أنه لولاه

______________________________

قلت: تقديم الخاص بعد تمامية الامرين على العموم ليس عند العرف من مصاديق التعارض فانهم بعد تمامية حجية الخاص لا يتوقفون في تقديم الخاص على العام لكون دلالة الخاص على التخصيص اقوى عندهم من دلالة العام على العموم.

(1) هذا شروع في ذكر الدليل على كون الخبر الواحد تشمل حجيته لتخصيص العموم الكتابي به.

و حاصلها: السيرة الممضاة من عمل العلماء باخبار الآحاد المعتبرة و تخصيص العمومات الكتابية بها و لم يرد ردع عن هذه السيرة التي هي بمرأى و مسمع من الائمة عليهم السّلام، و سيأتي في محله كفاية عدم الردع في حجية السيرة، و الى هذا اشار بقوله: «لما هو واضح ... الى آخر الجملة».

لا يقال: انه لعل عمل العلماء على الاخذ باخبار الآحاد و تخصيص العمومات الكتابية بها لاجل قيام القرائن القطعية على صحة تلك الاخبار المخصصة للكتاب فتخرج عن عنوان خبر الواحد المصطلح و تكون من الخبر المحفوف بالقرينة القطعية.

فانه يقال: انه من المقطوع به بطلان هذا الاحتمال، فانه مع كثرة اخبار الآحاد المخصصة للعمومات الكتابية و خلوها بحسب ما نجدها من القرائن يوجب القطع ببطلان هذا الاحتمال، و قد اشار الى قيام السيرة الممضاة بقوله: «لما هو الواضح ... الى آخر الجملة» و اشار الى بطلان احتمال ان يكون العمل باخبار الآحاد في تخصيص الكتاب بها لكونها من الاخبار المحفوفة بالقرائن القطعية بقوله:

«و احتمال ... الى آخر الجملة».

ص: 231

لزم إلغاء الخبر بالمرة أو ما بحكمه، ضرورة ندرة خبر لم يكن على خلافه عموم الكتاب، لو سلم وجود ما لم يكن كذلك (1).

و كون العام الكتابي قطعيا صدورا، و الخبر الواحد ظنيا سندا، لا يمنع عن التصرف في دلالته غير القطعية قطعا، و إلا لما جاز تخصيص المتواتر به أيضا، مع أنه جائز جزما.

أدلة المانعين

و السر: أن الدوران في الحقيقة بين أصالة العموم و دليل سند الخبر، مع أن الخبر بدلالته و سنده صالح للقرينة على التصرف فيها، بخلافها، فإنها غير صالحة لرفع اليد عن دليل اعتباره (2)،

______________________________

(1) هذا دليل ثان على شمول ادلة حجية الخبر الواحد لتخصيص الكتاب به و حاصله: انه قلما يوجد خبر في العبادات و المعاملات الا و هناك عموم كتابي لا بد من تخصيصه بذلك الخبر، فاذا لم تكن حجية الخبر الواحد شاملة لتخصيص الكتاب به يلزم لغوية جعل حجية خبر الواحد التي قامت الادلة القطعية عليها، و المفروض مسلمية حجية الخبر عند القائل بعدم جواز تخصيص الكتاب به، مع انه لا فائدة في حجية الخبر اذ قلنا بعدم جواز تخصيص الكتاب به، و الى هذا اشار بقوله: «مع انه لولاه» أي لو لا كون حجية الخبر مما تشمل تخصيص الكتاب به «لزم الغاء الخبر بالمرة او ما بحكمه» أي أو يلزم ما بحكم الالغاء بالمرة و هو لزوم حصر حجية الخبر في المورد النادر جدا، و هذا بحكم الغاء حجية الخبر، و لذا قال: «ضرورة ندرة خبر لم يكن على خلافه عموم الكتاب لو سلم وجود ما لم يكن كذلك» أي لو سلم وجود خبر لا يلزم منه تخصيص عموم كتابي، إلّا انه من المسلم كون مثل هذا الخبر نادرا جدا بحيث ليس له اهمية تقتضي جعل حجية الخبر لاجله.

(2) هذا شروع في ادلة المانعين، اولها ما اشار اليه بقوله: «و كون العام ... الى آخره».

ص: 232

.....

______________________________

و توضيحه: انه في مقام التعارض لا بد من تكافؤ المتعارضين، و العام الكتابي و الخاص حيث انهما يتعارضان في مقدار التخصيص فلا بد من تكافئهما و هما غير متكافئين، لان العام الكتابي قطعي الصدور و الخبر الواحد ظني الصدور فلا يصلح الخبر الواحد مكافئا للعام في مقدار التخصيص، فكيف يجوز تخصيصه به و هذا مراده بقوله: «و كون العام الكتابي قطعيا صدورا و الخبر الواحد ظنيا سندا».

و يرد عليه: نقضا و حلا، اما النقض فبأنه لو كان هذا مانعا لمنع من تخصيص الخبر المتواتر بالخبر الواحد، لان من البديهي ان الحال في الخبر المتواتر و الخبر الواحد من كون العام قطعيا و الخبر الواحد ظنيا سواء كالكتاب، لقطعية الخبر المتواتر صدورا و ظنية الخبر الواحد سندا مع انه لا يلتزم القائل به، و الى هذا اشار بقوله: «و إلّا لما جاز ... الى آخر الجملة».

و اما الحل فقد اشار اليه اولا: بقوله: «لا يمنع عن التصرف في دلالته غير القطعية قطعا» ثم شرحه بقوله: «و السر ... الى آخر الجملة».

و توضيحه: ان للمتعارضين جهتين: الصدور و الدلالة، فان كانا متساويين في الجهتين وقع التعارض بينهما بكلتا الجهتين، و كما لو كانا كلاهما من الكتاب فان الصدور فيهما قطعي و الدلالة فيهما ظنية، او كانا من الخبر الواحد فانهما سندا و دلالة ظنيان، و اذا اختلفا بان كان احد الخبرين قطعي الصدور كالخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة القطعية و الآخر ظنيا كالخبر الواحد، فانه يقع التعارض في جهتين من الخبر الواحد و جهة واحدة من الخبر القطعي، فانه في القطعي هي الدلالة فقط و في الخبر الدلالة و السند.

و حيث انه في ناحية الدلالة ليس بين العام و الخاص تعارض عند العرف لوضوح ان الخاص في ناحية الدلالة مقدم على العام قطعا و في الخبر المتواتر الصدور قطعي، فينحصر التعارض بينهما في دلالة الخبر المتواتر فانها غير قطعية و في سند الخبر الواحد فانه ظني.

ص: 233

.....

______________________________

و حيث عرفت ان السيرة الممضاة دالة على كون حجية الخبر الواحد بحيث تشمل تخصيص قطعي الصدور به فلا بد من القول بجواز تخصيص الكتاب به، لان الكتاب و ان كان قطعي الصدور و لكنه ظني الدلالة، و الخبر قطعي التقديم من ناحية الدلالة لفرض كونه خاصا، فيقع التعارض بين دلالة العام الكتابي لكونها غير قطعية و سند الخبر الواحد لانه غير قطعي ايضا، فلم يقع التعارض بين القطعي و الظني بل التعارض بينهما بين غير القطعيين، و الى هذا اشار بقوله: «و السر ان الدوران في الحقيقة بين اصالة العموم» في العام الكتابي و هي غير قطعية «و دليل سند الخبر» و هو غير قطعي.

و اذا اتضح ان التعارض بينهما في هاتين الجهتين فلا بد من تقديم الخبر و تخصيص الكتاب به، لان اصالة العموم انما تتبع حيث لا تزاحم بحجة اقوى منها، و دلالة الخبر الثابتة حجيتها باعتبار سند الخبر لقيام الادلة على حجيته تكون قرينة اقوى من اصالة العموم صالحة للتصرف في اصالة العموم، و اصالة العموم غير صالحة للتصرف في الخبر لكون الحجية في اصالة العموم معلقة على عدم القرينة على خلافها و حجية الخبر الواحد غير معلقة على ان لا تكون اصالة العموم على خلافه، و من الواضح ان الحجية المعلقة لا تزاحم الحجية غير المعلقة، و الى هذا اشار بقوله: «مع ان الخبر بدلالته و سنده صالح للقرينية على التصرف فيها» أي على التصرف في اصالة العموم «بخلافها» أي بخلاف اصالة العموم «فانها غير صالحة لرفع اليد عن دليل اعتباره» أي دليل اعتبار الخبر.

ص: 234

و لا ينحصر الدليل على الخبر بالاجماع، كي يقال بأنه فيما لا يوجد على خلافه دلالة، و مع وجود الدلالة القرآنية يسقط وجوب العمل به.

كيف؟ و قد عرفت أن سيرتهم مستمرة على العمل به في قبال العمومات الكتابية (1)، و الاخبار الدالة على أن الاخبار المخالفة للقرآن يجب

______________________________

(1) هذا ردّ المانع الثاني عن جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد، و حاصل هذا المانع ان الدليل على حجية الخبر الواحد هو الإجماع، و الاجماع دليل لبي لا بد من الاقتصار فيه على القدر المتيقن، و القدر المتيقن من حجيته هو ما اذا لم تقم على خلاف الخبر دلالة، و عموم القرآن دلالة على خلافه.

و مرجع هذا المانع الى أمرين: الأول: ان الأصل عدم حجية خبر الواحد، و بعد قيام هذا الأصل و التسالم عليه لا يخرج عنه إلّا بدليل و هو اما القطع، او ما قام القطع على حجيته و ان كانت دلالته ظنية و كلاهما مفقودان، اذ لا قطع بجواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد، و الدليل القائم على حجيته و ان كان قطعيا إلّا ان مقدار دلالته غير معلومة لان دليل حجية الخبر الواحد هو الإجماع و هو لبي، و ليس هو لفظي له ظهور شامل لتخصيص الكتاب به حتى يقال ان حجيته قد قام الدليل القطعي عليها، و دلالته و ان كانت ظنية إلّا ان بناء العقلاء المتسالم على حجيته حيث لا ردع عنه يستلزم الاخذ بالظهور و ان كان ظنيا، و حيث كان دليل الخبر هو الاجماع و ليس له لسان يكون له ظهور لا بد من الاخذ به فلا بد في مثله من الاقتصار على القدر المتيقن في الخروج عن الاصل المتقدم و هو أصالة عدم الحجية، فينتج من ذلك انه لا بد في الاقتصار في حجية الخبر على غير ما اذا قام عموم كتابي على خلافه، و مرجع هذا في الحقيقة ليس الى وجود المانع عن ادلة حجية الخبر الشاملة بظاهرها لتخصيص الكتاب به كما هو في المانع الاول، و انما مرجعه الى عدم المقتضى.

ص: 235

طرحها أو ضربها على الجدار، أو أنها زخرف، أو أنها مما لم يقل بها الامام عليه السّلام، و إن كانت كثيرة جدا، و صريحة الدلالة على طرح المخالف، إلّا انه لا محيص عن أن يكون المراد من المخالفة في هذه الاخبار غير مخالفة العموم، إن لم نقل بأنها ليست من المخالفة عرفا، كيف؟ و صدور الاخبار المخالفة للكتاب بهذه المخالفة منهم عليهم السّلام كثيرة جدا (1)،

______________________________

و يردّه، اولا: ما عرفت من النقض بانه لا خصوصية للكتاب بل لا بد من عدم تخصيص الخبر المتواتر و المحفوف بالقرينة القطعية بالخبر الواحد أيضا اذ انه أيضا، لا لسان للاجماع في الشمول لتخصيصها بالخبر الواحد.

و ثانيا بانه لا ينحصر دليل حجية الخبر في الاجماع لما علمت من قيام السيرة على خصوص تخصيص الكتاب به، و قد اشار الى نفس المنع بقوله: «كي يقال» أي لو كان دليل حجية الخبر منحصر في الاجماع لجاز ان يقال «بانه» دليل لبي لا بد من الاقتصار فيه على حجية الخبر «فيما لا يوجد على خلافه دلالة و مع وجود الدلالة القرآنية يسقط وجوب العمل به» أي بالخبر، و توضيحه ما عرفت و قد اشار الى ردّه و هو الردّ الثاني بقوله: «كيف؟ و قد عرفت ان سيرتهم مستمرة على العمل به في قبال العمومات الكتابية».

(1) هذا هو المانع الثالث لشمول ادلة حجية الخبر لتخصيص الكتاب به، و هذا كالاول يرجع الى وجود المانع لا الى المناقشة في المقتضى.

و حاصله: انه لا اشكال في ان تخصيص الكتاب بالخبر مرجعه الى منافاة الخبر المخصص للعموم الكتابي بمقدار التخصيص، و قد دلت الاخبار المتواترة على عدم حجية الاخبار المخالفة للكتاب بألسنة مختلفة، بعضها بلسان ان الخبر المخالف للكتاب يجب طرحه كقوله يضرب بها عرض الجدار، و بعضها بلسان الخبر المخالف للكتاب زخرف، و بعضها بلسان انه لم نقله كقوله: ما خالف قول ربنا لم نقله.

ص: 236

.....

______________________________

و على كل فيستفاد من هذه الاخبار المتواترة عدم حجية الخبر المخالف لكتاب اللّه و قد عرفت ان الخبر المخصص للكتاب مخالف لعموم الكتاب بمقدار التخصيص للعموم، و الحاصل: ان هذه الاخبار متواترة من حيث السند صريحة من حيث الدلالة.

و حاصل الجواب عن هذا المانع: انه من المقطوع به صدور الخبر المخصص للكتاب عنهم عليهم السّلام و الّا لسقط الفقه باجمعه، و هذه الاخبار التي ادعى منعها عن جواز تخصيص الكتاب بالخبر حيث كانت متواترة و قطعية و لكن دلالتها انما كانت صريحة في عنوان المخالفة، و لم تنص على عدم جواز التخصيص للكتاب بالخبر و لم تنص أيضا على ان التخصيص لعموم الكتاب من المخالفة، فلم يبق سوى دعوى ظهور المخالفة في شمولها لمثل تخصيص الكتاب بالخبر، فلا بد من رفع اليد عن ظهور المخالفة بحيث تشمل تخصيص الكتاب، فتارة: نقول بان المراد من المخالفة ليست مطلق المنافاة بل ما كان بحسب رأي العرف مخالفة و العموم و الخصوص ليست من المخالفة، و مرجع هذا الى ان المراد من المخالفة منصرفها العرفي لا معناها اللغوي، و الى هذا اشار بقوله: «ان لم نقل بانها ليست من المخالفة عرفا».

و اخرى نقول ان هذه الاخبار هي من العمومات التي قام الدليل القطعي على تخصيصها، فالعموم و الخصوص و ان كان من المخالفة إلّا انه بعد قيام القطع بانه صدر منهم عليهم السّلام ما خصص الكتاب، فيكون هذا تخصيصا لعنوان المخالفة في هذه الاخبار، فتختص المخالفة التي يضرب الخبر المتضمن لها عرض الجدار و انه من الزخرف و لم يقولوه عليهم السّلام بغير المخالفة بنحو العموم و الخصوص، و الى هذا اشار بقوله: «إلّا انه لا محيص عن ان يكون المراد من المخالفة في هذه الاخبار غير مخالفة العموم» بالتخصيص.

و قبل ان يذكر الدليل على لزوم تخصيص عنوان المخالفة بغير المخالفة بنحو العموم و الخصوص اشار الى المناقشة الاولى بقوله: «ان لم نقل» ثم اشار الى

ص: 237

مع قوة احتمال أن يكون المراد أنهم لا يقولون بغير ما هو قول اللّه تبارك و تعالى واقعا- و إن كان هو على خلافه ظاهرا- شرحا لمرامه تعالى و بيانا لمراده من كلامه (1)،

______________________________

الدليل على لزوم تخصيص عنوان المخالفة بقوله: «كيف و صدور الاخبار المخالفة للكتاب بهذه المخالفة» أي بنحو مخالفة العموم و الخصوص «منهم عليهم السّلام كثيرة جدا» بحيث يعلم علما قطعيا بان المخالفة بنحو العموم و الخصوص صادرة عنهم قطعا، فمن الضروري ان يكون مرادهم عليهم السلام من المخالفة التي لا يقولونها و انها زخرف و يضرب بها عرض الجدار هي غير هذه المخالفة المقطوع صدورها عنهم عليهم السّلام كالمخالفة بنحو التباين، هذا بحسب ظاهر عبارة المتن.

و يحتمل ان يكون مراده غير ما ذكرناه، و حاصله: ان هناك مخالفة عرفية و مخالفة لغوية، و المخالفة العرفية لا تشمل المخالفة بنحو العموم و الخصوص و ان كان تشملها المخالفة اللغوية. و لا نقول كما قلنا في المناقشة: من ان الالفاظ الواردة في الأخبار يلزم حملها على ما يفهم منها عرفا، بل نقول انها تحمل على معانيها اللغوية ما لم تقم قرينة دالة على لزوم حملها على المعنى العرفي، و في المقام كذلك فان الاخبار الدالة على طرح المخالف و انه مما لم نقله و انه زخرف آبية عن التخصيص، و بعد قيام الدليل القطعي على صدور المخالفة بنحو العموم و الخصوص عنهم عليهم السّلام فالجمع بينهما يقتضي حمل هذه الاخبار على المخالفة العرفية دون المخالفة اللغوية.

و قد ظهر مما ذكرنا: ان هذه المناقشة غير المناقشة الاولى التي هي كون المراد من المخالفة هي غير هذه المخالفة اللغوية لوجوب تنزيل الالفاظ الواردة في الاخبار على ما يفهم منها بحسب العرف.

(1) هذه مناقشة ثالثة في دلالة هذه الاخبار المدعى منعها عن جواز تخصيص الكتاب بالخبر، و محصلها: انه قد عرفت ان المخالفة لغوية و عرفية و المناقشة السابقة مبنية عليهما، او على خصوص ان المراد بها المخالفة العرفية، و هذه المناقشة مبنية على ان

ص: 238

.....

______________________________

المراد من المخالفة في الاخبار المذكورة هي المخالفة الواقعية، فيكون المراد من هذه الاخبار ان المخالفة لحكم اللّه الواقعي مما لا يقولونها عليهم السّلام فانهم طريق تبليغ احكامه و سبل معرفته، و مرجع هذا الى ان جميع ما يقولونه هو حكم اللّه، و على هذا فلا يكون تخصيص الكتاب بالخبر الواحد مما يخالف كتاب اللّه بعد جعل حجيته منهم عليهم السّلام.

و اذا قيل: ان من المعلوم انه ليس كل خبر واحد هو صادر عنهم حتى لا يكون مما لم يخالف كتاب اللّه.

فانا نقول: انه اذا كان المراد من المخالفة في هذه الاخبار هي المخالفة الواقعية فيكون التمسك بها في منع شمول حجية الخبر عن تخصيص الكتاب به من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لان الخبر غير الصادر عنهم هو المخالف دون الصادر عنهم عليهم السّلام.

و الحاصل: انه اذا كان المراد من المخالفة هي المخالفة الواقعية فلازم ذلك ان التخصيص للكتاب بما يصدر منهم و ان كان ظاهره انه مخالف لعموم الكتاب إلّا انه حيث كان هو أيضا حكم اللّه و كلامه الصادر على لسانهم فلا يكون مخالفا لكتاب اللّه، اذ المخالف لكلامه- جل و علا- ما كان كلام غيره لا كلامه هو تبارك و تعالى، و كلامهم عليهم السّلام هو كلامه عزّ و جل الصادر على لسانهم، و هذا مراده من قوله:

«مع قوة احتمال ان يكون المراد» من المخالفة في هذه الاخبار هي المخالفة الواقعية، و على هذا فيكون المراد بهذه الاخبار «انهم لا يقولون بغير ما هو قول اللّه تبارك و تعالى واقعا و ان كان هو على خلافه ظاهرا شرحا لمرامه تعالى و بيانا لمراده من كلامه» فهو كلامه و لكن قد صدر على لسانهم و لا مانع من ان يكون كلامه شارحا لكلامه.

ص: 239

فافهم (1).

و الملازمة بين جواز التخصيص و جواز النسخ به ممنوعة، و إن كان مقتضى القاعدة جوازهما، لاختصاص النسخ بالاجماع على المنع، مع وضوح الفرق بتوافر الدواعي إلى ضبطه، و لذا قل الخلاف في تعيين موارده، بخلاف التخصيص (2).

______________________________

(1) يمكن ان يكون اشارة الى وجوه من المناقشة في هذا الاحتمال:

الاول: انه على هذا لا مانع من صدور ما يباين الكتاب مباينة تامة، و لازمه وقوع المعارضة بين الخبر الواحد و كتاب اللّه و هذا مما لا يلتزم به.

الثاني: ان هذه الاخبار الآمرة بضرب ما يخالف كتاب اللّه عرض الجدار لا يعقل ان تكون امرا منهم عليهم السّلام للمكلف، لوضوح ان المكلف لا يعرف ما هو المخالف واقعا لحكم اللّه الواقعي و انما هو من مختصاتهم عليهم السّلام.

الثالث: ان المراد من المخالفة في هذه الاخبار لا بد و ان يكون اما المخالفة اللغوية او العرفية، لان مورد جملة من هذه الاخبار اما لترجيح احد المتعارضين على الآخر، او لتمييز الصادر عنهم من غير الصادر، لانها واردة في تعارض الاخبار و الاخذ بما لا يخالف كتاب اللّه، فلا بد و ان يكون المراد من المخالفة التي يعرفها العارض للخبرين على كتاب اللّه، و المخالفة الواقعية لا يعرفها المأمور بعرض الخبرين المتعارضين على كتاب اللّه.

(2) هذا المانع الرابع لشمول حجية الخبر لتخصيص الكتاب به، و هو كالاول يرجع الى وجود مانع يمنع عن شمول ادلة حجية الخبر لان يخصص به الكتاب، لا الى عدم المقتضي لحجيته.

و حاصله: انه اذا جاز التخصيص للكتاب بخير الواحد فلا بد و ان يجوز النسخ به للكتاب أيضا، و النسخ به باطل قطعا و التخصيص باطل أيضا.

ص: 240

.....

______________________________

و توضيحه: انه اذا ثبتت الملازمة بين جواز التخصيص به و جواز النسخ به فلا يعقل ان يجوز التخصيص به و لا يجوز النسخ، لان تحقق احد المتلازمين بعد ثبوت الملازمة بينهما دون الآخر من المحال البين، لانه مع تسليم الملازمة يستلزم الخلف و انكارها انكار للبرهان من دون برهان، و اذا ثبت عدم جواز النسخ به فلا بد و ان لا يجوز التخصيص به أيضا، لما ذكرنا من لزوم التلازم بين المتلازمين، و بطلان النسخ للكتاب بالخبر الواحد مسلم و ثابت لا اشكال فيه بل من مسلمات المسلمين.

و يبقى اثبات الملازمة بينهما، و البرهان عليها هو ان اللازم الثابت للماهية لا بد و ان يثبت لجميع افرادها، و إلّا لم يكن لازما للماهية و هو واضح، و النسخ فرد من افراد التخصيص لان التخصيص بحسب معناه اللغوي هو الاخراج من العام و لكن الاصطلاح قام على تسمية إخراج بعض الأفراد من العام عن حكمه بالتخصيص، و على إخراج بعض الأزمنة عن استمرار حكم العام بالنسخ، فان التخصيص المصطلح تخصيص في الافراد و النسخ تخصيص في الأزمان، فان للعام ظهورين:

ظهور في شمول حكمه لجميع افراده و ظهور في استمرار حكمه الى الابد، و لازم تخصيص العام حصر حكمه و تحديده ببعض افراده و لا يكون شاملا لجميعها، و لازم النسخ تحديد العام بحسب الزمان بحيث لا يكون شاملا لجميع الازمان، فاخراج بعض الافراد تخصيص و اخراج بعض الازمنة تخصيص أيضا، فاذا ثبتت الملازمة بينهما بحسب هذا البرهان و ثبت عدم جواز النسخ للكتاب بالخبر فلا بد و ان لا يجوز التخصيص للكتاب بالخبر، لعدم امكان التفكيك بين المتلازمين.

و يردّه، اولا: ان جواز التخصيص بالخبر و عدم جواز النسخ به حكمان كل واحد منهما ثابت للفرد بعنوانه الخاص لا للفرد بما هو فرد للجامع بينهما، فان الجامع بين التخصيص المصطلح و النسخ هو عنوان الاخراج، و لم يثبت للاخراج بما هو اخراج حكم حتى يجب ان يشملهما معا، بل الجواز ثابت للاخراج الافرادي بما هو اخراج افرادى لا بما هو اخراج، و عدم الجواز ثابت للاخراج الازماني بما هو

ص: 241

.....

______________________________

اخراج ازماني لا بما هو اخراج، فثبوت جواز التخصيص لا يستلزم جواز النسخ، و عدم جواز النسخ لا يستلزم عدم جواز التخصيص.

و قولهم ان النسخ من افراد التخصيص ان كان مرادهم انه فرد من التخصيص بمعنى الاخراج فهو صحيح، و لكنه لا يقتضي ان يكون الاخراج الازماني فردا من الاخراج الافرادي، و ان كان مرادهم ان النسخ فرد من التخصيص المصطلح فهو واضح البطلان، لعدم معقولية ان يكون قسيم الشي ء قسما منه.

فاتضح ان الملازمة المدعاة بين النسخ و التخصيص ممنوعة.

و ثانيا: فرق واضح بين التخصيص و النسخ، فان التخصيص لازمه بقاء حكم العام و لكنه يختص ببعض افراده، و النسخ رفع للعام من رأس، فدعوى ان كليهما تخصيص فلا فرق بينهما واضحة الفساد، فان التحديد الذي لا يرفع حكم العام من رأس غير التحديد الذي يرفعه من رأس، و لعله اشار الى هذين الايرادين معا بقوله:

«و الملازمة بين جواز التخصيص» للكتاب بالخبر «و جواز النسخ» للكتاب «به ممنوعة».

و ثالثا: لو سلمنا التلازم بينهما و لكن المتلازمين انما لا يجوز التفكيك بينهما في الاحكام العقلية دون الاحكام الشرعية، فنحن نقول انه حيث كان كلا من التخصيص و النسخ اخراجا غايته ان احدهما في الافراد و الآخر في الأزمان فالقاعدة الاولية تقتضي جواز النسخ للكتاب بالخبر الواحد أيضا، اذ لا يرى العقل مانعا من ان يثبت بالخبر الواحد التحديد للعام بحسب الازمان كما ثبت بالخبر الواحد تحديد العام بحسب الافراد، إلّا ان الحكم الشرعي فرق بينهما، فان الاجماع قام على عدم جواز النسخ به و لم يقم الاجماع على عدم جواز التخصيص به، فهو باق على القاعدة الاولية مضافا الى ما عرفت من قيام الادلة الخاصة على جواز تخصيص الكتاب به، فالقاعدة العقلية في جانب الجواز لا في جانب عدم الجواز، و لكن الاجماع فرق بينهما، و الى هذا اشار بقوله: «و ان كان مقتضى القاعدة جوازهما»

ص: 242

تعارض العام و الخاص

فصل لا يخفى أن الخاص و العام المتخالفين (1)، يختلف حالهما ناسخا

______________________________

اذ العقل لا يرى مانعا عن جواز النسخ بالخبر كما لا يرى مانعا عن التخصيص به، و لكنه خرج النسخ «لاختصاص النسخ بالاجماع على المنع» به.

و رابعا: الفرق بينهما أيضا فان النسخ حيث كان إسقاطا للعام من رأس فهو امر له اهميته، و من الواضح ان ما كان له الاهمية تتوفر الدواعي لنقله و يكون الناقل له اجماعات لا واحد، و يمتنع عادة ان يكون النسخ مدلولا عليه بخبر الواحد، بخلاف التخصيص حيث انه من الامور المتعارفة المعتادة فلا مانع من ان يكون مدلولا عليه بالخبر الواحد، و الدليل على أهمية النسخ و توفر الدواعي لنقله انه ليست موارد النسخ من محل الخلاف بل هي مضبوطة معينة لان النسخ تتوفر الدواعي لنقله فينقله كثيرون و لا يكون الناقل له واحدا، و مرجع هذا الفرق ان النسخ يمتنع ان ينقل بخبر الواحد عادة بخلاف التخصيص، فقولهم لو جاز التخصيص به لجاز النسخ به دعوى ملازمة بين ما له وجود و ما ليس له وجود، فدعوى بطلان التالي و هو عدم جواز النسخ به باطلة، اذ ليس هناك خبر واحد ناسخ حتى تكون بينه و بين الخبر الواحد المخصص ملازمة فيكون بطلان احدهما مستلزما لبطلان الآخر، و هذا مراده من قوله: «مع وضوح الفرق بتوافر الدواعي الى ضبطه» فيمتنع عادة ان يكون منقولا بخبر الواحد و يكثر الناقل له، لذا: «قل الخلاف في تعيين موارده بخلاف التخصيص».

(1) لا يخفى ان ظاهر العنوان مما لا يشمل العامين من وجه بل هو يختص بما كانت النسبة بينهما هو العموم المطلق من جهة العام و الخصوص من جهة الخاص، و لكن الكلام تقسيما و دليلا مما يشمل العموم من وجه، فيكون داخلا ملاكا.

ص: 243

و مخصصا و منسوخا (1)، فيكون الخاص: مخصصا تارة، و ناسخا مرة، و منسوخا أخرى، و ذلك لان الخاص إن كان مقارنا مع العام، أو واردا بعده قبل حضور وقت العمل به، فلا محيص عن كونه مخصصا و بيانا له (2). و إن كان بعد حضوره كان ناسخا لا مخصصا، لئلا يلزم تأخير

______________________________

و على كل فالعام و الخاص المتخالفان بحسب السلب و الإيجاب كأكرم العلماء و لا تكرم الفساق منهم يمكن ان يكون كل واحد منهما ناسخا و منسوخا، و الخاص يمكن ان يكون مخصصا و العام مخصّصا- بالفتح- كما سيأتي تفصيل ذلك.

(1) من الواضح ان قوله ناسخا و مخصصا و منسوخا هو حال من ضمير حالهما، و كان ينبغي ان يضم اليها مخصصا- بالفتح- لوضوح ان قوله مخصصا اما ان يكون بالكسر كما يشعر به ذكر احوال الخاص بعده فهو مما يختص بالخاص دون العام، كما انه لو كان بالفتح فهو يختص بالعام دون الخاص، فلا يصلح ان يكون مخصصا بما له من الهيئة ان يقع حالا منهما معا، كما يصلح ان يكون (ناسخا و منسوخا) حالا منهما معا لان كل واحد منهما يقع ناسخا و منسوخا. و حيث كانت هذه الاقسام حالا من الضمير و هو تثنية فلا بد و ان يكون حالا بلحاظ المجموع للمجموع.

و لعله انما لم يضم مخصصا- بالفتح- اليها لان لازم كون الخاص مخصصا هو كون العام مخصصا. و اما كون الخاص ناسخا و ان استلزم كون العام منسوخا إلّا انه لا يستلزم كون العام ناسخا المستلزم لكون الخاص منسوخا، فلذا ذكر الناسخ و المنسوخ معا.

(2) الفرق بين التخصيص و النسخ هو ان الافراد الخارجة عن العام على التخصيص لا تكون مرادة بالارادة الجدية واقعا و لا يكون حكم العام مما يشملها واقعا، و ان كان قبل التخصيص كان شاملا لها ظاهرا.

ص: 244

.....

______________________________

و اما على النسخ فان الافراد الخارجة تكون مما يشملها حكم العام واقعا و مرادة بالإرادة الجدية فيه قبل النسخ ثم تخرج بالنسخ فيكون النسخ رافعا و ماحيا للحكم الثابت للافراد الخاص واقعا.

اذا عرفت هذا- فاعلم ان الخاص يكون مخصصا و ناسخا و منسوخا، لانه اذا وقع الخاص مقارنا للعام زمانا اما بورودهما من امام واحد بان يكون احدهما باللفظ و الآخر بالإشارة مثلا، و انما لا يعقل ان يكونا واردين في كلام واحد لان المفروض ان التنافي بين الحجتين، و لا يكون العام حجة اذا ورد الخاص معه في كلام واحد.

و ربما يقال بعدم امكانه من امام واحد لعدم الفرق في عدم تمامية حجية ظهور العام اذا اقترن بالخاص سواء كان الخاص مبينا باللفظ او بالاشارة، فبعد فرض كون الكلام في العام و الخاص الحجتين لا يمكن فرض الاقتران في زمان واحد من امام واحد.

إلّا ان الانصاف امكان فرض اقترانهما في زمان واحد من امام واحد، بل لشخص واحد لوضوح اقترانهما في زمان واحد من امام واحد لشخصين بان يلقى العام- مثلا- باللفظ لشخص و يكتب بالخاص لشخص آخر في وقت واحد، بحيث يكون كل واحد منهما غير مطلع بالفعل على ما فهمه الآخر و ان كانا في مجلس واحد، ثم بعد انقضاء المجلس يطلع كل واحد منهما على ما وصل الى الآخر. و اما بالنسبة الى شخص واحد فهو بان يكتب الى شخص واحد بكتابين احدهما فيه حكم العام و الآخر فيه حكم الخاص، و الظاهر انه في مثل هذا يكون كلا منهما قد اكتسب صفة الحجية، و على هذا فاقترانهما من امامين بمكان من الامكان: بان يكون احدهما صادرا من الحسن عليه السّلام، و الآخر من الحسين عليه السّلام و هما- معا- امامان قاما او قعدا، غايته ان التصرف في الامور العامة هي للحسن عليه السّلام وحده، و اما

ص: 245

.....

______________________________

كون الحسين عليه السّلام مبلغا لاحكام اللّه معصوما ملهما لا ينطق عن الهوى معلما عن امير المؤمنين عن رسول اللّه فهو مما لا اشكال فيه، فان الامام امام وليدا و شابا و كهلا و شيخا لا يختلف حاله ادراكا و عصمة و تبليغا أصلا كما هو مبرهن عليه في محله تفصيلا، و مؤيدا بما في كتب الرجال عن سؤال موسى بن جعفر عليهما السّلام عن الاحكام و هو في سن الطفولة، و سؤال الحجة المنتظر و هو في المهد فيجيبون بما لا يستطيع ان يجيب به اعلم العلماء المحققين، مما يدل على انهم ملهمون و ان علمهم من اللّه.

و على كل حال فاذا اقترن الخاص بالعام زمانا فلا بد و ان يكون الخاص مخصصا لا غير، لعدم معقولية النسخ به حتى لو قلنا بجواز النسخ قبل حضور وقت العمل، اذ النسخ كما عرفت لا بد و ان يكون رافعا للحكم الثابت واقعا للافراد الخارجة من العام، و اذا اقترن العام و الخاص في الزمان لا يكون للعام حكم واقعي ثابت للافراد الخارجة عنه بالخاص، فلذا لا يمكن ان يكون الخاص في الاقتران ناسخا و يتعين للتخصيص.

و اما اذا لم يقترنا في الزمان، فتارة: يرد الخاص بعد الزمان الذي ورد فيه العام و لكنه قبل حضور وقت العمل بالعام، فبناء على عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل بالعام فانه أيضا على هذا يتعين الخاص للتخصيص لعدم جواز كونه ناسخا، لانه و ان تاخر زمانا عن العام إلّا ان المفروض كونه قبل حضور وقت العمل، و النسخ بناء على هذا انما يصح بعد حضور وقت العمل فلا بد و ان يكون الخاص متعينا للتخصيص أيضا كما لو اقترنا، و الى الاقتران اشار بقوله: «و ذلك لان الخاص ان كان مقارنا مع العام» و الى الثاني اشار بقوله: «او وارد بعده» أي ان الخاص يكون واردا بعد زمان العام و لكنه «قبل حضور وقت العمل به» أي بالعام «فلا محيص» في هذين الفرضين «عن كونه» أي الخاص «مخصصا و بيانا له» أي للعام لما عرفت من عدم معقولية النسخ عند اقترانهما في الزمان او مع تأخر الخاص زمانا، و لكنه كان قبل حضور وقت العمل بالعام بناء على عدم امكان

ص: 246

البيان عن وقت الحاجة فيما إذا كان العام واردا لبيان الحكم الواقعي، و إلا لكان الخاص أيضا مخصصا له، كما هو الحال في غالب العمومات و الخصوصات في الآيات و الروايات. و إن كان العام واردا بعد حضور وقت العمل بالخاص، فكما يحتمل أن يكون الخاص مخصصا للعام، يحتمل أن يكون العام ناسخا له (1)، و إن كان الاظهر أن يكون الخاص

______________________________

النسخ قبل حضور وقت العمل، إلّا انه ستأتي المناقشة في هذا البناء و ان النسخ ممكن حتى قبل حضور وقت العمل.

(1) لا يخفى انه قد علمت ان الخاص، تارة يكون متعينا في كونه مخصصا لا ناسخا، و ثانية يتعين الخاص في كونه ناسخا لا مخصصا، و ثالثة يكون منسوخا. و لما ذكر في الفرضين المذكورين تعين كون الخاص مخصصا لا ناسخا اشار الى ما يتعين فيه ان يكون الخاص ناسخا لا مخصصا بقوله: «و ان كان بعد حضوره ... الى آخره».

و توضيحه: ان النسخ كما عرفت هو رفع الحكم الثابت واقعا و حيث لا يكون الحكم له ثبوت واقعي لا يتاتى النسخ، فحينئذ يكون المورد المتفق عليه في كون الخاص متعينا لان يكون ناسخا لا مخصصا هو ما اذا ورد الخاص بعد زمان العام و بعد حضور وقت العمل بالعام، و ان يكون العام واردا لبيان الحكم الواقعي للافراد التي كان شاملا لها قبل ورود الخاص، و مع تمامية هذه الشروط الثلاثة يتعين الخاص لان يكون ناسخا لا مخصصا، لانه اذا كان مقارنا له يكون مخصصا و كذلك اذا كان قبل حضور وقت العمل به، لما عرفت من عدم معقولية النسخ قبل حضور وقت العمل بناء على المشهور، بخلاف ما اذا كان الخاص واردا بعد حضور وقت العمل بالعام فانه لو كان مخصصا للزم منه تاخر البيان عن وقت الحاجة التي سيأتي شرحه في الشرط الثالث و انه من الاغراء المحال على الشارع، فاتضح ان العلة في الشرط الثاني.

ص: 247

.....

______________________________

و أما الشرط الاخير فتوضيحه يحتاج الى تمهيد مقدمة، حاصلها: ان حكم العام الذي اكتسب ظهوره ما له من الحجية بعد ورود الخاص و كشفه عن اخراج افراد منه عن حكمه.

اما ان يكون ثابتا واقعا لهذه الافراد الخارجة الى حين ورود الخاص، و في هذا لا بد و ان يكون الخاص ناسخا، لانه لو لم يكن ناسخا للزم الخلف لفرض كون حكم العام كان ثابتا لهذه الافراد التي اخرجها الخاص عنه، مضافا الى ان الخاص لو لم يكن ناسخا لكان مخصصا للعام، و معنى كونه مخصصا هو كونه بيانا لما اريد من الحكم في العام، و المفروض ان هذا البيان قد ورد بعد العمل بالعام أي بعد ما عمل بالعام في الافراد التي دل الخاص على خروجها عنه، فكون الخاص بيانا للعام بعد هذا يلزم ان يكون هذا البيان قد تأخر عن وقت الحاجة فان الحاجة تقتضي بيان كون المراد في العام من الحكم الذي هو المراد بالارادة الجدية هو ما عدا الافراد الخارجة بالخاص، و اذا تاخر هذا البيان عن زمان وقت العمل بالعام كان تاخيرا للبيان عن وقت الحاجة، و كون الخاص مخصصا معناه كونه بيانا للعام فلا بد و ان لا يتأخر عن وقت العمل بالعام، و يكون السبب في العمل بالعام في هذه الافراد الخارجة قد تسبب من عدم بيان الخاص قبل العمل، و هذا من الاغراء المحال وقوعه من الشارع اللطيف بعباده فيما يوصلهم الى احكامهم الواقعية، بخلاف ما اذا كان الحكم في العام ثابتا لهذه الافراد الى زمان ورود الخاص و لكنه ينتهى امد المصلحة فيه الى هذا الزمان فلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.

و اما اذا كان الحكم في العام ليس بثابت واقعا للافراد الخارجة عنه و ان ما عدا الخاص هو المراد بالارادة الجدية في هذا الحكم، فان كان الداعي لاظهار الحكم بنحو العام هو ضرب القاعدة او ان لا يكون العام معنونا بعنوان خاص من العناوين الداخلة تحته، و في مثل هذا يكون هناك مصلحة واقعية واحدة قائمة بمتعلق الحكم للافراد الباقية تحت العام، فان الحكم فيها لمصلحة واقعية قائمة بمتعلق الحكم. و اما

ص: 248

.....

______________________________

الحكم بالنسبة الى الافراد التي خرجت عنه و كشف عن خروجها الخاص فهو حكم صوري لا واقعي، و في مثله لا يكون تاخير الخاص لو كان مخصصا موجبا لتأخير البيان عن وقت الحاجة، فان المراد من لزوم كون الخاص بيانا للعام انما هو كونه بيانا لما هو المراد من حكم العام الواقعي الناشئ عن مصلحة في متعلق الحكم و قد صار الخاص بيانا لهذا الحكم. و اما حكم العام الصوري للافراد التي خرجت عنه بالتخصيص فليس حكما واقعيا فلا يكون تأخير الخاص بالنسبة اليه من تاخير البيان عن وقت الحاجة و تنتهي فائدة هذا الاظهار بورود الخاص.

فاتضح: ان الخاص انما يتعين ان يكون ناسخا انما هو فيما كان الحكم في الافراد الخارجة عنه حكما واقعيا لا انه كان حكما صوريا ناشئا عن داع لاظهاره اما لضرب القاعدة، او لان لا يكون العام معنونا بعنوان من العناوين الداخلة تحته، لانه لو كان الحكم في العام بالنسبة الى الافراد الخارجة حكما واقعيا فكون الخاص مخصصا يلزم منه الخلف و تاخير البيان عن وقت الحاجة.

اما لو كان حكما صوريا لداعي ضرب القاعدة او غيرها فلا يلزم من تأخير الخاص بعد العمل تاخير البيان عن وقت الحاجة القبيح على الحكيم او الخلف المحال وقوعه، و الى هذا اشار بقوله: «و ان كان» أي الخاص واردا «بعد حضوره» أي بعد حضوره وقت العمل بالعام «كان الخاص ناسخا لا مخصصا لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة» إلّا ان هذا مشروط بشرط و هو «فيما كان العام واردا لبيان الحكم الواقعي» فانه اذا كان الحكم في العام في الافراد الخارجة عنه حكما واقعيا فلا يعقل ان يكون الخاص بيانا لكون المراد بالارادة الواقعية الجدية في الحكم هو ما عدا الافراد الخارجة لفرض كون الافراد الخارجة أيضا مرادة بالارادة الجدية الواقعية الى مدة من الزمان و هو خلف، مضافا الى لزوم تاخير البيان عن وقت الحاجة القبيح صدوره من الحكيم كما عرفت.

ص: 249

.....

______________________________

و اما اذا كان الحكم بالنسبة الى الافراد الخارجة حكما صوريا لا واقعيا فلا يستلزم خلفا و لا تاخيرا للبيان فلا مانع من كون الخاص مخصصا، و لذا قال:

«و إلّا كان الخاص أيضا مخصصا له» أي للعام «كما هو الحال في غالب العمومات و الخصوصات في الآيات و الروايات» فان حكم العام فيها ليس حكما واقعيا بالنسبة الى الافراد الخارجة بالخاص بل حكما صوريا لداعي ضرب القاعدة او غيره، بل يمكن ان يقال انه حكم واقعي أيضا و لكن مصلحته قائمة بنفس الحكم لا بمتعلق الحكم.

فيتبين من مجموع ما مر الموارد التي يتعين كون الخاص فيها مخصصا و التي يتعين كونه ناسخا.

و بقي المورد الذي يكون الخاص فيه منسوخا و اليه اشار بقوله: «و ان كان العام واردا بعد حضور وقت العمل بالخاص».

اذا ورد الخاص اولا، ثم بعد حضور وقت العمل به ورد العام فيحتمل ان يكون الخاص مخصصا للعام و بيانا سابقا له فيكون المراد من العام ما عدا افراد الخاص، فاذا قال لا تكرم فساق العلماء ثم بعد حضور وقت العمل بهذا الخاص ورد اكرم العلماء، فانه من المحتمل ان يكون الخاص بيانا للعام و مخصصا له، فيكون المراد من اكرم العلماء وجب اكرام ما عدا فساقهم و يبقى حكم حرمة اكرام فساق العلماء على حاله، و يحتمل ان يكون العام ناسخا للخاص لعدم المانع عن كونه كذلك، لانه ورد بعد حضور وقت العمل به، و لازم هذا عدم بقاء حكم الخاص و ارتفاعه و انه يجب اكرام العلماء جميعا عدولهم و فساقهم.

و قد ظهر الفرق بين المورد الذي يكون الخاص فيه منسوخا و بين الموردين من كونه ناسخا للعام تارة و مخصصا اخرى، فانه في الموردين اللذين ذكرناهما يتعين فيهما كون الخاص ناسخا مرة و مخصصا اخرى، بخلاف كونه منسوخا فانه لا يتخطى مرتبة الاحتمال و لا يتعين ان يكون منسوخا إلّا بقرينة خاصة تدل على كون العام

ص: 250

مخصصا، كثرة التخصيص، حتى اشتهر ما من عام إلّا و قد خص مع قلة النسخ في الاحكام جدا، و بذلك يصير ظهور الخاص في الدوام- و لو كان بالاطلاق- أقوى من ظهور العام و لو كان بالوضع، كما لا يخفى (1)، هذا فيما علم تاريخهما.

______________________________

ناسخا له، و لذا قال: «و ان كان العام واردا بعد حضور وقت العمل بالخاص فكما يحتمل ان يكون الخاص مخصصا للعام يحتمل ان يكون العام ناسخا له».

(1) و توضيحه: ان الخاص اذا كان متقدما و العام واردا بعد حضور وقت العمل به- قد عرفت انه يحتمل كونه مخصصا للعام و يحتمل ان يكون منسوخا به، فهنا ظهوران متنافيان ظهور الخاص في كون حكمه مستمرا لا الى امد، و ظهور العام في الشمول لجميع افراده.

و المعروف في هذا المقام و في كل مقام يدور الامر بين النسخ و التخصيص تقديم احتمال التخصيص على احتمال النسخ، و ان كان الظهور الذي يستلزم التخصيص بالاطلاق و الظهور الذي يستلزم النسخ بالوضع كما في المقام، فان ظهور الخاص في الاستمرار اطلاقي و ظهور العام في الشمول وضعي، كما لو كان العموم مستفادا من لفظ كل. و السبب في هذا التقديم هو شهرة التخصيص و ندرة النسخ، و لذا قال:

«ما من عام إلّا و قد خص» فالعمومات الواردة لبيان الاحكام في الكتاب و السنة هي واقعة في معرض التخصيص، فقد جرى ديدن الشارع على بيان الاحكام بنحو التعميم و التخصيص بخلاف النسخ فانه نادر جدا، فالظهور الاطلاقي و ان كان بذاته اضعف من الظهور الوضعي إلّا ان شهرة التخصيص و ندرة النسخ تجعل الظهور الاطلاقي اقوى من الظهور الوضعي، و الى هذا اشار بقوله: «و بذلك» أي و بواسطة شهرة التخصيص و ندرة النسخ «يصير ظهور الخاص في الدوام و لو كان بالاطلاق اقوى من ظهور العام و لو كان بالوضع».

ص: 251

و أما لو جهل و تردد بين أن يكون الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام و قبل حضوره، فالوجه هو الرجوع إلى الاصول العملية. و كثرة التخصيص و ندرة النسخ هاهنا، و إن كانا يوجبان الظن بالتخصيص أيضا، و أنه واجد لشرطه إلحاقا له بالغالب، إلا أنه لا دليل على اعتباره، و إنما يوجبان الحمل عليه فيما إذا ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص، لصيرورة الخاص بذلك في الدوام اظهر من العام، كما أشير إليه، فتدبر جيدا (1).

______________________________

و لا يخفى ان كون الخاص في هذا المقام مخصصا و كونه منسوخا يترتب عليه ثمرة عملية كما عرفت: من بقاء حرمة اكرام فساق العلماء على حاله بناء على التخصيص، و من ارتفاعه و وجوب اكرامهم كالعدول منهم بناء على النسخ.

و اما فيما مر مما اذا ورد الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام فانه فيما لو علمنا بكون العام واردا لبيان الحكم الواقعي يكون الخاص ناسخا، و فيما لو علمنا بانه كان حكما صوريا يكون الخاص مخصصا.

اما اذا لم نعلم بكيفيته فيدور الامر بين النسخ و التخصيص، و قد عرفت انه كلما دار الامر بين النسخ و التخصيص فالمعروف تقديم التخصيص على النسخ، إلّا انه لا ثمرة عملية تترتب عليه للقطع بعدم شمول العام للافراد الخارجة بالخاص اما بالنسخ او بالتخصيص.

(1) قد عرفت الحال فيما علم زمان ورودهما و انه فيما اذا اقترنا يتعين التخصيص، و فيما اذا تقدم العام و كان لبيان الحكم الواقعي يتعين النسخ، و فيما اذا لم يكن لبيان الحكم الواقعي يتعيّن التخصيص، و فيما لم يعلم بالكيفية يتقدم احتمال التخصيص على احتمال النسخ، و اذا تقدم الخاص و تأخر العام أيضا يتقدم احتمال التخصيص على احتمال النسخ.

ص: 252

.....

______________________________

و قد عرفت أيضا ان النسخ على المشهور انما يكون بعد حضور وقت العمل فحضور وقت العمل شرط في النسخ.

فاذا جهل التاريخ في كيفية زمان ورودهما بان لا نعلم ان ورودهما كان بنحو الاقتران او كان قبل حضور وقت العمل بناء على المشهور أيضا من عدم معقولية النسخ قبل حضور وقت العمل فيتعيّن التخصيص، او كان بعد حضور وقت العمل، و هو تارة يتعيّن فيه النسخ، و اخرى يتعيّن التخصيص، و ثالثة يدور الامر بين النسخ و التخصيص.

و على كل حال ففيما اذا جهل تاريخ زمانهما من كونهما واردين بنحو الترتيب و ان يكون بعد حضور وقت العمل او انهما ليسا كذلك فالنتيجة هو الدوران بين كون الخاص مخصصا او ناسخا. و في هذا المقام لا يتقدم احتمال التخصيص على احتمال النسخ كما مر- فيما سبق- من تقديم احتمال التخصيص على احتمال النسخ، و السبب في ذلك هو ان شهرة التخصيص و ندرة النسخ ليست دليلا خاصا شرعيا او قاعدة عقلائية برأسها، و انما هي موجبة لتقوية الظهور المقتضي للتخصيص على الظهور المقتضي للنسخ، فهي مرجحة حيث يكون للخاص ظهور قد شك فيه انه قد جاء للتخصيص او للنسخ.

و بعبارة اخرى، انه تارة: نشك في ان الخاص قد أراده الشارع خاصا او ناسخا.

و اخرى الشك بعد ما قد اراده الشارع و تعيّن حاله و لكن شكّنا انما كان لجهلنا بأنه كيف كان قد اريد، فالشك من قبيل الشك في الشبهة المصداقية، بخلاف الشك الأول فانه من قبيل الشبهة المفهومية، و مجرى القاعدة في تعيين انه كيف اريد لا في تعيين ما اريد.

و حيث قد عرفت انه من جملة الموارد ما اذا كان العام واردا قبل الخاص و كان لاجل بيان الحكم الواقعي، و كان الخاص واردا بعد حضور وقت العمل به، و في

ص: 253

.....

______________________________

مثل هذا يكون الخاص قد ورد متعينا في الناسخيّة و هذا من جملة المحتملات في مقام جهل التاريخ فلا يكون من موارد تقديم التخصيص على النسخ.

و على كل فمورد الترجيح بشهرة التخصيص و ندرة النسخ هو فيما اذا كان للخاص ظهور شككنا في كونه قد اورده الشارع مخصصا للعام او ناسخا، لا فيما اذا كان للخاص ظهور قد تعيّن حاله اما في التخصيص او في النسخ و لكن جهلنا به اوجب شكنا في انه كيف كان تعيينه، و في مثل هذا لا مجرى للترجيح بشهرة التخصيص و ندرة النسخ، ففيما اذا كان هناك ثمرة عمليّة كما في اكرم العلماء و لا تكرم فساقهم و شككنا في تاريخ ورودها و يدور الامر بين النسخ و التخصيص، و من المحتمل ان يكون الخاص متقدما و منسوخا فيجب اكرام الفساق منهم، و يحتمل ان يكون مخصصا و حرمة اكرامهم باقية و النتيجة ان يكون حكمهم غير معلوم، و حيث لا مجرى للقاعدة فلا بد من الرجوع الى الاصول العملية في تعيين ما لهم من الحكم بحسبها، و الى هذا اشار بقوله: «و اما لو جهل و تردد بين ان يكون الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام» فيكون ناسخا «و قبل حضوره» أي مثل حضور وقت العمل بالعام فيكون مخصصا، لما عرفت في ان المشهور بناؤهم على التخصيص فيما كان الخاص واردا قبل حضور وقت العمل، و على النسخ فيما كان واردا بعد حضور وقت العمل، و سيأتي ما يمكن ان يقال في كل من المقامين، الّا انه بناء على المشهور «فالوجه» فيما اذا جهل التاريخ بين كونه قبل حضور وقت العمل او بعده «هو الرجوع الى الاصول العملية» في مثل المثال المتقدم مما كان هناك ثمرة عملية لا فيما اذا كان العام متقدما و شككنا في النسخ و التخصيص، فان الخاص على كل حال خارج عن العام، فلو تقدم اكرم العلماء و شككنا في كون لا تكرم الفساق المتأخر عن العام هل كان واردا قبل حضور وقت العمل فيكون مخصصا للعام او بعد حضوره فيكون ناسخا فلا يرجع الى الاصول العملية، لمعلومية الحكم في الخاص و هو حرمة اكرامهم سواء كان مخصصا للعام او ناسخا له.

ص: 254

ثم إن تعيّن الخاص للتخصيص، إذا ورد قبل حضور وقت العمل بالعام، أو ورد العام قبل حضور وقت العمل به، إنما يكون مبنيا على عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل (1)، و إلا فلا يتعين له، بل

______________________________

و قد اشار الى ان كثرة التخصيص و ندرة النسخ لا تفيد في مقام جهل التاريخ بقوله: «و كثرة التخصيص و ندرة النسخ هاهنا و ان كانا يوجبان الظن بالتخصيص أيضا و انه واجد لشرطه» و هو كون العام المتقدم ليس واردا لبيان الحكم الواقعي «الحاقا له بالغالب إلّا انه لا دليل على اعتباره» أي لا دليل على اعتبار هذا الظن كقاعدة برأسها اما شرعية او عقلائية، و انما هي موجبة لقوة الظهور و ترجيح جانب التخصيص على جانب النسخ، فيكون مجراها و فائدتها فيما اذا ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص، و قد عرفت انها توجب قوة ظهور الخاص في الدوام على ظهور الخاص في الشمول لشهرة التخصيص و ندرة النسخ، و الى هذا اشار بقوله: «و انما يوجبان» أي شهرة التخصيص و ندرة النسخ «الحمل عليه» أي الحمل على التخصيص «فيما اذا ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص لصيرورة الخاص لذلك» أي بالشهرة و الندرة كون الخاص «في الدوام أظهر من العام كما اشير اليه».

(1) قد عرفت ان المعروف ان شرط النسخ هو كون الناسخ واردا بعد حضور وقت العمل بالمنسوخ، اما اذا ورد قبل ذلك بان ورد قبل حضور وقت العمل فلا بد على ما هو المعروف من الحمل على التخصيص، و سيأتي الكلام فيه، و لكنه على كل بناء على هذا يتعيّن الخاص للتخصيص فيما اذا ورد الخاص بعد زمان ورود العام، و قبل حضور وقت العمل به يتعيّن ان يكون الخاص مخصصا لا ناسخا، و كذا اذا ورد العام بعد زمان ورود الخاص و لكنه قبل حضور وقت العمل بالخاص لا بد أيضا ان يكون الخاص مخصصا للعام، و لا يجوز ان يكون العام ناسخا له لعدم تحقيق

ص: 255

يدور بين كونه مخصصا و ناسخا في الاول، و مخصصا و منسوخا في الثاني، إلا أن الاظهر كونه مخصصا، و إن كان ظهور العام في عموم الافراد أقوى من ظهور الخاص في الخصوص، لما أشير اليه من تعارف التخصيص و شيوعه، و ندرة النسخ جدا في الاحكام (1).

______________________________

شرط النسخ فيهما و هو الورود بعد حضور وقت العمل، و الى هذا اشار بقوله:

«ثم ان تعيّن الخاص للتخصيص اذا ورد ... الى آخر الجملة».

و اشار الى السبب في الحمل على التخصيص و عدم جواز كونه ناسخا انما هو لعدم شرط النسخ فالتعيين للتخصيص انما هو لعدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل بالمنسوخ عندهم بقوله: «انما يكون مبنيّا على عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل».

(1) بناء على ما سيأتي من التحقيق من جواز النسخ قبل حضور وقت العمل بالمنسوخ، ففي الاول و هو ما اذا ورد العام و تأخر الخاص و كان قبل حضور وقت العمل بالعام فكما يمكن ان يكون الخاص مخصصا للعام كذلك يحتمل كونه ناسخا للعام، و في الثاني و هو ما اذا ورد الخاص و تأخر العام و لكنه كان قبل حضور وقت العمل الخاص فكما يحتمل ان الخاص مخصص للعام كذلك يحتمل ان يكون العام ناسخا للخاص، و لكنه في هذين الموردين مما يدور الامر بين النسخ و التخصيص، و قد عرفت انه كلما دار الامر بين النسخ و التخصيص فيما اذا شك في كون الخاص قد جاء مخصصا ام لا، فالبناء على تقديم احتمال التخصيص على النسخ لشهرة التخصيص و ندرة النسخ، و ان الظهور في التخصيص و ان كان اطلاقيا فهو مقدم على الظهور في النسخ و ان كان وضعيا، و ان كان لو لا هذه الشهرة في جانب التخصيص و الندرة في جانب النسخ لكان ظهور العام في العموم الافرادي اقوى من ظهور الخاص في الدوام و الاستمرار، لان الاول وضعي و الثاني اطلاقي، فاذا تقدم الخاص و تأخر العام فظهور العام في عمومه الافرادي و ان كان وضعيا لا يتقدم على

ص: 256

حقيقة النسخ

و لا بأس بصرف الكلام إلى ما هو نخبة القول في النسخ (1)، فاعلم أن النسخ و إن كان رفع الحكم الثابت إثباتا، إلا أنه في الحقيقة دفع الحكم

______________________________

ظهور الخاص في الدوام و الاستمرار و ان كان بالاطلاق، لانه لازم الاخذ بعموم العام الوضعي النسخ و الاخذ بظهور الخاص الاطلاقي التخصيص، فيتقدم الظهور الموجب للتخصيص لشهرته على الظهور الموجب للنسخ لندرته، و الى هذا اشار بقوله: «و إلّا فلا يتعين له» أي و ان لم نبن على عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل بان بنينا على جوازه قبل حضور وقت العمل فلا يكون الخاص متعينا للنسخ، و لذا قال: «فلا يتعيّن له» أي للنسخ «بل يدور امره بين كونه مخصصا و ناسخا في الاول» أي فيما اذا ورد العام و تاخر الخاص و كان قبل حضور وقت العمل فانه مع جواز النسخ قبل حضور وقت العمل يكون النسخ كالتخصيص كلا منهما محتملا «و مخصصا و منسوخا في الثاني» و هو ما اذا ورد الخاص ثم ورد العام قبل حضور وقت العمل بالخاص فانه يحتمل ان يكون الخاص مخصصا للعام و بيانا متقدما له، و يحتمل ان يكون العام ناسخا له و هو منسوخ بالعام «إلّا ان الاظهر كونه مخصصا» في كلا الموردين لما عرفت انه كلما دار الامر بين النسخ و التخصيص يتقدم التخصيص على النسخ «و ان كان ظهور العام في عموم الافراد» لكونه وضعيا «اقوى من ظهور الخاص في الخصوص لما اشير اليه من تعارف التخصيص و شيوعه و ندرة النسخ جدا في الاحكام» فلا بد من تحقيق الحال في النسخ ليتضح انه هل يجوز قبل حضور وقت العمل ام لا؟ و لذا عقبة بتحقيق النسخ.

(1) لا يخفى ان للقوم كلامين: الاول في الورود بعد حضور وقت العمل فانهم بنوا على لزوم كون الوارد بعد حضور وقت العمل ناسخا، و لم يقيّدوه فيما اذا كان العام متقدما بان يكون الحكم فيه لبيان الحكم الواقعي للافراد الخارجة عنه بالخاص، و قد عرفت انه لا بد في كون الخاص ناسخا من ذلك، لانه فيما اذا لم يكن الحكم في العام لبيان الواقع بل كان بداعي ضرب القاعدة مثلا فلا مانع من ان يكون الخاص

ص: 257

ثبوتا (1)، و إنما اقتضت الحكمة إظهار دوام الحكم و استمراره، أو أصل إنشائه و إقراره، مع أنه بحسب الواقع ليس له قرار، أو ليس له دوام

______________________________

مخصصا للعام، و لو كان واردا بعد حضور وقت العمل بالعام لعدم لزوم قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة، و لا الخلف كما تقدم بيانه.

الثاني: بناؤهم على لزوم كون الخاص مخصصا فيما اذا كان قبل حضور وقت العمل سواء كان العام متقدما و الخاص متأخرا او كان الخاص متقدما و العام متأخرا و كان قبل حضور وقت العمل بالخاص.

و في تحقيق حقيقة النسخ يتضح انه لا مانع من كون الخاص ناسخا فيما اذا تقدم العام، و منسوخا فيما اذا تقدم الخاص. و على كل فالنسخ ممكن قبل حضور وقت العمل.

(1) لا يخفى ان النسخ لا يعقل ان تكون حقيقته رفع الحكم الثابت واقعا، لانه يستلزم محالات ثلاثة:

الاول: ان النسخ لو كان رفعا للحكم واقعا فلازمه ان يكون الحكم قبل نسخه قد كان مرادا له- تبارك و تعالى- واقعا و قد ارتفع بالنسخ، لانه قد تغيرت ارادته في الحكم فنسخ لما بدا له نسخه، و هو محال لان تغير ارادته مستلزم للتغير في ذاته لان صفاته عين ذاته، و التغير في ذاته محال لبساطة ذاته و قدمها، و تغير البسيط محال و تغير القديم بالذات محال، كما هو مبرهن عليه في محله.

لكنه لا يخفى ان هذا انما يلزم حيث يكون الحكم هو الارادة و الكراهة، و اما اذا كان الحكم ليس هو إلّا البعث بداعي التحريك فلا يستلزم تغيره تغيرا في ارادته.

الثاني: انه لو كان النسخ رفعا للحكم الثابت واقعا فالحكم قبل نسخه كان ثابتا ثبوتا استمراريا، لوضوح ان الرفع واقعا يستلزم ثابتا، لو لا الرفع لبقى على ثبوته، فقبل نسخه كان علمه- تبارك تعالى- قد تعلق بثبوته و استمراره ثم نسخه فتغير علمه الذي كان متعلقا به، لانه كان عالما باستمراره واقعا ثم تغير ذلك العلم حيث يرى له

ص: 258

و استمرار، و ذلك لان النبي صلى الله عليه و آله الصادع للشرع، ربما يلهم أو يوحى إليه أن يظهر الحكم أو استمراره مع اطلاعه على حقيقة الحال، و أنه ينسخ في الاستقبال، أو مع عدم اطلاعه على ذلك، لعدم إحاطته بتمام ما جرى في علمه تبارك و تعالى، و من هذا القبيل لعله يكون أمر إبراهيم بذبح إسماعيل (1). و حيث عرفت أن النسخ بحسب

______________________________

نسخه فقبل ان يبدو له- تعالى- نسخه لم يكن له علم بان امد الحكم ينتهي الى زمان النسخ و يكون قبل البداء في نسخه جاهلا بما يصير اليه الحكم من النسخ تعالى قدسه عن ذلك علوا كبيرا.

الثالث: ان الاحكام تابعة للمصالح و المفاسد في متعلقاتها، و حينئذ فان كان ملاك الحكم موجود فلا يعقل نسخه و ان كان غير موجود فلا يعقل ان يكون منسوخا، لان النسخ هو الرفع واقعا و الرفع واقعا يستلزم مرفوعا واقعا، فهذه المحالات الثلاثة انما تلزم حيث يكون النسخ هو رفع الحكم الثابت واقعا.

و اما اذا كان النسخ ليس رفع الحكم واقعا و ثبوتا و انما هو رفع له اثباتا و دفع ثبوتا: أي انه حيث كان الظاهر هو استمرار الحكم فالدليل الناسخ قد دل على رفع ما كان ظاهره الاستمرار، و لكنه في الواقع حيث كان امد الحكم منتهيا فالنسخ في مرحلة الواقع و الثبوت دفع لما كان ظاهره الاستمرار لا رفع للحكم الثابت، لانه في الحقيقة لا حكم واقعا لانتهاء امده، و الى هذا اشار بقوله: «فاعلم ان النسخ و ان كان رفع الحكم الثابت اثباتا» بحسب مقام الاثبات «إلّا انه في الحقيقة دفع الحكم ثبوتا».

(1) حاصله: انه يبقى السؤال بانه اذا لم يكن الحكم ثابتا واقعا لمصلحة مستمرة في متعلق الحكم فلم اظهره بعنوان الدوام و الاستمرار؟

و الجواب عنه ان اظهار الدوام و الاستمرار لمصلحة و حكمة قد اقتضت ذلك، و هذا الاظهار ربما يكون النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم المبلغ لاحكامه تعالى مطلعا على انتهائه، و لكنه

ص: 259

الحقيقة يكون دفعا، و إن كان بحسب الظاهر رفعا، فلا بأس به مطلقا و لو كان قبل حضور وقت العمل (1)، لعدم لزوم البداء المحال في حقه

______________________________

اوحى اليه باظهار الاستمرار و الدوام مع علمه بانه سينسخ في الاستقبال، و ربما تقتضي المصلحة اظهار ثبوت الحكم و استمراره حتى للنبي الملهم بالحكم او الموحى اليه به كما في الحكم بامر ابراهيم بذبح ولده اسماعيل، فان الحكمة اقتضت ان لا يطلع حتى ابراهيم على نسخ هذا الحكم، و الى هذا اشار بقوله: «و انما اقتضت الحكمة اظهار دوام الحكم و استمراره» و قد تقتضي الحكمة اظهار ثبوت اصل الحكم و اظهار تعلق الحكم بايجاد متعلقه خارجا و اظهار ان الغرض متعلق بذلك، لا ان الغرض منه قد كان في صرف اظهاره و انشائه لا لان يتحقق متعلقه خارجا، و الى هذا اشار بقوله: «أو اصل انشائه و اقراره مع انه بحسب الواقع ليس له دوام و استمرار» و اشار الى ان النبي ربما يكون مطّلعا و ربما لا يكون مطّلعا عليه بقوله:

«و ذلك لان النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم الصادع للشرع ربما يلهم او يوحى اليه ان يظهر الحكم او استمراره مع اطلاعه على حقيقة الحال و انه ينسخ في الاستقبال او مع عدم اطلاعه على ذلك لعدم احاطته بتمام ما جرى في علمه تبارك و تعالى و من هذا القبيل لعله يكون امر ابراهيم بذبح اسماعيل» و انما قال لعله لاحتمال ان الامر بالذبح كان امتحانا لاسماعيل وحده فلا مانع من ان يطلع ابراهيم على انه سوف ينسخ في الاستقبال، اما اذا كان امتحانا لهما معا فلا بد و ان لا يكون ابراهيم مطّلعا على نسخه و إلّا لم يكن امتحانا له.

(1) لما عرفت ان النسخ واقعا هو رفع اثباتا و دفع ثبوتا، و كونه رفعا اثباتا لا يستلزم إلّا اظهار ان الحكم بعنوان انه لبيان الواقع و ليس هو رفع الحكم الثابت في الواقع فهو متقدم بهذا الاظهار فقط- يتضح انه لا مانع من النسخ قبل حضور وقت العمل بالمنسوخ حيث يكون قد ظهر الحكم بعنوان انه هو الواقع، نعم لو كان النسخ متقوما برفع الحكم الثابت لما امكن النسخ قبل حضور وقت العمل لعدم معقولية ثبوت

ص: 260

تبارك و تعالى، بالمعنى المستلزم لتغير إرادته تعالى مع اتحاد الفعل ذاتا وجهة (1)، و الّا لزم امتناع النسخ أو الحكم المنسوخ، فإن الفعل إن كان

______________________________

الحكم واقعا و نسخه قبل حضور وقت العمل، لان ثبوته واقعا لازمه كونه لمصلحة في متعلقه، و نسخه قبل حضور وقت العمل لازمه عدم كونه لمصلحة في متعلقه.

إلّا أنّك قد عرفت انه لا يعقل ان يكون النسخ رفعا للحكم الثابت واقعا و أن حقيقته هو الرفع اثباتا لا ثبوتا، و غاية ما يقتضى ذلك هو اظهار ان الحكم لبيان الواقع فاذا كان الحكم له هذا الاظهار جاز ان ينسخ قبل حضور وقت العمل.

و الفرق بين النسخ و التخصيص هو ان التخصيص بناء على المشهور يكون من استعمال العام في الخاص لالتزامهم بمجازية العام المخصّص، و على هذا فالفرق بينهما واضح لكشف التخصيص عن عدم استعمال العام في العموم.

و اما بناء على ما هو المختار للمصنف من انه راجع الى الارادة الجدية دون الاستعمالية فللعام ظهور استعمالي في العموم حتى بعد التخصيص، فالفرق بينهما ان السبب في عموم العام هو ضرب القاعدة او عدم تعنون العام بعنوان من عناوينه الداخلة فيه، و في النسخ هو قيام المصلحة الواقعية بنفس اظهار الحكم لبيان انه هو الحكم واقعا.

و على كل فالنسخ هو دفع لا رفع و لا مانع ان يكون قبل حضور وقت العمل لانه متقوم بالاظهار و هو حاصل قبل حضور وقت العمل، و لذا قال قدّس سرّه: «و حيث عرفت ان النسخ بحسب الحقيقة يكون دفعا و ان كان بحسب الظاهر رفعا فلا بأس به مطلقا و لو كان قبل حضور وقت العمل».

(1) قد عرفت ان النسخ اذا كان رفعا كان محالا سواء كان قبل العمل او بعد العمل.

و عبارة المتن لا تخلو عن اجمال فانه يحتمل ان يكون عدم لزوم البداء هو تعليل لكون النسخ دفعا لا رفعا، و قوله «و الّا لزم امتناع النسخ» تعليل لعدم امكانه قبل حضور وقت العمل.

ص: 261

مشتملا على مصلحة موجبة للامر به امتنع النهي عنه، و إلا امتنع الامر

______________________________

و لكن الظاهر منها انهما معا تعليل لعدم امكانه قبل حضور وقت العمل، فلا بد و ان يكون النسخ عند القائلين بامتناعه قبل حضور وقت العمل ان يكون هو انتهاء امد الحكم الثابت واقعا لمصلحة في متعلقه، و اذا كان كذلك فينحصر جوازه بكونه بعد حضور وقت العمل، لمعقولية انتهاء امد الحكم الثابت واقعا لمصلحة في متعلقه بعد ان عمل به مدة، و اما قبل حضور وقت العمل فانه يلزم منه البداء في احكامه تعالى المستلزم للجهل و تغير الارادة- تعالى- عن ذلك.

اما لو كان النسخ ليس هو انتهاء الحكم الثابت واقعا و انه قبل النسخ لم يكن حكم واقعي بل لم يكن الا اظهار الحكم بعنوان انه هو الحكم الواقعي فلا يستلزم جهلا و لا تغيرا في الارادة، و لذا بعد ان قال ان النسخ بحسب الحقيقة هو دفع لا رفع، قال لا بأس به مطلقا و لو كان قبل حضور وقت العمل «لعدم لزوم البداء المحال في حقه تبارك و تعالى بالمعنى المستلزم لتغيير ارادته تعالى» و هو ما اذا كان رفعا للحكم الثابت واقعا، فانه يلزم على هذا ان يكون قد اريد ايجاد متعلق الحكم واقعا ثم بدا له ان لا يريده، و يلزم أيضا الجهل فانه لو كان عالما بنسخه في المستقبل قبل حضور وقت العمل فلا يعقل ان يكون مريدا له واقعا، اما لو كان دفعا و انه لم يكن سوى اظهار الحكم دون الحكم واقعا فلا يكون مرادا واقعا و لا يستلزم جهلا أصلا «مع اتحاد الفعل ذاتا و جهة» أي عنوانا و مصلحة، و هو على ما هو عليه قبل النسخ و بعد النسخ، لانه لم يكن الحكم متعلقا به واقعا و انما كان تعلقه به ظاهرا فقط، فالمتعلق باق على ما هو عليه من عنوانه و مصلحته، و انه قبل النسخ و بعد النسخ ليس فيه مصلحة او مفسدة دعت الى الحكم، لانه بناء على الدفع هو اظهار حكم لا حكم واقعا.

ص: 262

به (1)، و ذلك لان الفعل أو دوامه لم يكن متعلقا لارادته، فلا يستلزم نسخ أمره بالنهي تغيير إرادته، و لم يكن الامر بالفعل من جهة كونه مشتملا على مصلحة، و إنما كان إنشاء الامر به أو إظهار دوامه عن حكمة و مصلحة (2).

______________________________

(1) هذا هو الاشكال في النسخ قبل حضور وقت العمل، و حاصله: ان حكم العام لو كان هو الوجوب كاكرم العلماء فاكرام الفساق منهم ان كان ذا مصلحة تدعو الى كونه واجبا واقعيا فلما ذا نهى عنه بالنسخ؟ و ان لم يكن ذا مصلحة واقعا تدعو الى وجوبه فلما ذا امر به اولا؟ و لذا قال: «فان الفعل ان كان مشتملا على مصلحة موجبة للامر به امتنع النهي عنه و الّا» أي ان لم يكن مشتملا على المصلحة امتنع الامر به، فيلزم اما امتناع النسخ فيما اذا كان فيه مصلحة و ان لم يكن فيه مصلحة امتنع الحكم ابتداء الذي هو المنسوخ.

و لا يخفى ان مبنى هذا الاشكال كله هو كون الحكم ينحصر في كونه عن مصلحة في متعلقه.

(2) هذا هو الجواب، و لا يخفى ان النسخ كما يكون في بعض الافراد كما في العام المتعقب بالخاص، كذلك يكون نسخا لكل الحكم كما في العام الناسخ للخاص فانه نسخ للحكم باجمعه، كما انه يكون بعد العمل فيكون نسخا لدوام الحكم لا لاصله كذلك يكون قبل العمل فيكون نسخا لاصله لا لدوامه، و الى هذا اشار بقوله:(1)

بداية الوصول في شرح كفاية الأصول ؛ ج 4 ؛ ص263

لان الفعل او دوامه» و قد عرفت ان هذا انما يلزم اذا كان النسخ رفعا لا دفعا، فانه لو كان دفعا فلا يكون الفعل الذي نسخ حكمه اما اصلا او دواما متعلقا للحكم واقعا، بل الحكم كان صوريا قد تعلقت الحكمة باظهاره ليس إلّا، و لا يكون الفعل و لا دوامه متعلقا للحكم واقعا فلا يستلزم تغيرا في ارادته و لا يستلزم الجهل.

لا يقال: ان الحكم لا بد و ان يكون عن مصلحة في المتعلق، و اذا لم يكن الحكم ثابتا واقعا فلا يكون هناك مصلحة في المتعلق، فمن أي جهة يكون الحكم منبعثا؟

ص: 263


1- 15. آل شيخ راضى، محمد طاهر، بداية الوصول في شرح كفاية الأصول - قم، چاپ: دوم، 1426 ق.

البداء

و أما البداء في التكوينيات بغير ذاك المعنى، فهو مما دل عليه الروايات المتواترات، كما لا يخفى، و مجمله أن الله تبارك و تعالى إذا تعلقت مشيته

______________________________

فانا نقول: ان اللازم هو ان يكون الحكم بداعي المصلحة، و اما ان المصلحة لا بد و ان تكون في المتعلق فلا ملزم بذلك، و كما تكون المصلحة في متعلق الحكم كذلك تكون المصلحة في نفس الحكم و اظهاره بعنوان انه حكم، فان كان بداعي ضرب القاعدة كان الخاص مخصصا و ان كان بداعي اظهار انه هو الواقع كان الخاص ناسخا، و قد اشار الى انه اذا كان النسخ دفعا لا رفعا لا يكون بداء حقيقة، بل هو إبداء و لا يلزم تغير في ارادته لانه قبل النسخ لم يكن حكم واقعا بل صورة حكم فلا يستلزم النسخ محالا بقوله: «و ذلك لان الفعل او دوامه لم يكن متعلقا لارادته» واقعا لانه كان صورة حكم لا حكم واقعا «فلا يستلزم امره بالنهي تغيير ارادته» كما لو امر باكرام العلماء ثم نهى عن اكرام فساقهم فانه لم يكن الامر باكرام الفساق منهم امرا واقعيا بل كان صورة امر، فنسخ الامر باكرامهم بالنهي عنه لم يكن نسخا لحكم واقعي بل كان نسخا لحكم صوري، و قد اشار الى ان الحكم اذا كان صوريا و النسخ دفع لا رفع فلا يرد ما ذكر من ان الفعل ان كان مشتملا على المصلحة امتنع النهي، و ان لم يكن مشتملا عليها امتنع الامر به، لان الحكم لم يكن حكما واقعيا منبعثا عن مصلحة في المتعلق، بل كان حكما ناشئا عن مصلحة في نفس اظهاره لا في متعلقه بقوله: «و لم يكن الامر بالفعل» المتعلق للامر ظاهرا «من جهة كونه مشتملا على مصلحة» في نفس متعلقه «و انما كان انشاء الامر به» فيما كان النسخ نسخا للامر بكلّه قبل حضور وقت العمل «او اظهار دوامه» فيما كان النسخ نسخا له في بعض افراده قبل حضور وقت العمل بالعام «عن حكمة و مصلحة» في نفس اظهار الحكم او اظهار دوامه لا في متعلقه حتى يكون النسخ نسخا للحكم الثابت و يكون رفعا له.

ص: 264

تعالى بإظهار ثبوت ما يمحوه، لحكمة داعية إلى إظهاره، ألهم أو أوحى إلى نبيه أو وليه أن يخبر به، مع علمه بأنه يمحوه، أو مع عدم علمه به، لما أشير إليه من عدم الاحاطة بتمام ما جرى في علمه، و إنما يخبر به لانه حال الوحي أو الالهام لارتقاء نفسه الزكية، و اتصاله بعالم لوح المحو و الاثبات اطلع على ثبوته، و لم يطلع على كونه معلقا على أمر غير واقع، أو عدم الموانع، قال الله تبارك و تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ الآية، نعم من شملته العناية الالهية، و اتصلت نفسه الزكية بعالم اللوح المحفوظ الذي هو من أعظم العوالم الربوبية، و هو أم الكتاب، يكشف عنده الواقعيات على ما هي عليها (1)، كما ربما يتفق

______________________________

(1) حاصله: انه كما يوجد في الاحكام ما يستلزم البداء، و قد عرفت انه ليس بداء بل هو اظهار و ابداء، كذلك يوجد في التكوينيات، بل ما ورد في التكوينيات كان بعنوان البداء، كما ورد في زيارة الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام السلام عليك يا من بدا للّه في حقه، و مثله قد ورد في حق الإمام الحسن العسكري عليه السّلام.

و على كل فقد ورد متواترا في الروايات ما يدلّ بظاهره على تحقق البداء عنده تبارك و تعالى، و قد عرفت محاليته بالمعنى المستلزم لتغير ارادته و الجهل عليه- تبارك و تعالى- فلا بد و ان يكون بمعنى الإبداء و الاظهار أيضا لا بمعنى البداء الحقيقي، و انما اطلق عليه البداء تشبيها للابداء في الواجب تعالى بالبداء الحقيقي في الممكن، فان تغير الارادة و الجهل في الممكن مما لا اشكال فيه و لا محالية، و انما كان محالا في الواجب عزّ و جل.

و توضيحه: انه لا اشكال انه في عالم الموجودات المحتاجة الى العلة التامة في وجودها المشتملة على المقتضي و عدم المانع هناك مقتضيات لا مانع لها و لا بد من تحقق معلولها لوجود مقتضياتها بلا مانع، و هناك مقتضيات لها موانع فلا تتحقق معلولاتها بمجرد وجود مقتضياتها لابتلائها بالمانع، و قد اشار الى هذا في القرآن

ص: 265

.....

______________________________

الكريم بقوله: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ 16]. و في آية اخرى بقوله: أَجَلًا وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ 17].

فهناك لو حان لوح المحو و الاثبات، و لوح اللوح المحفوظ، و الأول عالم المقتضيات، و الثاني عالم العلل التامة و هو عالم الغيب الذي لا يعلمه إلّا اللّه.

و العالم الاول هو عالم المحو و الاثبات تختلف درجات الانبياء بالنسبة اليه، فمنهم من يطلع على المقتضيات الثابتة فيه فقط دون موانعها او كانت لها شروط غير محققة، و منهم من يطلع على المقتضيات و على عدم تحقق شرائطها او على موانعها.

و حيث ان الحكمة الإلهية تقتضي اظهار المقتضيات فيوحى تبارك و تعالى الى نبيه او يلهمه بثبوت شي ء، و ربما اوحى اليه و اعلمه بانه يمحوه و ربما لم يعلمه بمحوه لعدم امكان ان يحيط الممكن و ان بلغ الى اقصى درجات الكمال الممكنة للممكن بان يبلغ الى الاحاطة بجميع ما يعلمه الواجب تعالى، كما اشير اليه بقوله في الذكر المقدس:

قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ 18] و الى هذا اشار بقوله:

«لما اشير اليه من عدم الاحاطة بتمام ما جرى في علمه».

و ربما يكون عدم علم النبي بالموانع او عدم الشرط لعدم بلوغه الى الاتصال بعالم العلل التامة و هو اللوح المحفوظ لاختلاف مراتب النبوة قطعا

قوله قدّس سرّه: «و انما يخبر به» هذا تعليل لاخبار النبي بعض الاوقات بوقوع بعض الاشياء و لكنها لا تقع.

و حاصله: ان السبب في الاخبار هو اطلاعه على المقتضى لوقوعه اما بالوحي اليه على لسان جبرائيل عليه السّلام او بالالهام لاتصال نفس النبي بعالم المحو و الاثبات الذي هو عالم المقتضيات فقط، و لم يطلع على كونه معلقا على شرط و لكنه لا يقع الشرط او على مانع و كان محققا.

ص: 266

لخاتم الانبياء، و لبعض الاوصياء، و كان عارفا بالكائنات كما كانت و تكون (1).

______________________________

و الذي يشتمل على المقتضيات و شروطها و موانعها هو عالم اللوح المحفوظ و هو أم الكتاب.

فاتضح ان سبب الاخبار هو الاطلاع على عالم المقتضيات و هو المشار اليه بالآية المباركة يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ و الى عالم اللوح المحفوظ بقوله: وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ و الى ما ذكرنا اشار بقوله: «و انما يخبر به لانه» أي النبي المخبر بوقوع الشي ء الذي لم يقع «لانه حال الوحي» على لسان جبرائيل «او» حال «الالهام» المسبب «لارتقاء نفسه» أي نفس النبي «الزكية و اتصاله بعالم لوح المحو و الاثبات اطلع على ثبوته» هذا من متعلقات لانه، و التقدير انما يخبر به لانه اطلع على ثبوته حال الوحي او الالهام و هو عالم المقتضيات، فيكون اطلاعه على المقتضي لوقوعه فقط «و لم يطلع على كونه» أي لم يطلع على كون المقتضى «معلقا على امر غير واقع» و هو الشرط «او» معلقا على «عدم الموانع» و كانت الموانع محققه.

ثم اشار الى عالم المحو و الاثبات بالآية المباركة، و اشار الى اختلاف مراتب النبوة بقوله: «نعم من شملته العناية الإلهية ... الى آخر الجملة» فانه يدل على ان العناية الإلهية قد تشمل بعض الانبياء و قد لا تشمل، و ليس ذلك إلّا لاختلاف مراتبهم في الوصول الى عالم اللوح المحفوظ و عدم الوصول اليه، لانه من اعظم العوالم الربوبية و هو عالم أم الكتاب المنكشفة فيه الواقعيات على ما هي عليه.

(1) ان قوله ربما يتفق مشعر بأنه لا يلزم ان نعتقد في خاتم صلى اللّه عليه و آله و سلّم ان يكون دائما مطّلعا على اللوح المحفوظ، فان ظاهره انه ربما يتفق لخاتم الانبياء صلى اللّه عليه و آله و سلّم ان يتصل باللوح المحفوظ، و لازم هذا ان يكون الاتصال بعالم اللوح المحفوظ ليس لازما له صلى اللّه عليه و آله و سلّم، بل ربما يتفق له الاتصال و ربما لا يتفق. و ان كان يحتمل ان يريد من قوله يتفق بيان

ص: 267

نعم مع ذلك، ربما يوحى إليه حكم من الاحكام، تارة بما يكون ظاهرا في الاستمرار و الدوام، معه أنه في الواقع له غاية و أمد يعينها بخطاب آخر، و أخرى بما يكون ظاهرا في الجد، مع أنه لا يكون واقعا بجد، بل لمجرد الاختبار و الابتلاء، كما أنه يؤمر وحيا أو الهاما بالاخبار بوقوع عذاب أو غيره مما لا يقع، لاجل حكمة في هذا الاخبار أو ذاك الاظهار (1)، فبدا له تعالى بمعنى أنه يظهر ما أمر نبيه أو وليه بعدم إظهاره

______________________________

القسم الذي شملته العناية الإلهية فانه بعد ان قسم الانبياء الى من يطلع و الى من لا يطلع اراد ان يعين المصداق الذي اتفق خروجه عن مطلق الانبياء بارتقائه و اتصاله بعالم اللوح المحفوظ.

و يؤيد الاحتمال الأول ان قوله: نعم مع ذلك ربما يوحى اليه- ان الضمير في اليه يرجع الى مطلق النبي الشامل لخاتم الانبياء، لان المراد منه هو المراد من ضمير يؤمر في قوله: «كما انه يؤمر وحيا او الهاما» و خاتم الانبياء كعيسى عليه السّلام و يونس عليه السّلام قد اخبر بوقوع ما لم يقع كما روي في اخباره صلى اللّه عليه و آله و سلّم بموت الخطاب كاخبار عيسى بموت العروس و لم تمت، و كاخبار يونس عليه السّلام بوقوع العذاب و لم يقع، و الحديث الراوي لقصة عيسى و أخبار يونس بالعذاب يدل صريحا بانهما كانا لم يعلما بعدم وقوع ما اخبرا بوقوعه، و ظاهر ما ورد في اخبار النبي بموت الخطاب انه أيضا كان لا يعلم بعدم وقوع موته، و مثله ما ورد عن الأئمة الأطهار عليهم السلام انا اذا اردنا علمنا.

(1) هذا اجمال لما مر تفصيله منه: من انه لا بداء بالمعنى الحقيقي لا في الشرعيات و لا في التكوينيات، و انه بمعنى الابداء لمصلحة و حكمة في إبدائه، فأشار اولا الى الشرعيات و الاحكام بقوله: «ربما يوحى اليه» أي الى النبي «حكم من الاحكام تارة بما يكون ظاهرا في الاستمرار و الدوام» كما في النسخ بعد حضور وقت العمل

ص: 268

أولا، و يبدي ما خفي ثانيا (1).

و إنما نسب إليه تعالى البداء، مع إنه في الحقيقة الابداء، لكمال شباهة إبدائه تعالى كذلك بالبداء في غيره، و فيما ذكرنا كفاية فيما هو المهم في

______________________________

فانه دفع لاستمرار الحكم و دوامه «مع انه في الواقع له غاية و حد يعينها الشارع بخطاب آخر» و ذلك الخطاب هو الناسخ «و اخرى بما يكون ظاهرا في الجد مع انه لا يكون واقعا بجد» كما في النسخ قبل حضور وقت العمل فان الحكم المنسوخ لم يكن مرادا بجد «بل لمجرد الاختبار و الابتلاء» كما في أمر ابراهيم بذبح اسماعيل فانه نسخ قبل حضور وقت العمل به و انما كان اختبارا و ابتلاء.

ثم اشار الى عدم البداء في التكوينيات بقوله: «كما انه يؤمر» أي النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم «وحيا او الهاما بالاخبار بوقوع عذاب» كما في قصة يونس «او غيره» كما في اخبار عيسى بموت العروس و اخبار نبينا صلى اللّه عليه و آله و سلّم بموت الخطاب «مما لا يقع» كما انه لم يقع العذاب و لا مات من اخبر بموته «لاجل حكمة في هذا الاخبار» بالامور التكوينية «او» للحكمة في «ذاك الاظهار» في الاحكام الشرعية.

(1) أي ان البداء بمعنى الابداء لا انه بداء حقيقة، و لذا قال: «بمعنى انه يظهر ما امر نبيه او وليه بعدم اظهاره اولا و يبدي ما خفى ثانيا».

و لا يخفى ان هذا انما يناسب خاتم الانبياء الذي تتصل نفسه الزكية باللوح المحفوظ المشتمل على العلل التامة و العلل الناقصة، فهو يعلم بما يقع لاجل تحقق شرطه و انتفاء مانعة و بما لا يقع لعدم تحقق شرطه و وجود مانعة، و حيث تقدم منه الاخبار بوقوع العذاب الذي لم يقع الوارد في قصة يونس المشار اليها في الذكر الكريم.

و الظاهر ان الاخبار المفصلة لكيفية قصة يونس مصرحة بعدم علم يونس بانه لا يقع العذاب، و لهذا استظهرنا من كلامه السابق ان المراد من الضمير في اليه و في يؤمر هو النبي بمعناه الشامل لمن يقف علمه عند لوح المحو و الاثبات، و لمن يترقى الى عالم اللوح المحفوظ.

ص: 269

ثمرة النسخ و التخصيص

باب النسخ، و لا داعي الى ذكر تمام ما ذكروه في ذاك الباب كما لا يخفى على أولي الالباب (1).

ثم لا يخفى ثبوت الثمرة بين التخصيص و النسخ، ضرورة أنه على التخصيص يبنى على خروج الخاص عن حكم العام رأسا، و على النسخ، على ارتفاع حكمه عنه من حينه، فيما دار الامر بينهما في المخصص، و أما إذا دار بينهما في الخاص و العام، فالخاص على التخصيص غير محكوم بحكم العام أصلا، و على النسخ كان محكوما به من حين صدور دليله، كما لا يخفى (2).

______________________________

(1) هذا وجه اطلاق لفظ البداء على ما ليس ببداء، و انما هو ابداء و هو التشبيه بالبداء في الممكن، فانه يتحقق حقيقة اذ لا مانع من تغيير ارادة الممكن و من جهله.

و الحاصل: ان الوجه في اطلاق البداء فيه تعالى على إبدائه هو وجه الشبه بين إبدائه تعالى و البداء الحقيقي في الممكن، و هو انه في كل منهما كان حال المستقبل مخفيا، و لكنه في الواجب تعالى من الاخفاء و في الممكن من الخفاء واقعا لا من الاخفاء، و الى هذا اشار بقوله: «لكمال شباهة إبدائه تعالى كذلك» اي في الاحكام و التكوين «بالبداء» الحقيقي «في غيره» أي في الممكن.

(2) لا يخفى ان الثمرة التي ذكرها هي اعم من الثمرة العملية و العلمية بناء على مختاره من امكان النسخ قبل حضور وقت العمل.

و تفصيله: انه تارة يدور امر الخاص بالخصوص بين كونه مخصصا او ناسخا كما اذا تقدم العام و تأخر الخاص، فان الخاص يمكن ان يكون ناسخا للعام و يمكن ان يكون مخصصا له.

و هو قد يكون قبل حضور وقت العمل و في هذا الفرض تكون الثمرة علمية لا عملية، لخروج الافراد بالخاص على كل حال سواء كان مخصصا او ناسخا قبل حضور وقت العمل بالعام، لانه عند حضور وقت العمل الذي هو محل الثمرة

ص: 270

.....

______________________________

العملية الافراد تكون قد خرجت قطعا اما بالتخصيص او بالنسخ، فلا ثمرة عملية على هذا و تختص الثمرة بكونها علميّة.

فانه على التخصيص يكون الخاص خارجا عن حكم العام رأسا، و المراد بالارادة الجدية هو ما عدا الخاص.

و على النسخ يكون الخاص خارجا عن العام من حين ورود الخاص.

و قد يكون بعد حضور وقت العمل، و على هذا الفرض يكون الخاص على التخصيص أيضا غير مراد من اول الامر بالإرادة الجدية فهو خارج من رأس.

و على النسخ يكون الخاص خارجا من حين ورود الخاص، و أما قبله فهو مراد بالإرادة الجدية كالافراد الباقية، و هنا تترتب الثمرتان العلمية و العملية.

و اخرى يدور الامر في التخصيص او النسخ بينهما بان يكون على التخصيص يكون الخاص مخصصا للعام، و على النسخ يكون العام ناسخا للخاص، و ذلك فيما اذا تقدم الخاص و تأخر العام، و في هذا تكون الثمرة علمية و عملية سواء كان قبل حضور وقت العمل او بعده، فان الخاص على التخصيص يكون غير مراد بالإرادة الجدية من العام، و يثبت للخاص حكمه الذي تضمنه الدليل الدال على التخصيص، فاذا ورد- مثلا- لا تكرم فساق العلماء ثم ورد اكرم العلماء، فانه بناء على التخصيص يكون المراد بالإرادة الجدية في وجوب اكرام العلماء هو ما عدا فساقهم، و يبقى حكم الفساق منهم على الحرمة. و اما على النسخ فانه يرتفع حكم الخاص و يكون الواجب اكرام حتى فساقهم.

و مثله ما اذا كان بعد حضور وقت العمل فانه بناء على التخصيص يكون المراد بالعام ما عدا الخاص فيجب ان يكون وجوب الاكرام مختصا بغير الفساق، و اما الفساق فحكمهم حرمة الاكرام، و بناء على النسخ يكون حرمة اكرام الفساق حكما مرادا واقعا الى زمان ورود العام الناسخ له، و بعده يجب اكرام الفساق من العلماء كما يجب اكرام غير الفساق منهم.

ص: 271

.....

______________________________

و الى ما ذكرنا اشار بقوله: «لا يخفى ثبوت الثمرة بين التخصيص و النسخ ضرورة انه على التخصيص يبنى على خروج الخاص عن حكم العام رأسا» و يكون المراد من العام بالإرادة الجدية من أول الامر هو ما عدا الخاص «و على النسخ» تكون للأفراد الخارجة حكم العام واقعا الى زمان ورود الخاص الناسخ لحكم العام فيها، و هذا هو مراده من قوله: «على ارتفاع حكمه عنه من حينه» أي يبنى على ارتفاع حكم العام عن الخاص من حين ورود الخاص، و هذا «فيما دار الامر بينهما في المخصص» أي فيما كان الخاص مرددا بين كونه مخصصا او ناسخا و ذلك فيما اذا تقدم العام و تأخر الخاص «و اما اذا دار بينهما في الخاص و العام» بان يدور الأمر بين كون الخاص مخصصا و كون العام ناسخا و ذلك فيما اذا تقدم الخاص و تأخر العام «ف» الثمرة حينئذ كون «الخاص على التخصيص غير محكوم بحكم العام أصلا» و يبقى على حكمه الذي دل عليه دليله «و على النسخ كان» الخاص «محكوما به» أي بحكم العام «من حين صدور دليله» أي دليل العام.

ص: 272

.....

______________________________

المقصد الخامس في المطلق و المقيد و المجمل و المبين

ص: 273

ص: 274

المقصد الخامس في المطلق و المقيّد و المجمل و المبيّن

اشارة

المقصد الخامس في المطلق و المقيّد و المجمل و المبيّن فصل

المطلق و المقيد

تعريف المطلق

عرف المطلق بأنه: ما دل على شائع في جنسه، و قد أشكل عليه بعض الاعلام، بعدم الاطراد أو الانعكاس، و أطال الكلام في النقض و الابرام، و قد نبهنا في غير مقام (1) على أنه مثله شرح الاسم، و هو مما

______________________________

المقصد الخامس في المطلق و المقيّد و المجمل و المبيّن

(1) لا يخفى ان المطلق غير العام، و لذا كان لكل منهما فصل يخصّه.

و قد عرف المطلق: بأنه ما دل على شايع في جنسه.

ربما يقال: ظاهر هذا التعريف ان المراد بالمطلق المعرف بهذا التعريف هو اللفظ الموضوع، فاذا كان الدال على الشائع في جنسه غير اللفظ فهو خارج عن هذا التعريف، و يدل على كونه هو اللفظ هو انصراف لفظ الدلالة الى الدلالة المستفادة من اللفظ، و على كونه هو الموضوع هو ظهور الدلالة في كونها على نحو قالبيّة اللفظ للمعنى، و من الواضح ان قالبيّة اللفظ للمعنى انما تكون بالوضع.

و لكن الانصاف ان لمنع هذا الانصراف و الظهور مجالا.

و على كل فالمطلق- بحسب هذا التعريف- هو الدال على معنى شايع في جنسه.

و اورد عليه بأنه غير مطّرد أي انه يدخل فيه غيره فهو لا يكون مانعا، لأن هذا التعريف يشمل (من) و (ما) الموضوعة للعموم البدلي، فانها تدل على الشائع في جنسه و هي من ألفاظ العموم و ليست من المطلق.

و بعدم الانعكاس: أي انه يخرج منه ما هو داخل فيه فلا يكون جامعا، لعدم شمول هذا التعريف لاسم الجنس الموضوع للماهية المهملة المبهمة من دون دلالة لها

ص: 275

الالفاظ التى يطلق عليها المطلق

1. اسم الجنس

يجوز أن لا يكون بمطرد و لا بمنعكس، فالاولى الاعراض عن ذلك، ببيان ما وضع له بعض الالفاظ التي يطلق عليها المطلق (1)، أو غيرها مما يناسب المقام.

فمنها: اسم الجنس، كإنسان و رجل و فرس و حيوان و سواد و بياض إلى غير ذلك من أسماء الكليات من الجواهر و الاعراض بل العرضيات، و لا ريب أنها موضوعة لمفاهيمها بما هي هي مبهمة مهملة، بلا شرط أصلا ملحوظا معها، حتى لحاظ أنها كذلك.

و بالجملة: الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى، و صرف المفهوم غير الملحوظ معه شي ء أصلا (2) الذي هو المعنى بشرط شي ء، و لو كان ذاك

______________________________

على الشيوع، و الى هذا اشار بقوله: «و قد اشكل عليه بعض الاعلام بعدم الاطراد او الانعكاس».

(1) قد مر توضيحه في مبحث العام و الخاص و ان هذه التعاريف عنده تعاريف لفظية يقصد منها الاشارة بوجه ما، فلا مانع من كونها غير مطردة و لا منعكسة.

قوله قدّس سرّه: «او غيرها» أي غير الألفاظ التي هي من المطلق مثل ذكره للمفرد المعرف باللام، فانه من ألفاظ العموم على المشهور كما مر، و هو غير الألفاظ التي يطلق عليها المطلق.

قوله: «من الجواهر و الاعراض بل العرضيات» الأول كالرجل، و الثاني كالسواد و البياض، و الثالث و هو العرض كالأسود و الأبيض.

(2) لا يخفى انه حيث كانت مسألة اعتبارات الماهية كثيرة الدوران و وقع فيها الاختلاف الكثير حتى من بعض أهل المعقول، لذلك آثرنا ان نذكر المسألة على التحقيق الذي أشار اليه أكابر المحققين.

و حاصله: ان للماهية اعتبارات خمسة:

ص: 276

.....

______________________________

الأول: لحاظ الماهية مقصورا على ذاتها و ذاتياتها، و لحاظها كذلك هو لحاظ الماهية من حيث هي هي، لأنه لحاظ الماهية مجردة عن كل اعتبار حتى اعتبار كونها مقسما او قسما، و انما تلحظ كذلك في مقام تعريفها و بيان حدها المشتمل على ذاتها و ذاتياتها لا غير، حيث يكون تعريفها تعريفا للماهية المجردة عن كل لحاظ عدا لحاظ ذاتها و ذاتياتها، فقط لان المراد في مقام التعاريف هو تعريف الماهية المجردة عن أي لحاظ غير لحاظ ذاتها و ذاتياتها.

و مما ذكرنا ظهر ان الالفاظ موضوعة للماهية المجردة من كل شي ء عدا لحاظ ذاتها و ذاتياتها ليكون الموضوع له ساريا في جميع أقسام لحاظات الماهية.

الثاني: لحاظها باعتبار ما هو خارج عن ذاتها و ذاتياتها.

و أول اعتبار لها خارج عن الماهية من حيث هي هي، هو لحاظها مقسما لما يرد عليها من الاعتبارات الثلاثة التي كل من هذه الاعتبارات تكون الماهية فيه قسما في قبال أقسامها الآخر، كاعتبارها بشرط لا، و اعتبارها بشرط شي ء، و اعتبارها لا بشرط من ناحية لحاظها بشرط لا و بشرط شي ء، و من الواضح ان لحاظها لا بشرط من ناحية هذين الاعتبارين غير لحاظها لا بشرط حتى من ناحية هذه اللابشرطية، لوضوح ان كونها مقسما لهذه الأقسام الثلاثة لا بد و ان تكون ملحوظة لا بشرط حتى بالنسبة الى هذه اللابشرطية لتكون مقسما لهذه الأقسام الثلاثة، و لحاظ الماهية باعتبار هذا اللحاظ المجرد حتى عن اعتبار اللابشرطية هو اللابشرط المقسمي.

و قد اتضح مما ذكرنا: ان الفرق بين اللابشرط المقسمي و اللابشرط القسمي: هو ان اللابشرط القسمي لحاظ لا بشرطية الماهية من ناحية بشرط شي ء و بشرط لا، و اللابشرطية في اللابشرط المقسمي هو لحاظ الماهية لا بشرط حتى من حيث هذه اللابشرطية.

ص: 277

.....

______________________________

و اتضح أيضا: ان الفرق بين اللابشرط المقسمي و الماهية من حيث هي هي هو ان الماهية في اللابشرط المقسمي قد لحظت باعتبار ما هو خارج عن لحاظ ذاتها و ذاتياتها، لانها لحظت باعتبار كونها مقسما، و لحاظها كذلك لحاظ لها زائد على لحاظها المقصور على ذاتها و ذاتياتها، فلا بد و ان تكون قد لحظت باعتبار أمر خارج عن ذاتها و ذاتياتها.

الثالث: لحاظ الماهية مقترنة بشي ء كلحاظ الرقبة باعتبار الايمان و أنها مقترنة به كقوله اعتق رقبة مؤمنة.

و لا يخفى ان لحاظ البشرطشي ء يشمل حتى لحاظ الماهية مقترنة بالوجود، لوضوح ان الوجود خارج عن الماهية و هذا هو اعتبار الماهية بشرط شي ء.

الرابع: لحاظ الماهية مقترنة بعدم شي ء كما لو قال: اعتق الرقبة غير الكافرة فالماهية قد لحظت في هذا مقترنة بعدم الكفر، و هذا هو اعتبار الماهية بشرط لا.

الخامس: لحاظ الماهية لا بشرط من ناحية اعتبارها بشرط شي ء و بشرط لا، كلحاظ الانسان بالنسبة الى الكتابة غير مقترن بوجود الكتابة و لا بعدم الكتابة، و لحاظ الرقبة غير مقترنة بالايمان و لا بعدم الايمان، و هذا هو لحاظ الماهية لا بشرط و هو اللابشرط القسمي.

اذا عرفت هذا فهنا أمور لا بد من التنبيه عليها:

الأول: الظاهر ان الكلي الطبيعي هو الماهية من حيث هي هي، لان الظاهر ان الماهية المعرفة هي الكلي الطبيعي، و لا ينبغي ان يحتمل ان يكون هو اللابشرط المقسمي باعتبار كونه في قبال الكلي المنطقي و العقلي، و انه مقسم للطبيعي الموجود في الخارج و الموجود في الذهن، لبداهة ان اللابشرط المقسمي هو لحاظها من حيث كونها مقسما فقط، و لا يعقل ان يكون الموضوع له هو الماهية المقيدة بهذا اللحاظ، و يحتمل ان يكون هو اللابشرط القسمي باعتبار تعبيرهم عنه بالجنس، و هو الموضوع

ص: 278

.....

______________________________

له اللفظ، إلّا انه قد عرفت ان الموضوع له اللفظ هو الساري في جميع الاقسام و هو الماهية المجردة.

الثاني: ان لحاظ الماهية بنحو اللابشرط القسمي ليس بنحو القيدية بحيث تكون مقيدة بهذه اللابشرطية، لوضوح صدق اللابشرط القسمي مع البشرطشي ء و البشرطلا، و لو كان اللابشرط القسمي مقيدا بالعدم لما صدق على أمر وجودي خارجي، مثلا ان الانسان الملحوظ لا بشرط من ناحية الكتابة و عدمها اذا كان مقيدا بهذه اللابشرطية لا يكون له وجود خارجي، لان الانسان الموجود في الخارج اما مع الكتابة او مع عدم الكتابة، و ليس هناك وجود ثالث للانسان ليس مع الكتابة و ليس مع اللاكتابة، و حيث ان الماهية قد لحظت باعتبار ما هو خارج عن ذاتها و ذاتياتها فليست هي الماهية من حيث هي هي، و حيث ان لحاظها كذلك لم يكن باعتبارها مقسما للاعتبارات الثلاثة فليست هي اللابشرط المقسمي، فتعين ان تكون هي اللابشرط القسمي. و اتضح انها ليست مقيدة بهذا اللحاظ اللابشرطي، و إلّا لم تصدق في الخارج.

لا يقال: انها اما ان تلحظ مهملة و هي الماهية من حيث هي هي، لا الماهية التي هي اللابشرط القسمي، و اما ان تلحظ بما هي غير مقيدة لا بشرط شي ء و لا بشرط لا، و هذا نحو من التقييد فكيف تصدق على البشرطشي ء و البشرطلا؟

فانه يقال: ان لحاظها غير مقيدة باحدهما لا يمنع عن صدقها معهما، و انما الذي يمنع عن صدقها معهما هو لحاظها مقيدة بعدم البشرطشي ء و بعدم البشرطلا.

و الحاصل: ان لحاظها غير مقيدة باحدهما غير لحاظها مقيدة بعد مهما، و الذي يمنع عن الصدق هو الثاني لا الأول.

الثالث: ان الذي يظهر من المتن ان اعتبارات الماهية أربعة، و كان اللابشرط المقسمي هو الماهية من حيث هي هي.

ص: 279

الشي ء هو الارسال و العموم البدلي (1)، و لا الملحوظ معه عدم لحاظ شي ء

______________________________

و قد أشار الى ما ذكرنا من كون الموضوع له هو الماهية من حيث هي بقوله:

«و لا ريب انها» أي اسماء الكليات التي هي اسماء الاجناس بلسان أهل العربية لا باصطلاح المنطقيين لاختصاص الجنس عندهم بكليات الجواهر، بخلاف عرف أهل العربية فان اسم الجنس عندهم مما يشمل الجواهر و الاعراض و العرضيات، و على كل فاسماء الاجناس «موضوعة لمفاهيمها بما هي هي مبهمة مهملة بلا شرط أصلا ملحوظا معها حتى لحاظ انها كذلك» أي حتى لحاظ انها غير ملحوظ معها شي ء، لما عرفت من منافاة أي لحاظ حتى لحاظ انها ليس ملحوظا معها شي ء للحاظ الماهية من حيث هي هي المقصور على لحاظ ذاتها و ذاتياتها من لحاظها بأي لحاظ خارج عن ذلك، و لحاظها و لو بنحو انها غير ملحوظ معها هو لحاظها بما يخرج عن الاقتصار على ذاتها و ذاتياتها.

«و بالجملة الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى و صرف المفهوم غير الملحوظ معه شي ء أصلا».

(1) قد عرفت- مما مر- ان لحاظ الماهية بنحو بشرط شي ء هو لحاظها مقترنة بشي ء، و ليس مطلق لحاظها باعتبار ما هو خارج عن ذاتها و ذاتياتها من اللحاظ لها بنحو البشرطشي ء، لما مر من ان لحاظها مقسما و لحاظها بنحو اللابشرط القسمي ليس من لحاظها بشرط شي ء.

نعم ما ذكره صحيح بالنسبة الى ما هو المنسوب الى المشهور: من ان اسم الجنس موضوع للماهية المرسلة اذا كان مرادهم من ارسالها ليس اللابشرطية: أي لحاظها غير مقترنة بشي ء الذي لازمه سريانها في مقام الصدق على الفرد بأي حال من احواله و بأي كيفية كان، فيكون الارسال لازما لها لا مأخوذا فيها، و تكون مساوقة في مقام الصدق للعموم البدلي لا انها ملحوظة بنحو ما هو كالعموم البدلي.

ص: 280

معه الذي هو الماهية اللابشرط القسمي (1)، و ذلك لوضوح صدقها بما لها من المعنى، بلا عناية التجريد عما هو قضية الاشتراط و التقييد فيها، كما لا يخفى، مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم على فرد من الافراد، و إن كان يعم كل واحد منها بدلا أو استيعابا، و كذا المفهوم

______________________________

اما اذا كان الموضوع له هو الماهية بما هي مرسلة المعبر عنها في لسان بعضهم بالوجود السعي، بان تكون الماهية الموضوع لها اسم الجنس هي الملحوظة بنحو الوجود السعي الساري في جميع افرادها، و تكون عندهم مساوقة للعموم البدلي، لا ان اسم الجنس الذي هو المطلق هو عام بدلي، فانه من البعيد جدا بل المستغرب ان يكون اسم الجنس من العام البدلي، لوضوح كون المطلق غير العام و لكان اللازم عده في الفاظ العموم الدالة على العموم البدلي.

و على كل فاذا كان اسم الجنس موضوعا للماهية المقيدة بالإرسال- فيرد عليه ما سيذكره و يكون اسم الجنس هو الماهية بشرط شي ء، و الى هذا اشار بقوله: «الذي هو المعنى بشرط شي ء و لو كان ذاك الشي ء هو الارسال و العموم البدلي» إلّا أنّك قد عرفت انه من البعيد جدا ان يكون اسم الجنس من افراد العام البدلي.

(1) لما كان مختاره ان اسم الجنس موضوع للماهية من حيث هي هي و ليس موضوعا للماهية المقيدة بالارسال الذي هو من البشرطشي ء كما نبه عليه، و ليس موضوعا للماهية بنحو اللابشرط القسمي، أشار اليه بقوله: «و لا الملحوظ معه عدم لحاظ شي ء معه الذي هو الماهية اللابشرط القسمي» و تعبيره بقوله و لا الملحوظ معه عدم لحاظ شي ء معه- صريح في كون اللابشرط القسمي هو المقيد بهذه اللابشرطية، و قد عرفت ان اللابشرط القسمي غير مقيد بهذه اللابشرطية، لا كما بنى عليه كما سيذكره فيما بعد من لزوم كونه كليا عقليا لا موطن له الا الذهن.

ص: 281

اللابشرط القسمي (1)، فإنه كلي عقلي لا موطن له إلا الذهن لا يكاد يمكن صدقه و انطباقه عليها، بداهة أن مناطه الاتحاد بحسب الوجود

______________________________

(1) حاصله: انه اذا كان الموضوع له اسم الجنس هو الماهية بقيد الارسال- يرد عليه ايرادان:

الأول: ان لازم كونه مقيدا بالإرسال لزوم تجريده عن هذا القيد فيما اذا استعمل في الماهية المجردة عن الارسال، و لازم ذلك كونها في هذا الاستعمال قد استعملت مجازا لاستعمالها في غير ما هو الموضوع له، لوضوح كون الماهية المقيدة بالارسال غير الماهية المجردة، و لا بد في المستعمل مجازا من لحاظ العناية و العلاقة فيه في مقام الاستعمال، و لا نجد في انفسنا لحاظ علاقة و لا عناية في استعمال اسم الجنس في الماهية المجردة عن الارسال، و الى هذا اشار بقوله: «لوضوح صدقها» أي لوضوح ان الماهية الموضوع لها اسم الجنس تصدق على الماهية المجردة بما هي موضوع لها و «بما لها من المعنى بلا عناية التجريد عما هو قضية» الارسال المأخوذ فيها الذي مرجعه الى «الاشتراط و التقييد فيها كما لا يخفى» و لو كانت مقيدة بالارسال للزم تجريدها المستلزم للمجاز و لحاظ العلاقة و العناية.

الايراد الثاني: هو انه لو كان الموضوع له اسم الجنس هو الماهية بقيد الارسال لكانت من الكلي العقلي، لوضوح ان الافراد الخارجية للماهية هي حصصها، و كل حصة موجود جزئي خارجي و ليس في الخارج وجود جامع لجميع حصصها، فاذا كان الموضوع له هو الماهية المقيدة بالارسال و العموم أي بالوجود السعي الساري لا يكون لها بما هي مقيدة بهذا القيد مصداق خارجي، اذ كل موجود خارجي هو حصة واحدة لا جميع الحصص، فلازم هذا القيد فيها ان لا يكون لها فرد خارجي، و ان تكون من الماهيات المقيدة بالكلية و العموم، و الماهية المقيدة بذلك من الكلي العقلي الذي لا موطن له الا الذهن، و الى هذا اشار بقوله: «مع بداهة عدم صدق

ص: 282

خارجا، فكيف يمكن أن يتحد معها ما لا وجود له إلا ذهنا (1).

______________________________

المفهوم بشرط العموم على فرد من الافراد» لوضوح ان كل فرد هو حصة واحدة لا جميع الحصص ان كان العموم استغراقيا و في العموم البدلي هو ان الفرد بنفسه احد افراد العام البدلي، و ليس مصداقا له بما هو بنفسه او غيره، لبداهة عدم امكان كون الموجود الخارجي هو أو غيره، بل كل موجود هو هو بنفسه لا هو او غيره.

نعم العموم الاستغراقي او البدلي في مرحلة الذهن يعم الافراد استغراقا او بدلا و الى هذا اشار بقوله: «و ان كان يعم كل واحد منها بدلا او استيعابا».

(1) لما كان اللابشرط القسمي عنده قدّس سرّه هو المقيد باللابشرطية كان لا موطن له الا الذهن، لما عرفت من ان اللابشرط المقيد باللابشرطية لا وجود له في الخارج، فان الانسان في الخارج اما مع الكتابة او مع عدم الكتابة، و ليس في الخارج انسان لا مع الكتابة و لا مع عدم الكتابة، و تسميته بالكلي العقلي مبني على ما اصطلح من كون كل مقيد بأمر ذهني كليا عقليا، لا على اصطلاح المنطقيين من اختصاص الكلي العقلي بنفس الكلية كما هو واضح.

و على كل، فحاصل هذا هو ان اسم الجنس ليس بموضوع للماهية بنحو اللابشرط القسمي، لانه بعد ان كان هو المقيد باللابشرطية يكون أمرا ذهنيا، و لا يعقل ان يكون الأمر المقيد بامر لا موطن له الا في الذهن مما يصدق على الموجود الخارجي، و إلّا لزم اتحاد الموطنين من الذهن و الخارج و هما متقابلان، و لا يعقل ان يكون الموجود في احدهما بما هو مقيد بذلك يوجد في غير موطنه المتقيد به و هو واضح جدا، و لذا قال: «فانه كلي عقلي» أي ان اللابشرط القسمي كلي عقلي «لا موطن له الا الذهن لا يكاد يمكن صدقه و انطباقه عليها» أي على الافراد الموجودة في الخارج «بداهة ان مناطه الاتحاد بحسب الوجود خارجا» أي مناط الصدق و الانطباق على شي ء في الخارج هو الاتحاد في الوجود بين الطرفين في الوجود الخارجي، فاسم الجنس لو كان هو اللابشرط القسمي لما صح حمله على فرد من

ص: 283

2. علم الجنس

و منها: علم الجنس كأسامة، و المشهور بين أهل العربية أنه موضوع للطبيعة لا بما هي هي، بل بما هي متعينة بالتعين الذهني و لذا يعامل معه معاملة المعرفة بدون أداة التعريف (1).

______________________________

افراده الخارجية، لان صحة الحمل مناطها الاتحاد في الوجود و لا يعقل الاتحاد في الوجود الخارجي بين موجود خارجي و موجود ذهني، و لذا قال: «فكيف يمكن ان يتحد معها» أي مع الافراد الخارجية «ما لا وجود له الا ذهنا» لكنه قد عرفت ان اللابشرط القسمي ليس بمقيد اللابشرطية و انما اللابشرطية هو لحاظ الماهية بالنسبة الى ما هو خارج عنها غير مقترنة بوجوده و لا بعدمه، فاسم الجنس على هذا موضوع للماهية الملحوظة بالنسبة الى كل ما هو خارج عنها غير مقترنة بوجوده و لا بعدمه، و قد عرفت ان الموضوع له هو نفس الماهية لا بما هي ملحوظة بهذا اللحاظ، و انما كان لحاظها كذلك قد جعلها من اللابشرط القسمي، و الداعي للحاظها كذلك هو ان يكون الموضوع له ساريا في جميع افراده و حصصه سواء اقترنت بشي ء أم لم تقترن.

(1) قد فرق أهل العربية بين لفظ الاسد و بين لفظ اسامة، فقالوا: ان الأول هو اسم الجنس، و الثاني علم الجنس، فعلى هذا لا بد و ان يكون الموضوع له في احدهما هو غير الموضوع له في الآخر، و إلّا فلا يكون فرق بينهما.

و حاصل ما ينسب اليهم من الفرق ان الماهية الملحوظة لا ريب في انها تتعين ذهنا بواسطة لحاظها.

و لكن اللفظ، تارة يوضع للماهية بما هي هي، و اخرى بما هي متعينة بهذا التعين اللحاظي الذي هو من موجودات عالم الذهن، فان وضع اللفظ لها بما هي هي غير مقيدة بشي ء حتى هذا التعين الذهني فهو اسم الجنس، و ان وضع اللفظ لها بما هي متعينة بهذا التعين الذهني فهو علم الجنس، و قد مثلوا للاول بلفظ اسد، و للثاني بلفظ اسامة، فأسد من اسم الجنس و اسامة علم الجنس، و لذا يصح تعريف الأول ب (ال) فيقال الاسد لان الموضوع له هو الجنس و هو غير معرفة، و لا يصح تعريف

ص: 284

الفرق بين اسم الجنس و علمه

لكن التحقيق أنه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شي ء معه أصلا كاسم الجنس، و التعريف فيه لفظي، كما هو الحال في التأنيث اللفظي (1)، و إلا

______________________________

الثاني ب (ال) لان الموضوع له فيه معرفة و لا يصح التعريف للمعرفة، لان الماهية بعد تقييدها بهذا التعين الذهني صارت معرفة و ليس المعرفة الا كون اللفظ قد وضع للمتعين بما هو متعين، فتارة يكون اللفظ موضوعا للموجود الخارجي بما هو متعين خارجا كأعلام الاشخاص، و اخرى للمتعين بالتعين الذهني كعلم الجنس، و الى هذا اشار بقوله: «و المشهور بين أهل العربية انه» أي علم الجنس «موضوع للطبيعة لا بما هي هي» كاسم الجنس «بل بما هي متعينة بالتعين الذهني «و لذا يعامل معه» أي مع علم الجنس «معاملة المعرفة بدون أداة التعريف».

(1) حاصله: انه لا يعقل ان يكون الموضوع له هو الماهية المقيدة بهذا الأمر الذهني في كل ماهية تصدق على الافراد الخارجية كما سيوضحه، فلا فرق بين اسم الجنس و علم الجنس و الموضوع له في كليهما واحد و هو الماهية بما هي هي.

و اما معاملة التعريف مع احدهما دون الآخر فهذا لا يدل على الاختلاف فيما هو الموضوع له فيهما، لأن التعريف كالتأنيث يكونان تارة حقيقيين، و اخرى لفظيين، فالموضوع للانثى حقيقة مؤنث حقيقي، و الموضوع لغير المؤنث حقيقة كلفظ الشمس و الأرض- مثلا- مؤنث لفظي، و لكنه يعامل معه معاملة المؤنث الحقيقي فهو مؤنث لفظي و تانيثه تانيث لفظي لا حقيقي. و مثله التعريف فانه، تارة يكون الموضوع له معرفة حقيقة كالعلم الشخصي، و اخرى تكون المعاملة معه معاملة المعرفة كمثل لفظ اسامة فانه يعامل معه معاملة الاعلام، و مثل هذا و ان يصح ان يكون فارقا في تسمية الاسد باسم الجنس و اسامة بعلم الجنس، إلّا ان غايته هو انه يعامل مع لفظ اسامة معاملة الفاظ الاعلام، و لا يستلزم ان يكون الموضوع له في احدهما غير الآخر و لذا قال: «التحقيق انه» أي علم الجنس «موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شي ء معه أصلا كاسم الجنس» فالموضوع له فيها واحد و هو الماهية من حيث هي هي، و الفرق

ص: 285

لما صح حمله على الافراد بلا تصرف و تاويل، لانه على المشهور كلي عقلي، و قد عرفت أنه لا يكاد صدقه عليها مع صحة حمله عليها بدون ذلك، كما لا يخفى، ضرورة أن التصرف في المحمول بإرادة نفس المعنى بدون قيده تعسف، لا يكاد يكون بناء القضايا المتعارفة عليه، مع أن وضعه لخصوص معنى يحتاج إلى تجريده عن خصوصيته عند الاستعمال، لا يكاد يصدر عن جاهل، فضلا عن الواضع الحكيم (1).

______________________________

بينهما في التعريف و عدمه لا يستلزم الفرق بينهما في المعنى، لان التعريف كما يكون حقيقيا يكون لفظيا، و اذا كان لفظيا لا يستلزم الفرق بينهما في المعنى، و قد اشار الى هذا بقوله: «و التعريف فيه» أي في علم الجنس «لفظي كما هو الحال في التأنيث اللفظي» و ما يستلزم الفرق فيما هو الموضوع له هو التعريف الحقيقي و التأنيث الحقيقي، فان الموضوع له في المعرف الحقيقي غير المنكر، و في المؤنث الحقيقي غير المذكر الحقيقي، اما التعريف اللفظي و التأنيث اللفظي فلا يستلزم فرقا فيما هو الموضوع له.

(1) أشار الى ايرادات ثلاثة على ما نسب الى المشهور من كون الموضوع له في علم الجنس هو الماهية المتعينة بالتعين الذهني.

الأول: انه لا اشكال في ان علم الجنس كاسم الجنس مما يحمل على الفرد الموجود في الخارج، فانه يقال: هذا اسد، و هذا اسامة، و لو كان اسامة موضوعا للمقيد بالتعين الذهني لما صح حمله على الموجود الخارجي، لان المقيد بأمر ذهني ذهني، و هو كلي عقلي لا يتحد مع الموجود الخارجي و لا بد في الحمل من الاتحاد فلا بد في اللفظ الموضوع للمقيد بامر ذهني في مقام حمله على الموجود الخارجي من تجريده عن قيده الذهني و استعماله في الماهية المجردة حتى يصح اتحادها مع الموجود في الخارج.

ص: 286

.....

______________________________

و لكنه لا نجد في انفسنا في مقام حمل علم الجنس على الافراد الخارجية تصرفا و تجريدا المستلزم ذلك التصرف الى لحاظ العلاقة المجازية، لانه يكون من استعمال اللفظ في غير ما وضع له، و الى هذا اشار بقوله: «و إلّا» أي لو كان الموضوع له في علم الجنس هو المقيد بأمر ذهني «لما صح حمله على الافراد» الخارجية كقولنا هذا اسامة مقبلا «بلا تصرف و تأويل» بالغاء قيده الذهني لانه بما هو مقيد بامر ذهني «كلي عقلي» لا يتحد مع الافراد الخارجية، و لذا قال: «و قد عرفت انه» مع كونه كليا عقليا «لا يكاد» يصح «صدقه عليها» اي على الافراد الخارجية «مع» بداهة «صحة حمله عليها بدون ذلك» أي بدون تأويل و تصرف و لا لحاظ علاقة.

الثاني: انه من الواضح ان علم الجنس لو كان موضوعا للمقيد بقيد ذهني لكان استعماله من غير تجريد منحصرا في الحمل الاولى، اما في القضايا المتعارفة التي هي حمل علم الجنس على فرده الذي هو من الحمل الشائع، فانه لا بد فيه من التصرف و التأويل باستعمال اللفظ في نفس الماهية من دون قيدها الذهني ليصح الحمل على الفرد، و من الواضح ان الحمل الاولى قليل و المتعارف هو الحمل الشائع و هو حمل الكلي على فرده.

فاتضح من هذا ان مذهب المشهور و التزامهم بان الموضوع له علم الجنس هو المقيد بأمر ذهني الذي لا يكون استعماله الا مع التجريد تعسف و تكلف منهم، و الى هذا اشار بقوله: «ضرورة ان التصرف في المحمول بارادة نفس المعنى بدون قيده تعسف» لاستلزامه التصرف و التأويل المستلزم للاستعمال المجازي و هذا «لا يكاد يكون بناء القضايا المتعارفة عليه».

الثالث: ان وضع اللفظ لمعنى مقيد بقيد يلزم تجريده عنه غالبا لا ينبغي ان يصدر من الحكيم سواء كان الواضع هو اللّه او الناس، فانه لو كان الواضع هو الناس فانه

ص: 287

المفرد المحلى باللام

و منها: المفرد المعرف باللام، و المشهور أنه على أقسام: المعرف بلام الجنس، أو الاستغراق، أو العهد بأقسامه، على نحو الاشتراك بينها لفظا أو معنى، و الظاهر أن الخصوصية في كل واحد من الاقسام من قبل خصوص اللام، أو من قبل قرائن المقام، من باب تعدد الدال و المدلول، لا باستعمال المدخول ليلزم فيه المجاز أو الاشتراك، فكان المدخول على كل حال مستعملا فيما يستعمل فيه غير المدخول (1).

______________________________

أيضا لا ينبغي لهم ان يضعوا لفظا لمعنى يجرده عما هو الموضوع له فيه غالبا، و الى هذا اشار بقوله: «مع ان وضعه لخصوص معنى ... الى آخر كلامه».

و لا يخفى ان هذا انما يرد على المشهور، حيث يكون مرادهم من التعين هو التعين الذهني، اما اذا كان مرادهم منه هو التعين الذاتي كما سيأتي بيانه فلا يرد عليهم شي ء مما ذكر.

(1) الكلام في المفرد المعرف باللام في جهتين:

الاولى: ان التعريف سواء كان باللام او بالقرائن على الخلاف الذي يأتي في الجهة الثانية بين المشهور و المصنف في كون التعريف باللام على رأي المشهور او بالقرائن على رأي المصنف، و ان اللام لمحض التزيين على كل حال هو من باب تعدد الدال و المدلول في جميع انحائه الستة: من العهد الحضوري، و الذكري، و الخارجي، و الذهني، و تعريف الجنس، و الاستغراق.

و الاول كقولك: اكرم الجالس تشير الى جالس خاص، و الثاني كقولك: رأيت رجلا ثم اكرمت الرجل، و الثالث كقولك: جاء الرجل الذي رايناه بالامس، و الرابع كقولك: ادخل السوق، و الخامس كقولهم: الرجل خير من المرأة، و السادس كاكرم العالم.

و توضيحه: ان المنسوب الى المشهور ان التعريف في جميع هذه الاقسام هو باللام و هو مشترك معنوي بينها، و قد وضعت اللام للقدر الجامع بين هذه الانحاء و هو

ص: 288

.....

______________________________

مطلق التعريف، و ينسب الى بعضهم انه من المشترك اللفظي و قد وضعت اللام لكل واحد منها بوضع على حدة، و هناك اقوال أخر يطلب تفصيلها من محالها لا داعي الى استقصائها.

و على رأي المصنف انه لم توضع اللام للتعريف اصلا و انما هي لمحض التزيين و ان التعريف بالقرائن، و لكن الاقوال كلها متفقة على انه من باب تعدد الدال و المدلول، لوضوح انه لا وضع للمركبات غير وضع افرادها، و كون المدخول هو الدال لازمه اما تعدد الوضع للمدخول بدون اللام، و مع اللام فيلزم الاشتراك اللفظي او باستعمال اللفظ الموضوع لغير المعرف بنحو العلاقة فيلزم المجاز، مضافا الى كونه مما اتفق على عدمه الكل، لان غير المصنف يقول بدلالة اللام سواء كانت بالاشتراك المعنوي كما ينسب الى المشهور، او باللفظي كما نسب لبعضهم، و المصنف يقول بالقرائن لا بالمدخول، فحينئذ القول بكون الدال على التعريف المدخول مما اتفق الكل على عدمه.

و القول بأن التعريف بال او بالقرائن لازمه تعدد الدال و المدلول و هو واضح، و قد اشار المصنف الى اقسام المعرف الستة بقوله: «و المشهور انه على اقسام: المعرف بلام الجنس او الاستغراق او العهد باقسامه» الاربعة فيكون المجموع ستة و أشار الى ان القوم بالنسبة الى التعريف باللام على رأيين الاشتراك اللفظي و المعنوي بقوله:

«على نحو الاشتراك بينها» أي بين هذه الاقسام «لفظا او معنى» و قد اشار الى كون المتفق عليه الكل هو انه من باب تعدد الدال و المدلول بقوله: «و الظاهر ان الخصوصية» أي خصوصية التعريف «في كل واحد من الاقسام من قبل خصوص اللام» على المشهور «او من قبل قرائن المقام» على رأيه «من باب تعدد الدال و المدلول» و حيث ان من الواضح انه لا وضع للمركبات غير وضع مفرداتها لم يشر الى رده، و اقتصر على الاشارة الى رد احتمال انه ليس بالمدخول بقوله: «لا باستعمال المدخول» بان يكون الدال على التعريف بانحائه هو المدخول اما بلحاظ

ص: 289

و المعروف أن اللام تكون موضوعة للتعريف، و مفيدة للتعيين في غير العهد الذهني (1)، و أنت خبير بأنه لا تعين في تعريف الجنس إلا الاشارة

______________________________

العلاقة «ليلزم فيه المجاز او» بالوضع ليلزم منه «الاشتراك» و بطلان الامرين واضح لعدم لحاظ العلاقة في المدخول في مقام استعماله في التعريف فلا مجاز، و لان المتبادر من نفس المدخول هو عين معناه الذي يدل عليه لو لم يكن مصحوبا باللام فلا تعدد في الوضع «فكان المدخول على كل حال» أي في حال كونه مع اللام «مستعملا فيما يستعمل فيه غير المدخول» للام.

(1) هذه هي الجهة الثانية، و الكلام فيها لبيان موضع الخلاف بين المشهور و المصنف.

و قبل الشروع فيه لا بد من بيان ما به يرتفع التهافت فيما نقله عن المشهور، فان المصنف ظهر منه ان المعروف كون اللام موضوعة للقدر الجامع بين الاقسام الستة فهي موضوعة لمطلق التعريف.

و الظاهر من هذه العبارة كون اللام عندهم مفيدة للتعريف في غير العهد الذهني.

و توضيح الحال بحيث يرتفع به التهافت: هو ان اللام في العهد الخارجي و الحضوري و الذكري تدل على معرف متعين، و في تعريف الجنس تدل على تعيين الجنس، و في الاستغراق تدل على ارادة كل فرد فرد فالمدلول فيها متعين، و اما العهد الذهني كما مثلوا له: بادخل السوق و اشتر اللحم لم يرد به الاشارة الى متعين بالحضور و لا الى متعين بالذكر و لا الى متعين في الخارج و لم يرد به تعريف الجنس و لا الاستغراق، فان اللام في السوق و اللحم لم تشر الى سوق او لحم خاص متعين بالحضور و لم يمر ذكر له و لم يرد به سوقا خاصا متعينا خارجا، و لم يرد به تعريف جنس السوق من بين ساير الاجناس و عدم ارادة الاستغراق به واضحة، فبقى ان يراد به الاشارة الى جنس السوق و اللحم المعهودين بالعهد الذهني، فلم تشر اللام الى فرد بعينه ليكون مدلولها معينا كما في بقية اقسام العهد، و لم يقصد بها تعيين الجنس من بين ساير الاجناس كما هو في تعريف الجنس، بل اشير بها الى الجنس

ص: 290

إلى المعنى المتميز بنفسه من بين المعاني ذهنا (1)، و لازمه أن لا يصح حمل المعرف باللام بما هو معرف على الافراد، لما عرفت من امتناع الاتحاد مع ما لا موطن له إلا الذهن إلا بالتجريد، و معه لا فائدة في التقييد (2)،

______________________________

المراد على نحو الاهمال و انه متعين بتعين ذهني، فلذا لا تفيد تعيينا، فعلى هذا يكون قوله في غير العهد الذهني من قيود قوله: «و مفيدة للتعيين» فقط من دون كونها قيدا لقوله: «موضوعة للتعريف».

(1) توضيح الحال ان اللام حيث كانت عند المشهور موضوعة للجامع بين اقسام التعريف الستة و الجامع لهذه الاقسام كلها هو التعين الذهني، فانه يجمع بين التعينات سواء كان التعين ذهنا ذكريا او خارجيا او حضوريا او معهودا بالعهد الذهني، او كان التعين ذهنا لجنس من الاجناس او لارادة كل فرد فرد، و خص بالذكر خصوص تعريف الجنس لا انه اقل افراد التعريف تعينا، فان تعينه لا يزيد على كونه متميزا بنفسه ذهنا من بين المعاني، و قد اشار الى هذا بقوله: «و انت خبير بانه لا تعين في تعريف الجنس الا الاشارة الى كون المعنى» المدخول للام الذي هو الجنس «المتميز بنفسه من بين المعاني ذهنا».

(2) هذا هو الايراد الاول على ما نسب الى المشهور من كون المعرف باللام كالجنس المدخول للام، كقولهم- مثلا- الرجل هو المتعين ذهنا بنفسه من بين المعاني.

و حاصله: انه ليس عندنا في الجنس المعرف باللام غير امرين: حقيقة الجنس و تميزه الذهني، و اذا كانت اللام مشيرة الى صرف الحقيقة من دون تقيدها بتميزها الذهني من بين المعاني لا يفيد التعريف، و المفروض كونها مفيدة له، و اذا كانت مشيرة للحقيقة المتميزة ذهنا بما هي مقيدة بهذا القيد حتى تكون مفيدة للتعريف.

يرد عليهم ان لازم تقيد الحقيقة الجنسية بقيد ذهني ان لا تصدق على افراد الجنس الخارجية، و صدقها على الافراد الخارجية مما لا ينكر، لان من الواضح ان المقيد بقيد ذهني لا يعقل ان يتحد مع الفرد الخارجي اللازم تحققه في مقام الحمل،

ص: 291

.....

______________________________

لوضوح انه لا بد في صحة الحمل من اتحاد الموضوع و المحمول، فالموضوع الذي هو الجنس المعرف المحمول على فرد خارجي لا بد ان يتحد معه في الخارج ليصح الحمل، و قد مر عليك ان الخارج و الذهن متقابلان فلا يعقل ان يتحد ما هو مقيد باحدهما مع الآخر، و إلّا لزم اتحاد الذهن و الخارج، و لا يعقل اتحاد المتقابلين لضرورة ان المقابل لا يقبل المقابل، فالجنس المقيد بالتعين و التميز الذهني بما هو مقيد بهذا التعين الذهني لا يعقل ان يتحد مع افراده الخارجية فلا يصح حمله، و صحة حمل المعرف بلام الجنس على افراده مما لا يمكن انكاره، فلا مناص عن تجريده عن قيده الذهني و يكون محمولا على الفرد بما هو حقيقة الجنس المجردة، و مع لزوم تجريده في مقام الحمل لا فائدة من تقييده بما يلزم منه تجريده، فانه لا يكون بما هو معرف محمولا على فرده، بل بما هو ماهية مهملة فاي فائدة في التزامهم بكون اللام لتعريف الجنس، فان استعمال المعرف بلام الجنس بما هو معرف انما هو لكونه موضوعا لمحمول او محمولا على موضوع.

و الحمل اما اولي او شايع متعارف، و في الحمل الأولي المقصود شرح الحقيقة للماهية بحدها المشتمل على ذاتها و ذاتياتها، و المقصود شرح حقيقة الماهية لا الماهية بما هي معرفة فلا فائدة في التعريف في الحمل الاولى المستعمل في الحدود.

و الحمل الشائع هو اما حمل الماهية على لوازمها الماهوية و فيه أيضا لا فائدة في التعريف، لان لوازم الماهية لوازم لها بما هي ماهية لا بما هي ماهية معرفة.

او حمل الماهية على افرادها الخارجية او اوصافها الخارجية أو أوصاف افرادها الخارجية، و لا بد في هذه الثلاثة من الاتحاد خارجا بين الماهية المعرفة بلام الجنس و بين هذه الموجودات الخارجية، و قد عرفت انه في مثل هذا الحمل الشائع المتعارف لا بد من تجريد الماهية المعرفة عن التعريف، و الى هذا اشار بقوله: «و لازمه ان لا يصح حمل المعرف باللام بما هو معرف على الافراد» لان المعرف باللام هو المقيد بالتعين الذهني، و قد عرفت عدم امكان اتحاده مع الافراد الخارجية، و لذا قال:

ص: 292

مع أن التأويل و التصرف في القضايا المتداولة في العرف غير خال عن التعسف (1).

هذا مضافا إلى أن الوضع لما لا حاجة إليه، بل لا بد من التجريد عنه و إلغائه في الاستعمالات المتعارفة المشتملة على حمل المعرف باللام أو الحمل عليه، كان لغوا، كما أشرنا إليه (2)، فالظاهر أن اللام مطلقا يكون للتزيين، كما في الحسن و الحسين، و استفادة الخصوصيات إنما تكون بالقرائن (3) التي لا بد منها لتعينها على كل حال، و لو قيل بإفادة

______________________________

«من امتناع الاتحاد مع ما لا موطن له الا الذهن» للزوم كون المقيد بامر ذهني موطنه الذهن فلا يصح حمله «إلّا بالتجريد» و قد اشار بنحو الاجمال الى ما ذكرنا من انه لا فائدة في التقييد مع لزوم التجريد في مقام الحمل بقوله: «و معه لا فائدة في التقييد».

(1) هذا هو الايراد الثاني على كون الجنس المعرف باللام هو المتعين ذهنا من بين المعاني، و قد مرت الاشارة اليه في علم الجنس، و حاصله: انه لا معنى للالتزام بالتأويل و التصرف في القضايا التي يكثر تداولها فانه تعسف و تكلف و الى هذا اشار «مع ان التأويل و التصرف ... الى آخر الجملة».

(2) هذا هو الايراد الثالث على ما نسب الى المشهور، و قد مر ذكره أيضا في علم الجنس، و مجمله انه لا يصح للحكيم ان يضع اللام للتعريف الذي لازمه تقييد المعرف بقيد ذهني لا يصح حمل المعرف بما هو معرف و مقيد بهذا القيد في القضايا المتعارفة الكثيرة التداول الا بتجريده عن التعريف، و الى هذا اشار بقوله: «هذا مضافا الى ان الوضع ... الى آخره». و قوله: «كان لغوا» هو خبر ان في قوله:

«ان الوضع».

(3) لا يخفى ان الوجه في قوله ان اللام مطلقا مع ان كلامه كان في اللام التي هي لتعريف الجنس هو ما ذكرنا من ان التعريف الجامع للاقسام الستة ليس هو إلّا التميز

ص: 293

اللام للاشارة إلى المعنى، و مع الدلالة عليه بتلك الخصوصيات لا حاجة إلى تلك الاشارة، لو لم تكن مخلة، و قد عرفت إخلالها، فتأمل جيدا (1).

______________________________

و التعين الذهني، و لا خصوصية لتعريف الجنس، فلذا قال: «ان اللام مطلقا تكون للتزيين» لا للتعريف «كما في لفظ الحسن و الحسين» فان اللام فيهما ليست للتعريف لوضوح كونهما علمين لا حاجة الى تعريفهما، فتعين ان الدال على التعريف باقسامه الستة هو القرائن الخارجية لا اللفظ المعرف الذي يكون موضوعا تارة و محمولا أخرى، و الى ما ذكرنا اشار بقوله: «فالظاهر ان اللام مطلقا يكون للتزيين كما في لفظ الحسن و الحسين و استفادة الخصوصيات» أي خصوصيات الاقسام الستة المذكورة للتعريف: من الحضوري، و الذكري، و الخارجي، و الذهني، و تعريف الجنس، و الاستغراق «انما تكون بالقرائن» الخارجة عن مفاد اللفظ المعرف باللام.

(1) حاصله: انه بعد ان كانت عند المشهور اللام موضوعة للتعريف الجامع بين الاقسام المذكورة فلا بد في مقام استعمالها في كل قسم من اقسام التعريف من قرينة خارجة عن اللام تعين كل واحد من الاقسام، لبداهة انه لا دلالة لما هو موضوع للجامع على خصوصية افراده التي كل خصوصية منها غير الخصوصية الأخرى، لما هو واضح من كون التعريف الذكري هو خصوصية غير خصوصية التعريف الخارجي و هلم جرا ..، و اذا كان لا بد من القرائن المعينة للخصوصيات لا تبقى فائدة في التعريف، فان القرينة المعينة للخصوصية تشتمل على التعريف لان القرينة في التعريف الذكري معناها انها تدل على المعهود ذكرا، و مع دلالتها كذلك لا حاجة في الاشارة باللام الى انه كذلك، و مرجع هذا الى ايراد رابع على المنسوب الى المشهور، و الى هذا اشار بقوله: «التي لا بد منها» أي ان استفادة الخصوصيات التعريفية انما تكون بالقرائن التي لا غناء عنها، لعدم دلالة ما هو موضوع للجامع بينها عليها للزوم «تعيينها على كل حال و لو قيل» أي حتى لو قيل بمقالة المشهور «بإفادة اللام

ص: 294

.....

______________________________

للاشارة الى المعنى» و تعريفه لان اللام موضوعة للجامع عندهم فلا بد من القرائن الاخرى لتعيين افراد هذا الجامع «و مع الدلالة عليه» أي مع دلالة القرائن على المعنى بما هو متميز بتلك الخصوصيات «لا حاجة الى تلك الاشارة» اليه باللام «لو لم تكن مخلة و قد عرفت اخلالها» من ورود ما ذكره من الايرادات عليها لو كانت اللام موضوعة للتعريف الذي هو الاشارة الى المعنى المتميز بنفسه من بين المعاني ذهنا.

لكنه لا يخفى ان هذا كله انما يرد حيث يكون التعريف عندهم هو التعين الذهني.

اما لو كان مرادهم هو التعين الذاتي فلا يرد عليهم شي ء مما ذكر، و توضيحه:

ان كل ماهية بل كل شي ء له تعين بذاته متميز عن ساير ما عداه، فتارة يراد الدلالة عليه من دون الاشارة الى تميزه بذاته و في مثل هذا يكون اسم الجنس مستعملا من غير تعريف و اشارة، و اخرى يراد الدلالة عليه بما هو متميز و كونه بذاته جنس غير سائر الاجناس، و في مثل هذا يستعمل معرفا باللام للاشارة الى تمييز هذا الجنس المعرف من بين ساير الاجناس و ليس التعريف قيدا ذهنيا، و المشار اليه باللام هو تمييز الجنس ذهنا، لوضوح ان الغرض تمييزه بذاته لا تمييزه في خصوص الذهن و الادراك، و من الواضح أيضا ان التميز الذاتي انما هو بكونه ماهية متميزة بذاتها عن ساير الماهيات، و هذا التميز ذاتي للماهية من دون رعاية ذهن او غيره فلا يلزم على هذا شي ء مما اورده و هو واضح، لان كل ما اورده منوط بكون التميز ذهنيا لا ذاتيا. هذا في تعريف الجنس، و هكذا الحال في ساير اقسام التعريف فانه في الحضوري كونه متميزا بالحضور، و هكذا في الخارجي و الذكري، و أما في العهد الذهني فقد عرفت انه هو تميز الجنس و تعينه لكنه لا لاجل الاشارة الى تمييزه و تعيينه من بين ساير الاجناس، بل لاجل الاشارة الى كونه متميزا و متعينا لان يرد عليه المحمول كقولهم ادخل السوق و اشتر اللحم، فاللام في مثل هذا للاشارة الى تميز جنس السوق و اللحم لان يدخل و لان يشترى.

ص: 295

الجمع المحلى باللام

و أما دلالة الجمع المعرف باللام على العموم مع عدم دلالة المدخول عليه، فلا دلالة فيها على أنها تكون لاجل دلالة اللام على التعيين، حيث لا تعين إلا للمرتبة المستغرقة لجميع الافراد (1)، و ذلك لتعين المرتبة

______________________________

فاتضح انه ليس في اقسام التعريف ما هو مقيد بأمر ذهني، و كيف غرضهم التقييد بأمر ذهني، فان معنى التقييد بأمر ذهني هو كون اللام مشيرة الى المعنى الملحوظ بما هو مقيد بأنه ملحوظ و ليس في اللام دلالة على ذلك!

و اما الاشكال الأخير بأنه لا بد اذا قيل بأن اللام موضوعة للقدر الجامع فلا بد من قرينة معينة لفرد الجامع و مع القرينة لا حاجة الى التعريف باللام.

فالجواب ان هذا انما يتم بناء على مختاره في وضع الحروف من الوضع العام و الموضوع له العام، اما بناء على مبناهم في وضع الحروف من الوضع العام و الموضوع له الخاص فاللام دائما في مقام الاستعمال تدل على المعنى الخاص بما له من الخصوصية، و لا يكون مدلولها هو المعنى العام الجامع بين الاقسام حتى نحتاج الى القرينة المعينة لخصوصية الفرد.

(1) لا يخفى انه من قوله: «مع عدم دلالة المدخول» الى قوله: «و ذلك» هو اشارة الى ما استدل به على دلالة اللام في الجمع المعرف باللام على الاشارة الذهنية الى تعينه و تميزه بارادة جميع الافراد.

و توضيح الاستدلال هو ان الجمع المدخول للام لا دلالة له على الاستغراق و هو واضح، لضرورة عدم دلالة لفظ علماء من دون اللام على الاستغراق و لا وضع للمركب غير وضع مفرداته، و بعد دلالة الجمع المعرف على غير ما دل عليه المدخول فلا بد و ان تكون المرتبة المتعينة التي تشير اللام اليها هي المرتبة المستغرقة، لوضوح انه ليس للجمع المدخول للام مرتبة متعينة غير هذه المرتبة و هذه المرتبة لا بد أيضا ان يكون الدال عليها هو اللام لانه لو لم تكن مدلولة للام لكانت مدلولا من غير دال و هو واضح البطلان، فلا مناص بعد تمامية هذه المقدمات عن الالتزام بكون الدال

ص: 296

الاخرى، و هي أقل مراتب الجمع، كما لا يخفى. فلا بد أن يكون دلالته عليه مستندة إلى وضعه كذلك لذلك، لا إلى دلالة اللام على الاشارة إلى المعين، ليكون به التعريف، و إن أبيت إلا عن استناد الدلالة عليه اليه، فلا محيص عن دلالته على الاستغراق بلا توسيط الدلالة على التعيين، فلا يكون بسببه تعريف إلا لفظا، فتأمل جيدا (1).

______________________________

على هذا التعيين هو اللام، لانه بعد كون الجمع المعرف دالا على الاستغراق و عدم دلالة المدخول بنفسه من دون اللام على ذلك فالدلالة على المرتبة المستغرقة اما ان تكون دلالة من غير دال، او يكون الدال عليها هو اللام اذ ليس في الكلام غيره، و قد اشار الى جل ما ذكرنا، اما الى كون الجمع المعرف دالا على العموم فقد أشار بقوله: «و اما دلالة الجمع المعرف باللام على العموم» و اشار الى كون المدخول غير دال على ذلك بقوله: «مع عدم دلالة المدخول عليه» أي ان المدخول للام من دون اللام لا يدل على العموم و الاستغراق، و اشار الى انه لا بد و ان تكون اللام هي الدالة على ذلك بقوله: «على انها» أي الدلالة على العموم لا بد و ان «تكون لاجل دلالة اللام على التعيين» للمرتبة المستغرقة، و اشار الى ان المرتبة المستغرقة هي المرتبة التي يكون المدخول فيها متعينا و في غيرها لا تعين للمدخول فيها بقوله:

«حيث لا تعين الا للمرتبة المستغرقة لجميع الافراد».

(1) المتحصل من مجموع عبارة المتن ثلاثة ايرادات على هذا الاستدلال:

الأول: ان للجمع مرتبتين يتعين فيها، و هما أقل الجمع، و المرتبة المستغرقة فلا يختص تعيين الجمع في المرتبة المستغرقة، فلا يتم ما ذكروه من انه لا تعين للجمع الا في المرتبة المستغرقة، و الى هذا اشار بقوله: «و ذلك لتعين المرتبة الاخرى و هي أقل مراتب الجمع».

الايراد الثاني: انه بعد ان كان المشهور قد ذهبوا الى ان اللام موضوعة للجامع بين اقسام التعريف، و انما قالوا بالدلالة على المرتبة المستغرقة لكون اللام تدل على

ص: 297

.....

______________________________

الاشارة الى التعيين الجامع، و هذه المرتبة انما تتعين لانه ليس للجمع مرتبة يتعين فيها الا هذه المرتبة. و بعد ان عرفت انه هناك مرتبتان يكون الجمع متعينا فيهما أقل المراتب و المرتبة الأخيرة، و اللام الموضوعة للجامع عندهم لا دلالة لها على خصوصية من الخصوصيات أصلا، فقولهم بدلالة الجمع المعرف على العموم لازمه الالتزام بوضع المجموع من اللام و المدخول لذلك، و لذا بعد ان ذكر ان للجمع مرتبتين يتعين فيهما- فرع على ذلك مشيرا لهذا الايراد الثاني بقوله: «فلا بد ان يكون دلالته عليه» أي دلالة الجمع المعرف على العموم «مستندة الى وضعه كذلك» أي الى وضع المعرف بمجموعه «لذلك» أي للدلالة على المرتبة المستغرقة «لا الى دلالة اللام على الاشارة الى المعين ليكون به» أي ليكون بواسطة اللام الدلالة على التعريف، لان اللام عندهم موضوعة للتعريف الجامع، و الموضوع للجامع لا يدل على خصوصيات الافراد.

الايراد الثالث: ان غاية ما تقتضيه دعوى دلالة الجمع المحلى باللام على المرتبة المستغرقة هو كون الجمع المحلى باللام دالا على الاستغراق، و لا موجب للالتزام بدلالته بالاشارة الذهنية الى تعيين المرتبة المستغرقة، بل نلتزم بكون الجمع المحلى باللام دالا على الاستغراق من دون دلالته بالاشارة الذهنية على التعيين في الاستغراق، ليكون دالا على الاستغراق فقط من دون دلالة له على التعريف «فلا يكون بسببه» أي بسبب اللام «تعريف الا لفظا».

ص: 298

النكرة

و منها: النكرة مثل رجل في و جاء رجل من أقصى المدينة، أو في جئنى برجل و لا إشكال أن المفهوم منها في الاول، و لو بنحو تعدد الدال و المدلول، هو الفرد المعين في الواقع المجهول عند المخاطب المحتمل الانطباق على غير واحد من أفراد الرجل. كما أنه في الثاني، هي الطبيعة الماخوذة مع قيد الوحدة، فيكون حصة من الرجل، و يكون كليا ينطبق على كثيرين (1)، لا فردا مرددا بين الافراد.

______________________________

(1) لا يخفى ان الكلام في مصداق النكرة لا في مفهوم النكرة أي فيما كان نكرة بالحمل الشائع لا في النكرة بالحمل الاولى.

و بعبارة اخرى: في مدلول مثل لفظ رجل لا في مدلول لفظ نكرة. و على هذا فالاقوال فيه أربعة:

الأول: ما هو المشهور من انها موضوعة للفرد المردد.

الثاني: كونها في مثل و جاء رجل من اقصى المدينة، و مثل أي رجل جاءك، تدل على الفرد المعين في الواقع عند المتكلم في المثال الأول، و عند المخاطب في المثال الثاني، المجهول عند المخاطب في المثال الأول، و عند المتكلم في المثال الثاني.

و في مثل جئني برجل تدل على حصة كلية تنطبق على أي فرد من افراد الطبيعة، و المراد من كونه حصة هو كون مدلولها الطبيعة المقيدة بالوحدة.

الثالث: ان مدلولها مطلقا هو الطبيعة المقيدة بالوحدة، فلا فرق بين جاء رجل من اقصى المدينة، و بين جئني برجل.

الرابع: ان مدلولها مطلقا هو الحصة المقيدة بانها غير متعينة، فالفرق بين النكرة و اسم الجنس هو ان مدلول اسم الجنس هو الطبيعة غير المقيدة لا بالتعين و لا بعدم التعين، و مدلول النكرة هو الطبيعة المقيدة بأنها غير متعينة فالقيد الموجب لكونها حصة ليس هو قيد الوحدة بل هو تقييدها بأنها غير متعينة.

ص: 299

و بالجملة: النكرة- أي ما بالحمل الشائع يكون نكرة عندهم- إما هو فرد معين في الواقع غير معين للمخاطب، أو حصة كلية، لا الفرد المردد بين الافراد، و ذلك لبداهة كون لفظ رجل في جئني برجل نكرة، مع أنه يصدق على كل من جي ء به من الافراد و لا يكاد يكون واحد منها هذا أو غيره، كما هو قضية الفرد المردد، لو كان هو المراد منها، ضرورة أن كل واحد هو هو، لا هو أو غيره، فلا بد أن تكون النكرة الواقعة في متعلق الامر، هو الطبيعي المقيد بمثل مفهوم الوحدة، فيكون كليا قابلا للانطباق، فتأمل جيدا (1).

______________________________

و يظهر من المتن اختيار القول الثاني، لانه بعد ان مثل للنكرة بمثالين اشار اليه بقوله: «النكرة مثل رجل في و جاء رجل من اقصى المدينة او جئني برجل» قال «و لا اشكال ان المفهوم منها» أي من النكرة «في الأول» أي في المثال الأول و هو جاء رجل من اقصى المدينة «و لو بنحو تعدد الدال و المدلول هو الفرد المعين في الواقع» و عند المتكلم في المثال المذكور «المجهول عند المخاطب المحتمل الانطباق على واحد من افراد الرجل» لانه حيث كان مجهولا عنده فهو يحتمل الانطباق على أي فرد من افراد طبيعة الرجل «كما انه في الثاني» أي في مثل جئني برجل المدلول للنكرة «هي الطبيعة المأخوذة مع قيد الوحدة فيكون» مدلولها «حصة من الرجل» و حيث ان التقيد بالوحدة لا يجعلها جزئيا شخصيا بل هي باقية على قابلية الصدق على كثيرين، فلذا قال: «و يكون كليا ينطبق على كثيرين».

(1) اقتصر المصنف على التعرض لما ينسب الى المشهور من ان النكرة تدل على الفرد المردد، و حاصل ما اشار اليه في رد هذا هو انه لا اشكال في كون النكرة الواقعة في مثل جئني برجل قابلة للانطباق على كل فرد من افراد طبيعة الرجل، و من الواضح انه لا وجود للمردد بما هو مردد في الخارج، و كل فرد في الخارج هو هو لا هو أو غيره، فاذا كان النكرة الواقعة في الكلام مما تنطبق على الافراد، و المردد لا يعقل

ص: 300

.....

______________________________

انطباقه على الافراد- يتضح ان مدلول النكرة ليس هو الفرد المردد في مثل جئني برجل، و اما في مثل جاء رجل فقد عرفت انها تدل على معين في الواقع، و المعين في الواقع لا يعقل ان يكون مرددا.

فتبين ان النكرة بمدلولها ليست هي الفرد المردد، و الى هذا اشار بقوله:

«و بالجملة النكرة أي ما بالحمل الشائع يكون نكرة عندهم» لما عرفت ان الكلام في مصداق النكرة كلفظ رجل لا في ما كان بالحمل الاولى نكرة و هو لفظ النكرة «اما هو فرد معين في الواقع غير معين للمخاطب» كما في مثل و جاء رجل من اقصى المدينة، و هذا القسم من النكرة من الواضح عدم دلالته على الفرد المردد لفرض تعيّنه في الواقع و عند المخاطب «او حصة كلية» كما في مثل جئني برجل «لا الفرد المردد بين الافراد لبداهة كون لفظ رجل في جئني برجل نكرة مع انه يصدق على كل من جي ء به من الافراد و» لو كان النكرة هي الفرد المردد لما صدقت على فرد من افراد الرجال انه «لا يكاد يكون واحد منها» أي من الافراد «هذا او غيره» لبداهة كون كل فرد هو هو لا هو او غيره، و ليس في الخارج فرد هو او غيره «كما هو قضية الفرد المردد لو كان هو المراد منها» أي لو كان النكرة هي الفرد المردد لاقتضت ان يكون ما يصدق عليه هو او غيره لا هو لا غيره، و من الواضح «ضرورة ان كل واحد» من الافراد «هو هو لا هو او غيره فلا بد ان تكون النكرة الواقعة في متعلق الامر» كجئني برجل «هو الطبيعي المقيد بمثل مفهوم الوحدة» بنحو تعدد الدال و المدلول لدلالة لفظ الرجل على نفس الطبيعة و دلالة تنوين التنكير على قيد الوحدة «فيكون» مدلول النكرة «كليا قابلا للانطباق» على كثيرين.

و المتحصل مما ذكره: ان المانع من كون مدلول النكرة هو الفرد المردد انه لا يمكن ان تنطبق على الافراد، و لكنه قد عرفت في بعض المباحث المتقدمة كالواجب التخييري ان المردد لا تحقق له لا ماهية و لا وجودا لا ذهنا و لا خارجا، لان كل ماهية في مقام ماهيتها متعينة بذاتها و ذاتياتها و غير مرددة، و في مقام وجودها و هو مقام

ص: 301

المطلق المشهوري الاصولي

إذا عرفت ذلك، فالظاهر صحة إطلاق المطلق عندهم حقيقة على اسم الجنس و النكرة بالمعنى الثاني، كما يصح لغة. و غير بعيد أن يكون جريهم في هذا الاطلاق على وفق اللغة، من دون أن يكون لهم فيه اصطلاح على خلافها، كما لا يخفى.

نعم لو صح ما نسب إلى المشهور من كون المطلق عندهم موضوعا لما قيّد بالارسال و الشمول البدلي، لما كان ما أريد منه الجنس أو الحصة عندهم بمطلق، إلا أن الكلام في صدق النسبة (1)، و لا يخفى أن المطلق

______________________________

تشخصها بالوجود أيضا لا يعقل ان تكون مرددة لمنافاة تشخصها بالوجود للترديد، فالمردد بما هو مردد لا ماهية له و لا وجود، و ما لا ماهية له و لا وجود لا يعقل ان يكون مدلولا للفظ او غيره.

نعم هناك مفهوم المردد و مفهوم المردد ليس بمردد أيضا بل هو مفهوم معين غير مردد.

(1) لا يخفى ان المطلق في اللغة هو المرسل أي غير المقيد فهو في مقابل المقيد، و ليس المطلق في اللغة كما يظهر من موارد استعمالاته هو خصوص المأخوذ فيه الشيوع و السريان حتى يكون في قبال المقيد و المبهم، لانه يطلق المطلق في اللغة على المفهوم غير المأخوذ فيه الشيوع كاسم الجنس الموضوع للماهية المبهمة، فانه من الواضح ان اسم الجنس من المطلق في اللغة. نعم الملحوظ بنحو يكون له الشيوع و السريان لجميع افراد الماهية هو أيضا مرسل، بمعنى انه غير مقيد بما يوجب تضييقه.

و على كل فالمطلق غير المقيد يصدق في اللغة على اسم الجنس، و على النكرة، فانها كما عرفت هي الطبيعة المقيدة بالوحدة، و قيد الوحدة و ان كان قيدا في مقام المفهوم إلّا انه حيث لا يمنع عن صدق ارسال الطبيعة على أي فرد من افرادها، فمدلول النكرة أيضا طبيعة مرسلة غير محجوزة عن الارسال في الصدق.

ص: 302

.....

______________________________

و على المطلق بالمعنى المنسوب الى المشهور و هو ما اخذ فيه الشيوع و السريان، فانه ايضا و ان كان قد قيد بالارسال في مقام المفهوم، إلّا انه حيث كان لا يمنع عن صدق الطبيعة على جميع افرادها فللطبيعة أيضا ارسال من ناحية الصدق على أي فرد من افرادها، و على المعرف باللام بناء على كونه من المطلق.

و اما في الاصطلاح و عرف الاصوليين فان كان استعمالهم له بما له من المعنى اللغوي فلا ريب في صحة اطلاق المطلق عندهم حينئذ على اسم الجنس و النكرة، و اما اذا كان منقولا لا عندهم لخصوص الماخوذ فيه الشيوع و السريان فلا يصح اطلاقه عليهما، لانه على هذا يكون المطلق في قبال المقيد بان لا يكون ساريا لجميع افراد الطبيعة، و وضوح عدم كون المقيد بعدم السريان من الشائع الساري لجميع افراد الطبيعة و في قبال المبهم أيضا، لانه لم يؤخذ فيه الشيوع و السريان و اسم الجنس من المبهم، و النكرة هي مقيدة بالوحدة و باقية على ابهامها من غير ناحية قيد الوحدة و لم يؤخذ فيها الشيوع و السريان، و السبب في النسبة الى المشهور ان المطلق عندهم هو المأخوذ فيه الشيوع و السريان هو تعريفهم للمطلق بانه ما دل على شايع في جنسه، فان الظاهر من اخذ الشيوع في تعريف المطلق هو كونه منقولا عن معناه اللغوي الى خصوص ما اخذ فيه الشيوع، و لكنه يمكن ان يكون مرادهم من الشيوع ما لا ينافي كونه عندهم هو بمعناه اللغوي.

و توضيحه: ان الشيوع كما يصح اطلاقه على ما لحظ فيه الشيوع و السريان كذلك يصح اطلاقه على ما لم يؤخذ فيه في مقام مفهوميته و لحاظ ذلك، فان اسم الجنس له في مقام الصدق شيوع و سريان لجميع افراد الطبيعة.

و بعبارة اخرى: ان مرادهم من اخذ الشيوع في التعريف هو كون المعرف له شيوع و سريان في مقام الصدق، لا ان الشيوع مأخوذ في مقام مفهومه، و يؤيد ما ذكرنا من عدم اخذ الشيوع و السريان في مفهوم المطلق عندهم ما ذكره الشهيد قدّس سرّه في تعريف المطلق بأنه هو الماهية من حيث هي هي، و الظاهر ان الشهيد

ص: 303

بهذا المعنى لطروء التقييد غير قابل، فإن ما له من الخصوصية ينافيه و يعانده، و هذا بخلافه بالمعنيين، فإن كلا منهما له قابل، لعدم انثلامهما بسببه أصلا، كما لا يخفى.

و عليه لا يستلزم التقييد تجوزا في المطلق، لامكان إرادة معنى لفظه منه، و إرادة قيده من قرينة حال أو مقال، و إنما استلزمه لو كان بذلك

______________________________

يقصد تعريف المطلق على رأي المشهور لا على خصوص رأيه قدّس سرّه، و على هذا فيكون المطلق في عرف الاصوليين هو المطلق في عرف اللغة، و قد اشار الى ما ذكرنا بقوله: «فالظاهر صحة اطلاق المطلق عندهم حقيقة على اسم الجنس و النكرة بالمعنى الثاني» لانه بالمعنى الاول واحد معين واقعا لا اطلاق فيه لانه جزئي حقيقي، و انما يصح اطلاقه عندهم على اسم الجنس و النكرة حيث لا يكون المطلق عندهم ماخوذا في مفهومه الشيوع و السريان، بان يكون بمعنى عدم التقييد المقابل للمقيد و المبهم، فيصح اطلاق المطلق عليهما عند الاصوليين «كما يصح لغة» و قد اشار الى ان المطلق اذا لم يكن منقولا لخصوص ما اخذ فيه الشيوع فلا داعي لان ينقل الى ما يساوق المعنى اللغوي، بل ينبغي ان يكون مستعملا عندهم بمعناه اللغوي بقوله:

«و غير بعيد ان يكون جريهم في هذا الاطلاق على وفق اللغة من دون ان يكون لهم اصطلاح جديد على خلافها».

و قد اشار الى انه لو اخذ فيه مفهوما الشيوع و السريان لما صح اطلاقه عليهما بقوله: «نعم لو صح ما نسب الى المشهور من كون المطلق عندهم موضوعا» بان ينقل «لما قيد بالارسال و الشمول البدلي لما كان ما اريد منه الجنس» الذي هو المبهم «او الحصة» التي هي النكرة «عندهم بمطلق» لعدم اخذ الشيوع في مفهوم النكرة، لان الطبيعة فيها باقية على ابهامها، و قد اشار الى ان كون المطلق عند المشهور هو المأخوذ فيه الشيوع غير معلوم الصحة بقوله: «إلّا ان الكلام في صدق النسبة» كما عرفت سبب التوهم في نسبة ذلك اليهم و دفعه.

ص: 304

المعنى (1)، نعم لو أريد من لفظه المعنى المقيد، كان مجازا مطلقا، كان

______________________________

(1) المطلق اذا كان ماخوذا فيه الشيوع و السريان لجميع الافراد فاذا قيد و اريد به بعض افراد الطبيعة لا بد و ان لا يكون باقيا على معناه من الشيوع و السريان لجميع الافراد، لان ارادة الشيوع و السريان منه و ارادة المقيد منه و هو بعض الافراد من ارادة المتنافيين، فلا يعقل اجتماعهما، فلا بد اذا طرأ عليه التقييد ان لا يكون المطلق قد اريد منه معناه الموضوع له و هو الشيوع و السريان لجميع افراد الطبيعة، و لازمه ان يكون قد استعمل مجازا في غير ما وضع له فيما اذا طرأ عليه التقييد، و هذا مراده من قوله: «و لا يخفى ان المطلق بهذا المعنى» أي بما انه ماخوذ فيه الشيوع و السريان لجميع افراد الطبيعة «لطرو التقيد» عليه «غير قابل» مع بقائه على اخذ الشيوع و السريان فيه «فان ما له من الخصوصية» الموجبة لتقييده في بعض افراده «ينافيه و يعانده» بما هو مطلق و سار في جميع الافراد. اما اذا كان المطلق ليس بهذا المعنى بل بمعنى عدم كونه مقيدا فان تقييده لا يكون منافيا لاطلاقه و لا يستلزم فيما اذا طرأ عليه التقييد ان يكون مستعملا مجازا.

و توضيحه: ان ارادة التقييد يمكن ان تقع بنحوين: تارة باستعمال المطلق الموضوع لما لا تقييد فيه في المقيد بالخصوص، و هذا لازمه ان يكون المطلق قد استعمل مجازا في غير ما وضع له، لان استعمال اللفظ الموضوع للطبيعة غير المقيدة في خصوص الطبيعة المقيدة من استعمال اللفظ في غير ما وضع له.

و اخرى بان يستعمل المطلق في ما وضع له و هو المعنى غير المقيد و يدل على التقييد القرينة، فيكون المقيد بما هو مقيد مستفادا من دالين احدهما على الطبيعة و هو لفظ المطلق، و ثانيهما على التقييد و هو القرينة، و في مثل هذا يكون المطلق مستعملا في معناه و لا يستلزم مجازا اصلا.

ص: 305

التقييد بمتصل أو منفصل (1).

______________________________

فاتضح ان المطلق كاسم الجنس الموضوع للطبيعة بما هي هي، و النكرة الموضوعة للطبيعة المقيدة بالوحدة فقط المبهمة من غير ناحية قيد الوحدة اذا طرأ عليها التقييد لا يستلزم ذلك مجازا، لامكان ان يكون التقييد بنحو تعدد الدال و المدلول، و قد عرفت انه اذا كان بهذا النحو لا يستلزم مجازا اصلا، و الى هذا اشار بقوله: «و هذا بخلافه بالمعنيين» المراد من المعنيين للمطلق هو اسم الجنس الموضوع للماهية المبهمة، و النكرة الموضوعة للطبيعة المقيدة بالوحدة فقط «فان كلا منهما له قابل» أي للتقييد قابل، و لا يكون تقيدهما منافيا لاطلاقهما «لعدم انثلامهما» أي لعدم انثلام ارادة الاطلاق فيهما «بسببه» أي بسبب التقييد اصلا «و عليه لا يستلزم التقييد تجوزا في المطلق» غير المأخوذ فيه الشيوع و السريان، بل كان بمعنى عدم كونه مقيدا «ل» ما عرفت من «امكان ارادة معنى لفظه منه» بان يراد من رقبة مثلا في قولة اعتق رقبة مؤمنة هو المعنى الموضوع له النكرة الذي هو المطلق، فمدلول رقبة هو الطبيعة المقيدة بالوحدة و تقييدها بكونها مؤمنة قد استفيد من قوله مؤمنة، فلا يستلزم هذا تجوزا في استعمال لفظ رقبة الموضوعة للطبيعة بقيد الوحدة، بل هي مستعملة في معناها الذي وضعت له، فالمطلق قد استعمل في معناه «و ارادة قيده» يكون مستفادا «من قرينة حال او مقال و انما استلزمه» أي و انما استلزم المطلق المجاز «لو كان» المطلق «بذلك المعنى» أي بالمعنى المنسوب الى المشهور من اخذ الشيوع و السريان فيه.

(1) أي ان المطلق على رأي غير المشهور لو طرأ عليه التقييد و اريد منه لا على نحو تعدد الدال و المدلول، بل بان يكون المطلق مستعملا في خصوص المقيد كان ذلك مستلزما للمجاز، و لا فرق بين ان يكون التقييد بدليل متصل بالمطلق، او كان بدليل منفصل، لكنه على نحو يكون كاشفا عن ان المطلق قد استعمل في خصوص المقيد، و الى هذا اشار بقوله: «نعم لو اريد من لفظه» أي من لفظ المطلق بناء على المختار من كونه موضوعا للطبيعة غير المقيدة و لكن كان قد استعمل في المقيد بما هو مقيد

ص: 306

.....

______________________________

لا بنحو تعدد الدال و المدلول «كان» استعمال المطلق بهذا النحو يستلزم «مجازا مطلقا» سواء «كان التقييد» بدليل «متصل او منفصل».

لا يقال: ان محصل ما في المتن هو انه لو كان المطلق ماخوذا فيه الشيوع و السريان لكان طرو التقييد عليه مستلزما للمجازية، بخلاف ما اذا لم يكن ماخوذا فيه ذلك، لكنه هذا انما يتم على مذهب المشهور المتقدم في العام و الخاص من كون تخصيص العام مستلزما مجازا. اما بناء على مختاره قدّس سرّه من كون التخصيص لا يستلزم المجاز و يبقى العام حتى مع التخصيص مستعملا في العموم بداعي ضرب القاعدة، و ان التخصيص يتعلق بالارادة الجدية دون الاستعمالية، و المطلق كذلك فانه و ان كان قد اخذ فيه الشيوع و السريان و لكن طرو التقييد عليه لا يستلزم استعماله في المقيد بالخصوص ليستلزم المجاز، بل يكون مستعملا في اطلاقه لداعي ضرب القاعدة، و التقييد يرجع الى الارادة الجدية اللبية دون الارادة الاستعمالية ليستلزم المجاز.

فانه يقال: يحتمل ان ذلك من المصنف كان تمشيا مع القوم على مذاقهم لا على مذاقه و مختاره، و يحتمل ايضا ان يكون اخذ الشيوع و السريان في المطلق على المشهور لو صحت النسبة كان بنحو شرط الوضع لا بان يكون جزء الموضوع له لوضوح انه لو كان بنحو جزء الموضوع له لكان المطلق بعض افراد العام البدلي، و صريح المشهور ان المطلق عندهم في قبال العام لا انه بعض افراده.

و من الواضح ان كون التقييد غير مستلزم للتجوز برجوعه الى الارادة الجدية دون الاستعمالية انما هو فيما كان الشيوع و السريان جزء الموضوع له، اما اذا كان بنحو شرط الوضع بان يكون لفظ المطلق قد وضع للطبيعة التي كانت ملحوظة بنحو الشيوع و السريان فلحاظها بنحو الشيوع و السريان من قبيل شرط الوضع، فلا يعقل ان يكون المطلق مستعملا في معناه فيما اذا طرأ عليه التقييد، لضرورة عدم امكان اجتماع لحاظ بنحو الشيوع و السريان مع لحاظه بنحو التقييد، فلا بد و ان يكون المطلق الذي طرأ عليه التقييد كان مستعملا في غير ما وضع له، و لعله لذلك اطلق المصنف

ص: 307

مقدمات الحكمة

اشارة

فصل قد ظهر لك أنه لا دلالة لمثل رجل إلا على الماهية المبهمة وضعا، و أن الشياع و السريان كسائر الطوارئ يكون خارجا عمّا وضع له، فلا بد في الدلالة عليه من قرينة حال أو مقال أو حكمة (1)، و هي تتوقف على مقدمات:

______________________________

كلامه في المقام و قال انه يستلزم المجاز، و لم ينبّه على ذلك منوطا بمختارهم في العام و الخاص من كون التخصيص مستلزما للمجازية و اللّه العالم.

(1) قد ثبت مما مر ان اسم الجنس- مثلا- كرجل موضوع للماهية من حيث هي هي المجردة عن كل تقييد، فان كان قرينة مقالية تدل على ارادة العموم منه اما استغراقا كأكرم كل رجل او بدليا كأكرم رجلا ايما كان، او تدل على الخصوص كاكرم رجلا عالما، او قرينة حالية ككون السائل عراقيا في تقدير وزن الكرّ بالمدّ العراقي دون المدني، اما مع عدم القرينة كقوله اعتق رقبة فلا بد في احراز كون متعلق الحكم هو مطلق الرقبة فتبرأ الذمة بعتق أي رقبة كانت من اجراء مقدمات الحكمة، فان تمت تم الاطلاق و الّا فلا، و انما سميت مقدمات الحكمة بعد جريانها يلزم ان يكون لو لم يرد المتكلم الاطلاق للزم منه نقض غرضه، لوضوح ان اغراض المتكلم بالكلام لا بد و ان تكون مما يفي كلامه بها، فكون كلام المتكلم الحكيم يلزم منه عدم الوفاء بغرضه قبيح منه، و حيث ان المقدمات الآتية مما يحرز بها الاطلاق في كلامه فلو كان قد اراد في كلامه غير الاطلاق لكان خلاف الحكمة من الحكيم، فلذلك سميت هذه المقدمات بمقدمات الحكمة، فلذا بعد ان قال ان مثل لفظ رجل موضوع للماهية من حيث هي هي قال فلا دلالة فيها بحسب الوضع على الشيوع و السريان لجميع الافراد، ثم قال: «فلا بد في الدلالة عليه» أي على الشيوع و السريان «من قرينة حال او مقال او حكمة».

ص: 308

إحداها: كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد، لا الاهمال أو الاجمال.

ثانيتها: انتفاء ما يوجب التعيين.

ثالثتها: انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب (1)، و لو كان المتيقن بملاحظة الخارج عن ذاك المقام في البين، فإنه غير مؤثر في رفع الاخلال

______________________________

(1) مقدمات الحكمة التي بها يتم الاطلاق على ما ذكرها في المتن ثلاث:

الأولى: احراز كون المتكلم في مقام بيان تمام مرامه بكلامه، و لو بأن يكون الاحراز بالاصل كما سيأتي، لا ان يكون في مقام الاهمال او الاجمال، و الفرق بينهما هو ان الاهمال كون المتكلم لم يتعلق غرضه ببيان تمام مراده بكلامه، و الاجمال هو كونه قد تعلق غرضه بعدم بيان تمام مراده، فالاجمال هو الاهمال بغرض.

الثانية: انتفاء ما يوجب التعيين في كلامه أي عدم القرينة الحالية و المقالية على تعيين غرضه بكلامه.

الثالثة: انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب أي ان لا يكون لكلامه قدر متيقن في مقام التخاطب، و توضيح هذه المقدمة ان المراد من القدر المتيقن في مقام التخاطب الذي يتوقف تمامية الاطلاق- أي الشيوع و السريان لجميع الافراد- على انتفائه ليس هو ان يكون للكلام انصراف، فان الانصراف الموجب للظهور من القرائن المشترط انتفاؤها بحسب المقدمة الثانية. نعم بعض مراتب الانصراف ربما يعد من القدر المتيقن في مقام التخاطب، و هو ان يكون بحيث لا يوجب الظهور و لا يكون بدويا يزول بالتأمل و تشخيصه لا يخلو من صعوبة، و أيضا ليس المراد منه ان يكون مما يقطع بكونه مرادا، فان كل ما يحتمل فيه السعة بعضه مما يقطع بكونه مرادا، و لو كان هذا المعنى هو المراد من القدر المتيقن الذي يتوقف تمامية الاطلاق عليه لما تم اطلاق المطلق أصلا و هو واضح، بل المراد من القدر المتيقن التخاطبي هو

ص: 309

بالغرض، لو كان بصدد البيان، كما هو الفرض (1)، فإنه فيما تحققت

______________________________

مثل ما لو أمر المولى المسلم عبده المسلم بأن يكرم عالما، فإن القدر المتيقن من مقام التخاطب في كلام يكون من مولى مسلم لعبده المسلم ان يكون المطلوب اكرام عالم مسلم، بحيث لا يستطيع العبد في مثل هذا الكلام ان يدعى الاطلاق و يكرم العالم الكافر، و لعله هو بعض مصاديق ما يعبر عنه بمناسبة الحكم و الموضوع، فان مناسبة الحكم و الموضوع ربما لا تكون نتيجتها هو القدر المتيقن التخاطبي كما في مثل اكرم العلماء.

فانه يقال في مقام تعيين كيفية اكرام العلماء او اختلاف كيفية اكرامهم بان مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي اكرام الفقيه بنحو، و اكرام العالم الرياضي- مثلا- بنحو آخر، فان مناسبة الحكم و الموضوع في مثل هذا ليس هو القدر المتيقن في مقام التخاطب.

اما في مثل المثال الأول فانه ربما يقال ان مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي اكرام خصوص العالم المسلم دون الكافر.

(1) أي ان القدر المتيقن اذا لم يكن قدرا متيقنا تخاطبيا، بأن كان قدرا متيقنا خارجا عن مقام التخاطب فلا يكون وجوده مما يضر بالتمسك بالاطلاق، لوضوح ان معنى التمسك بالاطلاق كون الكلام بما هو كلام يقتضي الشيوع و السريان في مقام دلالته الكلامية، فالذي يضر بالاطلاق الكلامي هو وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب بالكلام، لا وجود القدر المتيقن للكلام الخارج عن مقام التخاطب فانه لا يمنع عن التمسك بالاطلاق في كلام المتكلم، لوضوح انه لو كان للكلام قدر متيقن في مقام التخاطب لكان مما يصح اعتماد المتكلم عليه في كلامه، و لا يصح ان يحتج العبد على المولى بأن لكلامك اطلاق يشمل أي فرد من الافراد، فانه يصح للمولى ان يقول كان غرضي هو خصوص القدر المتيقن التخاطبي.

ص: 310

لو لم يرد الشياع لا لأخل بغرضه، حيث أنه لم ينبّه مع أنه بصدده (1)،

______________________________

و الحاصل: ان الضابط هو انه لو لم يكن للكلام قدر متيقن في مقام التخاطب و فرض ان المولى قد اراد بعض افراد المطلق و لم يرد الشياع و السريان لكان قد اخل بغرضه في مقام بيانه، و وجود القدر المتيقن الخارج عن مقام التخاطب لا يصح للمولى الاعتماد عليه، لان المولى انما كان بصدد بيان غرضه بكلامه لا بما هو خارج عن الكلام، بخلاف ما اذا كان لكلامه قدر متيقن في مقام التخاطب، فانه لو اعتمد عليه في غرضه الذي هو خصوص هذا القدر المتيقن لما كان مخلا بغرضه، لانه لا يكون قد اعتمد على ما يصح الاعتماد عليه في كلامه، و الى هذا اشار بقوله:

«و لو كان القدر المتيقن بملاحظة الخارج عن ذاك المقام» أي عن مقام التخاطب بأن كان القدر المتيقن «في البين» خارجا عن مقام التخاطب «فانه غير مؤثر» في منع التمسك باطلاق الكلام، فان للعبد ان يأخذ باطلاق الكلام و لا يعتني بالقدر المتيقن الخارج عن مقام التخاطب، و يقول للمولى انه لو لم ترد الاطلاق بكلامك للزم منه الاخلال بغرضك، و ليس للمولى ان يقول له اعتمدت على القدر المتيقن الخارج عن مقام التخاطب فانه لا يصح له الاتكال عليه، و وجوده غير مؤثر «في رفع الاخلال بالغرض لو كان» المولى «بصدد البيان كما هو الفرض» لوضوح انه من جملة مقدمات الاطلاق هو كون المولى بصدد البيان.

(1) هذا تفريع منه قدّس سرّه على مجموع المقدمات الثلاث، لأنه بعد كون المولى في مقام البيان، و ليس مع كلامه قرينة حالية او مقالية، و ليس لكلامه قدر متيقن في مقام- التخاطب فلا بد و ان يكون لكلامه اطلاق يشمل جميع افراد الطبيعة بحيث لو كان بدليّا لأخبر المكلف الاتيان بأي فرد من افرادها.

و الحاصل: ان المقدمات الثلاث كاشفة عن ان غرض المولى قد كان الشيوع و السريان، لانه لو لم يرد الشياع و السريان بان كان غرضه قد تعلق ببعض افراد

ص: 311

و بدونها لا يكاد يكون هناك إخلال به (1)، حيث لم يكن مع انتفاء الاولى، إلا في مقام الاهمال أو الاجمال (2)، و مع انتفاء الثانية، كان البيان بالقرينة (3)، و مع انتفاء الثالثة (4).

______________________________

الطبيعة لكان مخلا بغرضه، اذ ليس في كلامه ما يدل عليه، و لا يصح من الحكيم ان يكون غرضه عدم الشيوع و السريان و لم ينبّه عليه مع كون كلامه يقتضي كون غرضه الشيوع و السريان، لما عرفت من اقتضاء المقدمات الثلاث هو الشيوع و السريان و الى هذا اشار بقوله: «فانه فيما تحققت» أي المقدمات الثلاث «لو لم يرد» المتكلم الحكيم بكلامه «الشياع لا خلّ بغرضه حيث انه لم ينبه» على غرضه «مع انه بصدده» أي بصدد التنبيه على غرضه.

(1) لا يخفى ان مرجع الضمير في بدونها هو فاعل تحققت، و هذا هو الدليل على ان قوله فانه فيما تحققت هو تفريع على مجموع المقدمات الثلاث التي ذكرها، لانه استطرد كل واحدة منها و انه مع انتفاء أي واحدة منها لا يتم الاطلاق.

(2) المقدمة الاولى هي كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد فاذا انتفت هذه المقدمة بان لم يكن المولى في مقام البيان، بل كان في مقام الاهمال او الاجمال- لا مجال للتمسك بالاطلاق، لان نتيجة الاطلاق هو احراز تمام غرضه الذي هو في مقام بيانه، فاذا كان في مقام الاهمال او الاجمال لا يكون المولى بصدد بيان تمام غرضه و هو واضح.

(3) المقدمة الثانية هي انتفاء ما يوجب التعيين أي انتفاء القرينة المعينة لغرض المتكلم، و من الواضح انه مع انتفاء هذه المقدمة أي مع انتفاء انتفاء هذه المقدمة معناه ثبوت القرينة، لكون نفي النفي اثبات لا يتم الاطلاق لفرض وجود قرينة معينة لما اراده، و من البديهي انه مع تعينه لما اراد لا يصح ان يقال لو اراد لبيّن لانه اراد فبيّن و لذا قال: «مع انتفاء الثانية كان البيان» موجودا «بالقرينة».

(4) الثالثة هي انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب، و انتفاء الانتفاء هو الثبوت أي مع ثبوت القدر المتيقن في مقام التخاطب لا يلزم الاخلال بالغرض، لصحة اعتماد

ص: 312

لا إخلال بالغرض لو كان المتيقن تمام مراده، فإن الفرض أنه بصدد بيان تمامه، و قد بينه، لا بصدد بيان أنه تمامه، كي أخل ببيانه (1)، فافهم (2).

______________________________

المتكلم في بيان غرضه على القدر المتيقن، و لذا قال: «لا اخلال بالغرض لو كان المتيقن تمام مراده».

(1) توضيحه: ان المتكلم، تارة يكون بصدد بيان تمام مراده، فاذا كان لكلامه قدر متيقن في مقام التخاطب صح ان يقول ان تمام مرادي هو القدر المتيقن في مقام التخاطب و لا يكون مخلا بغرضه الذي تمامه هو القدر المتيقن في مقام التخاطب.

و اخرى يكون المتكلم في مقام بيان تمام مراده مع كونه موصوفا بأنه تمام مراده، فاذا كان في مقام البيان من حيث هذه الجهة الاخرى لا يصح للمتكلم الاعتماد على القدر المتيقن التخاطبي في ذلك، لأن القدر المتيقن التخاطبي يصح الاعتماد عليه في كونه تمام المراد لا لبيان انه تمام المراد موصوفا بأنه تمام المراد، فان وصف التمامية تحتاج الى بيان زائد على ذلك، و القدر المتيقن التخاطبي ليس له دلالة على وصف.

و بعبارة اخرى: ان القدر المتيقن انما يصح كونه بيانا لذات الموصوف لا لبيان الموصوف بما هو موصوف بوصفه، فلو كان غرضه بيان الموصوف بما هو موصوف بوصفه لا يصح له الاعتماد على محض كون لكلامه قدر متيقن، و هذا مراده من قوله: «فان الفرض انه بعد بيان تمامه» أي لو كان القدر المتيقن تمام مراده يصح للمتكلم الاعتماد على القدر المتيقن التخاطبي لذلك، لان الفرض ان غرضه هو محض بيان ما يتم به مراده «و قد بيّنه» باعتماده على القدر المتيقن، و لم يتعلق غرضه ببيان وصف التمامية له، و لذا قال: «لا بصدد بيان انه تمامه كي أخل ببيانه» أي انه لو كان غرضه بيان وصف التمامية أيضا لكان اعتماده على محض القدر المتيقن مخلا بغرضه.

(2) لعلّه اشار الى ان القدر المتيقن التخاطبي بعد ان كان وافيا بكونه تمام مراد المولى، و المفروض أيضا ان المولى يعلم بأن القدر المتيقن يمنع جريان الاطلاق في

ص: 313

المراد بالبيان في المقدمة الاولى

ثم لا يخفى عليك أن المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده، مجرد بيان ذلك و إظهاره و إفهامه، و لو لم يكن عن جد، بل قاعدة و قانونا، لتكون حجة فيما لم تكن حجة أقوى على خلافه، لا البيان في قاعدة قبح تاخير البيان عن وقت الحاجة، فلا يكون الظفر بالمقيد- و لو كان مخالفا- كاشفا عن عدم كون المتكلم في مقام البيان، و لذا لا ينثلم به إطلاقه و صحة التمسك به أصلا (1)، فتأمل جيدا.

______________________________

كلامه، فلو كان غرضه متعلقا بالاطلاق لكان مخلا بغرضه، فيعلم منه ان ما هو تمام مراده- أيضا- موصوف بأنه تمام مراده.

و بعبارة اخرى: ان غاية ما ذكرنا سابقا هو ان المولى انما هو بصدد بيان تمام موضوع حكمه لا بيان تمام موضوع حكمه موصوفا بأنه تمام موضوع حكمه، فليس هناك اطلاق يحرز به ان مراد المتكلم هو القدر المتيقن لا غير بحيث كان ما عدا القدر المتيقن منفيا بدلالة الاطلاق على عدم ارادته.

إلّا انه يمكن ان يقال: انه بعد ان كان المتكلم يعلم ان القدر المتيقن يفي بالدلالة على كونه تمام الموضوع للحكم فلو كان له غرض متعلق بما هو اعم من الغرض المتيقن لكان عليه بيانه، و الّا لزم الاخلال بغرضه، فالاطلاق كما ينفي ارادة غير المتيقن يثبت ايضا ان المراد هو القدر المتيقن لا غير، و لازم هذا اثبات الاطلاق وصف التمامية أيضا للقدر المتيقن.

(1) لا يخفى عليك ان المراد من البيان في المقدمة الاولى الذي يكون المتكلم بصدده هل هو البيان لمراده اللبي الواقعي، بحيث لو ظفرنا بمقيد بعد تمامية الاطلاق كشف عن كون المتكلم لم يكن غرضه البيان واقعا فيسقط الاطلاق من رأس.

او ان المراد من البيان ما هو اعم من البيان لضرب القاعدة أي ان المراد من هذا البيان هنا هو كونه بصدد اظهار ان ما يقتضيه كلامه هو تمام مراده و ان لم يكن ما اقتضاه كلامه مرادا له عن جد، بل كان بداعي ضرب القاعدة و القانون و لازم هذا

ص: 314

.....

______________________________

انه لو ظفرنا بمقيدا اقوى لا يسقط الاطلاق من رأس و انما يؤخذ بالمقيد لكونه حجة اقوى. و مختار المصنف الثاني لان اللازم على المتكلم بيان ما يتعلق بكلامه من حيث كونه حجة و ليس اللازم عليه بيان تمام مراده الواقعي بكلامه، فالبيان هنا مما يتعلق بالارادة الاستعمالية و كون كلامه قاعدة و حجة فاذا ظفرنا بحجة اقوى من الاطلاق يقدم عليه في الحجية و لا يسقط الاطلاق من رأس فانه يجوز التمسك بالاطلاق في رفع احتمال قيد آخر غير القيد الذي قدّم عليه لكونه اقوى.

و بعبارة اخرى: ان المراد من البيان في مقدمة الاطلاق ليس البيان في قاعدة تأخير البيان عن وقت الحاجة، لان اللازم من عدم البيان هنا لزوم الاخلال بالغرض الذي قام بصدد بيانه و المتكلم انما قام بصدد بيان الحجة، بخلاف البيان في قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة، فان القبح انما هو في تأخير البيان للحكم الواقعي عن وقت الحاجة اليه، و الى ما ذكرنا اشار بقوله: «لا يخفى عليك ان المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده» كما هو قضية المقدمة الاولى هو كون المتكلم قام «لمجرد بيان ذلك و اظهاره و افهامه» للمخاطب «و لو لم يكن» ذلك البيان «عن جد بل» كان بغرض كون كلامه «قاعدة و قانونا لتكون حجة فيما لم تكن حجة اقوى على خلافه لا البيان في قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة» فان البيان في قاعدة قبح التأخير هو البيان الواقعي كما عرفت، فان لازم كون البيان هنا هو البيان في قاعدة قبح التأخير بأن يكون هو البيان واقعا عن جد انه لو ظفرنا للاطلاق بمقيد لكان كاشفا عن ان الاطلاق لم يكن عن جد و واقع، فلا بد و ان يسقط من رأس و لا يصح التمسك به لرفع احتمال قيد آخر، بخلاف ما اذا كان البيان في الاطلاق هو بيان اظهار ان ما اقتضاه كلامه هو تمام مراده و لو لم يكن عن جد بل لداعي ضرب القاعدة و لان يكون حجة فيما لا يكون حجة على خلافه «ف» انه على هذا «لا يكون الظفر بالمقيد و لو كان مخالفا» للاطلاق «كاشفا عن عدم كون المتكلم في

ص: 315

تأسيس الاصل عند الشك في ورود المطلق في مقام البيان

و قد انقدح بما ذكرنا أن النكرة في دلالتها على الشياع و السريان- أيضا- تحتاج فيما لا يكون هناك دلالة حال أو مقال من مقدمات الحكمة، فلا تغفل (1). بقى شي ء: و هو أنه لا يبعد أن يكون الاصل فيما إذا شك في كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد، هو كونه بصدد بيانه، و ذلك لما جرت عليه سيرة أهل المحاورات من التمسك بالاطلاقات فيما إذا لم يكن هناك ما يوجب صرف وجهها إلى جهة خاصة (2)، و لذا ترى

______________________________

مقام البيان و لذا لا ينثلم به» أي لا ينثلم بالظفر بالمقيد الذي هو على خلاف المطلق «اطلاقه» أي اطلاق المطلق «و» لا تسقط «صحة التمسك به اصلا».

(1) بعد ما عرفت ان الفرق بين اسم الجنس و النكرة هو مجرد قيد الوحدة في النكرة، و أما كون الماهية مبهمة من ساير الجهات فهو فيهما على حد سواء- تعرف انه لا بد في النكرة من اجراء مقدمات الحكمة لتدل على الشياع و السريان، فهي كاسم الجنس في احتياجها الى مقدمات الحكمة حيث لا تكون دلالة حالية او مقالية على الشيوع و السريان.

(2) قد مرّ انه يشترط في تمامية الاطلاق كون المتكلم في مقام البيان، و هي المقدمة الاولى المتقدمة فلا بد من احراز ذلك، فان قامت قرينة على احراز ذلك فلا اشكال، و انما الاشكال فيما لم تقم قرينة خاصة عليه، فانه يكون مشكوكا فهل هناك محرز له ام لا؟

و الظاهر ان ديدن العقلاء و سيرتهم على البناء على كون المتكلم في مقام بيان تمام مراده بكلامه ما لم تقم قرينة على انه في مقام الاهمال او الاجمال، فان عمل العقلاء على التمسك باطلاق كلام المتكلم من دون توقف منهم على احراز ذلك بالقطع او بقرينة، فان جلّ كلام اهل المحاورة خال عن القطع باحراز ذلك و عن القرينة الخاصة القائمة على احرازه، و بالطبع مع الخلو عنهما يحصل الشك في كون المتكلم في مقام البيان ام لا؟ و لكنهم لا نراهم يعتنون بهذا الشك و يتمسكون باطلاق

ص: 316

أن المشهور لا يزالون يتمسكون بها، مع عدم إحراز كون مطلقها بصدد البيان (1)، و بعد كونه لاجل ذهابهم إلى أنها موضوعة للشياع و السريان، و إن كان ربما نسب ذلك اليهم (2)، و لعل وجه النسبة

______________________________

كلام المتكلم، و ما ذاك الّا لبنائهم على كون المتكلم في مقام البيان و عدم اعتنائهم بالشك فيه، و هذا هو مراده من الاصل في قوله: «لا يبعد ان يكون الأصل فيما شك» فان مراده من الاصل هو الاصل العقلائي كما صرح بذلك بقوله: «لما جرت عليه سيرة أهل المحاورات ... الى آخر كلامه».

(1) حاصله ان المشهور نراهم يتمسكون باطلاق المطلقات، و جلّها ان لم يكن كلها لم يقطع فيها بكون الشارع في مقام البيان و لم تقم قرينة خاصة على كونه في مقام البيان فلا بد و ان يكون المعوّل لهم في تمسكهم بها هو الاحراز بالأصل العقلائي.

(2) هذا دفع سؤال مقدر، و هو بأن يقال: ان السبب في تمسك المشهور باطلاق المطلقات هو ذهابهم الى ان الشياع و السريان ماخوذ في مدلول المطلق، فاخذهم بالاطلاق من باب الاخذ بمدلول ما وضع له اللفظ و ليس ذلك لأجل الأصل المذكور.

و الجواب عنه: ما اشار اليه سابقا من عدم صحة نسبة ذلك اليهم، و ان مرادهم من قولهم في تعريفه ما دل على شايع في جنسه هو الدلالة على الشيوع و السريان و لو بمقدمات الحكمة، لا ان اسم الجنس- مثلا- موضوع للماهية المأخوذ فيها الشياع و السريان، و قد اشار الى السؤال و الجواب بقوله: «و بعد كونه ... الى آخر الجملة» أي و بعد كون عدم اعتنائهم بالشك في كون المتكلم في مقام البيان انما هو لاجل الاخذ باصالة الحقيقة و رفع الشك في ارادة غيرها بواسطتها لا بواسطة الاصل العقلائي المشار اليه، فهم حيث ان الشياع و السريان عندهم ماخوذ في مدلول المطلق يحملون اللفظ لبنائهم على الاخذ بما وضعت له الالفاظ عند الشك في خلافه.

ص: 317

الانصراف و أنواعه

ملاحظة أنه لا وجه للتمسك بها بدون الاحراز و الغفلة عن وجهه (1)، فتأمل جيدا. ثم إنه قد انقدح بما عرفت- من توقف حمل المطلق على الاطلاق، فيما لم يكن هناك قرينة حالية أو مقالية على قرينة الحكمة المتوقفة على المقدمات المذكورة- أنه لا إطلاق له فيما كان له الانصراف إلى خصوص بعض الافراد أو الاصناف، لظهوره فيه، أو كونه متيقنا منه، و لو لم يكن ظاهرا فيه بخصوصه، حسب اختلاف مراتب

______________________________

(1) حاصله: انه قد عرفت انه نسب الى المشهور ذلك، و هو ذهابهم الى أخذ الشياع و السريان في مدلول المطلق كاسم الجنس مثلا، و لكنه قد عرفت أيضا بعد هذه النسبة لان اسم الجنس لم يوضع الّا للماهية المجردة عن كل شي ء كما صرح بذلك الشهيد قدّس سرّه فلعل السبب في تقحم هذه النسبة اليهم هو ان من نسب اليهم ذلك كان يرى ان الاحراز يتوقف على القطع و القرينة الخاصة، و في جلّ المطلقات التي يتمسك المشهور باطلاقها لم يقطع بكون المتكلم في مقام البيان و لم تقم القرينة الخاصة عليه، و قد غفل هذا الناسب للمشهور عن الاصل العقلائي فاضطر الى دعوى النسبة المزبورة، لان الشك لا بد و ان يدفع بأصل من الاصول، فاذا لم يكن هو الأصل العقلائي المشار اليه فلا بد و ان يكون هو اصالة الحقيقة، و لازم ذلك هو كونهم يرون ان الشياع ماخوذ في مدلول اسم الجنس، و الى هذا اشار بقوله: «و لعل وجه النسبة ملاحظة انه لا وجه للشك بها» أي باطلاق المطلقات «بدون الاحراز» لكون المتكلم في مقام البيان و الاحراز ينحصر عنده بطريقين القطع و القرينة الخاصة، و هما منتفيان في جل موارد المطلقات، و لو تنبه الى الطريق الثالث و هو الاصل العقلائي لما نسب اليهم ذلك، فالسبب في النسبة «هو الغفلة عن وجهه» أي عن وجه تمسك المشهور و قد عرفت ان وجهه هو الاصل العقلائي.

ص: 318

الانصراف (1)، كما أنه منها ما لا يوجب ذا و لا ذاك، بل يكون بدويا زائلا بالتأمل، كما أنه منها ما يوجب الاشتراك أو النقل.

______________________________

(1) لا يخفى انه من قوله ثم انه قد انقدح الى قوله تنبيه يشتمل على بيان امرين:

الأول: ان بعض افراد الانصراف و هو الموجب لظهور اللفظ في بعض افراده مع كونه موضوعا لما لا يختص بها مما يمنع عن جريان الاطلاق، لانه من القرينة القائمة على التقييد و على خلاف الاطلاق، و مع قيام القرينة على ذلك لا وجه للتمسك بالاطلاق، و بعض افراده هو دون ذلك و لكنه يوجب القدر المتيقن التخاطبي، و قد عرفت ايضا انه اذا كان للكلام قدر متيقن في مقام التخاطب فلا مجرى للتمسك بالاطلاق، و بعض افراده لا يمنع من التمسك بالاطلاق و هو الذي لا يوجب ظهورا و لا قدرا متيقنا و هو الانصراف البدوي الزائل بالتأمل، و قد اشار الى الانصراف الذي من القرائن بقوله: «انه لا اطلاق فيما كان له الانصراف ... الى آخر الجملة» و اشار الى الانصراف الموجب للقدر المتيقن التخاطبي بقوله: «او كونه متيقنا فيه و لو لم يكن ظاهرا فيه» و اشار الى الانصراف غير المانع عن التمسك بالاطلاق بقوله:

«كما انه منها» أي من بعض مراتب الانصراف «ما لا يوجب ذا» أي القدر المتيقن «و لا ذاك» أي الظهور «بل يكون بدويا زائلا بالتأمل» و مع كونه بدويا زائلا بالتأمل لا يكون مانعا عن جريان الاطلاق.

الامر الثاني هو بيان مرتبة الانصراف الموجب للوضع.

و قوله قدّس سرّه: «كما انه منها ما يوجب الاشتراك ... الخ» اشارة الى ذلك.

قد تقدم في أول الكتاب في مبحث الوضع انه على قسمين: تعييني يحصل بتعيين الواضع، و تعيّني يحصل من كثرة الاستعمال، و من الواضح ان كثرة الاستعمال حيث انها من المؤثرات بالتدريج توجب ان يكون للانصراف أربع مراتب:

الأول: الانصراف البدوى الزائل بالتأمل.

الثاني: الانصراف الموجب للقدر المتيقن التخاطبي.

ص: 319

لا يقال: كيف يكون ذلك و قد تقدم أن التقييد لا يوجب التجوز في المطلق أصلا (1).

______________________________

الثالث: الانصراف الموجب للظهور من دون وصوله الى ان يكون المنصرف اليه موضوعا له اللفظ.

الرابع: الانصراف الموجب لكون المنصرف اليه موضوعا اليه، و مع عدم هجر المعنى الأول يحصل الاشتراك، و مع هجر المعنى الأول يحصل النقل، و الى هذا اشار بقوله: «كما ان منها» أي من مراتب الانصراف «ما يوجب الاشتراك» فيما لم يهجر المعنى الأول «او النقل» فيما لو هجر المعنى الأول و صار لا يستعمل إلّا في المعنى المنصرف اليه.

(1) حاصله: انه كيف يمكن ان يحصل الانصراف الموجب للنقل او الاشتراك، بل كيف يمكن ان يحصل الانصراف الموجب للظهور او القدر المتيقن و هو منوط باستعمال اللفظ الموضوع لمعنى باستعماله في المعنى حتى يحصل بالتدريج المراتب المذكورة، و الدلالة على التقييد بدال آخر بنحو تعدد الدال و المدلول يقتضى استعمال اللفظ في معناه الأولى دائما، و انما يحصل الانصراف بمراتبه فيما استعمل اللفظ في المعنى المنصرف اليه لانه يحصل بواسطة الاستعمال فيه انس بين اللفظ و المعنى و يتدرج في مراتبه المذكورة.

اما اذا كان اللفظ مستعملا في معناه الاولى فلا يحصل بين اللفظ و المعنى المنصرف اليه انس ذهني يوجب التدرج في الارتباط بينهما بنحو القدر المتيقن، ثم بالظهور، ثم بالاشتراك، ثم النقل، و الى هذا اشار بقوله: «لا يقال كيف يكون ذلك» أي الانصراف بمراتبه «و» الحال «قد تقدم ان التقييد لا يوجب التجوز» و استعمال اللفظ المطلق في المقيد بما هو مقيد بل هو مستعمل في معناه الاولى و هو ذات المقيد لا بما هو مقيد، و التقييد يستفاد من دال آخر فلا يوجب التقييد تجوزا «في المطلق أصلا».

ص: 320

فإنه يقال: مضافا إلى أنه إنما قيل لعدم استلزامه له، لا عدم إمكانه، فإن استعمال المطلق في المقيد بمكان من الامكان، إن كثرة إرادة المقيد لدى إطلاق المطلق و لو بدال آخر ربما تبلغ بمثابة توجب له مزية أنس (1)،

______________________________

(1) أجاب عنه بجوابين:

الأول: ان غاية ما مر منا هو ان التقييد لا يستلزم التجوز و استعمال اللفظ الموضوع لذات المقيد في المقيد بما هو مقيد، بمعنى انه لا ينحصر افادة المقيد باستعمال اللفظ الموضوع للمطلق فيه، بل يمكن ان يكون اللفظ مستعملا في المطلق و التقييد مستفاد من دال آخر، و كما يمكن بهذا النحو يمكن أيضا بنحو استعمال المطلق في المقيد بما هو مقيد بنحو التجوز، و مع استعماله بهذا النحو فحصول مراتب الانصراف مما لا اشكال فيه كما اعترف به المورد، و قد اشار الى هذا الجواب بقوله:

«مضافا الى انه انما قيل» ان قولنا التقييد لا يوجب التجوز انما هو «لعدم استلزامه» أي استلزام القيد «له» أي للتجوز لانه يتأتى بنحو تعدد الدال و المدلول «لا عدم امكانه» أي لم تقل بعدم امكان استعمال المطلق في المقيد بما هو مقيد «فان استعمال المطلق في المقيد» بما هو مقيد «بمكان من الامكان».

الثاني: ان الوجدان قائم على حصول الانس الذهني بين اللفظ الموضوع للمطلق و المقيد بما هو مقيد من كثرة استعمال المطلق مع الدال على التقييد، فان الانس كما يحصل بالاستعمال مجازا يحصل بمحض المجاورة الكثيرة، و الى هذا اشار: «ان كثرة ارادة المقيد لدى اطلاق المطلق و لو» بأن كان التقييد «بدال آخر ربما تبلغ بمثابة توجب له» أي اللفظ المطلق «مزية الأنس» بينه و بين المقيد بما هو مقيد و يحصل من هذا الانس مراتب الانصراف.

ص: 321

كما في المجاز المشهور، او تعيينا و اختصاصا به، كما في المنقول بالغلبة (1)، فافهم (2).

______________________________

(1) لا يخفى ان المجاز المشهور هو الذي يكون اشهر من الحقيقة، و المجاز الراجح هو الذي يكون ارجح من بقية المجازات، و الفرق بينه و بين المقام الذي اوجب التشبيه هو ان فرض المقام ان المطلق لم يستعمل في المقيد بل استعمل في معناه و القيد مستفاد من دال آخر، و في المجاز اللفظ مستعمل في المعنى المجازي و لكن حيث ان الانس من المجاورة أيضا لذا شبه الانصراف بالمجاز المشهور، و المشبه بالمجاز المشهور هو مراتب الانصراف ما عدا الموجب للنقل او الاشتراك، و هو و ان لم يذكر الاشتراك لكنه لمشاركته مع النقل في حصول الوضع، لذا ما كان للنقل فهو للاشتراك أيضا.

و الحاصل: انه بواسطة المجاورة يحصل الانس بين اللفظ الدال على المطلق و بين المقيد بما هو مقيد، و هذه المجاورة تندرج في مراتب الانصراف بحسب زيادة الاستعمال، و حالها حال استعمال اللفظ الحقيقي في المعنى المجازي في حصول مراتب المجاز حتى يحصل المجاز المشهور، ثم يترقى فيحصل من كثرة الاستعمال مجازا النقل بالغلبة، كما انه تندرج مراتب الانصراف حتى يحصل الاشتراك و النقل.

و يحتمل ان التشبيه بالمجاز المشهور انما هو المجاز في الاسناد لا في الكلمة، و على هذا يكون التشبيه تاما لان المجاز في الاسناد لم يستعمل اللفظ فيه في المعنى المجازي، بل اللفظ مستعمل فيه في المعنى الحقيقي و التصرف في أمر عقلي و هو ادعاء انه من افراد المعنى الحقيقي، فتأمل.

(2) لعله اشارة الى انه يشكل حصول الاشتراك من الانصراف، لان الانصراف هو حصول غير المعنى الحقيقي من اطلاق اللفظ، ثم يترقى حتى يكون حقيقة في المعنى الثاني، و ضابط الاشتراك هو ان يكون اللفظ لا يتعين في احد معنييه الحقيقيين إلّا بقرينة معينة، و هذا مناف لكون الانصراف موجبا للوضع بنحو الاشتراك، بل لا بد انه اذا حصل الوضع من الانصراف يكون نقلا لا اشتراكا.

ص: 322

اذا كان للمطلق جهات عديدة

تنبيه: و هو أنه يمكن أن يكون للمطلق جهات عديدة، كان واردا في مقام البيان من جهة منها، و في مقام الاهمال أو الاجمال من أخرى، فلا بد في حمله على الاطلاق بالنسبة إلى جهة من كونه بصدد البيان من تلك الجهة، و لا يكفي كونه بصدده من جهة أخرى (1)، إلا إذا كان بينهما

______________________________

(1) بعد ما عرفت ان من مقدمات الاطلاق كون المتكلم في مقام بيان مراده، و ان من الواضح ان المتكلم ربما يكون في مقام البيان من جهة خاصة دون جهة اخرى كما هو مشاهد بالوجدان، فاذا كان المتكلم في مقام البيان من جهة اضافة صديقه، فقال لعبده احسن لفلان فليس لعبده التمسك باطلاق لفظ الاحسان في فرضه لصديقه اذا كان المولى في مقام البيان من جهة اضافة صديقه فقط، و لذا لا يتمسكون باطلاق الاحكام الواردة في مقام البيان من جهة التشريع في الجهات الاخرى، فقول الشارع مثلا الصلاة واجبة على كل مكلف ليس له اطلاق ينفي به الجزء المشكوك في كونه من اجزائها ام لا.

و لذلك انكروا على الشيخ قدّس سرّه في تمسكه باطلاق فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ 19] على طهارة موضع عضّة الكلب المعلّم من الحيوان الذي يصطاده الكلب، لان الاطلاق وارد في مقام بيان حكم الحلية للحيوان و انه من المذكى اذا صاده الكلب المعلّم، لا من كل جهة حتى من ناحية الطهارة و النجاسة، فجواز الأكل الذي دلت عليه الآية المباركة هو الجواز من ناحية انه ليس من الميتة التي لا يحل اكلها، فهو في مقام البيان من جهة الحلية لا من كل جهة حتى الجواز من ناحية كونه طاهرا و ليس بنجس، فالآية المباركة هي في مقام البيان من ناحية الحلية، و اما من ناحية الطهارة فهي في مقام الاهمال لا البيان، و لذا قال: «فلا بد في حمله على الاطلاق بالنسبة

ص: 323

ملازمة عقلا أو شرعا أو عادة، كما لا يخفى (1).

______________________________

الى جهة» من الجهات «من كونه»: أي المتكلم «بصدد البيان من تلك الجهة و لا يكفي كونه» بصدد البيان من جهة خاصة لان يكون «بصدده»: أي بصدد «البيان من جهة اخرى».

(1) الملازمة بين الحكمين، تارة عقلية و ان كان الحكمان شرعيين، كما في الحكم بمانعية نجاسة رجيع ما لا يوكل لحمه من الحيوان غير الطائر من ذي النفس السائلة عن الصلاة، و مانعية كل شي ء مما لا يؤكل لحمه عن الصلاة ايضا، و بعد تمامية الاطلاق فيهما لحالتي الذكر و النسيان يرد مخصص كان واردا في مقام البيان من جهة النجاسة:

بان الصلاة في عذرة ما لا يؤكل لحمه من الحيوان نسيانا لا يمنع عن الصلاة، فان كون المولى في مقام البيان لعدم المانعية من جهة النجاسة ملازما لكونه في مقام البيان من جهة كونه شيئا مما لا يؤكل لحمه، لوضوح لغوية عدم مانعية نجاسة عذرة الحيوان عن الصلاة مع فرض مانعيتها بما انها شي ء مما لا يؤكل لحمه، فالبيان من ناحية عدم المانعية من حيث النجاسة يلازمه عقلا البيان من ناحية عدم المانعية من جهة غير المأكولية ايضا في حال النسيان لمحالية اللغوية على الشارع الحكيم.

و اخرى تكون الملازمة شرعية بينهما كما اذا كان في مقام البيان من ناحية جواز التقصير في الصلاة فيما اذا خفى الاذان، ان كونه في مقام البيان من جهة القصر في الصلاة يلازمه شرعا كونه في مقام البيان من جهة الافطار ايضا، لقوله اذا قصرت افطرت.

و الفرق بين هذه الملازمة و الملازمة الاولى انه هنا يمكن التفكيك، بخلافه في الاولى فانه لا يعقل جعل عدم المانعية لعذرة ما لا يؤكل لحمه من حيث النجاسة مع جعله للمانعية لها من حيث كونها شيئا مما لا يؤكل لحمه، للزوم اللغوية كما عرفت، بخلاف الملازمة بين الافطار و القصر، فانه يمكن التفكيك بينهما.

ص: 324

المطلق و المقيد المتنافيان

فصل إذا ورد مطلق و مقيد متنافيين، فإما يكونان مختلفين في الاثبات و النفي، و إما يكونان متوافقين (1)، فإن كانا مختلفين مثل أعتق رقبة، و لا تعتق رقبة كافرة فلا إشكال في التقييد، و إن كانا متوافقين،

______________________________

و ثالثة: تكون الملازمة عاديّة كما لو كانت غالبية، مثل الملازمة بين كونه في مقام البيان من ناحية عدم مانعية جلد الميتة للصلاة فيها فانه ملازم عادة لكونه في مقام البيان من جهة عدم مانعية نجاسة جلد الميتة ايضا، فان الملازمة بينهما عادية لا عقلية و لا شرعية، بل هي من حيث ان الغالب في جلد الميتة كونه نجسا لكونه مما له نفس سائلة غالبا.

و على كل فقد اتضح في هذه الملازمات الثلاث اذا كان المتكلم في مقام البيان من جهة احد المتلازمين لا بد و ان يكون في مقام البيان من الجهة الملازمة الاخرى. اما فيما اذا لم يكن بين الجهات تلازم فلا يكون البيان من جهة ملازما للبيان من جهة اخرى كما عرفت، و الى هذا اشار بقوله: «إلّا اذا كان بينهما»: أي بين الحكمين «ملازمة عقلا ... الى آخر الجملة».

(1) التنافي بين المطلق و المقيد كما يكون باختلافهما سلبا و ايجابا، كاعتق رقبة و لا تعتق رقبة كافرة، كذلك يكون باختلافهما في الموضوع بان يكون الموضوع فيهما مختلفا كاعتق رقبة و اعتق رقبة مؤمنة، و لذا قسم التنافي بينهما الى مختلفين في النفي و الاثبات، و الى المتوافقين في النفي و الاثبات.

لا يقال: انه اذا كان التنافي يشمل المتوافقين يكون قيد التنافي بالنسبة الى المتوافقين ليس احترازيا بل يكون تأكيديا، لوضوح ان كونهما مطلق و مقيد يغني عنهما عن قيد التنافي، اذ لا يمكن مع فرض كونهما مطلقا و مقيدا أن لا يتنافيا في الموضوع.

ص: 325

فالمشهور فيهما الحمل و التقييد (1).

و قد استدل بأنه جمع بين الدليلين و هو أولى (2).

______________________________

فانه يقال: انه اذا كان المقيد لا يضيق دائرة الحكم في المطلق بان دل على كونه افضل افراده لا يكون حينئذ بينهما تناف فلا غناء عن قيد التنافي، فانهما و ان توافقا في الحكم و لكن المقيد كان مقتضيا لتضييق الحكم كاعتق رقبة الدالة على كون وجوب العتق لمطلق الرقبة و اعتق رقبة مؤمنة المقتضي لتضييق حكم الوجوب في الرقبة المؤمنة.

(1) اتفق الكل- على ان المطلق و المقيد المختلفين في النفي و الاثبات كاعتق رقبة و لا تعتق رقبة كافرة- على تقييد المطلق بالمقيد، فلا يجوز عتق الرقبة الكافرة، و الظاهر انه لكون النهي في دلالته على الحرمة اقوى من اطلاق المطلق.

و اما اذا كانا متوافقين كاعتق رقبة و اعتق رقبة مؤمنة فذهب المشهور الى لزوم حمل المطلق على المقيد ايضا و يكون حاله حال المختلفين بالسلب و الايجاب، فيضيقون دائرة الوجوب في المطلق بالمقيد فلا تجزي عندهم عتق الرقبة غير المؤمنة، و الى هذا اشار بقوله: «فالمشهور فيهما»: أي في المطلق و المقيد «الحمل و التقييد».

(2) توضيح الاستدلال انه بعد ان كان الحكم لا بد و ان يكون واحدا في حال اجتماع المطلق و المقيد، اما للعلم بكون السبب واحدا فانه اذا كان السبب للحكم واحدا لا بد و ان يكون الحكم واحدا، فحينئذ لا بد ان يكون الحكم المسبب عنه اما هو المطلق او المقيد، و اما ان لا يكون السبب فيهما واحدا و لكنهما اذا اجتمعا لا بد من وحدة الحكم لعدم معقولية اجتماع المثلين، فيدور الأمر بين العمل بالمطلق و ابقائه على اطلاقه فيلزمه طرح دليل المقيد من رأس، او العمل بالمقيد و حمل المطلق عليه فلا يكون لازمه طرح المطلق من رأس لان المقيد بعض افراد المطلق، فان من اعتق رقبة مؤمنة قد اعتق مطلق الرقبة و الجمع بين الدليلين في عمل يكون عملا بهما اولى

ص: 326

و قد أورد عليه بإمكان الجمع على وجه آخر، مثل حمل الامر في المقيد على الاستحباب (1). و أورد عليه بأن التقييد ليس تصرفا في معنى اللفظ، و إنما هو تصرف في وجه من وجوه المعنى، اقتضاه تجرّده عن القيد، مع تخيّل وروده في مقام بيان تمام المراد، و بعد الاطلاع على ما يصلح للتقييد نعلم وجوده على وجه الاجمال، فلا إطلاق فيه حتى

______________________________

من طرح احدهما و العمل باحدهما، و الى هذا اشار بقوله: «بانه جمع بين الدليلين» و هو اولى من طرح احدهما و العمل بواحد منهما.

(1) حاصل الايراد على هذا الجمع ان حمل المطلق على المقيد لكونه جمعا بين الدليلين و عملا بكل منهما لا ينحصر برفع اليد عن اطلاق المطلق و العمل على طبق المقيد، بل يمكن ان يحمل المقيد على الاستحباب و ابقاء المطلق على اطلاقه، و عليه فلا تتضيّق دائرة الوجوب في المطلق بل يبقى على اطلاقه في امكان الامتثال بعتق الرقبة الكافرة و لكن عتق الرقبة المؤمنة افضل افراد العتق، و في هذا الحمل ايضا يتحقق العمل بكل من الدليلين فلا وجه لترجيح حمل المطلق على المقيد و تقييده به على هذا الوجه مع كون كل منهما عملا بكل من الدليلين، و قد اشار الى هذا بقوله:

«و قد اورد عليه»: أي و قد اورد على مختار المشهور بلزوم حمل المطلق على المقيد لانه جمع بين الدليلين «ب» انه لا ينحصر الجمع بين الدليلين بهذا «لامكان الجمع على وجه آخر» ايضا هو عمل بكل من الدليلين «مثل حمل الأمر في المقيد على الاستحباب» بكونه افضل الافراد.

و ربما يكون تعبيره بمثل اشارة الى امكان جمع آخر ايضا فيه جمع بين الدليلين، و ذلك بحمل الوجوب على التخيير بين المطلق و المقيد.

ص: 327

يستلزم تصرفا، فلا يعارض ذلك بالتصرف في المقيد، بحمل أمره على الاستحباب (1).

______________________________

(1) المورد صاحب التقريرات، و حاصل ايراده على من اورد على المشهور بانه لا ينحصر الجمع بين الدليلين بحمل المطلق على المقيد، بل يمكن ايضا بحمل الأمر في المقيد على الاستحباب- بالفرق بين جمع المشهور بحمل المطلق على المقيد و بين حمل المقيد على الاستحباب، فانه في حمل المطلق على المقيد لا يستلزم مجازا لان اللفظ موضوع للماهية المبهمة، و انما استفيد الاطلاق من مقدمات الحكمة و كون المتكلم في بيان الاطلاق للمطلق، فاذا ورد التقييد كشف عن كون المولى لم يكن في مقام البيان لاطلاق المطلق، و هذا لا يستلزم تجوزا في لفظ المطلق بل هو باق على معناه من استعماله في الماهية، غاية الامران لازمه التصرف في كونه في مقام البيان، بخلاف حمل المقيد على الاستحباب فانه حيث كان الامر موضوعا للوجوب فحمله على الاستحباب يستلزم تجوزا باستعمال ما هو موضوع للوجوب في غير ما وضع له.

و بعبارة اخرى: ان حمل المشهور لا يستلزم تصرفا اصلا، لانه قبل ورود المقيد كنا نتخيل ان المولى في مقام البيان من ناحية الاطلاق، و بعد ورود المقيد كشف عن انه كان في مقام الاجمال او الاهمال، فليس فيه تصرف اصلا، بخلاف الحمل على الاستحباب فانه لا بد فيه من التصرف و استعمال الامر الموضوع للوجوب في غير ما وضع له، و الى هذا اشار بقوله: «مع تخيل وروده في مقام بيان تمام المراد» و ذلك قبل العلم «بالمقيد و بعد الاطلاع على ما يصلح للتقييد» للمطلق و هو المقيد «نعلم» انه لم يكن في مقام البيان لاطلاق المطلق بل كان «وجوده»: أي وجود اللفظ المستعمل في معناه لم يكن واردا في مقام الاطلاق بل كان في مقام «الاجمال فلا اطلاق فيه» بعد ورود التقييد «حتى يستلزم تصرفا فلا يعارض ذلك»: أي لا يعارض حمل المطلق على المقيد الذي كشف القيد عن انه لا يستلزم تصرفا

ص: 328

المناقشة في كلام التقريرات

و أنت خبير بأن التقييد أيضا يكون تصرفا في المطلق، لما عرفت من أن الظفر بالمقيد لا يكون كاشفا عن عدم ورود المطلق في مقام البيان، بل عن عدم كون الاطلاق الذي هو ظاهره بمعونة الحكمة، بمراد جدي، غاية الامر أن التصرف فيه بذلك لا يوجب التجوز فيه (1)، مع أن حمل

______________________________

«بالتصرف في المقيد بحمل امره على الاستحباب» فانه يستلزم تصرفا بحمل الامر الموضوع للوجوب في الاستحباب.

(1) هذا شروع في الجواب عن التقريرات، و قد اجاب بجوابين:

الاول: و توضيحه ان المراد من كون المولى في مقام البيان كونه في هذا المقام في حال التخاطب لا كونه كذلك الى الأبد، بمعنى ان الظفر بالمقيد لا يكشف عن كون المولى كان في مقام التخاطب بالمطلق في مقام الاجمال، بل كونه في مقام البيان متحقق حتى بعد التقييد، غاية الامر انه بعد التقييد يكون كاشفا عن ان قيامه بصدد الاطلاق لم يكن عن جد بل كان بداعي ضرب القاعدة.

و بعبارة اخرى: ان لازم مقدمات الحكمة هو ان المولى لو لم يرد الاطلاق للزم منه نقض الغرض في مقام التخاطب، و بعد ورود التقييد غايته هو كشفه عن ان قيامه بصدد الاطلاق لم يكن عن ارادة جدية، و لا يستلزم التقييد ان لا يكون المولى مريدا للاطلاق و لو بداعي ضرب القاعدة كما مر نظيره في تخصيص العموم.

فتبين: انه بعد ورود التقييد ايضا يستلزم حمل المطلق على المقيد تصرفا لوضوح استلزامه مخالفة الظهور، لا اطلاق المطلق الذي تم له بعد انتهاء محل التخاطب، فلا فرق بين حمل المشهور و الحمل على الاستحباب في كون كل منهما مستلزما للتصرف.

نعم هناك فرق بينهما و هو ان التصرف في حمل المطلق على المقيد لازمه مخالفة الظهور من دون تجوز و في حمل الامر بالمقيد على الاستحباب يستلزم تجوزا باستعمال الامر في الاستحباب و الى ما ذكرنا اشار بقوله: «و انت خبير بان التقييد

ص: 329

الامر في المقيد على الاستحباب لا يوجب تجوزا فيه، فإنه في الحقيقة مستعمل في الايجاب، فإن المقيد إذا كان فيه ملاك الاستحباب، كان من أفضل أفراد الواجب، لا مستحبا فعلا، ضرورة أن ملاكه لا يقتضي استحبابه إذا اجتمع مع ما يقتضي وجوبه (1).

______________________________

ايضا يكون تصرفا في المطلق» لاستلزامه مخالفة ظهور المطلق في الاطلاق بحمله على المقيد لان ظهوره قد تم بانتهاء مجلس التخاطب «لما عرفت من ان الظفر بالمقيد لا يكون كاشفا عن عدم ورود المطلق في مقام البيان» و لو بداعي ضرب القاعدة «بل» غاية ما يقتضيه التقييد هو كونه كاشفا «عن عدم كون الاطلاق الذي هو ظاهره بمعونة» مقدمات «الحكمة بمراد جدي» أي مرجع التقييد الى التقييد في الارادة الجدية و لا يستلزم الخلل في مقام الاستعمال و كون المطلق في هذا المقام لم يرد الاطلاق و لو بداعي ضرب القاعدة.

و قد اشار الى الفرق بين التصرفين بكونه في حمل المطلق على المقيد فيه مخالفة للظاهر و في الحمل على الاستحباب لازمه التجوز بقوله: «غاية الامر ان التصرف فيه بذلك لا يوجب التجوز فيه»: أي حمل المطلق على المقيد.

(1) هذا هو الجواب الثاني، حاصله: انه في حمل الامر في المقيد على الاستحباب لا يستلزم تجوزا اصلا، فانه لا يكون الامر في المقيد دالا على الاستحباب الاصطلاحي الذي هو جواز الترك مع رجحان الفعل، بل يجتمع في المقيد ملاكان ملاك الوجوب باعتبار كونه احد افراد المطلق و ملاك الاستحباب، و لا يعقل اجتماع امرين في واحد لانه من اجتماع داعيين و علتين على مدعو و معلول واحد، و ملاك الوجوب اقوى فبكون ملاك الاستحباب موجبا لتأكد الوجوب في المقيد و كونه أفضل الافراد، و ليس لازم الحمل على الاستحباب بقاء الامر الاستحبابي بالفعل على حاله حتى يستلزم تجوزا، بل يكون الامر في المقيد و هو الأمر الواجب غايته بنحو مؤكد و هو كونه افضل افراد الواجب المطلق، و لذا قال: «مع ان حمل الامر في المقيد على الاستحباب

ص: 330

نعم، فيما إذا كان إحراز كون المطلق في مقام البيان بالاصل، كان من التوفيق بينهما، حمله على أنه سيق في مقام الاهمال على خلاف مقتضى الاصل (1)،

______________________________

لا يوجب تجوزا» ثم اشار الى اجتماع الملاكين في المقيد بقوله: «فان المقيد اذا كان فيه ملاك الاستحباب» ثم اشار الى كونه ليس بمستحب اصطلاحي بقوله:

«لا مستحبا فعلا» ثم اشار الى عدم امكان فعلية الاستحباب مع فعلية الوجوب بقوله: «ضرورة ... الى آخر الجملة».

(1) قد عرفت ان كون المطلق في مقام البيان، تارة يحرز بالقطع، و اخرى بالقرينة الخاصة، و ثالثة بالاصل العقلائي و هو بناء العقلاء على كون المتكلم في مقام البيان لتمام مراده، ففيما اذا كان الاحراز بالقطع او بالقرينة الخاصة على كونه في مقام البيان فبعد ورود التقييد لا يتعين حمل المطلق على المقيد، اذ التقييد لا يستلزم كونه كان في مقام الاجمال، فان القطع بكونه كان في مقام البيان لا ينقلب الى الشك بمجرد ورود التقييد، لما عرفت من ان غايته هو التقييد في الارادة الجدية لا في مقام التخاطب، و كذا اذا كان بالقرينة لوضوح ان التقييد لا يستلزم كونه في مقام الاجمال حتى يكون معارضا للقرينة القائمة على كونه كان في مقام البيان، لامكان كونه كان في ذلك المقام لاجل ضرب القاعدة، فلا وجه لرفع اليد عن القرينة الدالة على ذلك بعد ان كان التقييد لا يعارضها.

نعم، اذا كان كون المتكلم في مقام البيان محرزا بالاصل العقلائي فينبغي حمله على انه كان في مقام الاهمال، لان التقييد يصلح لكونه قرينة على ذلك و ان لم يتعين في قرينيته عليه، إلّا ان مع ورود ما يصلح للقرينية على خلافه لم يعلم احراز بناء العقلاء على انه في مقام البيان حتى بعد ورود ما يصلح للقرينية على الاهمال.

و بعبارة اخرى: ان الأمر يدور بين التصرف في الاصل و بين التصرف في المطلق، بحمله على كونه مرادا بداعي ضرب القاعدة لا بداعي الجد، و بين حمل الأمر في

ص: 331

فافهم (1).

______________________________

المقيد على الاستحباب، و لعل الاصل العقلائي اضعف هذه الثلاثة فالتوفيق بينهما يقتضي رفع اليد عن الاصل و حمل المطلق على كونه في مقام الاهمال، و لذا قال:

«نعم فيما اذا كان احراز كون المطلق في مقام البيان بالاصل كان من التوفيق بينهما» لكونه اضعف «حمله»: أي حمل المطلق «على انه سيق في مقام الاهمال على خلاف مقتضى الاصل» العقلائي الذي كان بمقتضاه هو كون المطلق في مقام البيان لا الاهمال.

(1) ذكر في هامش الكتاب 20] وجه الاشارة بقوله فافهم، و حاصله: ان المتكلم اذا كان في مقام بيان ان المتيقن تمام مراده، فانه بعد ان لم ينصب قرينة على ارادة تمام افراد المطلق لا يكون قد اخل بغرضه، فبملاحظة التقييد قد فهم ان المتيقن تمام مراده، و إلّا لكان قد اخل بغرضه فيلزمه نصب قرينة على ان المطلق تمام مراده، نعم لو كان غرضه ان المتيقن مراد في قبال الاهمال و الاجمال المطلق لم يكن عليه نصب القرينة.

و لا يخفى ان هذا انما يتم فيما اذا ورد التقييد قبل وقت الحاجة فان كونه في مقام الاهمال لا مانع منه، اما اذا ورد التقييد بعد الحاجة فلا يمكن حمله على الاهمال للزوم القبح، بل لا بد من كونه في مقام البيان و لو بداعي ضرب القاعدة اذا حملنا المطلق على المقيد، و بداعي الجد اذا حملنا التقييد على افضل الافراد، و لذلك فان جل المطلقات التي ورد عليها التقييد قد احرز البيان فيها بالاصل العقلائي، و لو حملت على الاهمال لسقط الاطلاق فيها من رأس و لا يلتزمون بذلك.

ص: 332

و لعل وجه التقييد كون ظهور إطلاق الصيغة في الايجاب التعييني أقوى من ظهور المطلق في الاطلاق (1).

______________________________

(1) هذا وجه ثان لحمل المطلق على المقيد غير الوجه الاول، و هو كون الجمع اولى من الطرح لما تقدم من انه لا ينحصر الجمع بينهما بذلك، بل يمكن بحمل المقيد على افضل الافراد.

و توضيحه: ان المنافاة بين المطلق و المقيد هو بين اطلاقين: اطلاق المطلق في شموله لجميع الافراد و انه لا يختص بالفرد المقيد، و الاطلاق في المقيد بكون الوجوب فيه تعييني، فانه لو كان افضل الافراد لكان وجوب المقيد غير مختص به، و انه هو الواجب لا غير دون الفرد غير المقيد، فان اعتق رقبة اطلاق الوجوب التعييني فيه محفوظ، و انما الكلام في ان الوجوب التعييني فيه هل هو لخصوص فرده المقيد او يعم غيره؟ بخلاف الوجوب التعييني في اعتق رقبة مؤمنة، فانه اذا حملنا المطلق عليه كان الوجوب التعييني فيه محفوظا، و اذا حملناه على الاستحباب بمعنى كونه افضل افراد الواجب فالوجوب فيه ليس تعيينيا بل هو احد افراد الواجب لطبيعة المطلق و لكنه افضلها، و العقل يخير بينه و بين غيره من الافراد الخالية عن القيد.

فتبين: ان التنافي بين الاطلاق في المطلق و بين اطلاق صيغة الامر في المقيد في اقتضائه للوجوب التعييني، و ظهور صيغة الامر في المقيد في الوجوب التعييني اقوى من ظهور اطلاق المطلق، هذا اذا قلنا ان دلالة صيغة الامر على التعييني بالاطلاق، و اما اذا قلنا بالوضع او الانصراف فكونه اقوى مما لا ريب فيه، و الى ما قلنا اشار بقوله: «و لعل وجه التقييد» في حمل المطلق على المقيد كما هو المشهور و ترجيحه على احتمال الاستحباب في المقيد هو «كون ظهور اطلاق الصيغة في المقيد في» دلالته على «الايجاب التعييني اقوى من ظهور المطلق في الاطلاق».

ص: 333

و ربما يشكل بأنه يقتضي التقييد في باب المستحبات، مع أن بناء المشهور على حمل الامر بالمقيد فيها على تأكد الاستحباب (1)، اللهم إلا أن يكون الغالب في هذا الباب هو تفاوت الافراد بحسب مراتب المحبوبية (2)،

______________________________

(1) توضيحه: ان الداعي لحمل المطلق على المقيد في الواجبات هو عدم امكان اجتماع الوجوبين الفعليين في المقيد، فلا بد ان لا يكون فيه الا وجوب واحد، اما وجوب المطلق، او وجوب المقيد بما هو مقيد، و هذا المحذور موجود في المستحبات، فاذا ورد مستحب مطلق و مستحب مقيد، فبناء على مسلك المشهور في الواجبات من حمل المطلق على المقيد لا بد و ان يكون الحال كذلك في المستحبات من لزوم حمل المستحب المطلق على المستحب المقيد، مع ان عمل المشهور في المستحبات على خلاف ذلك، فان عملهم على ابقاء اطلاق المطلق و حمل الأمر في المقيد على تأكد الاستحباب، مع أن ما ذكرنا في وجه التقييد من كون ظهور الامر في التعييني اقوى من ظهور الاطلاق في المطلق و هذا الوجه موجود في المستحب المطلق و المستحب المقيد فان ظهور صيغة الامر في المقيد في الاستحباب التعيني اقوى من ظهور المطلق في الاطلاق، و لذا قال: «و ربما يشكل بانه يقتضي التقييد في باب المستحبات»: أي ان ما ذكرنا في التقييد و حمل المطلق على المقيد في الواجبين يقتضي ذلك في باب المستحبات «مع ان بناء المشهور» على عدمه فان بناءهم في المستحبات «على حمل الامر بالمقيد على تأكد الاستحباب».

(2) حاصله: هو الفرق بين المستحبات و الواجبات، فان الغالب في المستحبات ان تكون اوامرها لأجل الملاك الاستحبابي لا لفعليته، و ان الملاك فيها متفاوت لكثرة ذكر درجات الثواب فيها المتفاوتة، فاذا كانت الغلبة في المستحبات ذلك كان الأمر فيها واردا في هذا المعرض، فجهة الظهور فيها في التعييني بملاحظة هذه الغلبة تكون ضعيفة و تكون جهة الاطلاق في المطلق اقوى، فلذلك اختلف مسلك المشهور فيها

ص: 334

فتأمل (1). أو أنه كان بملاحظة التسامح في أدلة المستحبات، و كان عدم رفع اليد من دليل استحباب المطلق بعد مجي ء دليل المقيد، و حمله على

______________________________

عن مسلكه في الواجبات بالحمل في المستحبات على التأكد في الاستحباب دون حمل المطلق فيها على المقيد كما هو مسلكهم في الواجبات، و الى هذا اشار بقوله: «اللهم إلّا ان يكون الغالب»: أي ان ما اشكل على المشهور من لزوم حمل المطلق فيها على المقيد كالواجبات لقوة ظهور الصيغة في التعيينية لا يرد اذا كان الغالب «في هذا الباب»: أي باب المستحبات «هو تفاوت الافراد بحسب مراتب المحبوبية» فان الامر الوارد في هذا المعرض من الغلبة يكون ظهوره في التعيينية ضعيفا و ظهور المطلق في الاطلاق اقوى منه.

(1) لعله اشارة الى ما يمكن ان يورد من لزوم الدور، و حاصله: ان تقديم ظهور المطلق على المقيد موقوف على ضعف ظهور المقيد و ضعف ظهور المقيد موقوف على احراز هذه الغلبة في المستحبات، و احراز هذه الغلبة موقوف على تقديمهم لاطلاق المطلق على الظهور التعييني في المقيد.

و الجواب عنه: ان احراز الغلبة ليس موقوفا على تقديمهم لاطلاق المطلق لما عرفت من ان احراز الغلبة انما هي لتضمن اخبار المستحبات لدرجات الثواب المختلفة و لان كون الاوامر الاستحبابية ملاكية لا فعلية مما لا بد منه في الجملة، لصعوبة الالتزام بفعلية الاوامر الاستحبابية كلها، فان المستحبات الواردة في اعمال اليوم و الليلة او في ليلة القدر- مثلا- مما لا يفي بها الزمان، فالالتزام بفعلية الاستحباب مع كون الزمان مما لا يفي بها غير معقول.

و يحتمل ان يكون اشارة الى ان المشهور مسلكهم في المقامين واحد و هو حمل الامر في الواجبات و المستحبات على الملاك، و لكن الملاك في الواجبات يقتضي حمل المطلق على المقيد، فان الملاك الوجوبي في المقيد بما هو مقيد يقتضي العقاب على

ص: 335

تأكد استحبابه، من التسامح فيها (1).

______________________________

تركه، بخلاف الملاك الاستحبابي في المقيد بما هو مقيد حيث لا يقتضي العقاب فلا مانع من كون غيره فيه ملاك الاستحباب ايضا، و اللّه العالم.

(1) هذا جواب آخر عن الاشكال على المشهور في ان مسلكهم يقتضي كون عملهم في المستحبات على طبق عملهم في الواجبات في حمل المطلق على المقيد.

و حاصله: ان مسلكهم في المقامين واحد، و المطلق قد سقط عن الحجية في كونه بعنوانه الاطلاقي مستحبا بعد حمله على المقيد، إلّا ان المطلق بعد ان بلغنا على اطلاقه يكون مستحبا بعنوان من بلغ لا بعنوانه الاولى، فعملهم على الاستحباب في المطلق انما هو للعنوان الثانوي و هو عنوان من بلغ، فلذا لم يرفعوا اليد عن الاستحباب في المطلق في غير الفرد المقيد، و لازم ذلك عدم تأكد الاستحباب في الفرد المقيد، لوضوح ان من بلغ مورده ما لا دليل فيه على الاستحباب مما يشمله دليل حجية الخبر و المقيد مستحب بعنوانه المشمول لادلة حجية الخبر.

و الحاصل: ان عنوان من بلغ لا يجتمع مع العنوان الاستحبابي بعنوانه الخاص لان مورده جعل الاستحباب لما لا استحباب له، و المقيد قد جعل استحبابه بحسب شمول ادلة حجية الخبر له، و قد اشار الى ما ذكرنا بقوله: «او انه كان» عمل المشهور في البناء على الاستحباب في المطلق ليس من جهة الاختلاف في المسلك بل مسلكهم واحد في المقامين و انما كان ذلك «بملاحظة التسامح في ادلة المستحبات» بواسطة دليل من بلغ، لا لان مسلكهم في المستحبات على حمل الامر في المقيد على افضل الافراد «و كان عدم رفع اليد من دليل استحباب المطلق بعد مجي ء دليل المقيد و حمله على تأكد استحبابه» هذا معطوف على رفع اليد أي و كان عدم حمل الامر في المطلق على تأكد الاستحباب في المقيد «من التسامح فيها» هذا خبر كان أي كان عدم رفع اليد و عدم حمله من التسامح فيها.

ص: 336

استظهار وحدة التكليف من وحدة السبب و غيرها

ثم إن الظاهر أنه لا يتفاوت فيما ذكرنا بين المثبتين و المنفيين بعد فرض كونهما متنافيين، كما لا يتفاوتان في استظهار التنافي بينهما من استظهار اتحاد التكليف، من وحدة السبب و غيره، من قرينة حال أو مقال حسبما يقتضيه النظر (1)،

______________________________

و لا يخفى ان قوله و كان من التسامح فيها فيه نحو اشارة الى تمريض هذا الاحتمال لكون ادلة من بلغ موردها جعل الضعيف بحسب السند مستحبا بعنوان من بلغ، لا جعل الضعيف من ناحية الدلالة مستحبا، لوضوح دلالة قوله- و ان كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لم يقله- على ذلك.

(1) الغرض من هذا بيان عدم الفرق بين المطلق و المقيد فيما ذكرنا من ناحية كون الحكم فيهما حكما اثباتيا وجوبيا كاعتق رقبة و اعتق رقبة مؤمنة، او سلبيا تحريميا كلا تعتق رقبة و لا تعتق رقبة كافرة.

و عدم الفرق بينهما واضح فيما اذا كان التنافي بينهما لوحدة سبب الحكم، فان سبب الحكم اذا كان واحدا لا بد و ان يكون المسبب عنه و هو الحكم واحدا، و اذا كان واحدا فهو اما الحكم الاطلاقي او الحكم التقييدي، و كلما ذكر في التنافي بين المثبتين يجري في التنافي بين المنفيين، كما انه لا فرق بينهما في سبب التنافي و هو وحدة السبب فيما اذا ذكر السبب و كان واحدا فيهما، و فيما لم يذكر السبب و لكن قامت قرينة على وحدة الحكم فيهما.

و على كل فلا فرق بينهما اصلا فيما اذا كان السبب في التنافي هو وحدة الحكم فيهما و الى ما ذكرنا اشار بقوله: «ثم ان الظاهر انه لا يتفاوت فيما ذكرنا بين المثبتين و المنفيين ... الى آخر الجملة» و اشار الى عدم الفرق بينهما في ما يدل على وحدة الحكم، و انه تارة يكون وحدة السبب المذكور فيهما، و اخرى القرينة الدالة على وحدة الحكم بقوله: «كما لا يتفاوتان في استظهار التنافي بينهما من استظهار اتحاد التكليف وحدة السبب و غيره ... الى آخر الجملة».

ص: 337

فليتدبر (1).

تنبيه: لا فرق فيما ذكر من الحمل في المتنافيين، بين كونهما في بيان الحكم التكليفي، و في بيان الحكم الوضعي، فإذا ورد مثلا: إن البيع سبب، و إن البيع الكذائي سبب، و علم أن مراده إما البيع على إطلاقه، أو البيع الخاص، فلا بد من التقييد لو كان ظهور دليله في دخل القيد أقوى من ظهور دليل الاطلاق فيه، كما هو ليس ببعيد، ضرورة تعارف ذكر المطلق و إرادة المقيد- بخلاف العكس- بالغاء القيد، و حمله على أنه غالبي، أو على وجه آخر، فإنه على خلاف المتعارف (2).

______________________________

(1) لعله اشارة الى ان عدم الفرق بين المطلق و المقيد الايجابيين و المطلق و المقيد التحريميين انما هو اذا كان التنافي بينهما لوحدة الحكم، و اما اذا كان السبب في التنافي هو اجتماعهما لاستلزامه اجتماع المثلين و ان تعدد السبب فيهما، و كان السبب للحكم في المطلق غير السبب في المقيد، و لكن حيث لا يعقل اجتماع المثلين فلا بد و ان يكون الحكم في المقيد واحدا و هو اما الحكم الاطلاقي أو الحكم التقييدي، و اذا كان التنافي لهذا فيمكن الفرق بين المثبتين و المنفيين، فان الايجابيين اذا كانا بدليين ففي مورد الاجتماع يمكن ان يراد من المطلق فرد بدلي آخر غير المقيد، و لا بدلية في التحريميين لان الترك شي ء واحد فلا يعقل ان يراد من المطلق فرد آخر.

و هناك فرق آخر بينهما- ايضا- و هو انه في المثبتين يمكن الحمل على افضل الافراد لاختلاف مراتب المحبوبية، و في التحريميين لا يمكن ذلك لان اقل مراتب التحريم هو ما يوجب العقاب على فعله.

(2) حاصله: انه لا فرق في التنافي بين المطلق و المقيد بعد ما علم كون الحكم فيهما واحدا بين كونهما متضمنين لحكم تكليفي كاعتق رقبة و اعتق رقبة مؤمنة، او كانا متضمنين لحكم وضعي كبع و بع بالعقد مثلا، فانه بعد ما علم ان الحكم فيهما واحد

ص: 338

.....

______________________________

و يدور امره بين كونه هو الحكم المطلق فيكون دليلا على صحة كل بيع او انه خصوص الحكم المقيد فلا تكون له دلالة على صحة غيره من البيوع.

و لا يستبعد المصنف ان الحال فيه كالحال في الحكم التكليفي من حمل المطلق على المقيد، لكن الموجب عنده هنا لكون ظهور المقيد اقوى من ظهور المطلق غير الوجه الذي ذكره في الحكم التكليفي، فان المقتضي هنا لتقديم ظهور المقيد على المطلق هو تعارف شيوع المقيد بعد المطلق و ان المقيد هو المراد بالمطلق، فظهور التقييد في المقيد في كونه تأسيسيا لا ينبغي رفع اليد عنه لان اطلاق المطلق و ارادة المقيد منه متعارف، بخلاف العكس بان يكون الحكم هو الحكم الاطلاقي، و ذكر القيد في المقيد لا بد ان يكون محمولا على انه الفرد الغالب او لمزيد الاهتمام به.

و على كل فلازمه الغاء القيد من ناحية دخالته في الحكم فانه بعيد، و ليس كذلك ذكر المطلق و ارادة المقيد منه المقتضي لدخالة القيد في الحكم، و قد اشار الى سبب تقديم المقيد على اطلاق المطلق بعد قوله: «فلا بد من التقييد لو كان ظهور دليله في دخل القيد اقوى من ظهور دليل الاطلاق ...» بقوله: «ضرورة تعارف ذكر المطلق و ارادة المقيد» فان هذا هو العلة في التقديم «بخلاف العكس» و هو تقديم اطلاق المطلق على دخالة القيد الذي لازمه الالتزام «بالغاء القيد» في المقيد «و حمله على انه غالبي او على وجه آخر» لكونه موضع الاهتمام فانه على خلاف المتعارف، بخلاف ذكر المطلق و ارادة المقيد منه فانه من المتعارف.

و لا يخفى انه بعد ان كان السبب في التقديم هنا غير ما ذكره من الوجه في المثبتين المتضمنين للحكم التكليفي من كون ظهور المقيد في كونه تعيينيا اقوى من ظهور الاطلاق في المطلق.

لا ينبغي الاشكال على المصنف من كون الحكم الوضعي في المطلق في المثبتين استغراقيا، ففي كل فرد من افراد البيع حكم تعييني فلا يكون لتقديم المقيد عليه من حيث ظهوره في التعيينية وجه، لانك قد عرفت ان الوجه هنا ليس التقديم لأجل

ص: 339

اختلاف نتيجة مقدمات الحكمة

تبصرة لا تخلو من تذكرة، و هي: إن قضية مقدمات الحكمة في المطلقات تختلف حسب اختلاف المقامات، فإنها تارة يكون حملها على العموم البدلي، و أخرى على العموم الاستيعابي، و ثالثة على نوع خاص مما ينطبق عليه حسب اقتضاء خصوص المقام، و اختلاف الآثار و الاحكام، كما هو الحال في سائر القرائن بلا كلام. فالحكمة في إطلاق صيغة الامر تقتضي أن يكون المراد خصوص الوجوب التعييني العيني النفسي (1)، فإن إرادة غيره تحتاج إلى مزيد بيان، و لا معنى لارادة الشياع

______________________________

تعيينية المطلق، بل هو كون ذكر المطلق و ارادة المقيد من المتعارف، بخلاف رفع اليد عن دخالة القيد فانه ليس من المتعارف.

(1) حاصلها ان مقدمات الحكمة تختلف بحسب الموارد و المناسبات فقد تقتضي العموم البدلي كاعتق رقبة، فانه لا يعقل ان يراد به العموم الاستيعابي لعدم القدرة على عتق كل رقبة، و ارادة عتق رقبة خاصة من انواع الرقبة أو اصنافها يحتاج الى بيان لا يفي به قوله اعتق رقبة، و الاهمال خلاف الغرض لكونه بصدد البيان فتكون النتيجة هي العموم البدلي.

و قد تقتضي المناسبة لكونه في مقام بيان العموم الاستيعابي كما سيشير اليه في مثل الآية المباركة: وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ 21].

و قد تقتضي المناسبة نوعا خاصا من العام كمقدمات الحكمة الجارية في صيغة الامر فانها تقتضي كون الوجوب تعيينيا دون الاعم منه و من الوجوب التخييري و عينيا دون الاعم منه و من الكفائي، و نفسيا دون الاعم منه و من الغيري كما مر ذكره مفصلا في باب الصيغة، و الى ما ذكرنا اشار بقوله: «فانها»: أي قضية

ص: 340

فيه، فلا محيص عن الحمل عليه فيما إذا كان بصدد البيان، كما أنها قد تقتضي العموم الاستيعابي (1)، كما في أحل اللّه البيع و حرم الربوا إذ إرادة البيع مهملا أو مجملا، تنافي ما هو المفروض من كونه بصدد البيان، و إرادة العموم البدلي لا يناسب المقام، و لا مجال لاحتمال إرادة بيع اختاره المكلف، أي بيع كان، مع أنها تحتاج إلى نصب دلالة عليها، لا يكاد يفهم بدونها من الاطلاق (2)، و لا يصح قياسه على ما إذا أخذ في

______________________________

مقدمات الحكمة لاختلاف المقامات فيها و المناسبات «تارة يكون حملها» لازما «على العموم البدلي و اخرى على العموم الاستيعابي و ثالثة على نوع خاص مما ينطبق عليه» المطلق كالوجوب التعييني العيني النفسي الذي ينطبق الوجوب المطلق عليه.

(1) أي ان ارادة غير هذا النوع من الوجوب كخصوص الوجوب التخييري او الكفائي او الغيري يحتاج الى مزيد بيان و قيد زائد، لان كلا منها قيد وجودي يحتاج الى بيان كما مر تفصيله في محله في باب الصيغة، و ارادة المطلق الشامل لجميع انواع الوجوب غير معقول لان قيودها من المتقابلات التي لا يمكن الجمع بينها، و لذا قال:

«و لا معنى لارادة الشياع فيه» اذا كان في غير مقام التشريع كما هو المفروض «فلا محيص عن الحمل عليه»: أي علي هذا النوع الخاص من الوجوب و هو التعييني العيني النفسي «فيما اذا كان بصدد البيان» لنوع من الوجوب لا في مقام التشريع و انه هناك وجوب قد شرع.

(2) فانه في هذا المقام لا بد و ان تكون مقدمات الحكمة مقتضية للعموم الاستيعابي و هو حلية كل بيع، لان المحتملات اربعة فاذا انتفت ثلاثة منها يتعين الرابع.

الاول: ان يكون في مقام الاهمال أو الاجمال و هذا خلاف الفرض، لان المفروض كونه في مقام البيان و الى هذا اشار بقوله: «اذ ارادة البيع مهملا و مجملا تنافي ما هو المفروض ... الى آخر الجملة».

ص: 341

متعلق الامر، فإن العموم الاستيعابي لا يكاد يمكن إرادته، و إرادة غير العموم البدلي، و إن كانت ممكنة، إلا أنها منافية للحكمة، و كون المطلق بصدد البيان (1).

______________________________

الثاني: ان يكون قد اراد العموم البدلي و هو لا يناسب الاحلال في الحكم الوضعي، لان لازمه ان يختص الاحلال بفرد واحد من افراد البيوع، و هذا انما يناسب مقام الامتثال و ان اتيان أي فرد من الافراد يقع به الامتثال، و الى هذا اشار:

«و ارادة العموم البدلي لا يناسب المقام».

الثالث: ان يكون قد اراد احلال البيع الذي يختاره المكلف، و الفرق بينه و بين العموم البدلي ان البيع الذي يختاره المكلف بعد اختياره له يكون الاحلال له معينا، بخلاف العموم البدلي فانه لو اختار فردا لا يكون هو الفرد المعين، و لا مجال لهذا الاحتمال لان الآية واردة في مقام الامتنان و هو يقتضي احلال كل بيع لا بيعا خاصا.

مضافا الى انه لو كان هذا هو المراد بالاحلال لاحتاج الى بيان وصف الاختيار، فان نفس طبيعة البيع المدلولة للفظ البيع لا تدل على وصف الاختيار لطبيعة البيع فلا بد من البيان له لو اراده، و الى هذا اشار بقوله: «مع انها تحتاج الى نصب دلالة عليها لا يكاد يفهم بدونها ... الى آخر الجملة».

(1) حاصله: انه فرق بين وقوع الطبيعة في تلو الامر و بين وقوعها لبيان الحكم الوضعي، مثلا لو وقعت طبيعة البيع مأمورا بها كأن يقول المولى آمرا بع و يريد ايجاد طبيعة البيع، فان مناسبة مقدمات الحكمة تقتضي العموم البدلي دون الاستيعابي، لوضوح عدم امكان ايجاد كل بيع، و لو اراد بيعا خاصا لبينه فيتعين ارادة العموم البدلي لطبيعة البيع و اي فرد من افراد البيع اوجده المكلف يكون ممتثلا.

اما اذا وقع لبيان الحكم الوضعي فان مناسبة مقدمات الحكمة تقتضي الاستيعابي، لانه وارد في مقام المنة و لا يناسبها إلّا كون الاحلال لكل بيع، و قد اشار الى هذا الفرق و ان البيع مثلا الواقع بصيغة الامر المطلوب به وجوب ايجاد الطبيعة

ص: 342

المجمل و المبين

اتصاف المفرد بالاجمال و البيان كاتصاف الجملة فيها

فصل في المجمل و المبين و الظاهر أن المراد من المبين في موارد إطلاقه، الكلام الذي له ظاهر، و يكون بحسب متفاهم العرف قالبا لخصوص معنى، و المجمل بخلافه، فما ليس له ظهور مجمل و إن علم بقرينة خارجية ما أريد منه، كما أن ما له الظهور مبين و إن علم بالقرينة الخارجية أنه ما أريد ظهوره و أنه مؤول، و لكل منهما في الآيات و الروايات، و إن كان أفراد كثيرة لا تكاد تخفى، إلا أن لهما أفرادا مشتبهة وقعت محل البحث و الكلام للاعلام، في انها من أفراد أيهما؟ (1) كآية السرقة،

______________________________

يناسبه العموم البدلي دون الاستيعابي بقوله: «فان العموم الاستيعابي لا يكاد يمكن ارادته و ارادة غير العموم البدلي» بان يريد نوعا خاصا او البيع الذي يختاره المكلف «و ان كانت ممكنة» اذ لا محالية فيها «إلّا انها منافية للحكمة» لو كان قد ارادها لانها تحتاج الى قرينة و المفروض انه لا قرينة فيلزم الاخلال بالغرض «و كون المطلق بصدد البيان» كغرضه بخلاف ما لو وقعت طبيعة البيع في مقام بيان الحكم الوضعي، فان المناسبة تقتضي الاستيعاب لو روده في مقام الامتنان.

(1) هل المجمل و المبين وصفان للفظ باعتبار ظهوره و عدم ظهوره، ام انهما وصفان له باعتبار المعنى و ما اريد منه و ان لم يكن له ظهور فيه بحسب متفاهم اهل العرف؟

و مختار المصنف الاول و لذا قال: «فما ليس له ظهور مجمل و ان علم بقرينة خارجية ما اريد منه» و السبب في التقييد للقرينة بكونها خارجية هو وضوح كون الكلام الذي ليس له ظهور و لكنه تتصل به قرينة تعين معناه هو من المبين، لان المراد من الظهور للفظ ما يعم دلالته عليه بنفسه او بقرينة متصلة به، فانه بعد اتصاله بالقرينة يصدق على الكلام المتصل بالقرينة المبينة لمعناه انه مما له ظهور، بخلاف القرينة المنفصلة عنه بعد تمام ما لكلام المتكلم من الشئون، فانها بقيامها على تعيين ما اريد به لا يصدق على ذلك الكلام انه له ظهور قالبى للمعنى، بل هو مجمل قد

ص: 343

و مثل حرمت عليكم أمهاتكم و أحلت لكم بهيمة الانعام مما أضيف التحليل إلى الاعيان (1) و مثل لا صلاة

______________________________

فسر ما اريد به و قد تعيّن المراد منه و لكن اللفظ بعد قيام القرينة الخارجية لا ينقلب عما هو عليه من كونه كلاما ليس واضح الدلالة على معناه «كما ان ما له الظهور مبين» و يصح وصفه بانه كلام تام القالبية في الدلالة على معناه «و ان علم بالقرينة الخارجية انه ما اريد ظهوره و انه مؤول» على خلاف ما هو ظاهر فيه.

و الظاهر من التقريرات هو الثاني، و ان وصف المبين و المجمل تابعان لما اريد منه فينعكس الامر و يكون الكلام الذي ليس له ظهور بحسب ما للفظ من المتفاهم العرفي من المبين اذا قامت قرينة خارجية تعيّن المراد منه.

و المبين الذي قامت القرينة الخارجية على انه مؤول من المجمل.

و لم يشر المصنف الى دليل مختاره و الظاهر ان المجمل و المبين من صفات اللفظ بحسب ما له من الدلالة و القالبية للمعنى و هو كالمحكم و المتشابه في الذكر الكريم، فان المتشابه متشابه و ان فسر.

و بعبارة اخرى: ان تعيين المراد الجدي من اللفظ غير كون اللفظ له قالبيّة المعنى، فانها من شئون الارادة الاستعمالية، و الارادة الجديّة غير مربوطة بالدلالة اللفظية الاستعمالية، و لو كان الاجمال و البيان من صفات الارادة الجدية لكان وصف اللفظ به من باب الوصف بحال متعلقه لا بحال نفسه، لان المجمل و المبين في الحقيقة هو المراد الجدي دون المراد اللفظي الاستعمالي، و الوصف بحال المتعلق خلاف الظاهر لا سيما بعد ان كان الوصف بحال النفس ممكنا لا مانع عنه.

(1) و هي قوله تعالى: وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما(1) و حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ 23] و أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ 24] هذه الآيات المكرمة الثلاث وقع

ص: 344


1- 22. ( 1) المائدة: الآية: 38.

إلا بطهور (1).

______________________________

فيها الكلام في انها من مصاديق المجمل أو انهن من المبين؟

و ادعي الاجمال في آية السرقة من ناحيتين: الاولى: في اليد و انها هل هي الكف الى مفصل الساعد، او انها الكف و الساعد الى المرفق، او انها الكف و الساعد و العضد الى المنكب؟

الثانية: من ناحية القطع هل المراد به قطع العضو كله او قطع بعضه كما في قوله اقطع الحبل، فانه يصدق قطعه بقطع أي جزء منه.

و قد اجاب مدعى انها من المبيّن بان الظاهر من اليد هي المفصل للمجموع المتصل بالمنكب، فالكف و الساعد و العضد كلها هي اليد.

و اما القطع فبان قطع الحبل غير قطع اليد، فان الحبل المنتهى بطرفيه يصدق القطع فيه بقطع أي جزء منه، بخلاف مثل اليد العضو المتصل بعضو آخر، فان الظاهر منه قطع العضو من مفصله المتصل بغيره من الاعضاء، فالقطع المتعلق باليد ظاهر في قطعها من المنكب، و يدل على هذا ان الحبل المتصل بغيره من خشبة او جدار اذا امر بقطعه يكون ظاهرا في قطعه من محل اتصاله بغيره.

و اما الآيتان الشريفتان و هما آية التحريم و آية التحليل، فمدعي الاجمال فيهما يقول انه حيث لا يعقل تحريم نفس الاعيان لان الاحكام متعلقها الافعال لا الاعيان، فلا بد و ان يكون هناك مقدر من الافعال المتعلقة بهذه الاعيان يتسلط عليها التحريم و التحليل، و حيث لا ذكر له فالآيتان بالنسبة اليه مجملتان.

و مدعي أنهما من المبيّن يقول: ان الظاهر منهما بحسب المتفاهم العرفي واضح، لان المقدر في آية تحريم الامهات هو نكاحهن لا لمسهنّ، و في آية التحليل هو التصرف فيهن من أكل و غيره.

(1) وقع الكلام في هذه الرواية هل انها من المجمل أو المبين؟ و المراد منها في الرواية ليست هي الصلاة الفاسدة قطعا، و لكن هل المقدّر وصفا للصلاة المنفية هو وصف

ص: 345

الاجمال و البيان وصفان اضافيان

و لا يذهب عليك أن إثبات الاجمال أو البيان لا يكاد يكون بالبرهان، لما عرفت من أن ملاكهما أن يكون للكلام ظهور، و يكون قالبا لمعنى، و هو مما يظهر بمراجعة الوجدان (1)، فتأمل (2).

ثم لا يخفى أنهما وصفان إضافيان، ربما يكون مجملا عند واحد، لعدم معرفته بالوضع، أو لتصادم ظهوره بما حف به لديه، و مبينا لدى الآخر، لمعرفته و عدم التصادم بنظره، فلا يهمنا التعرض لموارد الخلاف و الكلام و النقض و الابرام في المقام (3)، و على اللّه التوكل و به الاعتصام.

______________________________

الكمال او وصف الصحة، فهل المراد لا صلاة صحيحة او لا صلاة كاملة إلّا بالطهور؟ و ليس في الرواية ما يدل على تعيين الوصف فتكون الرواية من المجمل و مدعى كونها من المبين ان المقدر بحسب المتفاهم العرفي المناسب لنفي الحقيقة هو وصف الصحة دون وصف الكمال.

(1) حاصله: ان كون الكلام له ظهور او ليس له ظهور من القضايا الوجدانية و ليست من القضايا البرهانية العقلية، فالاستدلال على اثبات البيان او الاجمال بالدليل العقلي لا مساغ له كما سلكه بعضهم.

(2) لعله يشير الى ان المراد بالدليل العقلي هو ما يعم الارتكازي النفسي الذي تكون المقدمات البرهانية اخراجا لما هو المرتكز النفسي.

(3) توضيحه ان وصف الاجمال و البيان، تارة بملاحظة اللفظ باعتبار وصف نفس اللفظ بهما، و في هذا المقام هما وصفان واقعيان لا اضافيان، لان الكلام الذي له ظهور في الواقع هو من المبين و الذي لا ظهور له في الواقع هو من المجمل، و اخرى بملاحظة وصف اللفظ به عند الشخص لما عرفت من ان الوجدان هو الطريق الى معرفة الاجمال و البيان، و انظار الاشخاص بحسب اختلاف وجدانهم يوجب اختلاف الوصف من ناحية كونه مجملا عند هذا الشخص و مبينا عند غيره.

ص: 346

.....

______________________________

و قد اتضح مما ذكرنا: انه لا منافاة بين كلامه في صدر الفصل بان المبين ما له ظهور و المجمل ما لا ظهور له الظاهر في كونهما وصفين واقعيين و بين قوله انهما وصفان اضافيان، فان كلامه الاول باعتبار الملاحظة الاولى، و كلامه الثاني باعتبار الملاحظة الثانية.

انتهى بحمد اللّه و توفيقه الشرح للجزء الاول، و نستمد من لطفه و منه، و نستعين بحوله و قوته جل و علا على اتمام شرح الجزء الثاني، و هو ولي التوفيق، فله الحمد و له الشكر بما يليق لما لا يتناهى من عزته و جلاله، و الصلاة و السلام على خير خلقه اجمعين حبيبه و خاتم رسله و آله أوصيائه و أمنائه الذي بهم كمال دينه و اتمام نعمته، في يوم الثلاثاء السادس و العشرين من صفر سنة الالف و الثلاثمائة و التاسعة و السبعين من الهجرة، و الحمد للّه رب العالمين.

ص: 347

ص: 348

الفهرس

ص: 349

ص: 350

الجمع بين الشروط المتعددة بطرق مختلفة 1

تداخل المسببات 4

التصرف في الشرط بناء على التداخل بوجوه 9

عدم ابتناء التداخل على معرفية الاسباب الشرعية و مؤثريتها 23

تفصيل الحلى و ردّه 27

مفهوم الوصف حجة مفهوم الوصف و المناقشة فيها 31

تحرير محل النزاع 42

مفهوم الغاية 46

الفرق بين كون الغاية قيدا للحكم أو للموضوع 47

دخول الغاية في المغيى و عدمه 53

مفهوم الاستثناء مفاد أدوات الاستثناء 54

مفاد كلمة الاخلاص 57

دلالة «انما» على الحصر 65

دلالة «بل» على الحصر 67

افادة المسند اليه المعرف باللام للحصر 70

مفهوم اللقب و العدد 74

المقصد الرابع في العام و الخاص تعريف العام 81

أقسام العام 84

خروج أسماء الاعداد عن تعريف العام 86

ص: 351

الفاظ العموم و الخصوص 88

دلالة النكرة في سياق النفي أو النهي على العموم 93

افادة المحلى باللام للعموم 98

المخصص المتصل و المنفصل 101

دليل النافي لحجية العام بعد التخصيص مطلقا و الجواب عنه 101

الفرق بين المخصص المتصل و المنفصل 109(1)

بداية الوصول في شرح كفاية الأصول ؛ ج 4 ؛ ص352

م التقريرات و الاشكال عليه 110

المخصص اللفظي المجمل مفهوما 116

الشبهة المصداقية 122

المخصص اللبي 128

احراز المشتبه بالاصل الموضوعي 136

التمسك بالعام في غير الشك في التخصيص 143

توجيه نذر الاحرام قبل الميقات و الصوم في السفر 154

مورد حجية أصالة العموم 160

العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص 165

الفحص اللازم عن المخصص في العمل بالعام 169

الفرق في الفحص بين الاصول اللفظية و العملية 172

الخطابات الشفاهية 175

لا يصح توجيه الخطاب الى الغائب و المعدوم 178

وضع أدوات النداء للخطاب الانشائي 183

ثمرة خطابات المشافهة 193

ما المراد بالاتحاد في الصنف؟ 201

ص: 352


1- 25. آل شيخ راضى، محمد طاهر، بداية الوصول في شرح كفاية الأصول - قم، چاپ: دوم، 1426 ق.

الحاجة الى التمسك باطلاق الخطاب 203

تعقب العام بضمير يرجع الى بعض افراده 206

ترجيح أصالة العموم على أصالة عدم الاستخدام 211

التخصيص بالمفهوم المخالف 215

الاستثناء المتعقب لجمل متعددة 221

تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد 229

أدلة المانعين 232

تعارض العام و الخاص 243

حقيقة النسخ 257

البداء 264

ثمرة النسخ و التخصيص 270

المقصد الخامس في المطلق و المقيد و المجمل و المبين تعريف المطلق 275

الالفاظ التي يطلق عليها المطلق 1. اسم الجنس 282

2. علم الجنس 284

الفرق بين اسم الجنس و علمه 285

المفرد المحلى باللام 288

الجمع المحلى باللام 296

النكرة 299

المطلق المشهوري الاصولي 302

ص: 353

مقدمات الحكمة 308

المراد بالبيان في المقدمة الاولى 314

تأسيس الاصل عند الشك في ورود المطلق في مقام البيان 316

الانصراف و أنواعه 318

اذا كان للمطلق جهات عديدة 323

المطلق و المقيد المتنافيان 325

المناقشة في كلام التقريرات 329

استظهار وحدة التكليف من وحدة السبب و غيرها 337

اختلاف نتيجة مقدمات الحكمة 340

المجمل و المبين اتصاف المفرد بالاجمال و البيان كاتصاف الجملة فيها 343

الاجمال و البيان وصفان اضافيان 346

الفهرس 351(1)

ص: 354


1- 26. آل شيخ راضى، محمد طاهر، بداية الوصول في شرح كفاية الأصول - قم، چاپ: دوم، 1426 ق.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.